تعتبر قبيلة توبالت من القبائل الصحراوية المغربية، إذ يرتفع نسب أبنائها إلى الولي الصالح محمد صالح بن واندلوس السوسي الصوفي، المعروف بـ«سيدي أوسيدي» المتوفى سنة (591هـ/1194م) دفين مدينة تارودانت(1)، وبتواتر روايات نسابيهم فإنه يرقى نسبهم إلى مولاي إدريس.
ويمتد مجال قبيلة توبالت من آيت باعمران جنوبا إلى مدينة العيون، كما تتفرق جذوع منهم في مدينة الصويرة.
وتعد قبيلة توبالت من قبائل الزوايا التي ارتبطت بالساقية الحمراء(2)، حيث عرفت قبولا لدى جميع سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب . فهي قبيلة قائمة الذات كسلطة دينية متميزة بحملها الكتاب، وابتعادها عن الصراعات الميدانية، فلا هي بخاضعة لسلطة المحاربين، ولا هي مقطوعة الأوامر عنهم، حيث اندمجت طباعهم وعاداتهم مع طباع وأخلاق القبيلة المجاهدة المناضلة العظيمة؛ قبيلة الزرقيين من تكنة آيت الجمل، إذ انصهرت فيهم قبيلة توبالت، واحتفظت بنسبها الشريف، وتمسكت بتعريفها السُّلَالي، ولذلك فكل ما يربطهم بإخوانهم الزرقيين من روابط اجتماعية لا يعني أنهم نسوا نسبهم أو ابتعدوا عن أصلهم، أو أنهم اندثر دورهم بصفتهم من أعرق قبائل الصحراء وأكثرها اهتماما بحفظ القرآن الكريم(3).
وإذا كان الزرقيون يعترفون بالمكانة الدينية لتوبالت كقبيلة لا تحمل إلا الكتاب، فإن فقهاء هذه القبيلة لا يتجاوزون ذلك إلى التعامل مع غير حلفائهم، وفي هذا الإطار جسد علي الليلي سلطة علمية بالصحراء استمرت شهرته وانتقلت بعد وفاته سنة (1300هـ/1882م) إلى أبنائه وأحفاده(4)، حيث تصدر جميع أبنائه للتدريس في المحاضر المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة الممتدة بين وادي درعة والساقية الحمراء، ومن أبرز الأدلة على ذلك أن أسرة منهم توجد الآن في مدينة أبي تلميت في الجنوب الموريتاني، انتقل أحد أجدادهم إليها بطلب من العالم الجليل الداعية المنفق في سبيل الله، من لم يشهد الناس مثله قبله في تلك البلاد، الشيخ سيديا ـ رحمه الله ـ، ففي مدرسته كان أحد أبناء الليلي يدرس القرآن الكريم بمختلف القراءات، وما زالت اليوم تلك ميزتهم، وبسبب ذلك استوطن جذع من آل الليلي بأبي تلميت(5).
وقد اعتاد التوباليون مصاهرة حملة الكتاب الصحراويين وخاصة منهم أولاد أبيري. إلا أن تتبع مراحل تنقل علمائهم وفقهائهم خلال العقود الأخيرة يكشف عن اندماجهم بالمدارس العتيقة داخل مدن المغرب كـ: الصويرة، وفاس، وتارودانت، وتيزنيت(6). وتعد الآن هذه القبيلة ضمن لوائح القبائل الصحراوية المشهود لها بالارتباط العضوي بالمحور الساحلي الرابط ما بين طرفاية والصويرة(7). ولم تنقطع الصلة بين الذين استوطنوا منهم الصحراء، وهم الأكثرية مع إخوانهم في الصويرة وفي حوز مراكش، وهم الآن قبيلة كثيرة العدد متعددة الجذوع، ويكثر فيها الحفاظ بمختلف القراءات، كرماء في بيوتهم، طيبون في مخالطاتهم، وفيهم الآن مكتبات شخصية منها: مكتبة سيدي يعقوب بطرفاية التي حافظ عليها أحد علمائهم ووسعها وحفظها هو المرحوم سيدي حمود، وهي تضم كنوزا ثمينة من المخطوطات(8).
كما عُرف التوباليون بإخلاصهم للعرش العلوي المجيد وتفانيهم في الذب عن حوزة الوطن(9).
وتنقسم قبيلة توبالت سلاليا إلى ثلاث فخذات، وهي:
ـ فخذ الخلائف: نسبة إلى جدهم خليفة.
ـ فخذ لمرازكية.
ـ فخذ الجامعية: نسبة إلى جدهم سيدي جامع بن سيدي مرزوق.
وتتوزع زوايا وأضرحة قبيلة توبالت بمختلف مناطق المغرب: آسفي، الصويرة، مرورا بمنطقة سوس ـ تارودانت ـ في اتجاه الصحراء، إضافة إلى وجود أعلام شرفاء توبالت في عدة دول منها: موريتانيا، والجزائر، وغيرها، وهي كالآتي:
ـ زاوية توبالت:
الفقيه سيدي محمد التوبالي دفين منطقة شياظمة إقليم الصويرة.
ـ ضريح سيدي أوسيدي:
هو الولي الصالح سيدي أبو محمد صالح بن واندلوس السوسي، الأَسْوَد، المعروف بسيدي أوسيدي، دفين مدينة تارودانت.أصله من رُودانة، استوطن مراكش، وأغمات، وريكة، بعد أن حج واستقر أخيرا بالسوس الأقصى، وبه مات ـ رحمه الله ـ سنة (591هـ/1194م)، وكان أبو محمد من الأفراد، إذا رآه من لا يعرفه ظنه معتوها، وكان لا يمسك مما يفتح له فيه. وكانت حياته مليئة بالكشوفات الباطنية، أورد بعضها ابن الزيات في كتابه التشوف، ومنها: «قول أبي محمد صالح: لما عقلت كسرت لأهلي خوابي المسكر، فسجنوني، فقلت لهم: لن أنطلق من سجنكم حتى يصل إلى هذه البلاد أقوام يضفرون شعورهم كالنساء، يعني الأغزاز، وتتهدم طائفة من سور المدينة، فقال أهلي: حمق صالح، فقيدوني، فبقيت في السجن إلى أن دخل الأغزاز المغرب فوصلت منهم طائفة إلى السوس، وانهدمت طائفة من السور، فخرجت من السجن وتوجهت إلى المشرق، فصحبني رجل من أهل بلدي، فكلما دخل بلدا رام بيعي وأدخلني في السوق فلا يجد من يشتريني، وأنا لا أنكر عليه شيئا، إلى أن رجعت معه إلى السوس»(10).
وبعد رجوعه إلى سوس ورث أبو محمد عن أبيه من الأملاك ما يؤكد انتماء أهله للفئات الميسورة،حيث ذكر صاحب الإعلام أنه لما وصل بلده تصدق على المساكين بجميع ما ورثه عن أبيه من الأملاك، ولم يتمسك بشيء(11).
وكانت داره بمراكش مأوى للفقراء باستمرار،وفي هذا يقول ابن الزيات: «أدركت أنا بمراكش أبا محمد صالح ورأيته، فكان يأتي إلي ويكلمني بكلام لا أفهمه، وإذا رآه من لا يعرفه يقول: هذا مجنون. وكان المساكين لا يفارقون منزله، فتارة يخرج إليهم بالصدقات، وتارة يرمي إليهم الدراهم من بين الأبواب، وكان من أعاجيب الزمان، وأخباره كثيرة عجيبة»(12).
ـ زاوية سيدي عبد القادر:
سيدي عبد القادر بن سيدي علي، ونَجْلَيْه سيدي لحسن وبابا الناجم، دفناء زاويتهم بمنطقة مستي سيدي إفني.
ـ زاوية أهل الليلي:
الشيخ الحاج محمد الحسان ولد الليلي دفين الزاوية بطانطان.
ـ ضريح سيدي علي بن عبد الله:
دفين منطقة الشبيكة.
ـ الحاج سيدي سلمان وسيدي علي بوضلوع:
شهيدين بمنطقة النعيلة.
ـ ضريح سيدي الخضير:
الولي الصالح مولاي أحمد بن سيدي محمد بن الخضير، ولد بقبيلة مستي في أيت باعمران سنة 1930م، وترعرع في بيت علم وجاه، فقد كان والده القاضي الشرعي بأيت باعمران الذي رفض عملية التجنيس التي وضعها الاستعمار الإسباني بالمنطقة. درس مولاي أحمد القرآن في البداية على يد والده، ثم انتقل إلى المدرسة العتيقة بسيدي محمد بن داود بآيت باعمران حيث أخذ العلم على يد الفقيه سيدي محمد العبدلاوي، ثم درس في المسجد العتيق بآيت بوبكر، وبمدرسة سيدي علي بن سعيد بالأخصاص، وبمدرسة الجامع الكبير بتزنيت، لينتقل بعد ذلك إلى جامع ابن يوسف بمراكش حيث درس على يد الشيخ مولاي الصديق العربي والشيخ الفقيه البصري.
وفي سنة 1947م انخرط في حزب الاستقلال حيث كان والده كاتبا عاما للحزب بآيت بعمران، كما انضم لحركة الكشفية الاستقلالية حيث كان من الطلبة الذين حملوا السلاح للمقاومة، وحارب الأمية بين صفوف رجالها. وبعد استقلال المغرب التحق مولاي أحمد بمدرسة يحيى الليلي بطرفاية حيث بدأ التدريس، وكان أول معلم صحراوي بالمنطقة، وسيقضي أربعين سنة في التعليم بكل من طرفاية وطانطان والعيون. كما ساهم هذا المقاوم في تنظيم المسيرة الخضراء انطلاقا من مدينة أكادير؛ بتسجيل المتطوعين، وكتابة الشعارات، وضبط اللوجستيك. وقد انضم إلى جبهة التحرير والوحدة لاسترجاع الصحراء، ناهيك عن مشاركته في عملية تحديد الهوية بصفة شاهد ومؤطر، وقد حصل على أوسمة وطنية عديدة.
ترك ـ رحمه الله ـ مجموعة كتابات أدبية، وقصائد شعرية وطنية وقومية، كما كانت له مشاركات في العديد من التظاهرات، وحصل على جوائز.
توفي ـ رحمه الله ـ يوم الأحد 23 دجنبر 2007م فووري جثمانه الثرى بالمقبرة العائلية ببلدة الدورة شمال عيون الساقية الحمراء(13).
ـ زاوية أهل سيدي حمود:
الولي الصالح سيدي حمود ولد سيدي إسماعيل ولد الليلي دفين مدينة طرفاية(14).
ـ ضريح الشيخ سيدي علي المشهور بالليلي:
دفين منطقة الدورة شمال مدينة العيون.
ـ ضريح سيدي يحيى بن سيدي او سيدي:
دفين تلمسان بالجزائر.
ـ ضريح سيدي علي بن سيدي يحيى:
دفين منطقة ألاك بموريتانيا.
إعداد: حسناء بوتوادي
(1)خلال جزولة، للمختار السوسي (4/192)، وكتاب قبائل الصحراء المغربيةأصولها ـ جهادها ـ ثقافتها، لحمداتي شبيهنا ماء العينين، المطبعة الملكية، الرباط، 1419هـ/1998م، (ص154).
(3)كتاب قبائل الصحراء المغربية (ص155)، ومصطفى ناعمي، (مادة تاوبالت)، معلمة المغرب من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، نشر مطابع سلا 1410هـ/1989م، (7/2232).
(8)كتاب قبائل الصحراء المغربية (ص156)، ومخطوطات الصحراء المغربية ضمن كتاب جولات تاريخية، لمحمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1995م، (ص145).
(10)التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، لابن الزيات، تحقيق أحمد التوفيق، منشورات كلية الآداب بالرباط، سلسلة بحوث ودراسات رقم (22)، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1997م، (ص347)، وانظر:طبقات الحضيكي، لمحمد بن أحمد الحضيكي، تقديم وتحقيق أحمد بومزكو، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1427هـ/2006م، (2/96)، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، للمراكشي، راجعه عبد الوهاب ابن منصور، الطبعة الثانية 1418هـ/1997م، (7/342).