مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

قالوا في صحيح البخاري

قال ناصر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن المنير الاسكندري (683هـ):

“والعلوم واسعة وما أوتي الخلق منها إلا قليلاً. وأولئك أيضاً الأقلون، والزيادات المتواقعة رحمة ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، ومقتضى الدليل أن باب الزيادة مفتوح إلى عصرنا هذا الذي ساءت به الظنون، وقعد المحقق فيه في حيز المغبون، فإن الشريعة مضمونة الحفظ مأمونة الإضاعة، متكفلة في ذمة الله إلى قيام الساعة. فيلزم من ذلك أن يؤهل الله لها في كل عصر قومة بأمرها وخزنة لسرها، يستنيرون جواهرها ويستبينون بواطنها وظواهرها، ويعالجون إرواء كل فصل بما يليق بالحكمة المضبوطة في ذلك الفصل، ويتنزلون الأحكام على المصالح السوانح المختلفة الفروع المتفقة الأصل.

وإلى هذه النكتة أشار مالك – رحمه الله – في متقادم العصور بقوله: «تحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا من الفجور». وفضل الله واسع فمن زعم أنه محصور في بعض العصور فقد حجر واسعاً، ورضى بالهوينا، وما أفلح من أصبح بها قانعاً، وربما عقب النجيب والليالي كما علمت حبالى مقربات يلدن كل عجيب. والمقصود بهذه المقدمة أن الإمام أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري لما أودع كتابه من الفقه الذي اشتملت عليه التراجم ما أودع، ورصع في عقود تلك الأبواب من جواهر المعاني وألحق اللباب ما رصّع، ظهرت من تلك المقاصد فوائد، وخفيت فوائد، واضطربت الأفهام فيما خفي، فمن محوم وشارد. فقائل يقول: اخترم ولم يهذب الكتاب، ولم يرتب الأبواب. وقائل يقول: جاء الخلل من النساخ وتجزيفهم والنقلة وتحريفهم. وقائل يقول: أبعد المنتجع في الاستدلال، فأوهم ذلك أن في المطابقة نوعاً من الاعتدال. وبلغني عن الإمام أبي الوليد الباجي أنه كان يقول: «يسلم للبخارى في علم الحديث، ولا يسلم له في علم الفقه» ويعلل ذلك بأن أدلته عن تراجمه متقاطعة، ويحمل الأمر على أن ذلك لقصور في فكرته وتجاوزعن حد فطرته، وربما يجدون الترجمة ومعها حديث يتكلف في مطابقته لها جداً، ويجدون حديثاً في غيرها هو بالمطابقة أولى وأجدى. فيحملون الأمر على أنه كان يضع الترجمة ويفكر في حديث يطابقها، فلا يعن له ذكر الجلي فيعدل إلى الخفي، إلى غير ذلك من التقادير التي فرضوها في التراجم التي انتقدوها فاعترضوها. ويقابل هذه الأقاويل ما أثرته عن جدي – رحمه الله – سمعته يقول: كتابان فقههما في تراجمهما: كتاب البخاري في الحديث، وكتاب سيبويه في النحو. فلما قدّر لي أن أتصفّحها وأتلمّحها، لاح لي

عن قرب وكثب مغزاه فيها، فألفيتها أنواعاً”.

                                                            

                                                             (يـتـبـع)

المتواري على تراجم أبواب البخاري، الجزء1 من الصفحة 35إلى 37. تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد، مكتبة المعلا الكويت، 1407هـ/1987م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق