مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

صور تنزيلية لأصل ما جرى به العمل 1

د/مولاي ادريس غازي 

 

العبرة في الأحباس بالقصد لا باللفظ

من المعلوم أن القاعدة الأصلية التي تنضبط بها التصرفات الوقفية، هي الالتزام الكامل بما نص عليه الواقف من شروط، والوقوف عند الألفاظ الواردة في عقد التحبيس، لأنها وحدها الكفيلة بالإرشاد إلى ما أراده المحبس من تصرفه عند تطبيق مقتضياته وبيان وجوه تحبيسه.

ومجال تطبيق هذه القاعدة أي وجوب اتباع لفظ المحبس، حيث تكون الألفاظ في أعلى مراتب اتضاح الدلالة على المعنى المراد وهي النصوص التي لا احتمال فيها أو الظواهر البينة الظهور، وعلى هذا تنزل القاعدة الفقهية التالية: “ألفاظ المحبس كألفاظ الشارع في وجوب الاتباع ولزوم اعتبار نصوصها وظواهرها”[1].

أما عند وجود احتمال في لفظ المحبس، وقيام الدليل على أن المقصود خلافه، فهل يقتصر على موارد لفظ المحبس دون مجاوزتها، أم يتعين تعقب قصد المحبس بتأويل لفظه وحمله على معناه المقصود عنده حتى ولو اقتضى الأمر خلاف الملفوظ؟.

في المسألة خلاف في المذهب، والذي جرى به العمل هو اعتبار قصد المحبس دون الاكتفاء بالوارد في اللفظ، وهذا ما نص عليه أبو زيد الفاسي في عملياته بقوله:

وروعي المقصود في الأحباس

 

لا اللفظ في عمـل أهل فـاس

قال السجلماسي: “اعلم أنه اختلف إذا كان لفظ المحبس ظاهرا في معنى، وقامت قرينة على أن المقصود خلاف ذلك الظاهر، هل يعمل بمقتضى اللفظ أو يصار إلى المقصود المدلول عليه بالقرينة، فذهب أبو عمران إلى اعتبار ظاهر اللفظ قائلا الناس عند شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا، وذهب غيره إلى اعتبار المقصود دون اللفظ، وبهذا الثاني جرى عمل أهل فاس على ما ذكره الناظم وهو ظاهر فتوى القابسي”[2].

ويتعلق بهذا العمل أمور وهي:

أ- أن اعتبار القصد مقيد بوجود الاحتمال في اللفظ، وقيام الدليل على أن المقصود خلاف الملفوظ، أما إذا كان اللفظ دالا على معناه دلالة قطعية، فيجب الاقتصار عليه لأن اللفظ والقصد هنا متطابقان، وقد نبه السجلماسي على هذا التقييد بقوله:

“لا يترك لفظ الحبس إلا حيث يكون ظاهرا في معنى يظهر من قرينة الحال أن المقصود خلافه، أما حيث يكون اللفظ نصا في المعنى بأن يكون دالا عليه لا يحتمل غيره قطعا، فيجب الوقوف عنده ولا يتعدى إذا كان ذلك مما يجوز شرعا، (…) وشرح هذا يعلم مما عقده ابن هلال أخذا من كلام ابن رشد رحمهما الله قال: لا خلاف أن الألفاظ المسموعة إنما هي عبارة عما في النفس، فإذا عبر المحبس عما في نفسه من إرادته بلفظ غير محتمل، نص فيه على ادخال شيء أو إخراجه منه، وقفنا عنده ولم تصح لنا مخالفة نصه، وإذا عبر عما في نفسه بلفظ محتمل للوجهين جميعا وجب أن نحمله على ما يغلب على ظننا أن المحبس أراده من محتملات لفظه، بما يعلم من قصده، لأن عموم ألفاظ الناس لا تحمل إلا على ما يعلم من قصدهم واعتقادهم، إذ لا طريق لنا إلى العلم بما أراده المحبس إلا من قبله، كما يخصص عموم لفظ الحالف بما يعلم من مقاصد الناس في أيمانهم وعرف كلامهم هـ. فظهر من هذا أن اللفظ الذي هو نص في مدلوله لا معارضة فيه بينه وبين المقصود، بل هو أدل على المقصود من غيره، ولا يمكن أن تقوم معه قرينة تدل على خلاف ذلك المدلول”[3].

 

 


[1] – تحفة أكياس الناس، ص 381، والنوازل الصغرى 4/161.

[2] – شرح العمل الفاسي 2/2.

[3] – نفسه 2/3.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق