مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

صورتنزيلية لأصل ما جرى به العمل5

د/مولاي ادريس غازي 

باحث بمركز دراس بن اسماعيل

وقد نص ابن هلال في نوازله على عدم جواز التصرف في مصارف الأحباس وقال: “والصواب أن لا يصرف ما حبس على صنف إلى صنف آخر”[1].

إلا أن العلامة المهدي الوزاني اعترض على هذا التصويب من وجوه ثلاثة:

– أولها: أن التصويب المذكور دعوى مجردة ولا دليل على صحتها، “وكان من حقه –يقول الوزاني- أن ينقل ما يؤيده ويبين وجهه، فإن زعم أنه قول ابن القاسم، وذلك كاف في ترجيحه، قلنا: المقابل قول ابن القاسم أيضا مع قول ابن الماجشون وأصبغ”[2].

– وثانيها: أن التصويب المذكور مبني على الرأي القائل بتقديم اللفظ على القصد، والقول بالجواز مبني على ما جرى به العمل من اعتبار القصد دون اللفظ، ومعلوم أن ما به العمل مقدم على غيره، قال الوزاني مقررا هذا الوجه من الاعتراض: “ما قاله هو مذهب القرويين القائلين باتباع اللفظ، والأندلسيون يخالفونهم في ذلك ويعتبرون المقصد دون اللفظ وبه عمل فاس لقوله:

وروعي المقصود في الأحباس     لا اللفظ في عمل أهل فـاس”[3]

ثم أورد الوزاني جوابا للعلامة أبي زيد سيدي عبد الرحمن الحائك المؤيد لصحة الفتوى القاضية بجواز إصلاح أسوار البلد مما جمع من أحباس مكة، بناء على كونها جاءت موافقة للمعمول به عند الأندلسيين.[4]

– وثالثها: ما ورد في أجوبة الفاسي من أن في القول بعدم جواز الصرف مظنة تعرض فضلات الأحباس للإتلاف والضياع، وانقطاع أسباب الانتفاع بها، وفي ذلك كله تفويت لما قصده المحبس من استدامة الأجر وإيصال النفع لمستحقه.[5]

ومما يتصل بجواز التصرف في مصاريف المساجد المحبسة حينما تقتضيه المصلحة، ما جرى به العمل بفاس من جمع أحباس المساجد كلها وضمها إلى حبس المسجد الأعظم حيث تشكل موردا واحدا ينفق منه على ما يصلح شأنها، ويقيم وظائفها مع مراعاة الأولوية في ذلك، فقد جاء في المعيار ما نصه:

“وسئل سيدي أبو محمد عبد الله العبدوسي عن جمع أحباس فاس هل تجمع كلها نقطة واحدة وشيئا واحدا أم لا، فأجاب رحمه الله بجواز جمعها وجعلها نقطة واحدة وشيئا واحدا لا تتعدد فيه، وأن تجمع مستفادات ذلك كله، ويقام منه ضروري كل مسجد من تلك المستفادات المجتمعة، ولو كانت بعض المساجد فقيرة فيوسع عليها من غنيها بحسب المال، وقدم الجامع الأعظم قبل جميعها، ثم الأعمر فالأعمر، فرب مسجد غني في خلاء لا يلتفت إليه فيتجاوز أو يلتفت لكن حاله لا يقتضي زيادة على ضرورياته، ورب مسجد آخر فقير بحيث يلتفت إليه ويكثر المشاءون إليه فيعتنى به، وكل ما يِؤخذ من بعضها لبعض فإنه يعد سلفا لما عسى أن يحدث يوما ما من عمارة أو إعمار فيرد إليه ما يقيم أوده”[6].

وقد علق السجلماسي على فتوى العبدوسي بقوله: “تضمنت هذه الفتوى التي جرى العمل بمقتضاها تصريف أحباس مسجد في مصالح غيره، وكون ذلك على وجه السلف ليرد إذا احتيج إليه لإقامة ما يحتاج إليه الذي له الحبس، أما صرف فائد الأحباس المعينة المصرف في غير مصرفها ففيه خلاف، والذي به الفتيا إباحة ذلك، وهذا مروي عن ابن القاسم رواه عنه ابن حبيب عن أصبغ، وبه قال ابن الماجشون وأصبغ وبه أفتى ابن رشد، وإليه ذهب الأندلسيون خلاف مذهب القرويين، وبه قال ابن القاسم والأصح الجواز، وهو الأظهر في النظر والقياس”[7].

كما نظم سيدي عبد الرحمن الفاسي هذه المسألة في عملياته وقال:

وبيع مضغوط لـه نفوذ

 

وجمع الأحباس له تنفيذ

 

 


[1] – النوازل الكبرى 8/401.

[2] – نفسه 8/402.

[3] – نفسه 8/402.

[4] – نفسه 8/403.

[5] – النوازل الكبرى 8/403.

[6] – المعيار 7/331-332 وانظر النوازل الصغرى للوزاني 4/156 ونوازل العلمي 2/345.

[7] – شرح العمل الفاسي 1/221.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق