مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

ما يستحب من الأدعية والأعمال في ليلة النصف من رمضان: القنوت

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

انقضى من رمضان النصف الأول وبقي النصف الأخير، وهذه الليلة هي وسطه، ولا بأس أن أذكر ما يستحب من الأدعية والأعمال في هذه الليلة المباركة، والتي منها: القنوت، فما مفهومه، وما السنة فيه، ومن فعله من الصحابة؟

معنى القنوت:

إن تفسير معنى القنوت، هو: الدعاء في آخر الصلاة، وفي اللغة تعددت معانيه، فقد قال أبو الحسن ابن سيده (المتوفى عام: 458هـ): “القنوت: الإمساك عن الكلام، وقيل: الدعاء في الصلاة، والقنوت: الخشوع والإقرار بالعبودية، والقيام بالطاعة التي ليس معها معصية، وقيل: القيام، وزعم ثعلب: أنه الأصل، وقيل: إطالة القيام، وفي التنزيل: ﴿وقوموا لله قانتين﴾[1]، والقنوت: الطاعة”[2].

وقال أبو بكر ابن العربي المعافري (المتوفى عام: 543هـ): “المراد بالقنوت هاهنا الدعاء في آخر الصلاة، وهو في اللغة على أربعة أضرب: 1 – قيل: الدعاء، 2 – والضرب الثاني: القنوت بمعنى السكوت، 3 – والثالث: القنوت الطاعة.

الدليل على أنه: الدعاء: قوله في الحديث: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية»[3].

والدليل أيضا على أن القنوت بمعنى: السكوت: حديث زيد بن أرقم؟ قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: ﴿وقوموا لله قانتين﴾[4]، أي: ساكنين صامتين، فأمرنا بالسكوت.

والدليل أيضا على أنه بمعنى الطاعة: قوله تعالى: ﴿إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا﴾[5] الآية، أي: طائعا لله تعالى.

4 – والقنوت أيضا بمعنى القيام؛ الدليل عليه قوله: ﴿أمن هو قانت آناء الليل﴾[6][7].

وقال أبو العباس القرطبي (المتوفى عام: 656 هـ): “القنوت ينصرف في الشرع واللغة على أنحاء مختلفة، يأتي بمعنى: الطاعة، وبمعنى: السكوت، وبمعنى: طول القيام، وبمعنى: الخشوع، وبمعنى: الدعاء، وبمعنى: الإقرار بالمعبود، وبمعنى: الإخلاص. وقيل: أصله الدوام على الشيء؛ ومنه الحديث: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على قبائل من العرب»[8]؛ أي: أدام الدعاء والقيام له”[9].

هذا وقد عقد الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه[10]، بابا سماه: باب من قال: القنوت في النصف من رمضان من كتاب الصلاة، وكذا الإمام البيهقي في سننه الكبرى بابا سماه: باب من قال: لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان من كتاب الصلاة[11]، أوردا فيه مجموعة من الأحاديث التي جاءت في قنوت الصحابة والتابعين.

السنة في القنوت:  

القنوت سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فعلها، وهو ثابت صحيح، لكن لم تكن مخصوصة بالنصف الأخير من رمضان، وأما حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في النصف من رمضان إلى آخره، ففيه: أبو عاتكة، هو: طريف بن سلمان، ويقال: ابن سليمان منكر الحديث، قال ابن عدي في الضعفاء[12]: “حدثنا الحسين بهذا الإسناد بعشرين حديثا في: النصف من رمضان، وفضائله، والسحور، وغير ذلك، مناكير كلها”، وضعّفه البيهقي في سننه الكبرى[13]، فقال: “وقد روى فيه حديث مسند إلا أنه ضعيف لا يصح إسناده”، لكن الصحابة ومن تبعهم رضي الله عنهم قنتوا في النصف الباقي من رمضان.

قنوت الصحابة والتابعين:

اختص القنوت بالنصف الآخر من رمضان، وهذا ما فعله الصحابة والتابعين، وقد قال أبو الوليد الباجي الأندلسي (المتوفى عام: 474هـ): “لا خلاف أن المراد به القنوت وإنما اختص ذلك بالنصف الآخر لما قاله القاضي أبو محمد إن أبيا صلى بالناس النصف الأول فلم يقنت ثم مرض وصلى مكانه معاذ فقنت فحصل الاتفاق منهما ومن سائر الصحابة الذين لم ينكروا على واحد منهما على أن القنوت مشروع في النصف الآخر دون الأول كما اختص بالركعة الآخرة من صلاة الصبح”[14]، وهذه جملة من الأحاديث الواردة في الباب:

روى أبو داود في سننه[15]، عن الحسن البصري قال: «إن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب، وكان يصلي لهم عشرين ليلة، ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان» الحديث.

ورى ابن أبي شيبة في مصنفه[16]، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أنه كان يقنت في النصف من رمضان».

وروى البيهقي في سننه الكبرى[17]، عن نافع: «أن ابن عمر كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان».

ورى ابن أبي شيبة في مصنفه[18]، عن المهلب بن أبي حبيبة، قالت: «سألت سعيد بن أبي الحسن عن القنوت، فقال: في النصف من رمضان، كذلك علمنا».

وروى البيهقي في سنه الكبرى[19]، عن سلام بن مسكين قال: «كان ابن سيرين يكره القنوت فى الوتر إلا فى النصف الأواخر من رمضان».

وروى البيهقي في سنه الكبرى[20]، عن الوليد بن مزيد قال: «سئل الأوزاعى عن القنوت فى شهر رمضان قال : أما مساجد الجماعة فيقنتون من أول الشهر إلى آخره، وأما أهل المدينة فإنهم يقنتون فى النصف الباقى إلى انسلاخه.

دعاء القنوت:

القنوت يكون في الركعة الأخيرة بعد الركوع، فقد سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن القنوت: فقال: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب»[21]، وله دعاء يستحب الدعاء به، وهو: «اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت»[22]، أو: «اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخضع لك، ونخلع من يكفرك»[23]، وإلا فليدع المسلم بما شاء من الدعاء، فقد قال أبو الفضل عياض اليحصبي (المتوفى عام: 544هـ): “ثم اتفقوا على أنه لا يتعين في القنوت دعاء مؤقت، إلا ما روي عن بعض أهل الحديث في تخصيصها بقنوت مصحف أبي بن كعب المروي؛ أن جبريل عليه السلام علمه النبي صلى الله عليه وسلم وهو: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، إلى آخره، وأنه لا يصلي خلف من لا يقنت بذلك، لكنه يستحب عند مالك والكوفيين القنوت بذلك، واستحب الشافعي القنوت بالدعاء المروي عن الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقنت به: اللهم اهدني فيمن هديت، إلى آخره”[24].

*********************

هوامش المقال:

[1] ) سورة البقرة، الآية: 238.

[2] ) المحكم والمحيط الأعظم 7 /285.

[3] ) أخرجه باللفظ المذكور أعلاه أحمد في مسنده 21 /272، رقم الحديث: 13724.

[4] ) سورة البقرة، الآية: 238.

[5] ) سورة النحل، الآية: 120.

[6] ) سورة تازمر، الآية: 9.

[7] ) المسالك في شرح موطأ مالك 3 /122-123.

[8] ) رواه باللفظ المذكور البخاري في صحيحه 5 /105: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه، رقم الحديث: 4089.

[9] ) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 147.

[10] ) المصنف 3 /252.

[11] ) السنن الكبرى 2/ 238.

[12] ) الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 1439.

[13] ) السنن الكبرى 2/ 499.

[14] ) المنتقى شرح الموطأ 1 /210.

[15] ) السنن 2 /568، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، رقم الحديث: 1429.

[16] ) المصنف 3 /252، كتاب الصلاة، باب من قال: القنوت في النصف من رمضان، رقم الحديث: 7000.

[17] ) السنن الكبرى 2/ 498، كتاب الصلاة، باب من قال: لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان، رقم الحديث: 4817.

[18] ) المصنف 3 /253، كتاب الصلاة، باب من قال: القنوت في النصف من رمضان، رقم الحديث: 7004.

[19] ) السنن الكبرى 2/ 499، كتاب الصلاة، باب من قال: لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان، رقم الحديث: 4818.

[20] ) السنن الكبرى 2/ 499، كتاب الصلاة، باب من قال لا يقنت فى الوتر إلا فى النصف الأخير من رمضان، رقم الحديث: 4820.

[21] ) تقدم تخريجه.

[22] ) انظر تخريجه في: جامع الأصول في أحاديث الرسول 5 /391-392.

[23] ) السنن الكبرى 2 /499، كتاب الصلاة، باب دعاء القنوت، رقم الحديث: 3267.

[24] ) إكمال المعلم بفوائد مسلم 2 /210.

*********************

جريدة المراجع

إكمال المعلم بفوائد مسلم لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة، المنصورة-مصر، الطبعة الثالثة: 1426 /2005.

جامع الأصول في أحاديث الرسول (ج5) لأبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى: 1390/ 1971.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، الطبعة: الأولى: 1422، طبعة مصورة عن الطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1311.

السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: جماعة من العلماء، دار النوادر،  الطبعة الأولى: 1424 /2013، مصورة عن مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة  الأولى: 1344.

السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد كامل قره بللي، دار الرسالة العالمية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1430/ 2009.

الكامل في ضعفاء الرجال لأبي أحمد عبدالله بن عدي بن عبدالله الجرجاني، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1404 /1984.

المحكم والمحيط الأعظم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، تحقيق: محمد علي النجار، منشورات معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، مصر، الطبعة الأولى: 1393 /1973.

المسالك في شرح موطأ مالك لأبي بكر محمد عبد الله بن العربي المعافري، تحقيق: محمد السليماني، وعائشة السليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى: 1428/ 2007.

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

المصنف لأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، تحقيق: حمد بن عبد الله الجمعة، محمد بن إبراهيم اللحيان، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الثانية: 1427 /2006.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي تحقيق: محيي الدين ديب ميستو، أحمد محمد السيد، يوسف علي بديوي، محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق- سوريا، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1417 /1996.

المنتقى شرح موطأ الإمام مالك لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي الأندلسي، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى: 1332.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق