مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

عمل المرأة بين هدي الإسلام والقيم المزيفة

 

 

نادية الشرقاوي

مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

الرابطة المحمدية للعلماء

 

 

 

حين يطرح عمل المرأة في ساحتنا الفكرية نصطدم باتجاهين متناقضين، اتجاه يؤيد عمل المرأة خارج البيت، ويرى أنه ضرورة ملحة تفرضها الصعوبات الاقتصادية والمتطلبات المادية للأسرة، كما يرى أن دور المرأة في تنمية المجتمع أمر ضروري، فهي والرجل سواء، واتجاه ثاني يرفض خروج المرأة للعمل، على اعتبار أنها غير مضطرة إلى هذا الخروج، فهي تخرج فقط من باب الترف، وخروجها للعمل تناقض مع تدينها ومع قيم المجتمع، وأنها في الوقت الذي تخرج فيه للعمل فهي تزاحم الرجل في نصيبه في سوق الشغل، فتكون مسئولة عن مأساة البطالة التي يعاني منها الرجل، فللحفاظ على المرأة وعلى كرامتها الأوْلى لها أن تبقى في البيت، مع أن الغريب في الأمر أنها تلقت هي والرجل نفس الدراسة ولهما نفس الشواهد، والأشد غرابة أن رأي الفريق الثاني متناقض، فهو في نفس الوقت يسمح للمرأة بأداء بعض المهام التي تسنده عمليا وسياسيا، خارج أركان البيت.

وقد نفهم من وجهة نظر الفريق الأول أنه يمثل اتجاها براجماتيا، يبحث عن المصلحة، ويدفع بالمرأة للعمل على هذا الأساس، لكنه في الحقيقة رأي يتماشى مع النظرة الإسلامية لعمل المرأة، فهو لا يتناقض مع منطق القرآن الكريم الذي يعترف بحق المرأة في العمل، ويقر باستقلالية الذمة المالية للمرأة، لقوله تعالى:﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ النساء الآية 32.

أما السنة الفعلية فقد أقرت عمل المرأة، ونجد لهذا الإقرار أمثلة كثيرة على رأسها زواج النبي عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد، التي كانت تمارس التجارة قبل وبعد النبوة، ولم يمنعها عليه السلام من ذلك، بل كان يذكرها حتى بعد وفاتها، ويُذكر الآخرين بتفانيها في خدمة الرسالة وإنفاقها وجودها فيقول:” آمنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء” رواه الإمام أحمد.

وعن جابر رضي الله عنه  قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجدّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “بلى فجدي نخلك، فإنه عسى أن تصدقي منه أو تفعلي معروفا” (أخرجه مسلم وأبو داود).

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأزواجه: “يتبعني أطولكن يدا” قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة يرحمها الله، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، قالت: فكانت زينب امرأة صناعة اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله. (الطبقات الكبرى لابن سعد: ج/8، الصفحة: 108.)

وأما الصحابية رائطة امرأة عبد الله بن مسعود فكانت تتقن صناعة اليد، فكانت تعمل وتنفق على زوجها وولدها، فقالت مرة لعبد الله بن مسعود: لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق معكم بشيء، فقال لها عبد الله: والله ما أُحِب إن لم يكن في ذلك أجر ان تفعلي، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:  يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا وَلَيْسَ لِى وَلاَ لِوَلَدِى وَلاَ لِزَوْجِى نَفَقَةٌ غَيْرَهَا وَقَدْ شَغَلُونِى عَنِ الصَّدَقَةِ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِشَىْءٍ فَهَلْ لِى مِنْ أَجْرٍ فِيمَا أَنْفَقْتُ‏؟ قال‏:‏ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَنْفِقِى عَلَيْهِمْ فَإِنَّ لَكِ فِى ذَلِكَ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ‏.‏ (أخرجه الإمام أحمد3/503).

فالمرأة المسلمة أسهمت في بناء المجتمع النبوي، ولم تكن حبيسة البيت، بل كانت حاضرة ومشاركة في الحياة الاقتصادية وفي تنمية المجتمع بكل ما استطاعت، لأنها ما فهمت أن الإسلام يمنعها من ممارسة حياتها، ويكفيها أن القرآن الكريم كتاب الهداية والإرشاد وأن المعلم والقدوة نبي الرحمة لم يعترضا على ممارستها لحقوقها الاقتصادية لا للأسباب الاجتماعية ولا الاقتصادية ولا للأعراف الثقافية.

 

 

نشر بتاريخ: 25 / 06 / 2014

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق