مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

فضل قيام رمضان من خلال السنة النبوية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فإن قيام شهر رمضان المبارك بفعل الطاعات والقربات لله تعالى،  له  ثواب وفضل عظيم، وأجر جزيل، لورود  أحاديث نبوية  ترغب في قيام رمضان بالصلاة،  وقراءة القرآن،  وذكر الله عز وجل، وغير ذلك  من نوافل الخير وأعمال البر،  ولهذا اخترت أن أكتب مقالا حول هذا الموضوع، وسأتناول فيه باختصار: مفهوم القيام في رمضان، وفضله، ومسألة اختلاف العلماء: ما الأفضل  في قيام رمضان، هل في البيت أم  في المساجد؟  وذلك وفق الآتي:

أولا: مفهوم القيام في رمضان.

القيام معناه:” الصلاة. قال الله عز وجل: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) [1][2].

قال ابن حجر عند:”( باب: فضل من قام رمضان):أي:  قام لياليه مصليا”[3].

قال النووي: “والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح”[4].

قال الباجي في المنتقى: “وقيام رمضان يجب أن يكون صلاة تختص به، ولو كان شائعا في جميع العام لما اختص به، ولا انتسب إليه كما لا تنتسب إليه الفرائض والنوافل التي تفعل في غيره على حسب ما تفعل فيه، وإنما خص به بمعنى الحض عليه لمن عجز عن جميع قيام العام؛ رجاء أن يأخذه من القيام بحظ، وأن يكون ذلك في أكثر أشهر العام ثوابا، كما أنه يحض على قيام العشر الأواخر من لم يستطع قيام جميع رمضان”[5].

ثانيا: فضل قيام رمضان.

ولا شك أن قيام  شهر رمضان من أفضل الطاعات وأحسن القربات إلى الله تعالى، وذلك  لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، والحث والحض على فعله، والترغيب فيه من غير عزيمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: “من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غُفر له ما تقدم من ذنبه”، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر على ذلك. رواه مسلم[6].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غُفر له ما تقدم من ذنبه” أخرجه الإمام أحمد[7].

 قال ابن عبد البر: “في هذا الحديث من الفقه فضل قيام رمضان، وظاهره يبيح فيه الجماعة والانفراد؛ لأن ذلك كله فعل خير، وقد ندب الله إلى فعل الخير، وفيه دليل على أن ما أمر به عمر وفعله من قيام رمضان قد كان سبق من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الترغيب والحض، فصار ذلك من سننه صلى الله عليه وسلم”[8].

قال محمد الأمير:” (من قام رمضان) أي: قام بالطاعة في لياليه من تلاوة، أو صلاة، أو علم شرعي، أو ذكر الله. “إيمانا” تصديقا بوعد الله الإثابة، “واحتسابا” اعتدادا بأن ذلك مرقوم عند الله تعالى[9].

قال القرطبي في المفهم: قوله: (كان يُرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة)، يدل: على أن قيام الليل في رمضان من نوافل الخير، ومن أفضل أعمال البر[10].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخاري[11]، ومسلم[12].

قال ابن العربي: ” وإن قام الشهر كله فقد نالها، وإن أتفق أن يصوم منه ليلة فصادفها فقد نالها”[13].

وقيام  رمضان من العبادات التي كان يواظب عليها الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء،  فقد  أخرج الإمام البيهقي في سننه، “عن عرفجة الثقفي قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان، ويجعل للرجال إماما، وللنساء إماما”، قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء”[14].

ثالثا: اختلاف العلماء ما الأفضل في قيام رمضان لمن قوي عليه، هل يكون في البيت أم في المسجد؟

قال عياض: ” قال الإمام: اختلف ما الأفضل في قيام رمضان لمن قوي عليه، هل إخفاؤه في بيته أم صلاته في المساجد؟ فاستحب مالك قيامه في بيته، واستحب غيره قيامه في المسجد، ويحتج لمالك بقوله ـ عليه السلام ـ: ” أفضل الصلاة ما كان في بيوتكم إلا المكتوبة “[15] وللمخالف بفعله ـ عليه السلام ـ وبأن عمر استحسن ذلك من الناس لما رأى قيامهم في المسجد، ومن جهة المعنى أن مالكا احتاط للنية وآثر المنفعة النفسية، والمخالف رأى الإظهار أدعى إلى القلوب الأبيّة، وأبقى للمعالم الشرعية.

قال القاضي: اختلف اختيار مالك فيه، فذكر في المدونة أنه كان يقوم أولا معهم، ثم ترك ذلك ورأى القيام في البيت أفضل، وقال الليث: لو قام الناس في بيوتهم ولم يقم في المسجد لانبغى أن يخرجوا من بيوتهم إليه؛ لأن قيام رمضان من الأمر الذي لا ينبغي تركه، وقد رأى ابن عبد الحكم من أصحابنا أن حضور الجماعة أفضل، كما قال أحمد وأصحاب أبي حنيفة، واختلف فيها أصحاب الشافعي، وقال أبو يوسف بقول مالك”[16].

وقال القرطبي: “قيام الليل في رمضان من نوافل الخـير ومن أفضل أعمال البر، لا خلاف في هذا، وإنما الخلاف في الأفضل منه، هل إيقاعُه في البيت، أو في المسجد؟ فذهب مالك: إلى أن إيقاعه في البيت أفضل لمن قوي عليه، وكان أولا يقوم في المسجد ثم ترك ذلك، وبه قال أبو يوسف، وبعض أصحاب الشافعي. وذهب ابن عبد الحكم، وأحمد وبعض أصحاب الشافعي: إلى أن حضورها في الجماعة أفضل، وقال الليث: لو قام الناس في بيوتهم، ولم يقم أحد في المسجد، لا ينبغي أن يخرجوا إليه، والحجة لمالك قوله  صلى الله عليه وسلم: “خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة”[17]، وقول عمر: نعمت البدعة هي، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون فيها. وحجة مخالفه: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قد صلاها في الجماعة في المسجد، ثم أخبر بالمانع الذي منعه من الدوام على ذلك، وهو خشية أن تفرض عليهم، ثم إن الصحابة كانوا يصلونها في المسجد أوزاعا متفرقين؛ إلى أن جمعهم عمر على قارئ واحد، فاستقر الأمر على ذلك، وثبتت سنته بذلك”[18].

وختاما  فإن قيام شهر رمضان المعظم، بفعل الطاعات والقرابات من صلاة  وتلاوة للقرآن، وذكر الله وغير ذلك  له فضل عظيم وثواب جزيل عند الله تعالى.

************

هوامش المقال:

[1]  المزمل الآية: 1.

[2]  الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي(2/ 250).

[3]  فتح الباري(4 /318).

[4]  شرح النووي على مسلم (6 /58)

[5]  المنتقى(2 /145).

[6]   أخرجه  مسلم في صحيحه كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح رقم: (174)(1 /523).

[7]    أخرجه في مسنده، رقم: (9445)(15 /264).

[8]  التمهيد(7/ 105ـ106).

[9]  التنوير شرح الجامع الصغير(10 /336).

[10]  المفهم(2 /388).

[11]   أخرجه  البخاري في صحيحه كتاب: فضل ليلة القدر ، باب: فضل ليلة القدر، رقم: (2014)(3 /45-46).

[12]   أخرجه  مسلم في صحيحه كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح رقم: (175) (1 /523-524).

[13]   القبس(ص: 536).

[14]  أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، جماع أبواب صلاة التطوع، وقيام شهر رمضان ، باب: قيام شهر رمضان، رقم: (4606) (2/ 695). 

[15]   أخرجه  البخاري في صحيحه كتاب: الأذان، باب: صلاة الليل، رقم: (731)(1 /147). بلفظ:” …فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة”.

[16]  إكمال المعلم(3 /112).

[17]   سبق تخريجه.

[18]  المفهم(2 /388).

*******************

جريدة المصادر والمراجع:

إكمال المعلم بفوائد مسلم، لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء ، مصر، ط1، 1419 هـ ـ 1998م.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف ابن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق: عبد الله بن الصديق،  منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب. 1399هـ-1979م.

التنوير شرح الجامع الصغير، لمحمد بن إسماعيل بن صلاح الصنعاني، أبي إبراهيم، عز الدين، الأمير، تحقيق: محمد إسحاق محمد إبراهيم، مكتبة دار السلام، الرياض، ط1، 1432 هـ ـ 2011 م.

الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، لجمال الدين أبي المحاسن يوسف بن حسن بن عبد الهادي ابن المبرد، تحقيق: رضوان مختار بن غربية، دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة ـ السعودية، ط1، 1411 هـ ـ 1991م.

السنن الكبرى، لأبي بكر البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1424 هـ ـ 2003 م.

صحيح البخاري لمحمد بن إسماعيل أبي  عبد الله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر،  دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط1، 1422هـ.

 فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ترقيم وتبويب: محمد فؤاد عبد الباقي. دار الكتب العلمية ـ لبنان. 

القبس في شرح موطأ مالك بن أنس،لأبي بكر بن العربي المعافري تحقيق: محمد عبد الله ولد كريم،  دار الغرب الإسلامي، ط1، 1992م.

مسند الإمام أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، ، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة  الرسالة، ط1، 1417هـ/1997م.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي،  دار إحياء الكتب العربية، توزيع دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1412هـ ـ 1991م.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي ، تحقيق: محيي الدين ديب ميستو، وأحمد محمد السيد، ويوسف علي بديوي، ومحمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دمشق ، بيروت، ودار الكلم الطيب، دمشق ، ط1، 1417 هـ ـ 1996م.

المنتقى،  لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، تحقيق: محمد  عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية.

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، مؤسسة قرطبة، ط2، 1414هـ ـ 1994م.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق