مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

عمر بن الخطاب رضي الله عنه والجفاء؟

 

 


بدر العمراني

بعض المغرضين يحاولون إظهار شخصية الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صورة الجافي والمتكبر على إخوانه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستهزئ بهم، متكئين في ذلك على أخبار لا تصح، مثل:

1- ما رواه الحاكم في المستدرك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان، ثنا هلال بن العلاء الرقي، ثنا أبي، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن صهيب، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال لصهيب: إنك لرجل لولا خصال ثلاثة، قال: وما هن؟ قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم، وفيك سرف في الطعام. قال: يا أمير المؤمنين، أما قولك اكتنيت وليس لك ولد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى. وأما قولك انتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم، فإني رجل من النمر بن قاسط، استبيت من الموصل بعد أن كنت غلاما، قد عرفت أهلي ونسبي. وأما قولك فيك سرف في الطعام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خيركم من أطعم الطعام.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه([1]).

قلت: ليس كذلك، بل الخبر ضعيف، فيه: عبدالله بن محمد بن عقيل، ضعفه النقاد من المحدثين:

قال يعقوب: وابن عقيل صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدا. وقال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة لا يحمد حفظه. وقال الحميدي عن سفيان: كان ابن عقيل في حفظه شيء فكرهت أن ألقه. وقال صالح بن أحمد بن حنبل عن علي بن المديني: ذكرنا عند يحيى بن سعيد ضعف عاصم بن عبيد الله، فقال يحيى: هو عندي نحو بن عقيل. وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: ابن عقيل منكر الحديث. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين: هؤلاء الأربعة ليس حديثهم حجة: سهيل بن أبي صالح والعلاء بن عبد الرحمن وعاصم بن عبيد الله وبن عقيل. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ابن عقيل لا يحتج بحديثه. وقال معاوية بن صالح وأحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى: ضعيف الحديث([2]).

2- وروى عبدالله بن وهب في كتابه الجامع قال: وأخبرني من سمع الأوزاعي يقول: بلغني أن عمر بن  الخطاب كان لا يلقى عكرمة بن أبي جهل إلا شتم أبا جهل، فأتى عكرمة رسول الله عليه السلام، فذكر ذلك له، فقال رسول الله عليه السلام: لا يُسبّنّ  الهالك يُؤذي به الحيّ([3]).

وهذا كذلك ضعيف جدا، فيه: مبهم (من سمع الأوزاعي) فهذا مجهول لا يُعرف حاله. علاوة على الانقطاع، فالأوزاعي لم يُفصح عمن روى له الخبر فقال (بلغني)، فهذا انقطاع بين واضح، فبين الأوزاعي والحادثة مفاوز تنقطع فيها أعناق المُطيّ: الأوزاعي توفي سنة 157هـ وعمر توفي سنة 23هـ، بينهما أكثر من 100 سنة.

3- وروى ابن أبي شيبة في المصنف قال: حدثنا وكيع، عن سعيد بن السائب، عن محمد بن السائب، عن أبيه، قال: رأيت عمر بن الخطاب رأى رجلا يقود بامرأته على بعير يرمي الجمرة، قال: فعلاه بالدِّرّة، إنكارا لركوبها([4]).

قلت: وهذا منكر، في سنده:

محمد بن السائب بن بشر الكلبي متهم بالكذب، قال أبو بكر بن خلاد الباهلي عن معتمر بن سليمان عن أبيه: كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي. وقال عمرو بن الحصين عن معتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم: بالكوفة كذابان الكلبي والسدي يعني محمد بن مروان. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ضعيف. وقال أبو موسى محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عن الكلبي. وقال البخاري: تركه يحيى بن سعيد وبن مهدي. وقال عباس الدوري عن يحيى بن يعلى المحاربي: قيل لزائدة ثلاثة لا تروي عنهم: ابن أبي ليلى وجابر الجعفي والكلبي. قال: أما ابن أبي ليلى فبيني وبين آل بن أبي ليلى حسن فلست أذكره. وأما جابر الجعفي فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة. وأما الكلبي فكنت أختلف إليه فسمعته يقول يوما مرضت مرضة فنسيت ما كنت أحفظ، فأتيت آل محمد فتفلوا في فيّ فحفظت ما كنت نسيت، فقلت: والله لا أروي عنك شيئا فتركته. ([5]).

لذلك على الإنسان أن يتأكد من صحة الأخبار قبل الاستشهاد والاحتجاج، ومن ثمّ يتّضح أنّ الجفاء ليس من أخلاق الفاروق رضي الله عنه، وإنما لحقه ذلك من تلفيقات الرّواة الهلكى.

 

                           والله الموفق لإيضاح الحق.

 


([1]) مستدرك الحاكم 4/278.

([2]) تهذيب الكمال 16/81-82.

([3]) الجامع في الحديث رقم: 365. 2/481.

([4]) المصنف 8/284. رقم: 13926.

([5]) تهذيب الكمال 25/248-249.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق