مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(23)

3.2.3- اقتسـام الحبس للاغتـلال

ومما جرى به العمل أيضا جواز قسمة الأملاك المحبسة قسمة اغتلال، ومعلوم أن القسمة هنا مهايأة؛ لأن موضوعها منافع الرقاب لا الرقاب ذاتها. والمعنى الملحوظ في إجازة قسمة الأحباس للاغتلال، هو درء ما قد يترتب عن إبقاء الحبس على حال الشياع من الإفساد له والإضاعة والتعطيل.

قال أبو اليمن ابن فرحون مشيرا إلى الأقوال الواردة في المسألة:

«الحاصل في قسمة الحبس للاغتلال والاعتمار خمسة أقوال، الجواز ويجبر من أبى القسم، والمنع من ذلك أصلا([1])، والجواز مع التراضي بذلك وهو في المقدمات، والجواز في الأرض البيضاء دون الأصول وهو في منتخب الأحكام لابن أبي زمنين، والكراهة وهو في وثائق الهندي وفي معين الحكام»([2]).

ثم ذكر القول الذي جرى به العمل مع بيان علة إعماله فقال: «وفي معين الحكام اختلف العلماء في اقتسام الحبس قسمة اغتلال وانتفاع، فكرهه قوم وأجازه آخرون، وقد جرى العمل باقتسامه لضرر الإشاعة»([3]).

ولقد اعتبر العلامة الحسن بن رحال المعداني الضرورة أساسا قويا يشهد للعمل المذكور بالسداد، وبيانها أن قسمة الأصول لما كانت ممتنعة في الأحباس وغير متصورة فيها، فليس ثم إلا قسمة المهايأة من باب أولى للحاجة الملجئة إليها، قال مقررا هذا المعنى عند قول التحفة:

ولا تبت قسمـة في حبس وطالـب قسمة نفع لم يسي

«وربما يظهر أن القسمة في الحبس قسمة اغتلال أحرى من قسمة الاغتلال في غيره؛ لأن غير الحبس يقسم فيه الأصل ولا كذلك هنا، والضرورة لقسمة الاغتلال جارية فيهما كما هو في المتيطي وغيره، وما لا مندوحة عنه يرخص فيه أكثر، فيرخص في قسم الحبس اغتلالا أكثر من غيره، والمحبس عندنا إنما هو المنافع، والمحبس عليهم يملكونها حقيقة فهي كقسم الأملاك في غير الحبس»([4]).

الهوامش:


([1]) وعلى القول بالمنع فتوى ابن عرفة الواردة في المعيار ونصها: «وسئل عن حائط محبس على رجلين أرادا قسمته قسمة الاغتلال هل يجوز أم لا؟ فأجاب: لا يجوز قسمة الحبس للاغتلال ولا غير ذلك». المعيار 7/333.

([2]) المسائل الملقوطة، ص 157.

([3]) المسائل الملقوطة ص 158، والنوازل الصغرى للوزاني  4/27-28.

([4]) حاشية المعداني على شرح ميارة للتحفة 2/253، وانظر كذلك البهجة 2/451.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق