مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(3)

2- ما جرى به العمل في الشركـات

1-2 حكم استغلال الشريك مقدار حظه المشاع في الشيء المشترك

إن المعمول به في هذه المسألة هو عدم لزوم الكراء للشريك فيما استغله من حظه المشاع مع غيره، وقد نص أبو زيد الفاسي على هذه المسألة في عملياته مقتصرا على جزئي من جزئياتها وهو استغلال الشريك حظه في دار مشتركة مع غيره بالسكنى فقال:

وما على الشريك يوما إن سكن في قـدر حظه لغيـره ثمن

قال الشيخ المهدي الوزاني: «والمعنى أنه جرى العمل بأن من سكن في مقدار حظه من دار مشتركة على الشياع بينه وبين غيره، ليس عليه كراء لشريكه الذي لم يسكن، وهذا العمل غير قاصر على الدار كما يفهم من المعنى، إذ لا معنى لتخصيص السكنى بذلك»([1]).

ومن صور الاستغلال التي ينطبق عليها العمل المذكور، استغلال الشريك مقدار ما يملكه من الأرض على الإشاعة بينه وبين شريكه أو شركائه، وذلك بالحرث والزرع، فليس عليه كراء، لأنه استغل قدر حظه من الأرض المشتركة ولم يتعداه.

ويستثنى من عدم لزوم الكراء ما إذا كان الشيء المشترك مما لا يقبل القسمة ولا يمكن للشريك فيه أن يستقل بحظه على وجه الانتفاع والاستغلال ولو على الإشاعة، وذلك مثل السفن والدواب والعبيد، حيث يتعين على الشريكين الاتفاق على كراء معلوم يدفعه المستغل لشريكه أو البيع واقتسام الثمن.

جاء في المعيار ما نصه: «وسئل السيوري عن مركب بين رجلين أراد أحدهما أن يسافر في حصته إلى العدوة وليس للآخر ما يعمل في نصفه ولا وجد من يكريه، فهل له نصف ما حمل شريكه من الكراء أم لا؟ فأجاب: للذي لم يجد ما يحمل في نصيبه أن يأخذ شريكه بحصته من الكراء، وله منعه من السفر حتى يعامله على ذلك أو ينفصلا من المركب ببيعه وقسم ثمنه، قيل والدواب والبعير حكمها حكم المركب»([2]).

ومن ذلك أيضا ما أورده المهدي الوزاني في نوازله عن الإمام ابن هلال في شأن الاشتراك في الدواب حيث قال: «وسئل أيضا عن رجل اشترك مع آخر دابة، وكان أحدهما يستعملها وينفق عليها والعادة جارية بين أهل بلدهم على نحو ما ذكر، فهل له أن يقوم على شريكه بما أنفق ويحاسبه هو بكراء دابته أم لا؟ فأجاب: من طلب حقه عند شريكه في النفقة أو في الكراء أخذه بعد المحاسبة بالكراء وبالنفقة»([3]).

وما جرى به العمل من عدم لزوم الكراء عند استغلال الشريك حظه المشاع يتنزل على مقتضى فتوى أبي حفص العطار التي تناقلتها كتب النوازل، ونص الفتوى المذكورة حسب نقل صاحب المعيار: «وسئل أبو حفص العطار عمن هلك وترك أرضا فزرعها أحد الورثة وبقي منها مثل حظ الباقين من الورثة. فأجاب: ليس على الزارع كراء لأنه إنما زرع حصته. قيل له: فلو كان مركب بين رجلين فوجد أحدهما ما يوسق فيه من ماله ولم يجد شريكه؟ فقال: ليس هذا مثل الأرض، المركب يسافر به، وليس على الشريك تركه بغير شيء، والأرض على حالها.»([4])

كما يوافق العمل المذكور مقتضى فتوى القاضي سيدي عيسى السجستاني في ورثة استبد بعضهم باستغلال ساقية مشتركة بينهم بمحضرهم وسكوتهم حيث قال: «وأما الاستغلال فإن اقتصر الذي استغل على مقدار حظه فلا شيء عليه وإلا لزمه الكراء، وعلى الآخر اليمين ما سكت تاركا لحقه في الكراء»([5]).

أما الامام السيوري فله نظر مخالف لمقتضى العمل المذكور، حيث أفتى بلزوم الكراء عند استغلال الشريك نصيبه المشاع مع غيره، وهذه الفتوى أوردها الونشريسي كذلك في المعيار ونصها: «وسئل عمن اشترت نصيبا من دار وسكنت جميعها فبعد مدة أثبتت عيبا يوجب رد الجميع، فطلبها البائع بكراء ما بقي في الدار في المدة الماضية، فقالت لم أسكن إلا قدر نصيبي، وأيضا فإن مالك بقية النصيب ينكر العيب.

فأجاب: إذا كانت إنما سكنت نصيبها من الدار وهو مشاع فنصيب الشريك كائن فيه فتطلب بكرائه، إلا أن يثبت ما يدل على أنه أسكنها باطلا ونصيب المشتري لا كراء فيه»([6]).

وقد استنتج المواق من قول البرزلي عقب فتوى أبي حفص: وكذا يلزم في الدار أنها على حالها بخلاف المركب، ترجيح فتواه على فتوى السيوري، قال المواق: «ويظهر من البرزلي أنه رجح هذا على فتيـا السيوري»([7]).

ولعل المعنى الذي يمكن ملاحظته في العمل المذكور والله أعلم، أن الشريك باجتزائه بحظه واقتصاره في التصرف فيه عليه دون تعديه إلى حظ شريكه، يتنزل منزلة المتصرف في حظه المفرز له بعد القسمة، ومما يؤيد هذا الملحظ ما نص عليه العلماء من تقييد تصرف الشريك في حظه بأمور:

– كون الانتفاع حاصلا من الشريك وليس من أجنبي.

– كون الانتفاع قاصرا على حظه دون مجاوزته إلى حظ شريكه.

– كون الشريك غير عالم بشريكه.

– أن يكون في نصيب الشريك كفاية له، أو كفاية النصيب بالنسبة للشريك المنتفع.

فإن لم يكن الشريك هو المنتفع بشخصه، أو جاوز في الانتفاع مقدار حظه لزمه الكراء لشريكه. قال الوزاني عند قول أبي زيد في عملياته: «وما على الشريك يوما إن سكن…»: «ومفهوم سكن أي انتفع بنفسه أنه إن أكرى لغيره أو شغل أكثر من حقه أو استغل أن عليه الثمن»([8]).

الهوامش:


[1] النوازل الكبرى، 6/579.

([2]) المعيار 9/418، وانظر كذلك النوازل الكبرى للوزاني 6/519، وفيها الدواب والعبيد بدل والدواب والبعير، وانظر كذلك مذاهب الحكام في نوازل الأحكام، للقاضي عياض وولده محمد، ص 235، تقديم وتحقيق وتعليق، الدكتور محمد بن شريفة الطبعة الاولى1990 دار الغرب الإسلامي بيروت.

([3]) النوازل الكبرى 6/506.

([4]) المعيار 8/139، و 8/271، وكذلك 9/418، وانظر كذلك النوازل الكبرى للوزاني 6/579،  ونوازله الصغرى 3/405-406.

([5]) النوازل الكبرى للوزاني، 6/580.

([6]) المعيار، 8/271.

([7]) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل، 7/105.

([8]) تحفة أكياس الناس ص 272 وما بعدها، وشرح العمل الفاسي للسجلماسي 2/274 وما بعدها.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق