مركز الدراسات القرآنيةشذور

شذرات من التفسير (4): “خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا”

إن من القيم الإنسانية والأخلاقية أن يراعي الإسلام نفسيات المحبطين، ويقيل عثرات المنكسرين، ويأخذ بأيدي الحائرين لينهضوا من كبوتهم.

ولقد كان من أمر الجماعة التي تخلفت عن غزوة تبوك، أن تعامل معها النبي صلى الله عليه وسلم بنوع من المرونة؛ إذ فتح لهم باب الأمل والرجاء، فقد حرص الإسلام على صقل النفس البشرية، بالقيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة، تلك المبادئ التي ترقى بالإنسان إلى الغاية التي وجد من أجلها، وتبرز هذه المعاني في وعي الإنسان بأهمية التضامن الاجتماعي والتكافل والتآزر، خاصة في الأزمات والمحن، فبها تصفو النفوس، وتطهر القلوب، وفي سورة التوبة، نجد هذه المعاني قد أعطت أكلها في تربية النفوس وتهذيبها.

 يقول العلامة محمد الطاهر بن عاشور عند تفسير قوله تعالى : ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾

((لما كان من شرط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما فات، وكان التخلف عن الغزو مشتملا على أمرين، هما: عدم المشاركة في الجهاد، وعدم إنفاق المال في الجهاد، جاء في هذه الآية إرشاد لطريق تداركهم ما يمكن تداركه مما فات، وهو نفع المسلمين بالمال، فالإنفاق العظيم على غزوة تبوك استنفد المال المعد لنوائب المسلمين، فإذا أخذ من المخلفين شيء من المال، انجبر به بعض الثلم الذي حل بمال المسلمين.

فهذا وجه مناسبة ذكر هذه الآية عقب التي قبلها، وقد روي أن الذين اعترفوا بذنوبهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هذه أموالنا التي بسببها تخلفنا عنك، خذها فتصدق بها وطهرها، واستغفر لنا، فقال لهم : «لم أومر بأن آخذ من أموالكم، حتى نزلت هذه الآية، فأخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم صدقاتهم.

فالضمير عائد على «آخرين اعترفوا بذنوبهم»، والتاء في تطهرهم تحتمل أن تكون تاء الخطاب، نظرا لقوله : «خذ»، وأن تكون تاء الغائبة عائدة إلى الصدقة، وأيا ما كان فالآية دالة على أن الصدقة تطهر وتزكي.

والتزكية جعل الشيء زكيا، أي الخيرات، فقوله : «تطهرهم»، إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات، وقوله: «تزكيهم» إشارة إلى مقام التخلية بالفضائل والحسنات، ولا جرم أن التخلية، مقدمة على التحلية، فالمعنى أن هذه الصدقة كفارة لذنوبهم ومجلبة للثواب العظيم.

والصلاة عليهم: الدعاء لهم، وتقدم آنفا عند قوله تعالى: ﴿صَلَوَات الرَّسُول﴾ [ التوبة: 99]

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية، إذا جاءه أحد بصدقته يقول: «اللهم صل على آل فلان، كما ورد في حديث عبد الله بن أبي أوفى، يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه في هذا الشأن بين معنى الصلاة وبين لفظها، فكان يسأل من الله تعالى أن يصلي على المتصدق، والصلاة من الله الرحمة، ومن النبي الدعاء»))[1].

[1] التحرير  والتنوير، للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (الدار التونسية للنشر، 1984م)(11/22.24)

Science

ذة. مريم الدويك

باحثة بمركز الدراسات القرآنية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق