مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

شرح “موجز البلاغة”للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (الحلقة التاسعة)

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ:”..فإني رأيت طلبة العلم يُزاولون علم البلاغة بطريقة بعيدة عن الإيفاء بالمقصود، إذ يبتدؤون بمزاولة رسالة الاستعارات لأبي القاسم الليثي السمرقندي، وهي زبدة مستخلصة من تحقيقات المطول والمفتاح، يحتسونها قبل إبانها، ثم يتناولون مختصر التفتازاني قبل أن يأخذوا شيئا من علم المعاني، وفي ابتدائهم شوطٌ، وفي انتقالهم طفرة..”.
قلت: قوله: يزاولون علم البلاغة، يقصد معالجته. فمعنى المزاولة: المحاولةُ والمعالجةُ والمطالبة. فكل طالبٍ محاولٍ مزاولٌ. ومما أنشده ثعلب لأسماء بن خارجة (مخضرم مات بعد سنة ستين عن نحو تسعين سنة):
فـوقـفـتُ مُـعْـتَـامـاً أزاولــهـــــــا بـمُـهـنـَّدٍ ذي رَوْنـــَـقٍ عَـضْــــــبِ
( معتاما: مختارا. أزاولها: يعني الإبل. يزاول عرقبتها بسيفه. والمهند: السيف إذا عُمل ببلاد الهند، وأُحكم عملُهُ. وهو هِندي وهُندواني أيضا. والرونق: ماء السيف وصفاؤه وحُسْنُه. والعضب: القاطع. وُصف المهندُ بالمصدر).
ومن شعر زهير:

 

الرسالة السمرقندية


قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ:”..فإني رأيت طلبة العلم يُزاولون علم البلاغة بطريقة بعيدة عن الإيفاء بالمقصود، إذ يبتدؤون بمزاولة رسالة الاستعارات لأبي القاسم الليثي السمرقندي، وهي زبدة مستخلصة من تحقيقات المطول والمفتاح، يحتسونها قبل إبانها، ثم يتناولون مختصر التفتازاني قبل أن يأخذوا شيئا من علم المعاني، وفي ابتدائهم شوطٌ، وفي انتقالهم طفرة..”.

 قلت: قوله: يزاولون علم البلاغة، يقصد معالجته. فمعنى المزاولة: المحاولةُ والمعالجةُ والمطالبة. فكل طالبٍ محاولٍ مزاولٌ. ومما أنشده ثعلب لأسماء بن خارجة (مخضرم مات بعد سنة ستين عن نحو تسعين سنة):

              فوقفتُ مُعْتَاماً أزاولها                 بمُهندٍ ذي رَوْنقٍ عَـضْبِ

( معتاما: مختارا. أزاولها: يعني الإبل. يزاول عرقبتها بسيفه. والمهند: السيف إذا عُمل ببلاد الهند، وأُحكم عملُهُ. وهو هِندي وهُندواني أيضا. والرونق: ماء السيف وصفاؤه وحُسْنُه. والعضب: القاطع. وُصف المهندُ بالمصدر).

ومن شعر زهير:

              فبتنا عُراةً عند رأسِ جوادنا                 يُزاولنا، عن نفسه، ونُزاوله.

( للعلماء في معنى: عراة، هنا، آراء. فمنهم من ذكر أن معناها أنهم تجردوا للفرس، في أُزُرِهِم، لصعوبته ونشاطه. ومنهم من قال: إنها من العُرَوَاءِ، وهي الرِّعْدَةُ عند الحرص. أي: أصابتنا عُرَوَاءُ، لحرصنا على الصَّيْدِ. ومنهم من قال: إنها من العراء، وهي الأرض العارية من الشجر. أي: بتنا بارزين لا يسترنا شيء).

( ومعنى: يزاولنا ونزاوله: يعالج مدافعتنا، ونعالج إلجامه وركوبه. أي: يجذبنا ونجذبه).

وقول الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ :..بطريقة بعيدة عن الإيفاء بالمقصود..المراد به: بطريقة بعيدة عن إتمام المقصود، أو الإشراف على المقصود. ومن المعنى الثاني قولهم في المثل: هل أوفيتَ؟. قال: نعم، وتَقَلَّيْتُ. فالإيفاء الإشراف. والتقلي: تجاوز الحد. وهو يُضرب لمن بلغ النهايةَ، وزاد على ما رُسِمَ له.

ثم قال: ..إذ يبتدؤون بمزاولة رسالة الاستعارات لأبي القاسم الليثي السمرقندي..

قلت: يقصدُ الرسالة المشهورة بالرسالة السمرقندية في علم البيان لأبي القاسم بن أبي بكر الليثي السمرقندي(ت: 888 هـ). وهو من فقهاء الحنفية، وله في فقههم كتابُ: مستخلص الحقائق شرح كنز الدقائق. وله في البلاغة غيرَ هذا الكتاب حاشيةٌ على المطول.

وهذه الرسالةُ قصيرةٌ جدا، بناها على ثلاثةِ عُقودٍ: الأول في أنواع المجاز، وتحته ست فرائد. والثاني في تحقيق معنى الاستعارة بالكناية، وتحته أربع فرائد. والثالث في تحقيق قرينة الاستعارة بالكناية وتحته خمس فرائد.

وغايته في هذه الرسالة ذكرُ معاني الاستعارات مجملةً مضبوطةَ، بعد أن ذُكرت في الكتب مفصلة، غير أن هذا التفصيلَ جعلها عسيرة الضبط، فاحتاجت إلى ما ذكره من الضبط والإجمال.

ويقصد بمعاني الاستعارات: الاستعارةَ التصريحية، والاستعارة بالكناية، والاستعارة التخييلية.

ولهذه الرسالة شروحٌ، منها: شرح العصام، صاحبِ كتاب: الأطول في شرح تلخيص القزويني. وهو عصام الدين إبراهيمُ بن محمد بن عربشاه الإسفراييني(ت: 945 هـ). وقد كتب أحد علماء الحنفية، وهو محمد بن علي الصبان(ت:1206هـ).على شرح العصام للسمرقندية حاشية، وهي مطبوعة متداولة.

ومن شراح هذه الرسالة المشهورين الشيخ إبراهيم الباجوري (ت: 1277 هـ/1860م) شيخ الجامع الأزهر، وكان شافعيا.

وليس يفهم من الشرح هنا التبسيط والتيسير والإفهام ضرورة، فقد كان شرح العصام على السمرقندية مما يختبر به مدرسو هذا الفن فضلا عن طلبتهم. فمن أحسن تدريسه، وفك غوامضه فهو عندهم المتمكن من البلاغة. لهذا تجد الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ يفزع إلى صناعة هذا المختصر، إصلاحا لطريقة تدريس البلاغة على عهده. وقد أشبهه في هذا معاصرون له، وإن نحوا منحى آخر في التأليف، منهم الشيخ طاهر بن صالح الجزائري (ت: 1338 هـ / 1920 م) في رسالته التي سماها: تقريب المُجاز إلى مسائل المَجاز.

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق