مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، لأبي العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني

 

 

 

قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم

  لأبي العباس  أحمد بن محمد المقري  التلمساني(1041 هـ)

تقديم وتحقيق 

                                                                        بقلم الباحث: عبد الفتاح مفغور*

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وبعد؛

 يعد المديح النبوي من  أهم الأغراض الشعرية  وأشرفها  وأنبلها، وذلك لتعلقه  بمدح خير البشرية  عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

      والمديح  في مقام النبوة، ينبو أن يكون الباعث عليه، شيء مما اعتاده الناس في مدائحهم من التزلف إلى الممدوح، طمعا في ماله، أو رغبة في الحظوة عنده، أوخوفا من سطوته وتسلطه،..فقد لا يرعوي المادحون في هذه الحال عن انتحال الكذب والافتراء، فيكسون ممدوحهم بغير ما هو أهل له.

      وأما مداحوا سيدي الخلق وحبيب الحق،  الولعون بحبه  صلى الله عليه وسلم، المتغنون بكمال أوصافه، الناطقون بأفضاله وكمالاته، فهم لاشك مهما حاولوا توفية النبي صلى الله عليه وسلم حقه في المدح، مقرون بالعجز لا محالة.

    والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، العربي المبعوث في قوم عرفوا بالبيان والفصيح، البارعون  في مدحه والثناء عليه، رغبة في نشر مكارمه والتقرب إلى الله.

وهكذا ظل حال المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم  الولهين  الولعين  بحبه، فلم يخلوا منهم زمان ولا مكان؛ وممن انخرط في سلكهم وسار على دربهم؛الفقيه الأديب اللبيب الشاعر الذي تشهد لشاعريته ما خلفه من قصائد شعرية كثيرة في المديح النبوي.

ومن بينها هذه القصيدة الرائعة التي تغنى فيها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبأوصافه الجميلة وأخلاقه الحميدة، والثناء عليه في إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

وقد اعتمدت في ضبطها وإخراجها على نسختين: الأولى بالمكتبة الوطنية في مجموع تحت رقم: 2896د، والتي جعلتها أصلا ورمزت لها بـ (أ). والثانية:  بالمكتبة الصبيحية  في مجموع تحت رقم:1167، اعتمدت عليها في المقابلة، ورمزت إليها بـ (ب).

قسمت الاشتغال على هذه القصيدة إلى قسمين: الأول: تعريف  موجز بالناظم، والثاني: ضبط القصيدة، ومقابلتها والتعليق عليها. 

أولا:  التعريف بالمقَّري:

ـ نسبه وكنيته ومكان ولادته:هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى ابن عبد الرحمن بن  أبي يعيش بن محمد المقري. ويكنى أبا العباس، ويلقب بشهاب الدين، ولد  سنة (ت986هـ)بمدينة تلمسان، وأصل أسرته من قرية مقرة ـ  بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة[1] ـ . 

  شيوخه:  تتلمذ على يد شيوخ كبار نذكر منهم: 

 أبو عبد الله  محمد بن القاسم القيسي القصار (ت1013هـ)، وأحمد بابا التنبكتي، وعمه سعيد بن أحمد المقري مفتي فاس الذي استفاد منه كثيرا[2].

 مؤلفاته: ترك المقري مؤلفات كثيرة  ومتعددة منها: 

 ـ روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين بمراكش وفاس”[3].

  ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب[4].

ـ أزهار الرياض في أخبار عياض[5] .

ـ فتح المتعال في مدح النعال[6]،جمع فيه الروايات الموجودة في مثال النعل النبوي المحمدي، وقد ألفه بمصر عام ثلاثين وألف، ثم زاد عليه زيادات بالمدينة المنورة شرفها الله، في رمضان عام ثلاثة وثلاثين وألف[7].

ـ رجز في النعال النبوية[8].

  ـ أزهار الكمامة في شرف العمامة[9] .

ـ الدر الثمين في أسماء الهادي الأمين[10]

ـ إضاءة الدجنة فِي عقائد أهل السّنة[11] هو نظم  في علم الكلام ذكر فيه مسائل التوحيد  بإيجاز جاء في آخره قوله:

وكان إتمامي لها بالقاهرة  وفيه تاريخ حلاه الظاهرة.

أي: أنه أتمه سنة 1042هـ[12].

 ـ قصائد  في المديح النبوية[13]

  ـ قصائد أخرى في المديح النبوي  مخطوطة بالخزانة الحسنية[14].

ـ قصيدة في المديح النبوي[15].

ـ قطف المهتصر من أفنان المختصر. هو شرح لمختصر خليل ، أو حاشية على أحد شروحه الكثيرة[16].

ـ حسن الثنا في العفو عمن جنى. هو كتاب صغير جمع فيه أبو العباس بعض الآيات والأحاديث الواردة في طلب العفو  عن المذنب. طبع طبعة حجرية  بمصر 47 صفحة بدون تاريخ.[17]

ـ ثناء العلماء عليه:

وقد وصفه أبو سالم العياشي في رحلته ” ماء الموائد ” بحافظ المغرب في زمانه”[18]. وفي  النشر الكبير  للقادري: ” لا نعلم في وقت صاحب الترجمة أحفظ منه “اهـ.

 وفي  بذل المناصحة  لأبي العباس البوسعيدي حين ذكر خروجه من فاس للمشرق: ” وخلت البلاد عن مثله ومضاهيه “[19]اهـ. وقال القاضي ابن الحاج في رياض الورد  في حق المترجم: “وناهيك بتأليفه نفح الطيب،  فإنه يدل على باعه وجودة فكره حفظاً واطلاعاً واتقانا وضبطا، ولا التفات لمن نقل عنه أنه غير ثقة، بل هو من أعظم علماء الإسلام ثقة وديانة وحفظاً وفهماً “[20]

ـ وفاته: توفي أبو العباس  بالقاهرة في جمادى الآخرة سنة(1041 هـ). ودفن صبيحة يوم السبت  في مقبرة المجاورين ، وجاء في تعريف الخلف : أنه مات مسموما بالشام . وهكذا ضمت القاهرة  جسد المقري  رغم نفوره منها وعزمه على مغادرتها[21].

ثانيا: نص القصيدة:

 

قال الشيخ الفقيه الإمام العالم  أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني رحمه الله:

صل عليك الله ما غرَّدت 

وَرْقَاء سجعا فوق غُصْن مَّرُوح

أذَكرَنِي بالبَانِ طَيْرٌ صَدُوحْ

مُعَاهِداً بِالجَزْعِ  قَبْلَ النَّزُوح

وشَوَّقَتْنِي لِلْحِما نَسْمَةٌ

عَاطِرةُ الأَنْفَاسِ طِيباً تَفُوحْ[22]

وَهَاجَت الشَّجْوَى حُدَاة السُّرى

 والقَلْبُ لِلْقُرْبِ شَدِيدُ الطّمُوح

فَيَارعَى[23] اللهُ زَمَانا مَضَى

بِالسَّفْحِ مِنْ ذِكْراه دَمْعِي سَفُوحْ

إنْ لَم أجِدْ بِالنَّفْسِ في حُبِّهِ

فَليَس[24] في حُكْم الَهوَى بالسَّمُوحْ

وحبذا عَيْشٌ نُعِمْنَا بِهِ

سَحَّت بِهِ الأمَالُ فيِ خَيْرِ سُوحْ  

يَاليْتَ شِعْري والمُنا حسرةٌ

هَلْ لِي غَبُوقٌ بَعْدَ ذَاكَ الصَّبُوح

أيّمنَا جَرَّتْ ذُيُول المُنَا

 وَقَدْ جَرَى فيِ الحُبِّ جَرْيَ الْجَمُوحْ

يَا عَاذِلِي في ذِكْرِ عَهْدِي اتَّئِذ

وارْفُق بصَبّ مَاله مِن جُنُوح

أضْلاَعُه مَكْلُومَةٌ بِالنَّوى

مَا هُنَّ أضْلاعا ولكِن جُرُوح

فَالجِسْم في باطِنِه حُرْقَةٌ

والدَّمع قد أفهم  مِنْهُ السُّطُوح

مَاءٌ وَنَارٌ فِيهِ قَد أُلِّفا

وَذَلِك التَّألِيف أعْيَا الشُّروح

وطال مَا أخْفَى اللِّسَانُ الجوَى

فَمَا لإنْسَان بِسّر يَبُوح

والطَّرَفُ يُشْفِي بالبُكَا سِرَّهُ

بِاللهِ يَا طرفي[25]  إلىَ كَمْ تنوح

ويَا فُؤَادِي إن تَرُمْ مُخْلِصا

مِنْ شَجَنٍ يَغدُوا وهمّ يَرُوح

فحُطَّ  رَحْلَ القصد[26] فيِ طيْبَة

فَهذه قُبَّةُ طَهَ تَلُوحْ /2/

وَهَذِه الرَّوْضَةُ  ذَاتِ السَّنا

وَمسْجِدُ التَّقوى  العَلِي الصَرُوحْ/الصُّرُوح

وهَذه أنْوارُ خَير الوَرى

وهذه الأَثَار ذَاتُ الوُضُوح

ومَهْبِط الوَحْي  التِي لَم تَزَلْ 

بِهِ مِنَ المَنَّان تَأْتِي الفُتُوحْ

وتلك أرْضٌ كَانَ يَمشي بها

فَعَرْفها في كلِّ وقت يَفُوح

يا مُصْطَفى الرَّحمَان  يا مُجْتَبَى

وآدَامٌ مَا بين جِسْم وَرُوح

يَا سَيِّد الأَرْسَال  يَا مَنْ لَه 

على جميع الخَلق  فَضْلَ الرُّجُوح

يا مَن بِه قِدْما نجا إذْ دَعا

أبوه إبراهيم حقّا ونُوح

وغَيرهُم مِنْ أنْبِيَاء الوَرَى

سَادَات أرباب الحُلَى والمَسُوح

يَا من علا أنوَارُهُم نُورُه

والبدر يخفى عند إشراق يُوح[27]

الْمَقَّرِيُّ العبد[28] وَافىَ إلى

عُليَاك إذا[29] أنْت الكريم الصَّفُوح

من مَغْرِب أقصى أتى راجيا

يَفْلي فلا البيداء ذاتُ الطَّلوح

وذَنْبُه أرْبَى عَلى غَيْرِه

وقد عَصَا قَولَ الأرِيبِ النَّصُوح

فامْنُن بِمَا يَرْجُوهُ مِن مطلب

يركبه طِرْف النجاة السبوح

وفُلْكُ إمْن مِنْ زَمَن غذت[30]

أهْوَالُ أَمْوَاج لَهُ فيِ طُفوح

صَلى عليك الله مَا غَرّدَت

وَرْقَاء سَجْعًا فَوقَ غُصْنِ  مروح

وَالآلِ والأَصْحَابِ أَهْل ِالتُّقَى

وَمَنْ تَلاَهُم حَائزا للمَنُوحْ

والحاصل أن للمقري مقاصد متعددة في المديح النبوي، فهو تارة ينظمها بقصد التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم،  وتارة  يهاله مقام النبوة بالوقوف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالروضة الشريفة فينطق لسانه بالثناء  والمدح  والصلاة  على خير البرية صلى الله عليه وسلم.

**********************

جريدة المصادر والمراجع:

1-خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، لمحمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي الحموي (ت: 1111هـ)، دار صادر – بيروت.

 2-الرحلة العياشية  ماء الموائد، لأبي سالم العياشي (ت1090هـ) طبعة حجرية ، وضع لها محمد حجي فهارس. وتدخل ضمن مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر1397 هـ/1977م.

3-الزاوية الدلائية، لمحمد حجي، مطبعة النجاح ط2 1409 ـ 1988

4- فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي الكتاني (ت 1382هـ) تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي  ط2، 1982م.

5-مجمل اللغة لابن فارس، لأحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين (ت: 395هـ). دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان مؤسسة الرسالة – بيروت ط2 ـ1406 هـ ـ 1986 م.

6-المقري صاحب نفح الطيب دراسة تحليلية ـ للحبيب الجنحاني، دار الكتب الشرقية ـ تونس، ط1: 1374 / 1955. 

7-المقري صاحب نفح الطيب، لمحمد عبد الغني حسن، الدار المصرية للتأليف والترجمة.

8- نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، لمحمد بن الطيب القادري. تحقيق: محمد حجي ـ أحمد التوفيق. مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر.1397 هـ/1977م.

هوامش المقال:

*************

[1]  نشر المثاني (1 /223) المقري صاحب نفح الطيب، لمحمد عبد الغني حسن(ص:12)

[2] المقري صاحب نفح الطيب، لمحمد عبد الغني حسن(ص: 52..)

[3] المقري صاحب نفح الطيب للحبيب الجنحاني (ص:96)  

 [4]  المقري صاحب نفح الطيب(ص: 74)

[5] المقري صاحب نفح الطيب(ص:80)

[6]  توجد منه عدة نسخ خطية في الخزانة الوطنية بالرباط، أحسنها  في المخطوط 565ج. الزاوية الدلائية لمحمد حجي(ص:112).

[7]  نشر المثاني للقادري(1 /294)

[8]  قال محمد حجي: “كان  المقري  قد جعل هذا الرجز خاتمة لكتابه فتح المتعال، ثم أفرده في نسخة بعث بها إلى الشيخ محمد بن أبي بكر الدلائي فانتشرت بالمغرب. الزاوية الدلائية (ص: 112)

[9] قال محمد حجي: “وهو رجز في موضوع العمامة النبوية  أرسل المقري النسخة التي كتبها في المدينة المنورة إلى الشيخ محمد بن أبي بكر الدلائي. ويشتمل هذا الرجز على نحو 320 بيتا ” الزاوية الدلائية (ص: 112).

[10]  خلاصة الأثر(1 /302)

[11] المقري صاحب نفح الطيب(ص:95)

[12] المقري صاحب نفح الطيب(ص:95)

[13]  منها عدة قصائد في مجموع بالخزانة الصبيحية تحت رقم: 1167 (89 مخ)، وهذه القصيدة واحدة منها، وهي التي اعتمدتها في المقابلة كما تقدم.

[14]  كشاف(341- 358)

[15] منها نسخة  تحت رقم: 2173د.

[16] المقري صاحب نفح الطيب(ص:97)

[17]  المقري صاحب نفح الطيب (ص:96)

[18] الرحلة العياشية (2 /86)

[19]  نشر المثاني (1 /293)

[20]  فهرس الفهارس(2/576)

[21]  المقري صاحب نفح الطيب (ص:56)

[22]  في (ب) تلوح

[23]  في (ب) فياراعى

[24]  في (ب) فلست

[25]  في (ب) يا عين

[26]  في (ب) العزم

[27]  يوح: اسم من أسماء الشمس.مجمل اللغة لابن فارس(ص:941)

[28]  في (ب) المسكين.

[29]   كذا في الأصل ولعل الصواب إذ

*راجعه الباحث: محمد إليولو                                                     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق