مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

كَلمةٌ في إنْصافِ التُّراث

كلّما اطّلعْتَ على كثيرٍ ممّا يُكتَبُ اليومَ عن التّراث الاصطلاحيّ والتّراث البلاغيّ واللغويّ والتّراث الكلاميّ، فإنّك تجدُ الأحكامَ المُرسَلَةَ والمُصادراتِ العامّةَ لِما صُنّفَ في الفُنون والعلومِ من مصادرَ قَديمَةٍ، وإنّما مبعثُ تلكَ الأحكامِ العَجْلى رَغبة كثيرٍ من الباحثينَ المُعاصرينَ في التّخلُّصِ السّريعِ من أعباءِ الحديثِ المفصّل والتّحليل المدقّق لمناهج النّظر والتناوُل التي نهَجَها القُدماءُ في مصنّفاتهم، فيعمد هؤلاءِ إلى القَفزِ على كيانٍ ضخمٍ من قيم الزّمان والمَكان والمَعرفَة، للانتقالِ إلى الحديثِ عن الإشكالاتِ المعرفيّة المعاصرة، ولا أفهمُ من تلكَ المُصادَرَة وذلك القَفزِ المنهجيّ، إلاّ نيّةَ الاجتثاثِ، والادّعاءِ الضّمنيّ بأنّ القَضايا التي يبحثونَ فيها، لا تبدأ في الزّمان إلاّ اليومَ ولا في المَكانِ إلا حيثُ يَقفونَ، وأنّ الاجتهادَ المُعاصرَ استقرَّ على ضرورَة مُجاوَزَة البحث فيما كان الأوّلون فيه يَبحثونَ، أو مجاوزةِ الطّرُق والمناهجِ التي كانوا بها يبحَثونَ، وأنّه آن الأوان للانتقالِ إلى القَضايا والمَفاهيم التي أثارَها المفكّرون والفلاسفَةُ المُعاصرون، واصحابُ النظرياتِ والمناهج الحديثَة، انتقالاً كلّيّاً لا رجعةَ فيه، وأنّه ينبغي توحيد مَقاييس انتقاء القَضايا المَبحوثِ فيها وزوايا النّظَر المَبحوث منها والأدوات المنهجيّة المَبْحوثِ بها.
 والحقيقةُ أنّه ينبغي التّوقُّفُ الطّويلُ قبلَ ثَقافَة القَفز والمُصادَرَة، وذلكَ من أجل دراسةِ مَقولاتِ التّراثِ وقضاياه وإشكالاتِه في سياقِها الذي كُتِبَت فيه أوّلاً، ثمّ في سياقٍ جديدٍ وهو قابليّة التّمديد: تَمديد القِيَم التي فيه إلى ما بعدَه، وقابليّةُ الإمدادِ: أي استمْداد ما فيه من كلّيّاتٍ، بسببِها يظلُّ العَمَلُ حياً مستمراً، حاملاً في ثناياه أسبابَ بَقائه. وهذا إنصافٌ لهذا الجسم المعرفيّ الضّخم الذي يستقرّ في الزّمان البّشري والامتداد المَكانيّ استقراراً قوياً خالصاً سائغاً غيرَ مَحْجوبٍ عن النّاظرينَ، لا يُنكرُ ذلكَ إلاّ مَنْ غالَطَ في الحَقائقِ نفسَه وأنكَرَ حسَّه. ومَثَلُ هؤلاءِ كَمَثَلِ مَن ردَّ عليْهم عبدُ القاهر الجُرجانيُّ في الدّلائل، ممّن زَهدوا في النّحو وذمّوا الاشتغالَ به، وطَعنوا على الشعرِ والشّعراءِ وعلى البلاغةِ والبُلَغاءِ؛ وسلسلةُ الإعراضِ عَمّا كُتبَ من نصوصٍ وما تَراكَم من مَعارفَ عبر التّاريخ، متَّصِلةُ الحَلقاتِ.
ولا سبيلَ إلى إدراكِ التّراثِ ومُحاولَة فَهمِ مُحتَواه المعرفيّ إلاّ بانتقاءِ مادَّةٍ من موادِّه، وتلمُّسِ أنْساقِه وقيَم التّواصُل الكامنَة فيه من خِلالِ هذه المادّةِ المُنْتَقاة؛ فإنّ لهذه القيم أثراً في إحياءِ العُلوم القَديمَة والإفادَة منها وإيجاد الصّلةِ الواصلَة بين مُصنّفي التّراث وقُرّائه المُعاصرينَ؛ فكلّ كتابٍ يُحقَّقُ ويُنشرُ ففيه نشأةٌ ثانيةٌ لمؤلِّفِه وإحياءٌ بعدَ موتٍ وإنطاقٌ بعدَ صَمت، والقُرّاءُ المُعاصرونَ يَستقبلونَ المَعارفَ التي في التّراثِ فتتقوّى صلتُهم به وتترسّخُ أقدامُهم لبناءِ المُستقبَل، وتنتقلُ المَعارفُ التراثيّةُ من قارئ إلى آخَر ومن متلقٍّ إلى متلقٍّ، وتتفاوتُ أدواتُ القُرّاءِ والمتلقّين في التّواصُل مع التّراث، وتختلفُ بين وَصفٍ وتَفسير وتأويل، ويَقفُ في الوَسَط بين المُصنَّفاتِ التّراثيّة والقُرّاء المُعاصرين وُسَطاءُ مَهّدوا للقراءَة والتّواصُل بتَوطئةِ المُصنّفاتِ وتَحقيقها وشَرحِ مُفرَداتها واستخراجِ سياقِ كلّ نصّ من نُصوصِها ومَقاصدِها.
   

كلّما اطّلعْتَ على كثيرٍ ممّا يُكتَبُ اليومَ عن التّراث الاصطلاحيّ والتّراث البلاغيّ واللغويّ والتّراث الكلاميّ، فإنّك تجدُ الأحكامَ المُرسَلَةَ والمُصادراتِ العامّةَ لِما صُنّفَ في الفُنون والعلومِ من مصادرَ قَديمَةٍ، وإنّما مبعثُ تلكَ الأحكامِ العَجْلى رَغبة كثيرٍ من الباحثينَ المُعاصرينَ في التّخلُّصِ السّريعِ من أعباءِ الحديثِ المفصّل والتّحليل المدقّق لمناهج النّظر والتناوُل التي نهَجَها القُدماءُ في مصنّفاتهم، فيعمد هؤلاءِ إلى القَفزِ على كيانٍ ضخمٍ من قيم الزّمان والمَكان والمَعرفَة، للانتقالِ إلى الحديثِ عن الإشكالاتِ المعرفيّة المعاصرة، ولا أفهمُ من تلكَ المُصادَرَة وذلك القَفزِ المنهجيّ، إلاّ نيّةَ الاجتثاثِ، والادّعاءِ الضّمنيّ بأنّ القَضايا التي يبحثونَ فيها، لا تبدأ في الزّمان إلاّ اليومَ ولا في المَكانِ إلا حيثُ يَقفونَ، وأنّ الاجتهادَ المُعاصرَ استقرَّ على ضرورَة مُجاوَزَة البحث فيما كان الأوّلون فيه يَبحثونَ، أو مجاوزةِ الطّرُق والمناهجِ التي كانوا بها يبحَثونَ، وأنّه آن الأوان للانتقالِ إلى القَضايا والمَفاهيم التي أثارَها المفكّرون والفلاسفَةُ المُعاصرون، واصحابُ النظرياتِ والمناهج الحديثَة، انتقالاً كلّيّاً لا رجعةَ فيه، وأنّه ينبغي توحيد مَقاييس انتقاء القَضايا المَبحوثِ فيها وزوايا النّظَر المَبحوث منها والأدوات المنهجيّة المَبْحوثِ بها.

 والحقيقةُ أنّه ينبغي التّوقُّفُ الطّويلُ قبلَ ثَقافَة القَفز والمُصادَرَة، وذلكَ من أجل دراسةِ مَقولاتِ التّراثِ وقضاياه وإشكالاتِه في سياقِها الذي كُتِبَت فيه أوّلاً، ثمّ في سياقٍ جديدٍ وهو قابليّة التّمديد: تَمديد القِيَم التي فيه إلى ما بعدَه، وقابليّةُ الإمدادِ: أي استمْداد ما فيه من كلّيّاتٍ، بسببِها يظلُّ العَمَلُ حياً مستمراً، حاملاً في ثناياه أسبابَ بَقائه.

وهذا إنصافٌ لهذا الجسم المعرفيّ الضّخم الذي يستقرّ في الزّمان البّشري والامتداد المَكانيّ استقراراً قوياً خالصاً سائغاً غيرَ مَحْجوبٍ عن النّاظرينَ، لا يُنكرُ ذلكَ إلاّ مَنْ غالَطَ في الحَقائقِ نفسَه وأنكَرَ حسَّه. ومَثَلُ هؤلاءِ كَمَثَلِ مَن ردَّ عليْهم عبدُ القاهر الجُرجانيُّ في الدّلائل، ممّن زَهدوا في النّحو وذمّوا الاشتغالَ به، وطَعنوا على الشعرِ والشّعراءِ وعلى البلاغةِ والبُلَغاءِ؛ وسلسلةُ الإعراضِ عَمّا كُتبَ من نصوصٍ وما تَراكَم من مَعارفَ عبر التّاريخ، متَّصِلةُ الحَلقاتِ.

ولا سبيلَ إلى إدراكِ التّراثِ ومُحاولَة فَهمِ مُحتَواه المعرفيّ إلاّ بانتقاءِ مادَّةٍ من موادِّه، وتلمُّسِ أنْساقِه وقيَم التّواصُل الكامنَة فيه من خِلالِ هذه المادّةِ المُنْتَقاة؛ فإنّ لهذه القيم أثراً في إحياءِ العُلوم القَديمَة والإفادَة منها وإيجاد الصّلةِ الواصلَة بين مُصنّفي التّراث وقُرّائه المُعاصرينَ؛ فكلّ كتابٍ يُحقَّقُ ويُنشرُ ففيه نشأةٌ ثانيةٌ لمؤلِّفِه وإحياءٌ بعدَ موتٍ وإنطاقٌ بعدَ صَمت، والقُرّاءُ المُعاصرونَ يَستقبلونَ المَعارفَ التي في التّراثِ فتتقوّى صلتُهم به وتترسّخُ أقدامُهم لبناءِ المُستقبَل، وتنتقلُ المَعارفُ التراثيّةُ من قارئ إلى آخَر ومن متلقٍّ إلى متلقٍّ، وتتفاوتُ أدواتُ القُرّاءِ والمتلقّين في التّواصُل مع التّراث، وتختلفُ بين وَصفٍ وتَفسير وتأويل، ويَقفُ في الوَسَط بين المُصنَّفاتِ التّراثيّة والقُرّاء المُعاصرين وُسَطاءُ مَهّدوا للقراءَة والتّواصُل بتَوطئةِ المُصنّفاتِ وتَحقيقها وشَرحِ مُفرَداتها واستخراجِ سياقِ كلّ نصّ من نُصوصِها ومَقاصدِها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق