مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

عالم الأندلس ابن جزي الغرناطي ومتن عقيدته

 

اسمه وكنيته:
اسمه: محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف ابن جزي الكلبي الغرناطي، وكنيته: أبو القاسم [1].
ولادته ونشأته :
ولد ابن جزي سنة 693هـ بغرناطة التي كانت حاضرة الأندلس، وقبلة علماء المغرب، وتعلم العلم منذ صغره  لأنه كان من بيت عريق في العلم والأصالة، والنبل والمجد، يقول المقري في نفح الطيب: «وبيت بني جزي بيت كبير، مشهور بالمغرب والأندلس. فكانت لهذه البيئة العلمية الأصيلة أثر في عكوفه على طلب العلم منذ صباه، وتشير المصادر إلى أنه كان يملك مكتبة ضخمة متنوعة، وأنه كان عاكفاً عليها مستفيداً منها حيث تضلع من المعارف المختلفة كالقراءات، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، وأصول الدين»[2] .
مكانته العلمية وأخلاقه :
كان رحمه الله نابغة زمانه في مختلف العلوم الإسلامية حيث كان إماماً في التفسير والقراءات والحديث والفقه والأصول واللغة والكلام، وكان أديباً، فاضلاً، عذب الشمائل، متواضعاً، عاكفاً على العلم، والاشتغال بالنظر، والتقييد والتدوين، والإفتاء، والجهاد، والقيام على التدريس، والمشاركة في جميع الفنون على صغر سنه
مؤلفاته: 
لقد ترك لنا الإمام ابن جزي إنتاجا غزيرا وآثارا طيبا في المجال العلمي مما جعل اسمه يتردد على الأسماع، وتنقله الألسنة جيلا بعد جيلا إلى يومنا هذا، فمن أهم مصنفاته: 
التسهيل لعلوم التنزيل[3].
الأنوار السنية في الألفاظ السنية[4].
القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية.
النور المبين في قواعد عقائد الدين[5].
تصفية القلوب في الوصول إلى حضرة علام الغيوب[6].
شيوخه:
أخذ ابن جزي عن جملة من العلماء أذكر منهم:
محمد بن أحمد بن داود بن موسى اللخمي ، الكماد (ت712هـ )، من جلة الفقهاء فائقا في الزهد والقناعة ودماثة الخلق ولين الجانب إليه الرحلة في القراآت محدث حافظ ضابط ثبت من تصانيفه الممتع في القراآت وغيره.[7].
أبو القاسم قاسم بن عبد الله بن محمد ابن الشاط الأنصاري (ت723هـ)، كان ابن الشاط متقدا في الأصول والفرائض، موفور الحظ من الفقه، حسن المشاركة في العربية، كاتبا، مرسلا، ريانا من الأدب، ذا ممارسة في الفنون، ونظر في العقليات [8].
أبو عبد الله بن رشيد (ت 724هـ) من أهل سبتة، فريد دهره عدالة وجلالة وحفظا وأدبا وسمتا ، وسع الأسمعة، عال السند، مشاركا في الأصلين، عارفا بالقراءات [9].
تلاميذه :
أما تلاميذه فأهمهم أولاده الثلاثة: 
أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الشاعر الفقيه القاضي الكاتب الخطيب ت785هـ من مؤلفاته شرح على ألفية ابن مالك وتقييدات على القوانين الفقهية[10].
أبو عبد الله محمد بن جزي الفقيه الأصولي الكاتب الأديب الشاعر، والعالم بالتاريخ والحساب واللغة والنحو والبيان. نشأ بغرناطة في كنف والده، وكان يعيره العناية التامة من حيث التربية والتعليم، فقد ألف كتابه “تقريب الوصول” من أجله، قال في المقدمة: ولذا أحببت أن يضرب ابني محمد- أسعده الله- في هذا العلم بسهمه، فصنفت هذا الكتاب برسمه، ووسمته باسمه، لينشط لدرسه وفهمه، وعولت فيه على الاختصار والتقريب، مع حسن الترتيب  والتهذيب [11] وأبو عبد الله هذا هو الذي دون رحلة ابن بطوطة الشهيرة، وله تقييدات في الحديث، وفوائد لطيفة، وأشعار رقيقة، توفي757 هـ [12].
القاضي أبو محمد عبد الله بن جزي إمام في اللغة والشعر بحر في البيان والقراءات، ولم نعثر على تاريخ وفاته. [13].
وفاته:
 توفي ابن جزي – رحمه الله- شهيدا في واقعة طريف، وقد ذكر المؤرخون أنه فقد وهو يحرض الناس ويشحذ بصائرهم ويثبتهم يوم الكائنة بطريف ضحوة يوم الإثنين من سنة 741هـ[14].
متن عقيدة الإمام ابن جزي:[15].
اعلم أن العالم العلوي والسفلي كله محدَث بعد العدم، شاهد على نفسه بالحدوث ولخالقه بالقدم، وذلك لما يبدو عليه من تغيير الصفات وتعاقب الحركات والسكنات وغير ذلك من الأمور الطارئات.
وكل محدَثٍ فلا بد له من محدِثٍ أوجده وخالقٍ خلقه؛ إذ لا بد لكل فعل من فاعل، فجميع الموجودات من الأرض والسماوات والحيوانات والجمادات من الجبال والبحار والأنهار والأشجار والثمار والأزهار والرياح والسحاب والأمطار والشمس والقمر والنجوم واختلاف الليل والنهار وكل صغير وكبير، فيه آثار الصنعة ولطائف الحكمة والتدبير.
ففي كل شيء دليل قاطع وبرهان ساطع على وجود الصانع، وهو الله رب العالمين وخالق الخلق أجمعين، الملك الحق المبين، الذي احتجب عن الأبصار بكبريائه وعلو شأنه، وظهر للبصائر بقوة سلطانه ووضوح برهانه، فما أعظم برهان الله وما أكثر الدلائل على الله، ﴿أفي الله شك فاطر السموات والأرض﴾.
وحسبك الفطرةُ التي فطر الناس عليها وما يوجد في النفوس ضرورة من افتقار العبودية ومعرفة الربوبية، ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله﴾.
الباب الثاني: في صفات الله تعالى عزَّ شأنه وبهر سلطانه
جرت عادة المتكلمين بإثبات سبع صفات، وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام.
فأما الحياة، فإن الله هو الأول القديم، الذي لم يزل في أزل الأزل قبل وجود الأزمان ولم يكن معه شيء غيره، وهو الآن على ما عليه كان، وأنه الحي الباقي، الآخر الذي لا يموت وكل من عليها فان.
وأما القدرة فإنه قدير على كل شيء، لا يعجزه شيء، ولا يصعب عليه شيء، وبيده ملكوت كل شيء. ألا ترى أثر قدرته في اختراع الموجودات، وإمساك الأرض والسماوات، ونفوذ أمره في التصرف في المخلوقات. ففي كل يوم يميت ويحيي ويخلق ويفني ويفقر ويغني ويهدي ويضل ويعز ويذل ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويسعد ويشقي ويعافي ويبتلي، ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾.
وأما الإرادة فإنه سبحانه المريد لجميع الكائنات، المدبر للحادثات، المقدر المقدورات، الفعال لما يريد، فكل نفع وضر وحلو ومر وكفر وإيمان وطاعة وعصيان وزيادة ونقصان وربح وخسران فبإرادته القديمة وقضائه وقدره ومشيئته الحكيمة، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه، ولا اعتراض عليه في فعله،﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾، كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، اقتضى ذلك ملكه وحكمته؛ فالمالك يفعل ما يشاء في ملكه، والملك يحكم بما أراد على مماليكه، والحكيم أعلم بما تقتضيه حكمته، ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾.
قدَّر أرزاق الخلق وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم، كل في كتاب مبين.
خلق قوماً للجنة فيسرهم لليسرى وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلق قوماً للنار فيسرهم للعسرى وبعمل أهل النار يعملون، ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾.
وأما العلم فإنه تبارك وتعالى اسمه عالم بجميع المعلومات، محيط بما تحت الأرض السفلى إلى ما فوق السماوات، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، وعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، وهو حاضر بعلمه في كل مكان، ورقيب على كل إنسان {يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون}، قد استوى عنده الظاهر والباطن، واطلع على مخبآت السرائر ومكنونات الضمائر حتى أنه يعلم ما يهجس في نفوس الحيتان في قعور البحار، ﴿إنه عليم بذات الصدور﴾.
وأما السمع والبصر، فإنه تعالى سميع بصير، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ولا يغيب عن رؤيته مرأى وإن دق، يعلم السر وأخفى، حتى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وما أحسن تعقيب هذا ببرهان ﴿هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء﴾.
وأما الكلام فإنه جل وعز متكلم بصفة أزلية، ليس بحرف ولا صوت ولا يقبل العدم، ولا ما في معناه من السكوت، ولا التبعيض ولا التقديم ولا التأخير، الذي لا يشبه كلام المخلوقين، كما لا تشبه ذاته ذوات المخلوقين، لا تنفد كلماته كما لا تحصى معلوماته ولا تنحصر مقدوراته ﴿قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا﴾.
والدليل على ثبوت هذه الصفات ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنها صفات كمال، فوجب وصف الله بها وأضدادها صفات نقص فوجب تنزيهه عنها ﴿ولله المثل الأعلى﴾.
الوجه الثاني: أنها تدل عليها آثار حكمته، فإن إتقان الصنعة دليل على حياة الصانع وقدرته وعلمه وسائر صفاته.
الوجه الثالث: ما ورد من النصوص الصريحة في القرآن والأخبار الصحيحة.
الباب الثالث: في أسماء الله تعالى الحسنى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة». وقد وردت معدودة معينة في حديث أخرجه الترمذي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه .
واختلف الناس في تلك الأسماء المعينة فيه هل هي فيه مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأصل الحديث، أو هي موقوفة على أبي هريرة؛ لأن لله تعالى أسماء زائدة على تلك المعينة، منها ما ورد في القرآن والحديث ومنها ما هي أسماء مشتقة من أفعاله. 
واعلم أن أسماء الله وصفاته تنقسم على الجملة إلى ثلاثة أقسام: منها ما يرجع إلى الذات، وإلى صفات الذات، وإلى صفات الفعل. وتنقسم على التفصيل بالنظر إلى معانيها عشرة أقسام:
الأول: اسم يدل على الذات وهو قولنا: الله، وقد قيل إنه اسم الله الأعظم .
الثاني: أسماء تدل على الوحدانية كاسمه الواحد والصمد والوتر.
الثالث: أسماء تدل على الحياة كالحي والأول والآخر.
الرابع: أسماء تدل على اختراع المخلوقات وذلك أخص صفات الربوبية كالخالق والباري والفاطر.
الخامس: أسماء تدل على القدرة كالقدير والمنتقم والقهار.
السادس: أسماء تدل على الإرادة كالمريد والفعال لما يريد والقابض والباسط.
السابع: أسماء تدل على الإدراك كالعليم والسميع والبصير.
الثامن: أسماء تدل على العظمة والجلال كالعظيم والكبير والعلي.
التاسع: أسماء تدل على الملك والتملك كالملك والمالك والغني.
العاشر: أسماء تدل على الرحمة كالرحمن الرحيم والغفار والتواب والوهاب.
الباب الرابع: في توحيد الله تعالى
وهو محصول قولنا: لا إله إلا الله. وهو أن تؤمن بأنه إله واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا يشاركه في حكمه أحد، ليس له في ربوبيته شريك ولا نظير، وليس له في ملكه ضد ولا ند ولا منازع ولا ظهير.
والبرهان الواضح على الوحدانية معقول أربع آيات:
الأولى: قوله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾، ومنه أخذ المتكلمون دليل التمانع، إلا أن القرآن أفصح وأوضح.
والثانية: قوله تعالى: ﴿قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً﴾، فإن عدم النزاع دليل على عدم المنازع.
والثالثة: قوله تعالى: ﴿ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض﴾، فكون الوجود كله مرتبطاً بعضه ببعض دليل على أن مالكه واحد.
والرابعة: معقول قوله تعالى: ﴿واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون﴾، فإن من صفات الإله كونه خالقا ولا خالق إلا الله، فلا إله إلا الله، وغيره مخلوق، والمخلوق لا يكون شريكا لخالقه ﴿أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون﴾.
تكميل الطوائف المخالفة في التوحيد: النصارى والمجوس والصابئة والمنجمون والطبائعيون .
فأما النصارى فكفروا بأقوالهم الفاسدة ومذاهبهم الضالة في عيسى وأمه عليهما السلام، وأبلغ الرد عليهم مضمون خمس آيات:
الأولى: قوله:﴿ كانا يأكلان الطعام﴾، فذلك صفة الحدوث والعبودية، لا صفة الربوبية.
الثانية: قوله: ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم﴾، أي من قَدَر على خلق الإنسان من غير أم ولا ولد قادرٌ على خلقِ آخر بأم دون والد.
الثالثة: قوله: ﴿قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني﴾، فإن الغني المطلق لا يحتاج إلى زوجة ولا ولد ولا إلى أحد.
الرابعة: قوله: ﴿وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً﴾، فإن الربوبية والعبودية لا يجتمعان.
الخامسة: قول عيسى عليه السلام: ﴿إني عبد الله﴾، وقوله: ﴿يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم﴾، فاعترافه على نفسه بالعبودية بيان كذب من وصفه بالربوبية.
وأما المجوس فكفروا بعبادة النور، والرد عليهم قوله: ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ فإن المحدث المخلوق لا يكون إلهاً.
وأما الصابئة فكفروا بعبادة الملائكة ونسبتهم إلى الله، والرد عليهم قوله: ﴿بل عباد مكرمون﴾.
وأما المنجمون فأثبتوا للكواكب تأثيراً في الوجود، والرد عليهم قوله ﴿والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره﴾، والمسخر مملوك مقهور، وقوله: ﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن﴾، فكيف يشارك مخلوق خالقه.
وأما الطبائعيون فنسبوا الأفعال للطبيعة، والرد عليهم قوله: ﴿ثمرات مختلفة ألوانها﴾، وقوله: ﴿تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل﴾، فإن اختلاف الأشكال والألوان والروائح والطعوم والمنافع والمضار دليل على الفاعل المختار.
إشارة صوفية
التوحيد نوعان: عام وخاص، فالعام عدم الإشراك الجلي وهو مقام الإيمان الحاصل لجميع المؤمنين، والخاص عدم الإشراك الخفي وهو مقام الإحسان وهو خاص بالأولياء العارفين رضي الله عنهم أجمعين.
الباب الخامس: في تنزيه الله تعالى
وهو معنى قولنا: سبحان الله، وذلك أن تؤمن بأنه ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، تعالى أن يكون له شبيه أو مثيل أو عديل أو نظير أو قرين.
وأنه لا يفتقر إلى شيء وإن كل شيء إليه فقير.
وأنه لا يليق به نقص ولا عيب ، بل تقدس عن كل نقص وتبرأ من جميع العيوب .
وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم ولا تلحقه آفة ولا يصيبه عجز ولا نصب ولا لغوب .
وأنه لا تنفعه طاعة العباد ولا تضره الذنوب.
وأنه لا يموت ولا يفنى ولا يضل ولا ينسى ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
وأنه لا يظلم أحداً وأنه لا تنقص خزائنه ولا يبيد ما عنده أبداً.
تنبيه
ورد في القرآن والحديث ألفاظ يوهم ظاهرها التشبيه، كقوله تعالى:﴿ على العرش استوى﴾ و﴿يداه مبسوطتان﴾، وكحديث نزول الله كل ليلة إلى سماء الدنيا وغير ذلك، وهي كثيرة، تفرق الناس فيها ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، آمنوا بها ولم يبحثوا عن معانيها ولا تأولوها، بل أنكروا على من تكلم فيها ﴿والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾. وهذه طريقة التسليم التي تعود إلى السلامة، وبها أخذ مالك والشافعي وأكثر المحدثين.
الفرقة الثانية: قوم حملوها على ظاهرها، فلزمهم التجسيم، ويعزى ذلك إلى الحنبلية وبعض المحدثين.
الفرقة الثالثة: قوم تأولوها وأخرجوها على ظاهرها إلى ما يقتضيه أدلة العقول، وهم أكثر المتكلمين، والله أعلم.
الباب السادس: في الإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله
اعلم أن الملائكة عباد الله، مكرمون عنده، يعبدونه ويسبحونه ويطيعونه، ولا يعصونه ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. فمنهم حملة العرش وسكان السموات وحفظة على بني آدم وموكلون بالأمطار والنبات والنطف والأرحام والتماس مجالس الذكر ، ولا يحيط بعددهم إلا الله .
وإن الله بعث الأنبياء وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ومنهم من سماه الله في القرآن ومنهم من لم يسمه. وأولهم آدم أبو البشر وآخرهم سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي خاتم النبيين.
وإن الله أنزل عليه جبريل الأمين بالقرآن المبين، كما أنزل التوراة على موسى، وأنزل الإنجيل على عيسى، وأنزل الزبور على داوود، وأنزل صحفاً على غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، فقال تعالى:﴿ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون﴾.  
وأن الله أوجب على جميع الأمم بالدخول في دين الإسلام، ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾.
وأن الله آتى كلَّ نبي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر.
ولما كانت رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم أعم وشريعته ناسخة لما تقدم اقتضى ذلك أن تكون براهينه أظهر وآياته أبهر ودلائل صدقه أكبر وأكثر مبالغة في إقامة الحجة وإيضاحاً لسلوك المحجة، فلقد أيده الله بأنواع من الآيات الباهرة والعلامات الظاهرة فيها عبرة لأولي الألباب، وما أحواله وأقواله وأفعاله إلا العجب العجاب.
ولقد أحصى له علماؤنا رضوان الله عليهم ألف معجزة، وهي ترجع إلى خمسة أنواع:
أحدها: القرآن العظيم الذي أعجز الإنس والجن على الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً وتضمن من العلوم الإلهية الربانية والأسرار التي كانت محجوبة عنها عقول البرية ما يدل قطعاً على أنه تنزيل من الرحمن الرحيم.
والثاني: ما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات الخوارق للعادات وهي كثيرة جداً.
والثالث: ما سبق قبله من الإعلام به والمبشرات.
الرابع: ما ظهر لسائر أمته من الكرامات فإنها دليل على صحة دينهم وصدق متبوعهم صلى الله عليه وسلم.
وانظر ظهور دينه في المشارق والمغارب، وحفظه من التغيير والتبديل منذ أزيد من سبعمائة عام يظهر لك أن ذلك بأمر سماوي واعتقاد رباني.
والخامس: ما وهبه الله من الأخلاق العظيمة والشمائل الكريمة التي لا يجمعها الله إلا لأحب عباده وأكرمهم عليه، وحسبك قوله سبحانه:﴿ وإنك لعلى خلق عظيم﴾.
واعلم أن معجزاته صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى نقلها تنقسم ثلاثة أقسام:
الأول: ما نقطع بصحته فتقوم به الحجة وإن كان واحداً على انفراده، كالقرآن العظيم، وكانشقاق القمر لوروده في القرآن، وكنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وتكثير الطعام القليل لاشتهار ذلك وانتشاره وعدول رواته ووقوعه في مشاهد عظيمة ومحافل كثيرة.
الثاني: ما نقطع بصحة نوعه لكثرة وقوعه وإن لم نقطع بصحة آحاده كالإخبار بالغيوب وإجابة الدعوات، فإن ذلك كثر منه صلى الله عليه وسلم حتى صار مجموعة مقطوعاً به.
الثالث: ما نقل نوعه وأشخاصه نقل الآحاد ولكن إذا جمع إلى غيره أفاد القطع بوقوع المعجزات.
الباب السابع: في الإيمان بالدار الآخرة
وتشمل على اثنتي عشرة مسألة:
– المسألة الأولى: الإيمان بالبرزخ وعذاب من شاء في القبور وذلك من القرآن قوله: ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾، وقوله: ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾، فذلك دليل على عذاب قبل يوم القيامة. ومن السنة أخبار صحيحة.
– المسألة الثانية: سؤال الملكين وقد وردت به الأحاديث الصحاح، وإليه الإشارة بقوله: ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة﴾
– المسألة الثالثة: قيام الخلق من قبورهم وحشرهم إلى الحساب والثواب والعقاب. فدليل جوازه قدرةُ الله عز وجل عليه ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه﴾، ﴿ما خلقكم وما بعثكم إلا كنفس واحدة﴾. ودليل وقوعه ورود الشرائع ونطق الرسل والكتب به، ولاسيما شريعتنا، فقد أبلغت في النذارة والبشارة لتقوم الحجة على العالمين. ثم إن الحكمة تقتضي مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ليجزي الله كل نفس ما كسبت، وإنما يظهر ذلك في الدار الآخرة لا في الدنيا، ولولا الجزاء الأخروي لاستوى المؤمن والكافر والمطيع والعاصي،﴿أفنجعل المسلمين كالمجرمين﴾.
– المسألة الرابعة: الحساب على الأعمال. وقد نطق به الكتاب والسنة.
– المسألة الخامسة: القصاص بين العباد. وقد نطق به أيضا الكتاب والسنة .
– المسألة السادسة: وزن الأعمال. وقد نطق به أيضا الكتاب والسنة .
– المسألة السابعة: إعطاء الكتاب إما باليمين وإما بالشمال. وقد ورد أيضا في الكتاب والسنة .
– المسألة الثامنة: جواز الناس على الصراط. وهو جسر ممدود على جهنم، والناس متفاوتون في سرعة الجواز على قدر أعمالهم، ومنهم من يكب في نار جهنم. دليله من القرآن قوله: ﴿فأهدوهم إلى صراط الجحيم﴾. ومن السنة أحاديث صحاح.
– المسألة التاسعة: حوض النبي صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه أبداً، ويذاد عنه من بدَّل أو غير. ودليله من القرآن قوله: ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾، وقد جاء تفسيره بالحوض في الحديث الصحيح، ومن السنة أحاديث صحيحة كثيرة.
– المسألة العاشرة: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته. ودليلها من القرآن قوله: ﴿عسى أن يبعثك ربك مقاما محموداً﴾، ومن السنة أحاديث صحيحة. والشفاعة في خمسة مواطن:
أحدها: في إراحة الناس من الموقف وتعجيل الفصل وهي مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.
الثانية: في إنقاذ من وجبت عليه النار.
الثالثة: في إخراج من دخل النار من المذنبين.
الرابعة: في تعجيل دخول الجنة.
الخامسة: في رفعة الدرجات في الجنة.
– الحادية عشرة: في دخول النار. ويدخلها صنفان: الصنف الأول: الكفار كلهم، ويعذبون بأنواع العذاب، وبعضهم أشد عذاباً من بعض، ﴿وهم فيها خالدون﴾، ﴿لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون﴾. الصنف الثاني: من شاء الله من عصاة المسلمين، ثم يخرجون منها برحمة الله تعالى وشفاعة الأنبياء والملائكة والشهداء الصالحين وسائر المؤمنين.
تحقيق
إنما يدخل من المؤمنين النار من اجتمعت فيه سبعة أوصاف:
أحدها: أن تكون له ذنوب، تحرزاً من المتقين.
الثاني: أن يموت غير تائب من ذنوبه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الثالث: أن تكون ذنوبه كبائر، فإن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر.
الرابع: أن لا تثقل حسناته ، فلو رجحت على سيآته ولو بوزن ذرة نجا من النار.
الخامس: أن لا يكون ممن له النجاة بعمل سابق كأهل بدر وبيعة الرضوان.
السادس: أن لا يشفع فيه أحد.
السابع: أن لا يغفر له الله.
– الثانية عشرة: دخول الجنة. ولا يدخلها إلا المؤمنون، وينعمون فيها بأنواع النعيم، وينظرون إلى وجه الله الكريم بدليل قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾، وأحاديث صحيحة صريحة، وهم فيها خالدون، جعلنا الله منها بفضله ورحمته.
الباب الثامن: في الإمامة
وفيه مسألتان:
– المسألة الأولى: في إثبات إمامة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم
والدليل على إمامة جميعهم من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال.
والآخر: أن كل واحد منهم أجمع المسلمون في زمانه على بيعته والدخول تحت طاعته، والإجماع حجة.
والثالث: ما سبق لكل واحد منهم من الصحبة والهجرة والمناقب الجليلة وثناء الله عليهم وشهادة الصادق صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة.
ثم إن أبا بكر وعمر أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلافتهما وأمر بالإقتداء بهما، وقدم أبا بكر على حجة الوداع وعلى الصلاة بالناس في مرض موته، وذلك دليل على استخلافه. ثم استخلف أبو بكر عمر. ثم جعل عمر الأمر شورى بين ستة، واتفقوا على تقديم عثمان إلى أن قتل مظلوماً بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ووعده له بالجنة على ذلك. ثم كان أحق الناس بها بعده علي لرتبته الشريفة وفضائله المنيفة.
وأما ما شجر بين علي ومعاوية ومن كان مع كل منهما من الصحابة فالأولى الإمساك عن ذكره وأن يذكروا بأحسن الذكر ، ويلتمس لهم أحسن التأويل، فإن الأمر كان في محل الاجتهاد، فأما علي ومن كان معه فكانوا على الحق، لأنهم اجتهدوا فأصابوا فهم مأجورون، وأما معاوية ومن كان معه فاجتهدوا فأخطئوا فهم معذورون .
وينبغي توقيرهم وتوقير سائر الصحابة ومحبتهم لما ورد في القرآن من الثناء عليهم ولصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “الله الله في أصحابي، لا تجعلوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله”.
– المسألة الثانية: في شروط الإمامة
وهي ثمانية: الإسلام والبلوغ والعقل والذكورة والعدول والعلم والكفاءة، وأن يكون نسبه من قريش، وفي هذا خلاف.
فإن اجتمع الناس على من لم تجتمع الشروط فيه جاز خوفاً من إيقاع الفتنة. ولا يجوز الخروج على الولاة وإن جاروا حتى يظهر منهم الكفر الصراح. وتجب طاعتهم فيما أحب الإنسان وكره إلا أن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الباب التاسع: في الإيمان والإسلام
وفيه مسألتان:
– المسألة الأولى: في معناهما
أما الإسلام فمعناه في اللغة: الانقياد مطلقاً. ومعناه في الشريعة: الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنطق باللسان والعمل بالجوارح. وأما الإيمان فمعناه في اللغة: التصديق مطلقاً. ومعناه في الشريعة: التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . فالإسلام والإيمان على هذا متباينان، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا﴾.
وقد يستعملان مترادفين كقوله:﴿ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين﴾.
وقد يستعملان متداخلين بالعموم والخصوص فيكون الإسلام أعم إذا كان الانقياد باللسان والقلب والجوارح، لأن الإيمان خاص بالقلب، ويكون الإيمان أعم إذا قلنا أنه قول اللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، وهو قول كثير من السلف وإذا قلنا أن الإسلام باللسان والجوارح خاصة.
– المسألة الثانية: في أحكامهما
وفي ذلك أربع صور:
الأولى: أن يجمع بينهما، وهو أن يكون العبد مؤمناً بقلبه منقاداً بجوارحه، فهذا مخلص عند الله.
الثانية: عكسهما، وهو أن يعدم الوصفين، فهذا كافر مخلد في النار.
الثالثة: الانقياد بالجوارح دون الإيمان بالقلب، فهذا مخلد في النار وهو الذي كان يسمى في زمن النبوءة منافقاً وسمي بعد ذلك زنديقاً.
الرابعة: عكسها، وهي الإيمان بالقلب دون النطق والعمل، فإذا كان ذلك لإكراه ولضيق الوقت كمن أسلم ثم مات بأثر ذلك قبل أن يسعه نطق ولا عمل فهو معذور مخلص عند الله، وإن كان لغير ذلك فاختلف فيه.
الباب العاشر: في الاعتصام بالسنة
وفيه مسألتان:
– المسألة الأولى: في ترك البدع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي”، وقال صلى الله عليه وسلم: “أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم”، وحض على الاقتداء بالخلفاء الراشدين، فالخير كله في التمسك بالكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح وتجنب كل محدث وبدعة.
وقد كان المتقدمون يذمون البدع على الإطلاق، وقال المتأخرون: إنها خمسة أقسام: واجبة كتدوين العلم، ومندوبة كصلاة التراويح، وحرام كالمكوس وغيرها، ومكروه كتخصيص بعض الأيام ببعض العبادات، ومباح كمثل ما أحدثه الناس من المطاعم والملابس، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مناخل.
– المسألة الثانية: في النظر والتقليد
وذلك أن الاعتقاد يحصل إما بالنظر وإما بالتقليد:
فأما التقليد فاختلف العلماء فيه: فمذهب المتكلمين أنه لا يجوز ولا يجزأ ، وقال أكثر المحدثين: إنه جائز يخلص عند الله، وهو الصحيح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنع من الناس بحصول الإيمان بأي وجه حصل من تقليد أو نظر، ولو أوجب عليهم الاستدلال أو النظر لعسر الدخول في الدين على كثير من الناس كأهل البوادي وغيرهم، وإنما النظر والاستدلال شأن ذوي العقول الراجعة والأذهان الثابتة، وفيه تتفاوت درجات العلماء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ثم إن خير الاستدلال ما كان على طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وهو الاستدلال بكتاب الله وتدبر آياته والاعتبار في بديع مخلوقاته وعجائب مصنوعاته، والاقتداء بأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم وجميل سيرته وباهر علاماته، ثم إخلاص المحبة له ولأهل بيته الطاهرين وأزواجه وأمهات المؤمنين وأصحابه الأبرار الأكرمين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ورضي الله عنهم أجمعين آمين.
الهوامش:
[1]- انظر ترجمته في: نفح الطيب للمقري 8/28، والإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين ابن الخطيب 3/20، وطبقات القراء لابن الجزري 2/83، والديباج المذهب لابن فرحون 2/139.
[2]- انظر نفح الطيب، 8/28.
[3]-  تحقيق: محمد سالم هاشم، الناشر: دار الكتب العلمية سنة النشر: 1415 -1995.
[4]- تحقيق: محمد بن عزوز، دار ابن حزم، الطبعة الأولى- 2010.
[5]- مخطوط ضمن خزانة القرويين تحت رقم: 721.
[6]- مخطوط بالخزانة الناصرية بتامكروت، يقع ضمن مجموع تحت رقم 1687.
 [7]- انظر ترجمته في الديباج 2/279 وطبقات القراء لابن الجزري 1/63
[8]- الإحاطة، 4/259.
[9]- المصدر السابق، 3/135-136.
[10]- الإحاطة1/157، نفح الطيب 8/31.
[11]- تقريب الوصول إلى علم  الأصول لابن جزي، تح:  محمد المختار بن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، ص88 .
[12]- الدرر الكامنة4/283،  ونفح الطيب 8/40.
[13]- انظر الإحاطة 3/392.
[14]- الإحاطة 3/23، الدرر الكامنة 3/356، نفح الطيب 5/515.
[15]- القوانيين الفقهية   في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية لابن جزي، تح: محمد بن سيدي محمد مولاي، ص:56-76.

اسمه وكنيته:

اسمه: محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف ابن جزي الكلبي الغرناطي، وكنيته: أبو القاسم [1].

ولادته ونشأته :

ولد ابن جزي سنة 693هـ بغرناطة التي كانت حاضرة الأندلس، وقبلة علماء المغرب، وتعلم العلم منذ صغره  لأنه كان من بيت عريق في العلم والأصالة، والنبل والمجد، يقول المقري في نفح الطيب: «وبيت بني جزي بيت كبير، مشهور بالمغرب والأندلس. فكانت لهذه البيئة العلمية الأصيلة أثر في عكوفه على طلب العلم منذ صباه، وتشير المصادر إلى أنه كان يملك مكتبة ضخمة متنوعة، وأنه كان عاكفاً عليها مستفيداً منها حيث تضلع من المعارف المختلفة كالقراءات، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، وأصول الدين»[2] .

مكانته العلمية وأخلاقه :

كان رحمه الله نابغة زمانه في مختلف العلوم الإسلامية حيث كان إماماً في التفسير والقراءات والحديث والفقه والأصول واللغة والكلام، وكان أديباً، فاضلاً، عذب الشمائل، متواضعاً، عاكفاً على العلم، والاشتغال بالنظر، والتقييد والتدوين، والإفتاء، والجهاد، والقيام على التدريس، والمشاركة في جميع الفنون على صغر سنه

مؤلفاته: 

لقد ترك لنا الإمام ابن جزي إنتاجا غزيرا وآثارا طيبا في المجال العلمي مما جعل اسمه يتردد على الأسماع، وتنقله الألسنة جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا، فمن أهم مصنفاته: 

التسهيل لعلوم التنزيل[3].

الأنوار السنية في الألفاظ السنية[4].

القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية.

النور المبين في قواعد عقائد الدين[5].

تصفية القلوب في الوصول إلى حضرة علام الغيوب[6].

شيوخه:

أخذ ابن جزي عن جملة من العلماء أذكر منهم:

محمد بن أحمد بن داود بن موسى اللخمي، الكماد (ت712هـ )، من جلة الفقهاء، فائقا في الزهد والقناعة ودماثة الخلق ولين الجانب، إليه الرحلة في القراءات محدث حافظ ضابط ثبت من تصانيفه الممتع في القراءات وغيره.[7].

أبو القاسم قاسم بن عبد الله بن محمد ابن الشاط الأنصاري (ت723هـ)، كان ابن الشاط متقدا في الأصول والفرائض، موفور الحظ من الفقه، حسن المشاركة في العربية، كاتبا، مرسلا، ريانا من الأدب، ذا ممارسة في الفنون، ونظر في العقليات [8].

أبو عبد الله بن رشيد (ت 724هـ) من أهل سبتة، فريد دهره عدالة وجلالة وحفظا وأدبا وسمتا ، واسع الأسمعة، عال السند، مشاركا في الأصلين، عارفا بالقراءات [9].

تلاميذه :

أما تلاميذه فأهمهم أولاده الثلاثة: 

أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الشاعر الفقيه القاضي الكاتب الخطيب ت785هـ من مؤلفاته شرح على ألفية ابن مالك وتقييدات على القوانين الفقهية[10].

أبو عبد الله محمد بن جزي الفقيه الأصولي الكاتب الأديب الشاعر، والعالم بالتاريخ والحساب واللغة والنحو والبيان. نشأ بغرناطة في كنف والده، وكان يعيره العناية التامة من حيث التربية والتعليم، فقد ألف كتابه “تقريب الوصول” من أجله، قال في المقدمة: “ولذا أحببت أن يضرب ابني محمد- أسعده الله- في هذا العلم بسهمه، فصنفت هذا الكتاب برسمه، ووسمته باسمه، لينشط لدرسه وفهمه، وعولت فيه على الاختصار والتقريب، مع حسن الترتيب  والتهذيب” [11] وأبو عبد الله هذا هو الذي دون رحلة ابن بطوطة الشهيرة، وله تقييدات في الحديث، وفوائد لطيفة، وأشعار رقيقة، توفي757 هـ [12].

القاضي أبو محمد عبد الله بن جزي إمام في اللغة والشعر بحر في البيان والقراءات، ولم نعثر على تاريخ وفاته [13].

وفاته:

 توفي ابن جزي – رحمه الله- شهيدا في واقعة طريف، وقد ذكر المؤرخون أنه فقد وهو يحرض الناس ويشحذ بصائرهم ويثبتهم يوم الكائنة بطريف ضحوة يوم الإثنين من سنة 741هـ [14].

متن عقيدة الإمام ابن جزي: [15]

“اعلم أن العالم العلوي والسفلي كله محدَث بعد العدم، شاهد على نفسه بالحدوث ولخالقه بالقدم، وذلك لما يبدو عليه من تغيير الصفات وتعاقب الحركات والسكنات وغير ذلك من الأمور الطارئات.

وكل محدَثٍ فلا بد له من محدِثٍ أوجده وخالقٍ خلقه؛ إذ لا بد لكل فعل من فاعل، فجميع الموجودات من الأرض والسماوات والحيوانات والجمادات من الجبال والبحار والأنهار والأشجار والثمار والأزهار والرياح والسحاب والأمطار والشمس والقمر والنجوم واختلاف الليل والنهار وكل صغير وكبير، فيه آثار الصنعة ولطائف الحكمة والتدبير.

ففي كل شيء دليل قاطع وبرهان ساطع على وجود الصانع، وهو الله رب العالمين وخالق الخلق أجمعين، الملك الحق المبين، الذي احتجب عن الأبصار بكبريائه وعلو شأنه، وظهر للبصائر بقوة سلطانه ووضوح برهانه، فما أعظم برهان الله وما أكثر الدلائل على الله، ﴿أفي الله شك فاطر السموات والأرض﴾.

وحسبك الفطرةُ التي فطر الناس عليها وما يوجد في النفوس ضرورة من افتقار العبودية ومعرفة الربوبية، ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله﴾.

الباب الثاني: في صفات الله تعالى عزَّ شأنه وبهر سلطانه

جرت عادة المتكلمين بإثبات سبع صفات، وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام.

فأما الحياة، فإن الله هو الأول القديم، الذي لم يزل في أزل الأزل قبل وجود الأزمان ولم يكن معه شيء غيره، وهو الآن على ما عليه كان، وأنه الحي الباقي، الآخر الذي لا يموت وكل من عليها فان.

وأما القدرة فإنه قدير على كل شيء، لا يعجزه شيء، ولا يصعب عليه شيء، وبيده ملكوت كل شيء. ألا ترى أثر قدرته في اختراع الموجودات، وإمساك الأرض والسماوات، ونفوذ أمره في التصرف في المخلوقات. ففي كل يوم يميت ويحيي ويخلق ويفني ويفقر ويغني ويهدي ويضل ويعز ويذل ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويسعد ويشقي ويعافي ويبتلي، ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾.

وأما الإرادة فإنه سبحانه المريد لجميع الكائنات، المدبر للحادثات، المقدر المقدورات، الفعال لما يريد، فكل نفع وضر وحلو ومر وكفر وإيمان وطاعة وعصيان وزيادة ونقصان وربح وخسران فبإرادته القديمة وقضائه وقدره ومشيئته الحكيمة، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه، ولا اعتراض عليه في فعله،﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾، كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، اقتضى ذلك ملكه وحكمته؛ فالمالك يفعل ما يشاء في ملكه، والملك يحكم بما أراد على مماليكه، والحكيم أعلم بما تقتضيه حكمته، ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾.

قدَّر أرزاق الخلق وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم، كل في كتاب مبين.

خلق قوماً للجنة فيسرهم لليسرى وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلق قوماً للنار فيسرهم للعسرى وبعمل أهل النار يعملون، ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾.

وأما العلم فإنه تبارك وتعالى اسمه عالم بجميع المعلومات، محيط بما تحت الأرض السفلى إلى ما فوق السماوات، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، وعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، وهو حاضر بعلمه في كل مكان، ورقيب على كل إنسان {يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون}، قد استوى عنده الظاهر والباطن، واطلع على مخبآت السرائر ومكنونات الضمائر حتى أنه يعلم ما يهجس في نفوس الحيتان في قعور البحار، ﴿إنه عليم بذات الصدور﴾.

وأما السمع والبصر، فإنه تعالى سميع بصير، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي، ولا يغيب عن رؤيته مرأى وإن دق، يعلم السر وأخفى، حتى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وما أحسن تعقيب هذا ببرهان ﴿هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء﴾.

وأما الكلام فإنه جل وعز متكلم بصفة أزلية، ليس بحرف ولا صوت ولا يقبل العدم، ولا ما في معناه من السكوت، ولا التبعيض ولا التقديم ولا التأخير، الذي لا يشبه كلام المخلوقين، كما لا تشبه ذاته ذوات المخلوقين، لا تنفد كلماته كما لا تحصى معلوماته ولا تنحصر مقدوراته ﴿قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا﴾.

والدليل على ثبوت هذه الصفات ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أنها صفات كمال، فوجب وصف الله بها وأضدادها صفات نقص فوجب تنزيهه عنها ﴿ولله المثل الأعلى﴾.

الوجه الثاني: أنها تدل عليها آثار حكمته، فإن إتقان الصنعة دليل على حياة الصانع وقدرته وعلمه وسائر صفاته.

الوجه الثالث: ما ورد من النصوص الصريحة في القرآن والأخبار الصحيحة.

الباب الثالث: في أسماء الله تعالى الحسنى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة». وقد وردت معدودة معينة في حديث أخرجه الترمذي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه .

واختلف الناس في تلك الأسماء المعينة فيه هل هي فيه مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأصل الحديث، أو هي موقوفة على أبي هريرة؛ لأن لله تعالى أسماء زائدة على تلك المعينة، منها ما ورد في القرآن والحديث ومنها ما هي أسماء مشتقة من أفعاله. 

واعلم أن أسماء الله وصفاته تنقسم على الجملة إلى ثلاثة أقسام: منها ما يرجع إلى الذات، وإلى صفات الذات، وإلى صفات الفعل. وتنقسم على التفصيل بالنظر إلى معانيها عشرة أقسام:

الأول: اسم يدل على الذات وهو قولنا: الله، وقد قيل إنه اسم الله الأعظم .

الثاني: أسماء تدل على الوحدانية كاسمه الواحد والصمد والوتر.

الثالث: أسماء تدل على الحياة كالحي والأول والآخر.

الرابع: أسماء تدل على اختراع المخلوقات وذلك أخص صفات الربوبية كالخالق والباري والفاطر.

الخامس: أسماء تدل على القدرة كالقدير والمنتقم والقهار.

السادس: أسماء تدل على الإرادة كالمريد والفعال لما يريد والقابض والباسط.

السابع: أسماء تدل على الإدراك كالعليم والسميع والبصير.

الثامن: أسماء تدل على العظمة والجلال كالعظيم والكبير والعلي.

التاسع: أسماء تدل على الملك والتملك كالملك والمالك والغني.

العاشر: أسماء تدل على الرحمة كالرحمن الرحيم والغفار والتواب والوهاب.

الباب الرابع: في توحيد الله تعالى

وهو محصول قولنا: لا إله إلا الله. وهو أن تؤمن بأنه إله واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا يشاركه في حكمه أحد، ليس له في ربوبيته شريك ولا نظير، وليس له في ملكه ضد ولا ند ولا منازع ولا ظهير.

والبرهان الواضح على الوحدانية معقول أربع آيات:

الأولى: قوله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾، ومنه أخذ المتكلمون دليل التمانع، إلا أن القرآن أفصح وأوضح.

والثانية: قوله تعالى: ﴿قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً﴾، فإن عدم النزاع دليل على عدم المنازع.

والثالثة: قوله تعالى: ﴿ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض﴾، فكون الوجود كله مرتبطاً بعضه ببعض دليل على أن مالكه واحد.

والرابعة: معقول قوله تعالى: ﴿واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون﴾، فإن من صفات الإله كونه خالقا ولا خالق إلا الله، فلا إله إلا الله، وغيره مخلوق، والمخلوق لا يكون شريكا لخالقه ﴿أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون﴾.

تكميل الطوائف المخالفة في التوحيد: النصارى والمجوس والصابئة والمنجمون والطبائعيون .

فأما النصارى فكفروا بأقوالهم الفاسدة ومذاهبهم الضالة في عيسى وأمه عليهما السلام، وأبلغ الرد عليهم مضمون خمس آيات:

الأولى: قوله:﴿ كانا يأكلان الطعام﴾، فذلك صفة الحدوث والعبودية، لا صفة الربوبية.

الثانية: قوله: ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم﴾، أي من قَدَر على خلق الإنسان من غير أم ولا ولد قادرٌ على خلقِ آخر بأم دون والد.

الثالثة: قوله: ﴿قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني﴾، فإن الغني المطلق لا يحتاج إلى زوجة ولا ولد ولا إلى أحد.

الرابعة: قوله: ﴿وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً﴾، فإن الربوبية والعبودية لا يجتمعان.

الخامسة: قول عيسى عليه السلام: ﴿إني عبد الله﴾، وقوله: ﴿يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم﴾، فاعترافه على نفسه بالعبودية بيان كذب من وصفه بالربوبية.

وأما المجوس فكفروا بعبادة النور، والرد عليهم قوله: ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ فإن المحدث المخلوق لا يكون إلهاً.

وأما الصابئة فكفروا بعبادة الملائكة ونسبتهم إلى الله، والرد عليهم قوله: ﴿بل عباد مكرمون﴾.

وأما المنجمون فأثبتوا للكواكب تأثيراً في الوجود، والرد عليهم قوله ﴿والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره﴾، والمسخر مملوك مقهور، وقوله: ﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن﴾، فكيف يشارك مخلوق خالقه.

وأما الطبائعيون فنسبوا الأفعال للطبيعة، والرد عليهم قوله: ﴿ثمرات مختلفة ألوانها﴾، وقوله: ﴿تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل﴾، فإن اختلاف الأشكال والألوان والروائح والطعوم والمنافع والمضار دليل على الفاعل المختار.

إشارة صوفية

التوحيد نوعان: عام وخاص، فالعام عدم الإشراك الجلي وهو مقام الإيمان الحاصل لجميع المؤمنين، والخاص عدم الإشراك الخفي وهو مقام الإحسان وهو خاص بالأولياء العارفين رضي الله عنهم أجمعين.

الباب الخامس: في تنزيه الله تعالى

وهو معنى قولنا: سبحان الله، وذلك أن تؤمن بأنه ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، تعالى أن يكون له شبيه أو مثيل أو عديل أو نظير أو قرين.

وأنه لا يفتقر إلى شيء وإن كل شيء إليه فقير.

وأنه لا يليق به نقص ولا عيب ، بل تقدس عن كل نقص وتبرأ من جميع العيوب .

وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم ولا تلحقه آفة ولا يصيبه عجز ولا نصب ولا لغوب .

وأنه لا تنفعه طاعة العباد ولا تضره الذنوب.

وأنه لا يموت ولا يفنى ولا يضل ولا ينسى ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

وأنه لا يظلم أحداً وأنه لا تنقص خزائنه ولا يبيد ما عنده أبداً.

تنبيه

ورد في القرآن والحديث ألفاظ يوهم ظاهرها التشبيه، كقوله تعالى:﴿ على العرش استوى﴾ و﴿يداه مبسوطتان﴾، وكحديث نزول الله كل ليلة إلى سماء الدنيا وغير ذلك، وهي كثيرة، تفرق الناس فيها ثلاث فرق:

الفرقة الأولى: السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، آمنوا بها ولم يبحثوا عن معانيها ولا تأولوها، بل أنكروا على من تكلم فيها ﴿والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾. وهذه طريقة التسليم التي تعود إلى السلامة، وبها أخذ مالك والشافعي وأكثر المحدثين.

الفرقة الثانية: قوم حملوها على ظاهرها، فلزمهم التجسيم، ويعزى ذلك إلى الحنبلية وبعض المحدثين.

الفرقة الثالثة: قوم تأولوها وأخرجوها على ظاهرها إلى ما يقتضيه أدلة العقول، وهم أكثر المتكلمين، والله أعلم.

الباب السادس: في الإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله

اعلم أن الملائكة عباد الله، مكرمون عنده، يعبدونه ويسبحونه ويطيعونه، ولا يعصونه ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. فمنهم حملة العرش وسكان السموات وحفظة على بني آدم وموكلون بالأمطار والنبات والنطف والأرحام والتماس مجالس الذكر ، ولا يحيط بعددهم إلا الله .

وإن الله بعث الأنبياء وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ومنهم من سماه الله في القرآن ومنهم من لم يسمه. وأولهم آدم أبو البشر وآخرهم سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي خاتم النبيين.

وإن الله أنزل عليه جبريل الأمين بالقرآن المبين، كما أنزل التوراة على موسى، وأنزل الإنجيل على عيسى، وأنزل الزبور على داوود، وأنزل صحفاً على غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، فقال تعالى:﴿ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون﴾.  

وأن الله أوجب على جميع الأمم بالدخول في دين الإسلام، ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾.

وأن الله آتى كلَّ نبي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر.

ولما كانت رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم أعم، وشريعته ناسخة لما تقدم، اقتضى ذلك أن تكون براهينه أظهر وآياته أبهر ودلائل صدقه أكب،ر وأكثر مبالغة في إقامة الحجة وإيضاحاً لسلوك المحجة، فلقد أيده الله بأنواع من الآيات الباهرة والعلامات الظاهرة فيها عبرة لأولي الألباب، وما أحواله وأقواله وأفعاله إلا العجب العجاب.

ولقد أحصى له علماؤنا رضوان الله عليهم ألف معجزة، وهي ترجع إلى خمسة أنواع:

أحدها: القرآن العظيم الذي أعجز الإنس والجن على الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً وتضمن من العلوم الإلهية الربانية والأسرار التي كانت محجوبة عنها عقول البرية ما يدل قطعاً على أنه تنزيل من الرحمن الرحيم.

والثاني: ما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات الخوارق للعادات وهي كثيرة جداً.

والثالث: ما سبق قبله من الإعلام به والمبشرات.

الرابع: ما ظهر لسائر أمته من الكرامات فإنها دليل على صحة دينهم وصدق متبوعهم صلى الله عليه وسلم.

وانظر ظهور دينه في المشارق والمغارب، وحفظه من التغيير والتبديل منذ أزيد من سبعمائة عام يظهر لك أن ذلك بأمر سماوي واعتقاد رباني.

والخامس: ما وهبه الله من الأخلاق العظيمة والشمائل الكريمة التي لا يجمعها الله إلا لأحب عباده وأكرمهم عليه، وحسبك قوله سبحانه:﴿ وإنك لعلى خلق عظيم﴾.

واعلم أن معجزاته صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى نقلها تنقسم ثلاثة أقسام:

الأول: ما نقطع بصحته فتقوم به الحجة وإن كان واحداً على انفراده، كالقرآن العظيم، وكانشقاق القمر لوروده في القرآن، وكنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وتكثير الطعام القليل لاشتهار ذلك وانتشاره وعدول رواته ووقوعه في مشاهد عظيمة ومحافل كثيرة.

الثاني: ما نقطع بصحة نوعه لكثرة وقوعه وإن لم نقطع بصحة آحاده كالإخبار بالغيوب وإجابة الدعوات، فإن ذلك كثر منه صلى الله عليه وسلم حتى صار مجموعه مقطوعاً به.

الثالث: ما نقل نوعه وأشخاصه نقل الآحاد ولكن إذا جمع إلى غيره أفاد القطع بوقوع المعجزات.

الباب السابع: في الإيمان بالدار الآخرة

وتشمل على اثنتي عشرة مسألة:

– المسألة الأولى: الإيمان بالبرزخ وعذاب من شاء في القبور وذلك من القرآن قوله: ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾، وقوله: ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾، فذلك دليل على عذاب قبل يوم القيامة. ومن السنة أخبار صحيحة.

– المسألة الثانية: سؤال الملكين وقد وردت به الأحاديث الصحاح، وإليه الإشارة بقوله: ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾.

– المسألة الثالثة: قيام الخلق من قبورهم وحشرهم إلى الحساب والثواب والعقاب. فدليل جوازه قدرةُ الله عز وجل عليه ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه﴾، ﴿ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة﴾. ودليل وقوعه ورود الشرائع ونطق الرسل والكتب به، ولاسيما شريعتنا، فقد أبلغت في النذارة والبشارة لتقوم الحجة على العالمين. ثم إن الحكمة تقتضي مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ليجزي الله كل نفس ما كسبت، وإنما يظهر ذلك في الدار الآخرة لا في الدنيا، ولولا الجزاء الأخروي لاستوى المؤمن والكافر والمطيع والعاصي،﴿أفنجعل المسلمين كالمجرمين﴾.

– المسألة الرابعة: الحساب على الأعمال. وقد نطق به الكتاب والسنة.

– المسألة الخامسة: القصاص بين العباد. وقد نطق به أيضا الكتاب والسنة .

– المسألة السادسة: وزن الأعمال. وقد نطق به أيضا الكتاب والسنة .

– المسألة السابعة: إعطاء الكتاب إما باليمين وإما بالشمال. وقد ورد أيضا في الكتاب والسنة.

– المسألة الثامنة: جواز الناس على الصراط. وهو جسر ممدود على جهنم، والناس متفاوتون في سرعة الجواز على قدر أعمالهم، ومنهم من يكب في نار جهنم. دليله من القرآن قوله:  ﴿فاهدوهم إلى صراط الجحيم﴾. ومن السنة أحاديث صحاح.

– المسألة التاسعة: حوض النبي صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه أبداً، ويذاد عنه من بدَّل أو غير. ودليله من القرآن قوله: ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾، وقد جاء تفسيره بالحوض في الحديث الصحيح، ومن السنة أحاديث صحيحة كثيرة.

– المسألة العاشرة: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته. ودليلها من القرآن قوله:  ﴿عسى أن يبعثك ربك مقاما محموداً﴾، ومن السنة أحاديث صحيحة. والشفاعة في خمسة مواطن:

أحدها: في إراحة الناس من الموقف وتعجيل الفصل وهي مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.

الثانية: في إنقاذ من وجبت عليه النار.

الثالثة: في إخراج من دخل النار من المذنبين.

الرابعة: في تعجيل دخول الجنة.

الخامسة: في رفعة الدرجات في الجنة.

– الحادية عشرة: في دخول النار. ويدخلها صنفان: الصنف الأول: الكفار كلهم، ويعذبون بأنواع العذاب، وبعضهم أشد عذاباً من بعض، ﴿وهم فيها خالدون﴾، ﴿لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون﴾. الصنف الثاني: من شاء الله من عصاة المسلمين، ثم يخرجون منها برحمة الله تعالى وشفاعة الأنبياء والملائكة والشهداء الصالحين وسائر المؤمنين.

تحقيق

إنما يدخل من المؤمنين النار من اجتمعت فيه سبعة أوصاف:

أحدها: أن تكون له ذنوب، تحرزاً من المتقين.

الثاني: أن يموت غير تائب من ذنوبه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

الثالث: أن تكون ذنوبه كبائر، فإن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر.

الرابع: أن لا تثقل حسناته ، فلو رجحت على سيئاته ولو بوزن ذرة نجا من النار.

الخامس: أن لا يكون ممن له النجاة بعمل سابق كأهل بدر وبيعة الرضوان.

السادس: أن لا يشفع فيه أحد.

السابع: أن لا يغفر له الله.

– الثانية عشرة: دخول الجنة. ولا يدخلها إلا المؤمنون، وينعمون فيها بأنواع النعيم، وينظرون إلى وجه الله الكريم بدليل قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾، وأحاديث صحيحة صريحة، وهم فيها خالدون، جعلنا الله منها بفضله ورحمته.

الباب الثامن: في الإمامة

وفيه مسألتان:

– المسألة الأولى: في إثبات إمامة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم

والدليل على إمامة جميعهم من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال.

والآخر: أن كل واحد منهم أجمع المسلمون في زمانه على بيعته والدخول تحت طاعته، والإجماع حجة.

والثالث: ما سبق لكل واحد منهم من الصحبة والهجرة والمناقب الجليلة وثناء الله عليهم وشهادة الصادق صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة.

ثم إن أبا بكر وعمر أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلافتهما وأمر بالإقتداء بهما، وقدم أبا بكر على حجة الوداع وعلى الصلاة بالناس في مرض موته، وذلك دليل على استخلافه. ثم استخلف أبو بكر عمر. ثم جعل عمر الأمر شورى بين ستة، واتفقوا على تقديم عثمان إلى أن قتل مظلوماً بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ووعده له بالجنة على ذلك. ثم كان أحق الناس بها بعده علي لرتبته الشريفة وفضائله المنيفة.

وأما ما شجر بين علي ومعاوية ومن كان مع كل منهما من الصحابة فالأولى الإمساك عن ذكره وأن يذكروا بأحسن الذكر ، ويلتمس لهم أحسن التأويل، فإن الأمر كان في محل الاجتهاد، فأما علي ومن كان معه فكانوا على الحق، لأنهم اجتهدوا فأصابوا فهم مأجورون، وأما معاوية ومن كان معه واجتهدوا وأخطأوا فهم معذورون .

وينبغي توقيرهم وتوقير سائر الصحابة ومحبتهم لما ورد في القرآن من الثناء عليهم ولصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “الله الله في أصحابي، لا تجعلوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله”.

– المسألة الثانية: في شروط الإمامة

وهي ثمانية: الإسلام والبلوغ والعقل والذكورة والعدول والعلم والكفاءة، وأن يكون نسبه من قريش، وفي هذا خلاف.

فإن اجتمع الناس على من لم تجتمع الشروط فيه جاز خوفاً من إيقاع الفتنة. ولا يجوز الخروج على الولاة وإن جاروا حتى يظهر منهم الكفر الصراح. وتجب طاعتهم فيما أحب الإنسان وكره إلا إن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الباب التاسع: في الإيمان والإسلام

وفيه مسألتان:

– المسألة الأولى: في معناهما

أما الإسلام فمعناه في اللغة: الانقياد مطلقاً. ومعناه في الشريعة: الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنطق باللسان والعمل بالجوارح. وأما الإيمان فمعناه في اللغة: التصديق مطلقاً. ومعناه في الشريعة: التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . فالإسلام والإيمان على هذا متباينان، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا﴾.

وقد يستعملان مترادفين كقوله:﴿ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين﴾.

وقد يستعملان متداخلين بالعموم والخصوص فيكون الإسلام أعم إذا كان الانقياد باللسان والقلب والجوارح، لأن الإيمان خاص بالقلب، ويكون الإيمان أعم إذا قلنا أنه قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، وهو قول كثير من السلف وإذا قلنا أن الإسلام باللسان والجوارح خاصة.

– المسألة الثانية: في أحكامهما

وفي ذلك أربع صور:

الأولى: أن يجمع بينهما، وهو أن يكون العبد مؤمناً بقلبه منقاداً بجوارحه، فهذا مخلص عند الله.

الثانية: عكسهما، وهو أن يعدم الوصفين، فهذا كافر مخلد في النار.

الثالثة: الانقياد بالجوارح دون الإيمان بالقلب، فهذا مخلد في النار وهو الذي كان يسمى في زمن النبوءة منافقاً وسمي بعد ذلك زنديقاً.

الرابعة: عكسها، وهي الإيمان بالقلب دون النطق والعمل، فإذا كان ذلك لإكراه ولضيق الوقت كمن أسلم ثم مات بأثر ذلك قبل أن يسعه نطق ولا عمل فهو معذور مخلص عند الله، وإن كان لغير ذلك فاختلف فيه.

الباب العاشر: في الاعتصام بالسنة

وفيه مسألتان:

– المسألة الأولى: في ترك البدع

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي”، وقال صلى الله عليه وسلم: “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم”، وحض على الاقتداء بالخلفاء الراشدين، فالخير كله في التمسك بالكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح وتجنب كل محدث وبدعة.

وقد كان المتقدمون يذمون البدع على الإطلاق، وقال المتأخرون: إنها خمسة أقسام: واجبة كتدوين العلم، ومندوبة كصلاة التراويح، وحرام كالمكوس وغيرها، ومكروه كتخصيص بعض الأيام ببعض العبادات، ومباح كمثل ما أحدثه الناس من المطاعم والملابس، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مناخل.

– المسألة الثانية: في النظر والتقليد

وذلك أن الاعتقاد يحصل إما بالنظر وإما بالتقليد:

فأما التقليد فاختلف العلماء فيه: فمذهب المتكلمين أنه لا يجوز ولا يجزئ، وقال أكثر المحدثين: إنه جائز يخلص عند الله، وهو الصحيح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنع من الناس بحصول الإيمان بأي وجه حصل من تقليد أو نظر، ولو أوجب عليهم الاستدلال أو النظر لعسر الدخول في الدين على كثير من الناس كأهل البوادي وغيرهم، وإنما النظر والاستدلال شأن ذوي العقول الراجحة والأذهان الثابتة، وفيه تتفاوت درجات العلماء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ثم إن خير الاستدلال ما كان على طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وهو الاستدلال بكتاب الله وتدبر آياته والاعتبار في بديع مخلوقاته وعجائب مصنوعاته، والاقتداء بأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم وجميل سيرته وباهر علاماته، ثم إخلاص المحبة له ولأهل بيته الطاهرين وأزواجه وأمهات المؤمنين وأصحابه الأبرار الأكرمين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ورضي الله عنهم أجمعين آمين”.

 

                                                             إعداد الباحثة: حفصة البقالي

 

الهوامش:


[1]- انظر ترجمته في: نفح الطيب للمقري 8/28، والإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين ابن الخطيب 3/20، وطبقات القراء لابن الجزري 2/83، والديباج المذهب لابن فرحون 2/139.

[2]- انظر نفح الطيب، 8/28.

[3]-  تحقيق: محمد سالم هاشم، الناشر: دار الكتب العلمية سنة النشر: 1415 -1995.

[4]- تحقيق: محمد بن عزوز، دار ابن حزم، الطبعة الأولى- 2010.

[5]- مخطوط ضمن خزانة القرويين تحت رقم: 721.

[6]- مخطوط بالخزانة الناصرية بتامكروت، يقع ضمن مجموع تحت رقم 1687.

 [7]- انظر ترجمته في الديباج 2/279 وطبقات القراء لابن الجزري 1/63

[8]- الإحاطة، 4/259.

[9]- المصدر السابق، 3/135-136.

[10]- الإحاطة1/157، نفح الطيب 8/31.

[11]- تقريب الوصول إلى علم  الأصول لابن جزي، تح:  محمد المختار بن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، ص88 .

[12]- الدرر الكامنة4/283،  ونفح الطيب 8/40.

[13]- انظر الإحاطة 3/392.

[14]- الإحاطة 3/23، الدرر الكامنة 3/356، نفح الطيب 5/515.

[15]- القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية لابن جزي، تح: محمد بن سيدي محمد مولاي، ص:56-76.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق