مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات محكمة

مباني التوسط في أصلي الاعتقاد والعمل «تأملات نقدية»

الحمد لله السابق قضاؤه السابغ عطاؤه، حمدا ينظم عقود النعم وقلائدها؛ إذ لله سبحانه نعم يفوت أدناها أقصى الآمال، ويفوق عفوُها جهد الأعمال، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى الآل والصحب الكرام، ومن تبعهم إلى يوم الجمع والوئام.

أما بعد ذلك فليكن المفتتح من قوله تعالى: ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ ليتبدى على سبيل من اليقين أن رب العالمين تولى أمره تشريعا وتنظيما، كما تولى خلقه تصويرا وتقويما فتبارك الله رب العالمين، خلقا وملكا وعبيدا، إيجادا وتربية وإنعاما، فكلاهما موضوع بالقسطاس على السبيل الأوسط الأعدل، بالعلم الأفيح المطلق، وبينهما من التلازم ما به ينفعل الآخر بالفعل في أحدهما سلبا وإيجابا، ولذلك وقع النكير والتحذير،  بعد الإحكام والتقدير، من الاعتداء في «الأمر» ابتداعا واعتسافا، والإفساد في «الخلق» تبذيرا وإسرافا، فقيل: ﴿إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾  إنما السبيل فيهما توقف عما حد بمقدار في مجالهما ﴿تلك حدود الله فلا تعتدوها﴾([1])

فالخلق بمقدار يتراءى لائحا في الكون برمته؛ إذا أنعمت البشرية النظر، وأدأبت الفكر؛ لأنه مقدور «بمعادلة رياضية ربانية بالغة الإحكام، فنسبةُ مقدار ذرة الهيدروجين ـ مثلا ـ إلى ذرة الأوكسجين نسبةٌ في غاية من الدقة والإحكام، وأي زيادة أو نقصان/ إفراط أو تفريط فيها سينتهي بالماء إلى اضمحلال ، وتلك الداهية بالنسبة للحياة والأحياء» ([2])

والأمر بمقدار تدركه العلماء الراسخون في مكيث اقتراء وطول ابتحاث محكما موزونا لا تنبغي له الزيادة فيه، ولا النقصان من نُظُمه وأحكامه، وأيُّ تقصد إلى الأمرين أو أحدهما لَيًّا لكلياته، وتعسفا في قواعده: إن تفهما للخطاب، أو ادراكا للمناط، أو تنزيلا للنِّسَب يكون الإفساد فيه تفريطا أو إفراطا: عقيدة وأخلاقا وتشريعا؛ ليستحيل اعتداء على الخلق فوضى وتدميرا. ﴿وكل شيء عنده بمقدار﴾.

وذلك معنى الوسطية الذي يقابله طرفان: إفراط وغلو، وطغيان، أو تفريط ونقصان: ويجمعهما معنى التطرف الذي يأنف الوسط، ويألف محال التغيير والشطط: وأشده ما كان بالنظر والاستدلال تأصيلا وتنزيلا:  ﴿فأما الذين في قلوبهم زيغ.. والراسخون في العلم يقولون ء امنا به كل من عند ربنا﴾: فثمة زيغ في المنهج يفضي إلى تطرف في الاعتقاد والعمل؛ وهناك رسوخ يرسو شامخا في ثبات وأمل. وذلك ما يبغيه هذا المحفل الأثيل من مدارسة الجهاد مفهوما ومقاصد، ضوابط وقواعد؛ ترسيخا للمأثور الوسط، ودفعا للوافد الشطط.

وهذه كلمات تتناوش منهج الوسطية سبيلا لدفع الغلو ومواجهة التطرف، آثرتِ النأيَ عن زاخر تراث في الموضوع أشبع بحثا ومدارسة إلى حد التكرار والاجترار؛ لتلتفت بالمفاتشة إلى مطوي ذكر في الاعتقاد والعمل؛ تبغي بها التثوير تشوفا لتأصيل المنهج الوسط والمهيع الأعدل، فكانت سمتها: «مباني التوسط في أصلي الاعتقاد والعمل: (تأملات نقدية)»: تمهدت في مقدمة ومبحثين: الأول: تغيى قضايا من أصول الدين في مطلبين: الأول: في مبتحثه ومجاله، والثاني في إيمان المقلدة والواجب أولا عقيدة.   والثاني ابتغى قضايا من أصول العمل في مسألتين: الأولى في مراتب التصرف، والثانية في سنة الترك.

وقد يُظن بها النأي عما نحن بسبيله من دفع الغلو، وإيثار التوسط، بيد أنها لبُّه وأس ابتنائه، ولكثرة وسائطها زُنَّت بادئ الرأي به. وهذا أوان الشروع:

المبحث الأول: من قضايا أصول الدين:

وانتخل من منثور قضاياه الشائكة، التي ترتد إفراطا أو تفريطا جراء الزيغ في التصورات والتصديقات إشكالاتٍ على المنهج الأوسط في حماية البيضة، وصيانة المهج قضيتان: أولاهما في موضوعه ومجاله، والثانية: في أول ما يجب فيه نظرا أو تقليدا:

المطلب الأول: في مجال علم التوحيد: وهو علم قائم بذاته، مزايل لسائر العلوم دونه؛ لما استبد به ـ على المظنون ـ من مهماته ومسائله؛ وبذلك تتمايز العلوم في أنفسها، وعند طالبيها مزيد امتياز؛ فلا يقع لبس في محالها، ولا خلط في مطلوباتها؛ قد يؤول خُلفا بين أربابها، يُثمر شقاقا بينهم جرحا وتبديعا في نتائجها، وذلك عين الواقع تفصيلاً فيما يُزعم بين مدرستين في أصولها: فالمدرسة الأولى: ترى أن المبتحث في العقيدة والكلام ثلاثةُ أصول: الإلهيات والنبوات والمعاد. غير أنهم قصروا النظر في أصل الإلهيات على ما يئل إلى ذات الرب سبحانه وأفعالِه، دون أوبٍ بالتقرير ولو إيماءً إلى ما تراه المدرسةُ الثانية لبَّ التوحيد ومرتامه، توحيد الرب بأفعال العباد. ولنجتب جملا أربعا دلائلَ على المروم/ المزعوم في مدرسة الأشاعرة والمتكلمين:

الجملة الأولى: تعريف التوحيد: وهو «.. في أصل اللغة عبارة عما به يصير الشيء واحدا، كما أن التحريك عبارة عما به يصير الشيء متحركا، والتسويد عبارة عما به يصير الشيء أسود، ثم يُستعمل في الخبر عن كون الشيء واحدا، لما لم يكن الخبر صدقا إلا وهو واحد، فصار ذلك كالإثبات» ([3] فهذا أصله لغة، لكنه في اصطلاح المتكلمين «العلم بأن الله تعالى واحد لا يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفيا وإثباتا على الحد الذي يستحقه، والإقرارُ به» ([4])  فأنت ترى أن المراد هـهنا من التوحيد أمران:الذات العلية، وصفاتُها علماً وإقراراً، وذلك ما قرره العضد في المواقف بقوله شارحا تعريف «علم الكلام»: «والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، فإن الأحكام المأخوذة من الشرع قسمان:  أحدهما ما يقصد به نفس الاعتقاد كقولنا: الله تعالى عالم قادر سميع بصير، وهذه تسمى اعتقادية وأصلية وعقائد، وقد دُون علم الكلام لحفظها.  والثاني: ما يقصد به العمل كقولنا: الوتر واجب والزكاةُ فريضة، وهذه تسمى عملية وفرعية وأحكاما ظاهرية وقد دون علم الفقه لها»([5]) وهو الظاهر من صنيعهم؛ إذ الإلهيات عند هذه المدرسة لا تعني سوى تقرير حدوث العالم، وإثبات الصانع، وما يجب له وما يمتنع عليه، وما يجوز في حقه، ولستَ واجدا في كتبهم احتفاء بتوحيد العبادة، ولا تقريرا لمسائله وفروعه، وهذا ما تؤكده الجملة الثانية في موضوعه.

الجملة الثانية: موضوع علم العقائد: ولنقتصر هـهنا على كتاب المواقف؛ لأنه؛ لتأخره واستيعابه كان الصياغةَ المثلى لمذهب الأشاعرة، بز به صاحبه المجلي والمصلي في مضماره؛ فكانت له وافر الحظوة، بكثرة شروحه، وتواتر حواشيه، وتعيينه دهوراً مقررا دراسيا في المعاهد والجامعات دون غيره. ولقد ابتُنى هذا العلقُ النفيس على مواقف ست، تنشطر إلى مراصد متفرعةٍ في مقاصد، تقصد بالموقف الأول المقدمات، وبالثاني أمورا عامة في الميتافيزقيات، وجعل الثالث للأعراض، واختص الخامسُ وهو مطلوبنا بالإلهيات، قرر من خلالها إثبات الصانع، وما يجب أو يمتنع أو يجوز في حقه من الصفات، مردفا ذلك بالقدَر وما إليه. أما الموقف الأخير فللسمعيات من نبوة وإمامة ومعاد.

فهذي أمات العلم وما تفرع عنها، ليس فيها إشارة إلى توحيد الألوهية والعبادة، وذلك ما أوضحه العضد ذاته تفصيلا في المقصد الثاني من الموقف الأول تقريراً لموضوع علم الكلام المرضي عنده بقوله: و«مسائل هذا العلم: إما عقائد دينية كإثبات القدم والوحدة للصانع وإثبات الحدوث وصحة الإعادة للأجسام. وإما قضايا تتوقف عليها تلك العقائد كتركب الأجسام من الجواهر الفردة..»، مردفا مرضيه بمرذوله قائلا: وقيل: إن « موضوعه ذاتُ الله تعالى؛ إذ يُبحث فيه عن أعراضه الذاتية أعني عن صفاته الثبوتية والسلبية، وعن أفعاله إما في الدنيا كحدوث العالم، وإما في الآخرة كالحشر للأجساد، وعن أحكامه فيهما كبعث الرسول ونصب الإمام في الدنيا، والثواب والعقاب في الآخرة». قال: «وفيه نظر»([6]) وكلاهما على ما يبدو لك من توحيد الألوهية خلي، وعن مسائله عري، يؤيد ذلك العمل، ويعضده الصنيع، ويؤازه نتيجةً للتصور الشرحُ والتفسير.

الجملة الثالثة: وهي كالنتيجة لما سلف، إذ أجاءهم تصورُ التوحيد في الذات والأفعال إلى تفسير كلمة اسم الجلالة « الله» على ذات المعنى، ولنشر في اقتصار إلى ما قرره الإمام البيهقي في الأسماء والصفات، نقلا عن إمام ما وراء النهر أبي عبد الله الحليمي الشافعي قال:« ومعناه: القديم التام القدرة؛ فإنه إذا كان سابقا لعامة الموجودات كان وجودها به، وإذا كان تام القدرة أوجد المعدوم، وصرف ما يوجده على ما يريده، فاختص لذلك باسم «الإله».«، وما قد يتبادر من معنى العبودية في كلمة «الإله» ظاهراً إنما سبيلُه الالتزام لا المطابقة؛ ولذلك قال توجيهاً في معنى الرد للمتبادر: «ومن قال «الإله» هو المستحق للعبادة، فقد رجع قوله إلى أن «الإله» إذا كان هو القديم التام القدرة كان كلُّ موجود سواه صنيعا له، والمصنوعُ إذا علِم صانعَه كان حقا عليه أن يستخذيَ له بالطاعة ويَذِل له بالعبودية، لا أن هذا المعنى بتفسير هذا الاسم»، قال البيهقي مؤيدا: «والمعنى الأولُ أصح»([7]) ولهذا قال في أم البراهين متابعا: «وَيَجْمَع مَعَانِيَ هذِهِ العَقَائِدِ كُلهَا قَوْلُ: (لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)؛ إِذ مَعْنَى اْلأُلُوهِيَّةِ: اسْتِغْنَاءُ اْلإِلهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَافْتِقَارُ كُلِّ مَا عَدَاهُ إِلَيْهِ.  فَمَعْنى (لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ): لاَ مُسْتَغْنيَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمُفْتَقِرًا إِلَيْهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى»([8]).

الجملة الرابعة: في تفسير كلمة «آلهة»، انطلاقا من قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)، فقد زعمت المدرسةُ الأولى أنها تقرير لدليل التمانع في توحيد الربوبية؛ ولذلك قال الجويني في لمع الاعتقاد: «والواحد الحقيقي هو الشيء الذي لا ينقسم، والدليل على وحدانية «الإله» أنا لو قدرنا إلهين اثنين، وفرضنا عرضين ضدين، وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين، وإرادةَ الثاني للثاني، فلا يخلو من أمور ثلاثة: إما أن تنفذ إرادتهما، أو لا تنفذ إرادتهما، أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر، واستحال أن تنفذ إرادتهما؛ لاستحالة اجتماع الضدين، واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما؛ لتمانع الإلهين، وخلوِّ المحل عن كلا الضدين، فإذا بطل القسمان تعين الثالث، وهو أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر،.. وذلك مضمونُ قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) أي: لتناقضت أحكامهما عند تقدير القادرين على الكمال»([9])

وبهذه الجمل وسواها يتبدى لك انحصار مسائل الاعتقاد عند جمهرة أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأشاعرة فيما هو علمي نظري؛ لتندرج المسائل العملية في اللائق بها من الفقهيات.

وهو ما تأباه مدرسة أخرى تعد في أهل السنة والجماعة، قد يكون من روادها الكبار أئمة فطنة حذاق كابن تيمية وابن القيم وابن أبي العز وسواهم؛ فلا يهيدنكم قولُ ابن أبي العز رحم الله الجميع ردّاً لكلام الجويني وأضرابه، ودرءاً للمقرر من مدلول آية التمانع في كتابه، حيث قال: «وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء: 22].؛ لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن، ودعت إليه الرسل عليهم السلام، وليس الأمر كذلك، بل التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب، هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية، وهو عبادة الله وحده لا شريك له»([10])؛ لأن هذا مذهبه؛ إذ التوحيد عنده نوعان: توحيدٌ في الإثبات والمعرفة، وتوحيدٌ في الطلب والقصد، وكلاهما به جاء القرآن، لأنه إما «خبر عن الله وأسمائه وصفاته، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوةٌ إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلعِ ما يُعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي..» ([11])، فالأول لا خفاء به عند الجمهرة من أهل السنة والجماعة، وأما الثاني فداخل عندهم بالاستلزام الذي مضى معنا في نص الحليمي عند البيهقي، وهو من فوائد التوحيد وثماره، لا أنه جزؤه أو أحد أقسامه، وهو ما أومأ إليه العضد في المقصد الثالث من الموقف الأول، معددا فوائد إثبات العقائد قائلا: «الخامس: بالنظر إلى الشخص في قوته العملية، وهو صحةُ النية بإخلاصهم في الأعمال، وصحةُ الاعتقاد بقوته في الأحكام المتعلقة بالأفعال؛ إذ بها  يُرجى قبولُ العمل وترتبُ الثواب عليه»([12])، وهو ما تؤيده آيات الإخلاص، وأحاديث النيات.

وبعد، فهذا محل النزاع بين الفريقين، وليست تزعم هذه الكلمةُ رفعه، ولا لصاحبها مكنة للمراجحة والترجيح، وإنما مرومها الإبانة عن كونه  من أقوى أسباب الخلف في مسائل عملية فرعية كثيرة، كالحلف بغير الله والنذر، والتوسل بالأموات والتبرك، والرياء والتسميع، والتولة والطيرة، والرقى والتمائم والتنجيم، واللو والتصوير ([13])، وسواها من مسائل الفروع التي جُعلت في إحدى المدرستين أصولاً للتكفير والتبديع، والواقعُ فيها كلا أو بعضا واقع في كفر بواح تلزم البراءةُ منه ومجاهدتُه. وفي المدرسة الأخرى فروع فقهية يتجاذبها النظر في معترك الأدلة جوازاً ومنعاً، ليست ترقى في كلا الحالين إلى أصولٍ للولاء والبراء، وبين المدرستين بونٌ شاسع في التصور والتنزيل، ولا خفاء بادئ النظر لكل شادٍ أن الأولى  ـ صيانةً للأعراض، وحقنا للدماء، واستدامة للأمان، ودرءاً للفتن، سيما عند ضعف التفقه، ووهن النظر، والتسرع في الأحكام، وسوء التنزيل لها ـ رجحان كونها في الفروع دون الأصول؛ لأنها في التنزيل أصلاً تهدم الكثير من عتق القواعد والأصول، وذلك خلاف الفقه والنظر، والله أعز وأحكم.

المطلب الثاني: إيمان المقلدة، والواجب أولاً عقيدةً: ولتكن البداءة تبرُّءاً بما روى ابن الصلاح بلاغا عن ‏أبي قلابة عبد الملك بن محمد‏ قال: قلت ‏للأصمعي‏ : يا ‏أبا سعيد‏ ، ما معنى قول رسول الله ﷺ (الجار أحق بسقبه‏)؟ فقال‏ : «أنا لا أفسر حديث رسول الله – ﷺ- ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق»‏([14])  فأنت ترى إلى جم أدب وكريم تواضع أمام مقام النبوة وكلامِها، من إمام مبرز في لغة العرب الذي جاءت الشريعة بلسانها، فكيف بحالنا وقد شطت العهود، وغابت قرائن الأحوال، ونزرت مجالس العلم، واستوعرت مفاهيم العلماء؛ والتبكت مصطلحاتهم؛ للتنائي بيننا، تماما كما أنشد علقمة الفحل:

يكلفني ليلى وقد شط وليها وعادت عواد بيننا وخطوب

وإذا كان القاضي الباقلاني أحد أذكياء الدنيا يقول: «والله فإن أفضل أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن رحمه الله»([15])  فكيف بغيره من أهل زمانه؟

وإذ كان ذلك كذلك، فغايتنا نقل كلامهم، وتقرير مأثورهم، إبانةً للمذهب، وتثويرا للنقاش، وليس في المكنة ترجيح أو مراجحة؛ لعلو كعبهم دقة وفهما، وإشكالات مصطلحاتهم عبارة وعمقا. عبر ملاحظ ثلاث:

الملحظ الأول: في الواجب أولا: وقد اضطربت فيه العبارة، وتعدد فيه القول لكن المشهور أن أبا الحسن ـ رحمه الله ـ يرى أن أول واجب على المكلف هو معرفة الله، قال في الجوهرة:

واجزم بأن أولا مما يجب معرفة، وفيه خلف منتصب

قال شارحه: «أي: اختلاف قائم في أول الواجبات على المكلف، فقيل: المعرفة، وهو الحق؛ ولذا قدمه، وقيل: النظر، وقيل: القصد إليه. وقيل: النطق بالشهادتين..»([16]) فالأول يُعزى كما سلف للشيخ الإمام، والثاني للباقلاني، والثالث للجويني:

قال القاضي في الإنصاف: «أول ما فرض الله على جميع العباد النظرُ في آياته»([17]) وقال الجويني: «أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعا: القصد إلى النظر»([18])

وأما الشيخ الإمام فهـهنا نصوص عنه منتقاةً مما جمعه ابن فورك في كتابه: مجرد مقالات الأشعري([19]): فالنص الأول يقول فيه رحمه الله: «العلم بالله تعالى إيمان، والجهل به كفر، وإنه لا يصح وجود العلم به مع الجهل شرعا لا عقلا »، ولعل الناس اقتبسوا مذهبه  من مثل هذا النص الذي يجعل المعرفة بالله ذروة الإيمان، والجهل به حضيض الكفر، ثم يحمِّلونه ما لا يحتمل في إيمان المقلد والجاهل؛ ولعل النص الثاني يرفع اللبس ويزيل الإشكال؛ إذ يقول ـ رحمه الله ـ محددا في الظاهر معنى العلم والمعرفة المطلوبين فيقول في معنى بديهة العقل: «إنه مبادئ العلوم، وهي من أنواع الضروريات التي تقع للعالم منا من غير نظر ولا فكر ولا روية، وكان يعد في هذا القسم العلمَ بأن الموجود لا يخلو من أن يكون أزليا أو لم يكن»، فالمقصود بالعلم والمعرفة هـهنا بالذات  ما كان من بدائه العقول وأوائل العلوم الذي يتساوى فيه ذوو الأنظار وسواهم؛ حيث لا فكر ولا روية، وعليه، فالمعارف الأولية بالله سبحانه وتعالى يستوي فيها الكل؛ فلا غضاضة أن تكون أول واجب على المكلف، ولا يرد عليها تقليد ولا جهل، والفرض أنها ضرورية، يؤيده قولُه في النص الثالث: «إن ضروريات العلم مشتركة بين ذوي الحواس إذا انتفت الآفات، ولا يصح أن ينفرد بعضهم بالدعوى فيه بما لا يجده صاحبه، إذا اتفقت حواسهم في الصحة، فأما إذا تباينت فسائغ»، وبهذا المسلك يلوح المأخذ، ويتبدى مناط المذهب، ويتساوق مع ما في شرح جمع الجوامع للمحلي في دفع حجة الخصوم: «فإن المعتبر النظرُ على طريق العامة كما أجاب الأعرابي الأصمعي عن سؤاله بم عرفت ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على اللطيف الخبير.. أما النظر على طريق المتكلمين من تحرير الأدلة وتدقيقها ودفعِ الشكوك والشبهِ ههنا ففرضُ كفاية في حق المتأهلين له»([20])، وهو وجيه، لكن يشكل عليه النصُّ الرابعُ الذي يحدد فيه بكل جلاء طريقَ المعرفة بالله فيقول: «إن المعرفة بالله تعالى طريقُه الاكتسابُ والنظرُ في آياته، والاستدلالُ عليه بأفعاله، وإن المعرفةَ به في الآخرة ضرورية.. وإنه لا يُعلم شيء من ذلك ضرورةً ولا بديهة» ولعله الذي تلقفته الناس، وبنت عليه المطالبَ السبعة الشهيرة([21]) فجعلتها السبيلَ الوحيدَ إلى إثبات وجود الله، والمهيعَ السالك المنجيَ من عذابه سبحانه، ولا يعرفُها إلا الراسخون، وهو ما كان محل تشنيع؛ لما «يلزم عليه من تكفير عوام المسلمين، وهم غالب المؤمنين»([22])، وذلك ما انبرى لدرئه، واحتواءِ ملزومه نبغةٌ علماء، ومتكلمون نبهاء:

الملحظ الثاني: إضعاف الملزوم درءا للازمه: وقد تعددت فيه آراء العلماء، وتخريجات النبهاء، ومسالك المتفنين، نرصدها في خمس جمل:

الأولى: أضعفها قولُ شارح الجوهرة محاولاً الجمع بين هذه الأقوال، دون النظر إلى ما تستلزم من وخيم النتائج، وخطير العواقب، قال : «والأصح أن أول واجب قصداً المعرفة، وأولَ واجب وسيلةً قريبةً: النظر، ووسيلةً بعيدة: القصد إلى النظر»، وبذلك قرر ـ رحم الله الجميع ـ أن الخلاف بين الأئمة في عبارة، والموئل واحد؛ فلا معرفة إلا بنظر، ولا نظر دون قصد إليه، وعليه فيرد على الأول ما يرد على الثاني وصنوه.

والثانية: ما ارتآه أبو جعفر السمناني وهو من رؤوس الأشاعرة من كون هذه المسألة بقيةَ اعتزال في المذهب عند من التزمها. ويؤيده قول عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة محددا مفهوم التوحيد:  «ولا بد ـ يعني في التوحيد ـ فيه من اعتبار هذين الشرطين العلمُ والإقرارُ جميعا؛ لأنه لو علم ولم يقر، أو أقر ولم يعلم، لم يكن موحدا»([23])

والثالثة: ما ارتامه ابن تيمية من الجمع بين أقوال العلماء في الموضوع، مبينا أن تعددها بتعدد مناطاتها؛ إذ المكلفون ليسوا على وزان واحد في أول واجب؛ قال: «وأول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف أحوال الناس.. وفي الجملة فينبغي أن يعلم أن ترتيب الواجبات في الشرع واحدا بعد واحد، ليس هو أمرا يستوي فيه جميع الناس، بل هم متنوعون في ذلك، فكما أنه قد يجب على هذا ما لا يجب على هذا، فكذلك قد يؤمر هذا ابتداء بما لا يؤمر به هذا»([24]).

والرابعة في مسلك الباجي ـ رحم الله الجميع ـ محاولا صرف القول بالمعرفة وما يلزم عنها من النظر والقصد إليه، بقوله: «فمن جعله أول الواجبات أوجبه بالعقل؛ إذ لا يصح أن يَعلم أحد أن الله أوجب عليه النظر وهو لا يعلم إلا بعد النظر»، لكنه ـ وهو من كبار العلماء ـ خبير بكون أهل السنة والجماعة  لا واجب عندهم إلا بالشرع؛ ولذلك استدرك قائلا: «ومن أصول أهل السنة والجماعة أن العقل لا حظر فيه ولا إباحة».

والخامسة: قصدت إلى حسم المادة، وقطع فتيلها؛ من خلال رد اللازم وتجاهل الملزوم، ففي جمع الجوامع: «وعن الأشعري لا يصح إيمان المقلد، وقال القشيري: مكذوب عليه»، وفي البحر المحيط للزركشي: «هذا كذب وزور، ومن تلبيسات الكرامية»([25])

فتحصل أن هذا الاتجاه في اشتراط النظر إن صح فمحمول على التعقل دون التشريع، أو بقايا مما تسرب من اعتزال، أو على البدائه دون الاستدلال، أو من بابة تعدد المناط وتنوعه؛ إذ كل مكلف بحسبه، وإلا فمكذوب عليه؛ دفعا للقالة وردها؛ لما يلزم عنها من الشناعة كما قال الجلال المحلي في شرحه على جمع الجوامع([26])، وذلك ما تكفل به الملحظ الثالث.

الملحظ الثالث: في إيمان المقلدة: وهو النتيجة لما غبر، والثمرةُ لما تقرر، فمن بدا له اشتراط النظر لم يصحح إيمان المقلدين؛ لأن المطلوب فيه اليقين؛ محتجا بقوله تعالى لنبيه: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) فبدأ بالعلم قبل العمل، وهو قول جمهور المتكلمة والأصوليين، ورجحه الإمام الرازي والآمدي وسواهما من المحققين، ومن ضعفت عنده حجة الاشتراط، أو ساغ له فيه نوعُ تأويل نزع إلى صحة إيمان المقلدين؛ اكتفاء بالعقد الجازم؛ لاكتفاء مقام النبوة به في إيمان الأعراب، وليسوا أهلا للنظر ولا للاستدلال، ويحكى عن العنبري وسواه. وأعدل الأقوال نظرا وتحريرا، وأوسطها منهجا وتقريرا قولُ الإمام ابن السبكي ـ رحمه الله ـ: «والتحقيق في المسألة أنه إن كان التقليد أخْذَ قول الغير بغير حجة مع احتمال شك أو وهم، فلا يكفي إيمانُ المقلد قطعا؛ لأنه لا إيمان مع أدنى تردد فيه، وإن كان التقليدُ أخذَ قول الغير بغير حجة لكن جزما فيكفي إيمان المقلد عند الأشعري وغيره، خلافا لأبي هاشم، وهو المعتمد»([27])؛ ولذلك قال صاحب الجوهرة: «وبعضهم حقق فيه الكشفا»؛ وقد أصاب؛ لأن ابن السبكي حقق الكشف؛ إذ نقل مناط الحكم من النظر وتركه، إلى اليقين ونقيضه، فالمسألة برمتها آيلة إلى ترددها بين الاعتقاد الجازم الحاصل بالنظر وغيره، وبين نقيضه الحاصل كذلك بالاستدلال وعدمه، فكم من العوام في ثلج اليقين، وكم من العلماء حيارى تلفحهم رمضاء الظنون.

فمحل النزاع إذن في الجزم وعدمه، لا في النظر وتركه، وبه يهيع الصراط، وينقح المناط؛ ويؤيده حكايةُ ابنِ المنذر الإجماعَ في إيمان من نطق الشهادتين دونما اعتبار لنظر واستدلال، فقال: «أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام – وهو بالغ صحيح يعقل – أنه مسلم»([28]):

وبذلك تعلم أن الغزالي ومن تقيله غلا في الاتهام، وأفرط في الظنة إذ قال:«أسرفت طائفة بتكفير عوام المسلمين، وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر، فضيقوا رحمة الله الواسعة، وجعلوا الجنة مختصة بجماعة يسيرة من المتكلمين»([29])

وأن فتوى أحمد بن عيسى الأندلسي فيمن نطق بكلمة التوحيد مع شهادة الرسول ويصوم ويصلي إلا أنه لا يعرف المعنى الذي انطوت عليه الكلمة الكريمة،  وأمثالها قد فرطت في الاحتياط، وأهملت الدقة والاقتراء،  حيث جاء فيها إجابة للمستفتي: «لا يُضرب له في التوحيد بسهم، ولا يفوز منه بنصيب، ولا يُنسب إلى إيمان ولا إسلام، بل هو من جملة الهالكين، وزمرة الكافرين، وحكمُه حكم المجوس في جميع أحكامه إلا في القتل، فإنه لا يُقتل إلا إذا امتنع من التعليم»([30])

وأوسط المناهج في الباب ما قرره ابن السبكي، وأكده الإجماع، وتعضده النقول عن الإمام، ففي السير عن زاهر بن خالد السرخسي قال: لما قرب أجل أبي الحسن الأشعري دعاني فأتيتُه إلى بيته فقال: «اشهد عليَّ أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هو اختلاف العبارات»([31])

المبحث الثاني من قضايا أصول العمل:

وهي قضايا وفيرة، تزخر بإشكالات مربكة تنزيلا وإعمالا؛ لمن رازها، وأدأب الفكر في ادراكها، وهي في مسيس حاجة إلى مكيث قراءة نقدية، وسديد تأملات فكرية، وليست هذه الكلمةُ في محل استيفاء جملتها، ولا استيعاب أوابدها؛ وحسبُها نماذج؛ للمذاكرة والتذكير، والمفاتشة والتقرير، مستقاةٌ من كتاب الأدلة في مفهوم السنة من خلال مسألتين:

إذ فيه من مثارات النظر ما يبغي التثوير والتحرير،  دلالة وورودا، حجية ومفهوما، سيما هذا الذي كان السبب في ارتياث الأمور وتوعرها، حتى تلزجت التصورات، وتلكدت المفاهيم، والتبك المقصود، فعم الخطب، واستفحل الاضطراب، وركبت الناس المغمضمة؛ ولذلك قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ «والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد: اختلاط أسماء، ووقوع اسم واحد على معان كثيرة؛ فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال. وهذا في الشريعة أضر شيء وأشده هلاكا لمن اعتقد الباطل إلا من وفقه الله تعالى»([32]). وهو قيل سديد لازم إعماله في كل خلاف معتبر، وواجب تأمله عند كل نزاع؛ بحثا عما يرفع الخلاف، ويوطد دعائم الوفاق؛ تأملا في عبارات القوم، وإمعانا في إطلاقاتهم، وادراكا لمقاصدهم، ومن ذلك أن الجمهرة منهم قررت أن المفهوم هـهنا يختلف باختلاف مقصود الفن ودراسته لأحاديث النبوة:

فهي عند الأصوليين: ما ثبت عن النبي ﷺ قولا أو فعلا أو تقريرا. لكنها عند الفقهاء في مقابل الواجب مرادفة المندوب والمستحب، أما عند المحدثين فهي كل ما ثبت عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو هم أو إشارة أو صفة خلقية أو خلقية، في اليقظة والمنام، قبل البعثة وبعدها.

فالأول غايته استنباط الأحكام؛ فقصر النظر على أدلتها في الأقوال والأفعال والتقريرات، ومرتام الثاني تمييزها وجوبا وندبا ـ أعني الأحكام ـ ، أما الثالث فلا يبغي إلا استيفاء الأخبار عن مقام النبوة تأريخا، من الولادة إلى الوفاة، دون النظر إلى التمايز فيما بينها من حيث استنباطُ الحكم واستخراجُه.

ولقد ظل هذا التصور جليا للسادة الفقهاء، حتى نبتت نابتة تدعي أن كل ما ثبت عن النبوة خاصا به أو ببعض أصحابه أو عاما، جبليا أو غيره، صدر في سياق الإمامة أو القضاء، أو النبوة والإفتاء، وسواء أكان ما ثبت عنه قولا أم فعلا، تقريرا أم تركا، فهو حجة شرعية، ولازم لجميع المكلفين على سبيل من الوجوب عند جلهم، وهي حجة بديهية دينية يكفر جاحدها حسب قولهم([33]).

وهذه داهية الدواهي التي جثمت على الأمة اليوم، ولا سبيل لرفعها إلا بتعميق المدارسة والابتحاث، ولنقتصر من ذلك هـهنا على مسألتين اثنتين:

المسألة الأولى: مراتب التصرف: والمرتام من خلالها الإبانةُ عن كون المنهج الأوسط للتعامل مع السنة تصنيفَها؛ نظرا لمقام الورود وسياقه؛ إذ كان لنبي الله ﷺ طرائق في التصرف؛ لأنه الإنسان العادي، و«الإمام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو ﷺ إمام الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء»([34]) فلا ينبغي حمل تصرفاته برمتها على مهيع واحد، ومسلك متفرد؛ لأن «منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعا، ومنها ما يُجمِع الناس على أنه بالقضاء، ومنها ما يُجمِع الناس على أنه بالإمامة»، ومنها ما يكون على سبيل من الجبلة والعادة، «ومنها ما يختلف العلماء فيه؛ لتردده بين رتبتين فصاعدا: فمنهم من يغلب عليه رتبة، ومنهم من يغلب عليه أخرى»، وبهذا المسلك اللاحب تتمايز الأحكام في تكامل وتناسق، لايصادم بعضها بعضا، ولا يعود الجزئي منها على كليه بالإبطال؛ ولذلك قال القرافي ـ رحمه الله ـ مبرزا حميد العواقب لهذا المأخذ: و«بهذه الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة فكل ما قاله ﷺ أو فعله على سبيل التبليغ كان ذلك حكما عاما على الثقلين إلى يوم القيامة، وكل ما تصرف فيه – عليه السلام – بوصف الإمامة لا يجوز لأحد أن يُقدم عليه إلا بإذن الإمام، وما تصرف فيه ﷺ بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يُقدم عليه إلا بحكم حاكم»، وكذا ما قاله أو فعله على سبيل العادة والجبلة دون القُرَب كان عريا عن الأحكام داخلا في فسيح مجال الإباحة.

وبين هذا التصور وذاك شاسعُ البون في العاقبة والأثر، وخطيرُ التمايز في التطبيق والتنزيل، إلى حد الفوضى والتدمير: «فبعثُ الجيوش لقتال الكفار، ومن تعين قتاله، وصرفُ أموال بيت المال في جهاتها، وجمعُها من محالها، وتوليةُ القضاة والولاية العامة، وقسمةُ الغنائم، وعقدُ العهود للكفار ذمة وصلحا» وسواها من الأمور العظام هي من اختصاص الإمامة، ولا تكون إلا بإذنها.

والفصلُ في دعاوى الأموال أو أحكام الأبدان، والزواجر والحدود والديات وسواها من الأمور العظام هي من اختصاص القضاء، ولا تكون إلا بحكمه.

وبهذا المسلك يستد النظر، ويهيع الصراط، وتُسد الذرائع أمام الأفراد والجماعات التي ترى السنة مفهوما واحدا عاما شاملا يلزم كل الأفراد، وبوسعهم جميعا تنزيلُ ما ورد فيها جهادا وذمة،  قتالا وصلحا، حدا وتعزيرا.

المسألة الثانية: سنة الترك: وهو أصل هام وعظيم، عد في «أدق الأمور التي وقع فيها الالتباس، واختُلف فيها، بل اختصم فيها الناس»([35])؛ لما لها من خطير الأثر؛ عملا وتنزيلا.

وليست هذه الكلمة بسبيل تحقيق ما فيها، ودراسة مسائلها، بل غايتُها تحرير محل نزاعها، بعد محاولة ادراكها، وتصور شعب محاورها؛ لئلا يتحدث الناس في غير صورة النزاع، ولئلا يُستدل علينا أو عليهم بما يهن في محل الخلاف، وذلك في مراصد خمس:

المرصد الأول: في المفهوم: إذ الترك لغة كما في المقاييس «التخلية عن الشيء»، يقال: تركه: طرحه وخلاه. ويستفاد من هـهنا أمران مهمان:

الأول: أن الترك لا يكون إلا في مقدور عليه.

والثاني: أن القصد إليه أساس فيه، فلا يُسمى إهمال الشيء تركاً إلا بالقصد إلى تركه؛ فلا يقال: ترك النائم الكتابة؛ لأنه انصراف القلب عن الفعل، وبذلك يكون من أفعال القلوب.

وأما في الاصطلاح فداخل تحت الأفعال؛ لأن الترك فعل؛ لقول ﷺ (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وفيه نظر يأتي تقريره في مرصد المناقشة والتحليل.

والمرصد الثاني: أن التروك بالنسبة لعموم المكلفين تتعاوره الأحكام الخمسة من الوجوب إلى التحريم وما بينهما، وهو أمر واضح جلي، يضاف إليه عندهم نوع سادس سموه الترك البدعي؛ كترك ما أباح الله بنية الزلفى إليه والتعبد به، واستدل له بالفتية الثلاثة، القائلين: أما أنا (فأقوم الليل لا أنام ، وقال بعضهم : أصوم النهار فلا أفطر، وقال بعضهم :أدع النساء فلا آتيهن ♂.

أما المرصد الثالث ففي أنواع تروك النبي ﷺ، وقد جعلوها أقساما أربعة:

الأول: ترك جبلي عادي، كتركه الضب؛ لأنه لم يكن بأرض قومه ﷺ.

والثاني: ترك خاص به، ليس يشمل أمته بدليل؛ كتركه أكل الثوم.

والثالث: ترك مصلحي؛ كتركه قيام رمضان؛ لئلا يفرض على أمته، وهدم الكعبة وتجديدها؛ لحداثة عهد أهلها وسدنتها بالإسلام، وقتلِ المنافقين؛ خيفة أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وسواها من التروك؛ للاستصلاح والمعنى.

والرابع: ترك بياني: وذلك ما تركه النبي ﷺ بيانا للشرع، كتركه الأذان للعيدين.

فتحصل من أنواع التروك أربعة، أهمها ومحل النزاع فيها: «الترك البياني»، وهو المراد بسنة الترك، والباقي ليس به من خلاف.

المرصد الرابع: تعريف وتفصيل: ذلك أن الترك البياني عندهم هو «تركه ﷺ فعل الشيء مع وجود مقتضيه؛ بيانا لأمته»، وفي ضمن هذا التعريف قيود: أولها: أن يكون الترك مقدورا عليه. والثاني: أن يكون فعلا لا قولا؛ احترازا من التقرير. والثالث:أن يكون المتروك من الأمور التي قام سببها، ووجدت الحاجة إلى فعلها؛ ليخرج ما تركه النبي ﷺ؛ لعدم الحاجة إليه في زمانه، ثم طرأت فيما بعد وهو باب المصالح المرسلة الأكبر. والرابع: أن يكون الترك على وجه التشريع والبيان؛ ليندرئ ما تركه لا على وجه التشريع كأكل الضب ونحوه.

المرصد الخامس: مناقشة وتحليل: أما في المفهوم اللغوي فلنأخذ منه تقييد الترك بالقصد، وأما في التعريف الاصطلاحي فيهمنا فيه أمران: الأول: الترك للبيان. والثاني: مع قيام الحاجة.

وعليه فإذا كان الترك لا يسمى تركا إلا بالقصد، والقصد من أعمال القلوب، فمن أين لكم أن النبي ﷺ ترك هذا الفعل قصدا؟ وكيف تدفعون دعوى من ادعى نقيض دعواكم فقال: إن النبي ﷺ ما ترك ذلك الشيء قصدا. وإذا تساوى الادعاء بطل المدعى، إلا ببينة خارجة. على أن لنا بينة؛ وذلك أن الترك تركان:

الأول: ما كان فعلا، والشرط فيه قصد وإعلان: فالأول باطني، والثاني ظاهري يلحظه الناس إما فعلا كتركه الضب، أو قولا كتركه هدم الكعبة وتجديدها.

والثاني: ما كان تركا عدميا لا وجود له، وهو ما تخلف فيه شرط الإعلان والظهور قولا أو فعلاً، أما «القصد إليه» فلا يعلمه إلا الله، ومن ادعاه فقد ادعى مالا سبيل إليه من الغيوب.

ولرد هذا الإلزام قالوا: إن السنة التركية تنقل عن طريقين:

الأول: النص الصريح، كقول الصحابي: «أن النبي ﷺ صلى العيد بلا أذان ولا إقامة»، ولا نزاع في هذه الصورة البتة.

والطريق الثاني: اجتماع القرائن الدالة على مواظبته ﷺ على ترك هذا الفعل، وذلك بأن تتوافر همم الصحابة ودواعيهم أو أكثرِهم أو واحدٍ منهم على نقله، لو أن الرسول ﷺ فعله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة ولا حدث به في مجمع أبدا عُلم أنه لم يكن وهذا محل نزاع؛ فإذا كان الأول متفقا عليه، فإن الثاني تشغيب لا معنى له، وإلا كيف تتوافر الدواعي والهمم لنقل ترك الأذان والإقامة في صلاة العيد، ولا يتوافر مثلها في نقل ترك الدعاء دبر الصلاة؟ وما الفرق إذن وكلاهما ترك؟

والجواب: أن التروك المنقولة المعلومة هي من باب الفعل بالاتفاق، أما التروك  المجهولة المعدومة فمن باب العدم، لا من باب الفعل، فهي في دائرة المسكوت عنه، وليست في دائرة المصرح به قولا أو فعلا؛ ولذلك لم تنقل، فليُعلم هذا الفرق؛ فإنه دقيق. وهو الحد الفاصل بين منطقة التروك المعلومة المصرح بها، وبين منطقة العفو المسكوت عنها، والمشروعة بقوله ﷺ :«وما سكت عنه فهو عفو». وقولُه: «علم أنه لم يكن» تحصيل حاصل؛ لأنها عدم.

أما القيل بأن الترك كان للبيان، فمن أين لهم ذلك؟ وهو من أعمال القلوب؟ وأيُّ قرينة أو دليل دلهم على أن الترك العدمي الذي لم يعرف لا بالقول ولا بالفعل كان للبيان؟؛ وآية الزيف والادعاء أن الترك المحترز عنه معلوم، والمحترزَ له معدوم لم يُذكر، فقد قيل: «أن يقع الترك على وجه التشريع؛ احترازا عما تُرك لمعنى كأكل الضب وهدم الكعبة».

وأما قولهم ضمن تقييدات التعريف: «أن يكون المتروك من الأمور التي قام سببها، ووجدت الحاجة إلى فعلها؛ احترازا عما تركه ﷺ؛ لعدم الحاجة إليه في زمنه، إلا أن الحاجة طرأت من بعده»، فهو تحكم لا غبار عليه، وإلا فما المرجع في تقدير وجود الحاجة وعدمها؟ وكيف يزعم أن الحاجة وجدت في الدعاء دبر الصلاة، ولم توجد في تدوين المصحف ولا تحزيبه؟

وكيف يدفع قولَ من يدعي نقيضَ قولهم فيزعم أن الحاجة لم توجد للدعاء دبر الصلاة حيث العهد بالإسلام حديث، والرغبةُ جامحة، والوحي يتنزل، والنبي ﷺ  بين ظهرانيهم، والإيمان في ذروته، حتى إذا شط العهد، ورغبت الناس عن الذكر، ورق الدين، وعم الجهل، واختلط الحابل بالنابل، مست الحاجة استصلاحا إلى تعليمهم وتذكيرهم بما يصلح حالهم، وينفع مآلهم، فجمعوا للذكر والدعاء.

ثم يزعم أن الحاجة ماسة لتدوين المصحف في عهد النبوة درءا للمفاسد، وحفظا للوحي، وحماية للبيضة، سيما وقد قُذف في روع أبي بن كعب من الشك حتى ضرب الرسول ﷺ صدره ودعا له، واختلفت الصحابة في حروف منه، فقال نبي الله ﷺ اقرؤوا فكل من عند الله. ومع هذا لم يجمع إلا في العهد البكري؟

والمقصود أنه لا سبيل إلى تقرير مسيس الحاجة في مسألة، ودفعِها في مسألة أخرى إلا ببرهان وأثارة من علم، وإلا كان إنشاء وتحكما، والكل يحسنه.

والحاصل أن صورة محل النزاع بين الطائفتين في «تركٍ» له سمات ثلاث: الأولى: أنه لم يُنقل صريحا. والثانية: أنه كان بيانا وتشريعا. والثالثة: أن الدواعي توافرت لفعله، فتُرك.

فهذا هو المختلف فيه، والباقي ليس به من خلاف: كالترك المنقول صريحا نحو الأذان في العيد، والترك الذي كان لغير التشريع كأكل الضب، والترك الذي لم تمس الحاجة لفعله في عهده كتدوين المصحف وتحزيبه وما إليه، فليُعلم هذا، فإن كثيرا من الناس يستدلون بمسائل المصالح المرسلة على دفع سنة الترك، وهم بذلك يقوون مذهب الإمام ابن السمعاني وابن تيمية ومن تقيله كابن القيم والشاطبي وسواهم رحم الله الجميع ورضي عنهم؛ لأنها مسائل متفق عليها، وداخلة في غير محل النزاع([36]).

وقاصمةُ الدهر بالنسبة لهم تقريرُ أن الترك محل النزاع من باب العدم لا من باب الفعل؛ لأنه غير مصرح به نقلا لا في الفعل ولا في القول، فيدخل في باب المسكوت عنه، المعفو عنه بقوله ﷺ «وما سكت عنه فهو عفو».

المرصد السادس: قطوف وثمار: إذا تقرر زيفُ المدعى، ووهنُ الحجة؛ كان الخصم بين أمرين لا ثالث لهما:

إما أن ما ذهب إليه باطل لا معنى له؛ لأن صورة محل النزاع مشروعة بدليلين عامين: أولهما دليل العفو. وثانيهما: عموم الكتاب والسنة في الحث على الذكر ـ مثلا ـ، ولن يعدم المجتهد عموم دليل لمطلوبه.

وإما أن ما ذهب إليه محل خلاف معتبر، يعد في مسائل الاجتهاد التي لا نكير فيها؛ ولذلك قال العلامة عبد الله بن بية:«إن مسألة الترك تشبه أن تكون من المسائل الاجتهادية التي تختلف فيها أنظار العلماء، فيرتب بعضهم عليها حكم الكراهة أو التحريم.. بينما لا يعتبرها البعض الآخر دليلا إلا على مجرد رفع الحرج وعدم لزوم ذلك الفعل المتروك»([37]) وهذا منهج وسط، لا إفراط فيه ولا تفريط، وبذلك يسلم المجتمع من التبديع إلى حد التكفير في مسائل عملية خلافية تتردد بين الكراهة والإباحة، كالدعاء جماعة دبر الصلاة، وقراءة الحزب الراتب جماعة، والاحتفاء بالمولد وسواها من الفروع العملية التي لا ترقى البتة إلى مسائل الاعتقاد العلمية. والله أعلم وأحكم

خـــاتمة:

وبعد، فقد أنيخت نجب المطايا هـهنا بيانع ثمار، نجملها في قضايا عشر:

1- قد انحصرت مسائل الاعتقاد عند جمهرة أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأشاعرة فيما هو علمي نظري؛ لتندرج المسائل العملية في اللائق بها من الفقهيات.

2- محل النزاع بين الفريقين، تردد توحيد العبادة بين العلم والعمل، وهو من أقوى أسباب الخلف في مسائل عملية فرعية كثيرة، كالحلف بغير الله والنذر، والتوسل بالأموات والتبرك، والرياء والتسميع، والتولة والطيرة، والرقى والتمائم

3- لا خفاء بادئ النظر لكل شادٍ أن الأولى صيانةً للأعراض، وحقنا للدماء، واستدامة للأمان، ودرءاً للفتن، رجحانَ كونها في الفروع دون الأصول؛ لأنها في التنزيل أصلاً تهدم الكثير من عتق القواعد والأصول، وذلك خلاف الفقه والنظر.

4- اشتراط النظر إن صح فمحمول على التعقل دون التشريع، أو بقايا مما تسرب من اعتزال، أو على البدائه دون الاستدلال، أو من بابة تعدد المناط وتنوعه؛ إذ كل مكلف بحسبه، وإلا فمكذوب عليه.

5- إيمان المقلدة الأَوْلى فيه نقل مناط حكمه من النظر وتركه، إلى اليقين ونقيضه، إذ المسألة برمتها آيلة إلى ترددها بين الاعتقاد الجازم الحاصل بالنظر وغيره، وبين نقيضه الحاصل كذلك بالاستدلال وعدمه، فكم من العوام في ثلج اليقين، وكم من العلماء حيارى تلفحهم رمضاء الظنون.

6- المنهج اللاحب أن للنبي ﷺ طرائق في التصرف؛ لأنه الإنسان العادي، و«الإمام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو ﷺ إمام الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء» فلا ينبغي حمل تصرفاته برمتها على مهيع واحد، ومسلك متفرد.

7- أنواع التروك أربعة، أهمها ومحل النزاع فيها: الترك البياني، وهو المراد بسنة الترك، والباقي ليس به من خلاف.

8- صورة محل النزاع بين الطائفتين في «تركٍ» له سمات ثلاث: الأولى: أنه لم يُنقل صريحا. والثانية: أنه كان بيانا وتشريعا. والثالثة: أن الدواعي توافرت لفعله، فتُرك.

9- الترك محل النزاع من باب العدم لا من باب الفعل؛ لأنه غير مصرح به نقلا لا في الفعل ولا في القول، فيدخل في باب المسكوت عنه، المعفو عنه بقوله ﷺ «وما سكت عنه فهو عفو».

10- الخصم بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن ما ذهب إليه باطل لا معنى له؛ لأن صورة محل النزاع مشروعة بدليلين عامين، وإما أن ما ذهب إليه محل خلاف معتبر، يعد في مسائل الاجتهاد التي ليس فيها نكير، وهذا منهج وسط، لا إفراط فيه ولا تفريط، وبذلك يسلم المجتمع من التبديع إلى حد التكفير، في مسائل عملية خلافية تتردد بين الكراهة والإباحة.

وبعد فهذا جهد قد بذل، تقصد إماطة اللثام عما كان بسبيله من بعض قضايا أصلي الاعتقاد والعمل، فإن يكن من إصابة في الرأي، وسداد في المقال، فبفضل من الله وتمام توفيقه، وإلا فالنقص مشتمل على جملة البشر، ولربما أبصر الأعمي رشده، وأخطأ البصير قصده، وليس كل طالب بمنجح؛ إذ العلم لا يدرك ـ على التمام ـ غوره، ولا يسبر قعره، ولا تبلغ غايته، ولا يستقصى أصنافه، ولا يضبط آخره، وحسبي بعد المكابدة والنظر سمي إحساس بأني أتعلم، والحمد لله رب العالمين.

جريدة المصادر والمراجع

الإحكام في أصول الأحكام لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم، دار الآفاق الجديدة، بيروت

الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد لإمام الحرميين عبد الملك الجويني ، مكتبة الخانجي

الأسماء والصفات للبيهقي لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي، ط1

أم البراهين لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسني، تحقيق خالد زهري، دار الكتب العلمية.

الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للقاصي أبي بكر ابن الطيب الباقلاني، تحقيق الشيح محمد زاهد الكوثري، مكتبة الخانجي

أنوار البروق في أنواء الفروق للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق محمد السراج وعلي جمعة، دار السلام.

البدر الطالع في حل جمع الجوامع لجلال الدين أبي عبد الله الشافعي المحلي تح مرتضى الداعستاني . مؤسسة الرسالة.

تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري لأبي القاسم ثقة الدين علي بن الحسن بن هبة الله «ابن عساكر» دار الكتاب العربي، ط3

جامع البيان في تأويل القرءان للامام محمد بن جرير الطبري تحقيق: أحمد محمد شاكر؛ مؤسسة الرسالة؛ الطبعة الأولى: 1420.

حجية السنة للعلامة الدكتور عبد الغني عبد الخالق، الوفاء للطباعة والنشر

درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق د.محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، ط2

الدور العملي لتيار الوسطية في الإصلاح ونهضة الأمة( أوراق العمل المقدمة للمؤتمر الدولي الثاني من تنظيم منتدى الوسطية للفكر والثقافة عمان الأردن 2006)

سير أعلام النبلاء للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة.

شرح الأصول الخمسة لقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، تحقيق عبد الكريم عثمان مكتبة وهبة

شرح الصاوي على جوهرة التوحيد للشيخ أحمد بن محمد المالكي الصاوي تحقيق د عبد الفتاح البزم، دار ابن كثير.

شرح العقيدة الطحاوية لصدر الدين محمد بن علاء الدين بن أبي العز الحنفي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد الله بن المحسن التركي، مؤسسة الرسالة.

كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب مع شرحه فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب تحقيق محمد حامد الفقي مطبعة السنة المحمدية، ط7

لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق فوقية حسين محمود، عالم الكتب، ط2

مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري للعلامة محمد بن الحسن بن فورك، تحقيق أحمد عبد الرحيم السايح، مكتبة الثقافة الدينية.

مشاهد من المقاصد للشيخ عبد الله بن بية، دار وجوه للنشر والتوزيع.

معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس تحقيق عبد السلام هارون. دار الفكر

معرفة أنواع علوم الحديث، «مقدمة ابن الصلاح» لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر 1986.

المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقية والأندلس والمغرب لأحمد بن يحيى الونشريسي، تحقيق جماعة من الفقهاء بإشراف د محمد حجي، دار الغرب الإسلامي.

المنهج الوسط للتعامل مع السنة النبوية المطهرة للدكتور سعد الدين العثماني المنتدى العالمي للوسطية.

المواقف في علم الكلام للقاضي عضد الدين عبد الرحمـن بن أحمد الإيجي، تحقيق عبد الرحمـن عميرة دار الجيل

 

 

([1]) ينظر لزاما جامع البيان للطبري 10/513 إلى 522 فهو نفيس جدا. (سورة المائدة آية:87)

([2]) ن مفاهيم التفكير الوسطي في مواجهة طرائق التفكير المتطرفة د صلابي ضمن كتاب: الدور العملي لتيار الوسطية في الإصلاح ونهضة الأمة: 133.

([3]) شرح الأصول الخمسة: 128

([4]) نفسه: 128

([5]) المواقف في علم الكلام للعضد:

([6]) المواقف:

([7]) الأسماء والصفات للبيهقي: 1/ 57 وما بعدها

([8]) أم البراهين لأبي عبد الله السنوسي الحسني:

([9]) لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة: 98

([10]) شرح الطحاوية لابن أبي العز : 1/ 28

([11])  شرح الطحاوية: 1/40

([12]) المواقف في علم الكلام لعضد الدين الإيجي (ت 756):

([13]) ن للتفصيل: كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب.

([14]) معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح: 273.

([15]) تبيين كذب المفتري:127

([16]) شرح الصاوي على جوهرة التوحيد: 124.

([17]) الإنصاف للقاضي الباقلاين: 22

([18]) الإرشاد لإمام الحرمين الجويني: 25.

([19]) ن ص 16 وما بعدها.

([20]) البدر الطالع في حل جمع الجوامع: 410.

([21]) المطالب هي: الأول : إثبات زائد على الأجرام .الثاني :إبطال قيامه بنفسه .الثالث : إبطال انتقاله. الرابع  إبطال كمونه وظهوره .الخامس :إثبات استحالة عدم القديم .السادس : إثبات كون الأجرام لا تنفك عن زائد الزائد .السابع : إثبات استحالة حوادث لا أول لها.

([22]) البدر الطالع في حل جمع الجوامع للجلال المحلي: 2/411.

([23]) شرح الأصول الخمسة: 128

([24]) درء تعارض العقل والنقل: 8/ 16.

([25]) ن متن جمع الجوامع: 482، وشرحه للجلال المحلي: 2/411.

([26]) البدر الطالع: 2/411.

([27]) ن هذه الأقوال في البدر الطالع في حل جمع الجوامع: 410.

([28]) درء تعارض العقل والنقل: 8/ 7

([29]) ن شرح الصاوي على الجوهرة: 114.

([30]) المعيار المعرب للونشريسي: 2/383.

([31]) سير أعلام النبلاء:15/188.

([32]) الإحكام في أصول الأحكام: 8/101

([33]) ن حجية السنة للعلامة الدكتور عبد الغني عبد الخالق: 72، وما بعدها. المنهج الوسط للتعامل مع السنة للدكتور سعد الدين العثماني: 15 وما بعدها.

([34]) أنوار البروق في أنواء الفروق:1/ 346. وكذا كل ما يأتي بين مزدوجتين في هذه المسألة.

 

([35])مشاهد من المقاصد للشيخ عبد الله بن بية:99.

([36]) كقول العلامة ابن بية تبعا لابن لب رحمه الله: >فقد عمل السلف بما لم يعمل به من قبلهم مما هو خير كجمع المصحف ثم نقطه وشكله، ثم نقط الآي، ثم الخواتم والفواتح وتحزيب القرآن والقراءة في المصحف في المسجد وتسميع المؤذنين تكبير الإمام..< ن، مشاهد من المقاصد: 102

([37]) مشاهد من المقاصد: 98.

د. عبد الهادي السلي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق