مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

قالوا في صحيح البخاري

قال ناصر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن المنير الاسكندري (683هـ):

“بسم الله الرحمن الرحيم. ربِّي يسّر يا كريم. قال سيدنا ومولانا الفقيه الإمام العالم الورع الفاضل، أوحد الفضلاء علماً وحلماً، أكمل الفصحاء نثراً ونظماً، مظهر معاني العلوم استنباطاً وفهماً، والمحتوى على عمدة أصولها وفروعها حفظاً وحكماً، الفقيه الأجلّ ناصر الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الأجل، الأمين المرتضى المكين العدل، وجيه الدين أبي المعالي محمد بن الشيخ الأجلّ السعيد السيد أبي علي منصور خطيب الإسكندرية -أحسن الله جزاءه آمين-: الحمد لله الكبير قبل التكبير، الخبير بما في الضمير، المحيط بمعنى عبارة المعبر ومغزى إشارة المشير، الذي ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ [الشورى: 11]. أحمده وهو بالحمد جدير، وأشكره ونعمه فوق شكري بكثير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه ولا نظير، له الملك والذين تدعون من دونه لا يملكون من قطمير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير السراج المنير . . . خير ظهير. ونصره فنعم المولى ونعم النصير.(…).

       أما بعد: فالسنة هي الجنة الحصينة لمن تدرعها، والشرعة المنيعة لمن تشرعها، وردها صاف وظلها ضاف، وبيانها واف وبرهانها شاف، وهي الكافلة بالاستقامة والكافية في السلامة، والسلم إلى درجات دار المقامة،والوسيلة إلى الموافاة بصنوف الكرامة، قدوة المتنسك وعروة المتمسك، وبحر البحث وعلم العلم، ومعدن الجواهر السنية ومنبع الآداب الدنيوية، حافظها محفوظ وملاحظها ملحوظ، والمقتدي بها على صراط مستقيم، والمهتدي بمعالمها صائر إلى محل النعيم المقيم، أهل الله لخدمتها خواص خلقه، وسهل عليهم في طلبها متوعر طرقه فمنهم من حملها واقتصر، ومنهم من هز أفنانها فاجتنى الثمر لما هصر. فمن ثم كان من الحقوق الواجبة نشرها على الناس قاطبة يحملها الآخذ إلى الغالب، ويبلغها الشاهد إلى الغائب. وقال رسول صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع». فوظيفة الحامل الجاهل في هذه الأمانة أن يؤديها إلى أهلها بالوفاء والتسليم، ووظيفة الحامل الحاذق أيضاً أن يؤديها إلى من عساه أحذق منه في الفهم والتفهيم، وليحذر أن يحجب عن المزيد باعتقاد أنه ذلك العظيم . ففوق كل ذي علم عليم، ومهما ظن أنه ليس وراء قدره مرمى، فقد حرم بركة قوله عز وجل: ﴿وقل رب زدني علما﴾  [ طه: 114]. وقد كان العلماء الربانيون من هذه الأمة على ما وهبوه من القوة في غاية الخزع والهلع، يتدرعون العجز الذي يأباه اليوم لكع بن لكع، حتى كان مالك رحمه الله وهو الذي لا يقرى أحد كما يقرى أهون ما عليه أن يقول فيما لا يدري أنه لا يدري، ويشير بها إلى الأفاضل والأماثل، ويقول: جنة العالم لا أدري فإذا أخطأها أصيبت منه المقاتل. وعزم أمير المؤمنين على أن يحمل الناس في سائر المماليك على الاقتداء بموطأ مالك – رضي الله عنه – واطراح ما عداه، وأن لا يتجاوزه أحد، ولا يتعداه، فمنعه مالك من ذلك، ويخرج من أن يكون في قواصي البسيطة من السنن المنقولة والعلوم المحفوظة نوادر ما أحاط بها، ومن أين للبشر قوة محيطة. وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم نشروا الحق في البلاد، ونصحوا في النظر للعباد، وقد بث الله فضله حيث شاء، ولعل في اللحوق ما يفوق الإنشاء، وقد يفهم الفرع ما خفي عن الأصل، وكيف لأحد أن يحجر واسعاً من الفضل، وبهذا يتنزل قوله عليه السلام: «رب مبلغ أوعى من سامع» على نصابه، ويفهم على ما هو عليه والمتواضع هو الذي يأتي البيت من بابه.”

                                                            (يـتـبـع)

المتواري على تراجم أبواب البخاري، الجزء1 من الصفحة33إلى 35. تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد، مكتبة المعلا الكويت،1407هـ/1987م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق