مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

عبد الله بن محمد الهبطي (تـ963هـ)

     هو الإمام العارف بالله أبو محمد عبد الله بن محمد الهبطي. أصـله من صنهاجة طنجـة من قبيلة “مثنة” كما أشار إلى ذلك ابنه الهبطي محمد الصغير في “المعرب الفصيح عن سيرة الشيخ الفصيح”، إلا أن تلميذه محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني أثبتها “ايمثنة”[1].

حلاه هذا الأخير  بقوله: “فريد عصره وأعجوبة دهره، الإمام العارف بالله وبأحكامه الشيخ الزاهد المحقق، جنيدي زمانه وقطب دائرة أوانه، الهضبة الراسخة والحجة الدامغة الراسخة، ولي الله حقا”[2]، ولقـب بغزالي زمانـه[3]، ونعتـه صاحب مرآة المحاسـن بـأنه: “من أكابـر أهـل العلم والعرفان ورفعة القـدر والبرهان”[4]، ووصـفه ابـن القاضي بالولي الصالح[5]، وبالصـوفي الذي له معرفة بالأصليـن والبيان والمنطق والجـدل والرياضيات[6].

   وقال فيه أحمد الناصري: “وكان رحمه الله من أهـل الورع والدين والإتباع للسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”[7]، ووصـفه بأنـه من المحتاطيـن. 

    يرجح  ابن القاضي أن عبد الله بن محمد الهبطي ولـد سنة 805هـ[8]، وقال في الدرة وفي حفظ الفرائد: أنه توفي سنة 963 هـ وهذا بعيد جدا لأن الهبطي عاش نحو السبعين سنة حسبما صرح به ولده محمد في ترجمته وبهذا يكون ابن القاضي وهم في تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته، وتبعه في ذلك  محمد بن الطيب القادري في الإكليل والتاج، الراجح أن حياته تقع بين: 890 هـ و963 هـ.

نشأ بقبيلـة بجبـل يعزى، إلا أنه اضطـر للرحيل عنها إلى طنجة، ومنها إلى جبـل الأشهـب جنوب شرق مدينة شفشاون الذي شكل أيام السعديين مقرا لآل الهبطي الذين انتقلوا إليه من مدينة طنجـة بعد أن احتلها البرتغاليون سنة 869هـ/1465م[9].

شيـوخـه في العلم والتربية  

ومـن شيوخه الذين أخـذ عنهم العلوم وتعلم منهم السمعيات والنـقليـات نـذكر:

-عبـد الله القسطـلي الأندلـسي (ت حوالي 911 هـ)

“ومنهـم الشيخ العارف الزاهـد الورع الإمام سيدي أبو محمد عبد الله القسطلي المذكور في مشيخة سيدي عبد الله الهبطي، وبينه وبين والدي نسبة من جهة الخئولة، وكان رحمه الله إماما تشد إليه الرحال في علوم التفسير وأصول الدين لقي المشايخ بالعدوتين، وأخذ عنهم واستقر آخر عمره ببلاد بني أبي شداد من بلاد غمارة، وبها توفي العشرة الثانية والله أعلم، وكان الشيخ أبو محمد الهبطي كثيرا ما يعظمه ويثني عليه “[10].

-أبـو العبـاس أحمـد بن علي الزقـاق (ت 931هـ-1525م)

“الفقيـه المتكلـم الإمام عالم المغرب ورئيـس جهابذته أخـذ عن أبيـه أبو الحسن علي بن قاسم الزقاق التجيبي (ت 912هـ- 1506م)، نسبـة لتجيب قبيلـة من قبائـل اليمن- وغيره، رحـل وحـج ولقي أعلاما ونفقـه به الكثير منهـم: ابن أخيـه عبد الوهاب بن محمد والبسيتني، له تآليـف منـها: شرح منظومـة أبيـه في القواعـد المسماة “بالمنـهج المنتخـب في أصول المذهـب”، وبعض الرسالـة والمدونـة ومختصـر خليل توفـي سنـة 931هـ[11]. وفيه قال الهبطي محمد الصغير في “المعرب الفصيح”:

“ومنهم المفتي الزئير الزقاق                               أحمـد قد خولـه در الحقـاق”[12]

-أبـو العبـاس العبـادي الأكـبر التلمـساني (تـ حوالي 931هـ)

  كان من العلمـاء الأعلام حتى لقيـه بفـاس في حيـاة شيخـه سـيدي أبي محمـد عبد الله الغـزواني، فاعتـرف له بالفضـل والتقـدم في الطريق واتـخذه شيخـا وقـدوة في ذلك، كما اتـخذه هو شيـخا في السمعيـات والنقليـات”[13].

-الحـاج زورق الزيـاتـي (ت 931هـ- 1525م)

من قبيلـة بني زيات من قبـائل جبال غمـارة، وأحـد أشيـاخ سيـدي محمـد الهبطـي، حيث كان يثنـي عليـه بالفضـل والعلـم والصـلاح.

 تكـون تكوينا علميا متينا في المغرب والمشرق، قبل أن يرجع إلـى بلاده بالمغـرب، لينشـر علمـه بين طلبـة الشمـال، ويؤـلف الشـرح الممتـع لأرجـوزة عبد الرحمان الرقعي،الني نظم بها مقدمة ابن رشد الفقهية الشهيرة. توفي رحمه الله في أول العشرة الرابعة[14].

– ابـن يجبـش التـازي (ت 920هـ/ 14- 1515هـ)

  كان ممـن جمع بين علم اللسان وعلم الجنان له “تنبيه الهـمم العالية على الصدقة والانتصار للملة الزكية وقمع الشرذمة الطاغية”، يمثـل هذا الكتاب في عصره لونا من الأدب البطولي رام من خلاله شحذ همـم المغاربة قصـد تحرير الثغور المغربية، له مراسلات علمية مع الإمام السنوسي، وقصائد قرظ بها مؤلفاته، ورغم غلبة الطابعين الأدبي والصوفي على ابن يجيش فإنه كان مشاركا في العلوم الدينية واللغوية مبرزا في الفقه والنحو والعروض ويظهر من إلحاح مترجميه على هذه المواد الثلاث أن أكثر دروسه كانت فيها.

-عبـد الله بن عجـال الغـزوانـي (ت 935هـ)

شيخ المشايخ العارف بجلال الله وجماله، الداعي إلى حضرة الربوبية بجميع أقواله وأفعاله، الولي قـدوة أهل زمانه وفريد عصره وأوانه، أخذ عن الشيخ أبي فارس عبد العزيز بن عبد الحق المعروف بالتباع وبالحرار نسبه إلى صناعة الحرير، فرحـل إليه ولازمـه، فأمره الشيـخ برفـع الحطـب إلى الزاويـة ورعايـة الدواب، فبقي على ذلك مـدة. له أتباع كثيرون، وانتفع به الكثير منهم الشيخ الهبطي، والشيخ عبد الله الدقاق، وكان الشيخ الغزواني يربي أصحابه بقصيدة الشيخ الشريسي.

توفي رضي الله عنه في أواسط العشرة الرابعة ودفـن بزاويته داخل مدينة مراكش بحومـة القصـور، وعلى قبـره قبـة حافلـة وهو مـزارة مشهورة.[15].

تلامذته

وممن أخـذ العلـم والتربية عن عبد الله بن محمـد الهبطـي:

-محمـد بن عبد الله الهبطي المعروف “بالهبطي الصغير” (ت 1001هـ-1593م)

وكان مشاركا متضلعا بالفـنون، ولي مقـام أبيه وقصـده الناس من النواحـي، تظهر ملكة الهبطي الكلامية وخطـته الدينية الإصلاحية في كتابه “كنـز السعادة في بيان ما يحتاج إليه من نطـق الشهادة”، الذي رد بـه على سؤال جاءه من مراكش في موضوع طالما كتب فيه والده وجادل، أي مسألة الإيمان والعمل، كما تظهر ملكته الأدبية والصوفية في رجزه “المعرب الفصيح عن سيرة الشيخ النصيح” الذي عرف فيه بوالده وأشياخه وتلاميذته وهم كثير من العلماء والصالحين[16].

-أبـو القـاسم بن علـي ابن خـجو (ت 957هـ- 1550م)

هو أبو القاسم بن علي بن محمد بن خجو الخلوفي الحساني، الفقيه شيخ السنة، وأحد العلماء الناصحين تفقـه بحضرة فاس وأخذ عن كثير من مشاريخها كالإمام ابن غازي، وسيدي أحمد الزقاق، والشيخ أبي الحسن بن هارون والشيخ زروق، والأستاذ الهبطي[17] وغيـرهم.”وأخـذ طريق التصوف عن شيخه سيدي أبي محمد عبد الله الهبطي، وكان الشيخ أبو محمد يعظمه كثيرا، ويعمل على فتاويه في الفروع الفقهية لما يعلم من علمه وديانته وتحقيقه للسائل. وكان الشيخ أبو القاسم إن أشكلت عليه مسألة يلجأ فيها إلى الشيخ سيدي أبي محمد، ألف كتابا سمـاه بغنيمـة السليـماني، وآخـر سمـاه بضياء النهـار،وآخر سماه بالنصائـح فيما يحرم من الأنكحة والذبائح”[18].

-عبـد الله بن أحمـد ابن حسـون السلاسي (ت 1013هـ- 1605م)

 يجمـع من ترجـم له على شجاعته وعلمه وتصوفه، وكان ممن الذين يجهرون بالحق ولا يخافون في الله  لومـة لائم، وممن ترجم له من معاصريه: الهبطي الصغير في كتابه “المعرب الفصيح”، لأنه عاشره في معهد المواهب ويعرف عنه أكثر من غيره، ولأن مؤلفه يعطينا فكرة عن منهجية وطريقة ابن حسون الصوفية.

-محمـد ابـن عسـكر (ت 986هـ – 1578م)

 هو أبو عبـد الله بن محمـد بن علي بن عمر بن الحسيـن بن مصباح الحسني الشفشاوني المغربي، المعروف بابـن عسكر، مؤرخ صوفي ولـد في الهبـط بمراكش من آثـاره: دوحـة الناشـر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، وديوان الشرفاء.

وهو من تلامـذة الإمام الهبطي حيث صـرح بذلك في عـهد مواضع فقد قال: “سمعـت شيخنـا أبـا محمد سيدي عبد الله الهبطي يقول…”[19]

-سعيـد بن عبـد المنعـم (ت 953هـ – 1547م)

أحد أشهـر الأعـلام في القرن: (10هـ/ 16م) كان عالما جليلا وقطبا صوفيا مشهود له بالولاية. أجمع كـل الذين ترجموا له على تفرده وعلو مقامـه الديني والعلمي والصوفي، قال فيه ابن عسكر: كان من أكابر المشايخ وأشهرهم علما وعملا، وله في المعاملات الشأن الذي لا يدرك… وكان من شدة الدين وقوة الإرادة بالمقام الذي لا ثـاني له”[20].

آثــاره العلميـة

  – قصيدة برهان الاختصار في إحياء دين النبي المختار وهي قصيدة تائية في الوعـظ والإرشاد ذكر فيها كثيرا من حوادث وقته،

– الألفيـة السنيـة في تنبيـه الخاصـة والعامة على ما أوقعوا من التغيير في الملة الإسلامية،

– معنى لا إله إلا الله نظما ونثرا

– منـظومة في بيان عـدة المطلقة والمستحاضة والنفساء والمستبرأة

– جواب في مسألة النفي في كلمة لا إله إلا الله

– أسئلـة وأجوبـة الهبطي

– أرجـوزة الهبطي في أحكام العـدة

– أجـوبة في التصوف

– عقيـدة مباركة في معنى لا إله إلا الله

– عقيـدة وجيـزة

– رسالـة في الهليلة

– عقيدة الهبطي

– أجوبة الهبطي في مسائل التوحيد

– كاشف الأحوال “أرجوزة في شروط الفقر والسلوك إلى الله.

 وفاته

توفي عبد الله بن محمد الهبطي -رحمه الله- عام 963هـ “ودفـن بزاويـته بموضع يعرف بمواهـب، وقد كان اسمـه معاتب فأبدل الشيخ اسمه، من الجبل الأشهب بلاد بنـي زجـل قبيلـة مدينة شفشاون من بلاد غمارة، على ثلاثة أميال من ناحية قبلتـها وقبـره مشـهور هناك رحمـه الله”[21].

 


[1] دوحة الناشـر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر  محمد ابن عسكر الحسني الشفشاوني، تحقيق: محمد حجي، مطبعة دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر 1396-1976 ص: 7.

[2] دوحـة الناشـر ابن عسـكر، ص: 7.

[3] لقبه بهذا القاسم بن علي خجو الناشر ص: 8.

[4] مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن ونبذة عن نشأة التصوف والطريقة الشاذلية بالمغرب للإمام أبي حامد محمد العربي الفاسي الفهري (988هـ- 1252م)، دراسة وتحقيق: الشريف محمد حمزة بن علي الكتاني، منشورات رابطة أبي المحاسن بن المجد 3، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء- الطبعة1: 1424-2003، ص: 80.

[5] درة الحجال في أسماء الرجال أبي العباس أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن القاضي (960-1025هـ) تحقيق محمد الأحمادي أبو النور الناشر: دار التراث القاهرة- المكتبة العتيقة تونس، القاهرة مطبعة دار النصر للطباعة، الطبعة 1: 1390- 1970، 3/60 تر. 975.

[6] المرجع نفسـه: 3/60.

[7] الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأبي عباس أحمد بن خالد الناصري: تحقيق وتعليق: جعغر الناصري ومحمد الناصري دار الكتاب الدار البيضاء 1955، ج 5، ص: 87.

[8] درة الحجال ابن القاضي 3/60 ت: 975.

[9] الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين محمد حجي ج:2 ص: 466.

[10] دوحة الناشر محمد ابن عسكر  ص: 24.

[11] شجرة النور الزكية في طبقات المالكية محمد بن محمد مخلوف دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ص: 274. ترجم له أيضا في: السلوة: 3/348، والجذوى: 66، الدوحة: 55، الحركة الفكرية: 347.

[12] المعرب الفصيح عن سيرة الشيخ الفصيح الهبطي محمد الصغير ص: 7 البيت: 101

[13] دوحـة النـاشر ابـن عسـكر ص: 8.

[14] دوحـة الناشـر ابن عسكر ص: 138، طبقات الحضيكي محمد بن أحمد الحضيكي هـ:2 ص: 556.

[15] دوحة الناشـر: 96-99، شجرة النور: 277 المغرب عبر التاريخ: 190.

[16] ترجم لنفسـه في “المعرب” الفصل التاسع، والنشر: 1/18-19، والتقاط الدور:2، والحركة الفكرية، ص: 467-468.

[17] المقصود به محمد بن بوجمعة الهبطي الصماتي صاحب وقف القرآن الذي كانت وفاته في 930هـ/ 1524.

[18] الدوحـة: 14-15/ الجذوة: 319/ الدرة: 3/ 286/ السلـوة: 2/149-150/ النبوغ: 252.

[19] ابن عسكر دوحـة الناشر ص: 34.

[20] نفس المرجـع ص: 102.

[21] دوحة الناشر ابن عسـكر ص: 14.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق