الرابطة المحمدية للعلماء

“شد الرحال إلى المسجد الأقصى” موضوع الدرس الخامس من سلسلة الدروس الحسنية

ترأس أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وصاحب السمو الأمير مولاي اسماعيل، يوم الثلاثاء بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء، الدرس الخامس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.

 وألقى هذا الدرس بين يدي جلالة الملك، فضيلة الشيخ محمد أحمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، تناول فيه بالدرس والتحليل موضوع “شد الرحال إلى المسجد الأقصى” انطلاقا من قول الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”.

واستهل المحاضر درسه بإبراز ما يوليه جلالة الملك “من اهتمام كبير للمسجد الأقصى المبارك من خلال موقع رئاستكم للجنة القدس، ومن خلال قيادتكم لشعب المغرب الشقيق الذي جاد بالأرواح والأبناء والغالي والنفيس فداء للقدس ودرتها المسجد الأقصى المبارك”، قبل أن يشير إلى أن فلسطين تعد مهد الديانات ومهبط الرسالات، ففي رحابها قبلة المسلمين الأولى، المسجد الأقصى، الذي أسرى الله تبارك وتعالى برسوله عليه الصلاة والسلام إليه، وهو ثاني المسجدين، وضع في الأرض لعبادة الله بعد المسجد الحرام، وهو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليه  .

وأضاف أن أرض فلسطين زخرت بالأماكن المقدسة، فقام المسلمون بالتبرع إلى هذه الأماكن بأراضيهم وعقاراتهم، ليعود ريعها عليها بالنفع والفائدة، سواء لدفع أجرة الموظفين القائمين عليها، أو تجديدها وترميمها، أو النفقة على طلاب العلم التابعين لها، وقد دفع المسلمون أغلى ما يملكون من أجل هذه الغاية النبيلة، مشيرا إلى أن هذه الأوقاف ظلت ترفد الأماكن المقدسة بالخير والعطاء طوال القرون الماضية من عمر الدولة الإسلامية، حتى جاء الاحتلال الغاشم، فدمر القرى والمدن وما حوته من مقدسات وأوقاف.

وتوقف المحاضر عند الاعتداءات الإسرائيلية على بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك ووسائلها، والتي تجسدت من خلال مصادرة الأراضي والحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك والأماكن المحيطة به، ومحاولة طمس الهوية الإسلامية للقدس، مبرزا أن أطماع إسرائيل في القدس بخاصة وفلسطين بعامة ليست وليدة اللحظة، “فمحاولاتها الحثيثة لتهويد القدس، وطرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة تحت حجج وذرائع مختلفة، وجذب أكبر عدد من المهاجرين اليهود إليها، تهدف إلى فرض الأمر الواقع الديموغرافي اليهودي، وتدمير الحضارة العربية الإسلامية فيها، التي مازالت من أهم الدلائل على تاريخ الإنسان العربي وجذوره فيها”.

وأعرب عن أسفه لكون كل ذلك يحصل في غياب عربي وإسلامي واضح، “فالمقدسيون بحاجة ماسة إلى دعم إخوانهم وأشقائهم العرب لمواجهة السياسات +الإسرائيلية+ المستبدة تجاه المدينة المقدسة”.  

وانتقل المحاضر للحديث عن واجب المسلمين تجاه القدس ومسجدها الأقصى المبارك، حيث أكد أن المتعطشين إلى الصلاة في المسجد الأقصى المبارك من مسلمي العالم كثيرون “فتلك أمنية لديهم، يحول دون تحققها الاحتلال البغيض، الجاثم على أرض فلسطين الطهور، التي باركها الله تعالى حين بارك المسجد الأقصى وما حوله”، مشيرا إلى أن من أشد الناس شغفا لزيارة المسجد الأقصى، أولئك القاطنون على بعد مرمى حجر منه، من أبناء القرى والمدن والأحياء والمخيمات المحيطة به، من الذين تمنعهم حراب المحتل الظالم من الوصول إلى مسجدهم، ومسرى نبيهم، ضمن إجراءات ظالمة، تتنافى مع أبسط قيم حفظ حقوق الإنسان، واحترام كرامته ومراعاة حريته، وبخاصة في ما يخص لزوم إتاحة حرية العبادة لأصحاب الديانات السماوية، ليؤدوا شعائرهم بأمن وسلام.

غير أن المحتل الظالم- يضيف المحاضر- يمنع المؤمنين من أدائها على الوجه الذي طالبتهم بها أديانهم، ويضع الشروط القاسية لإمكانية الوصول إلى أماكن العبادة، وعلى رأسها المسجد الأقصى، الذي يتعرض في هذه الحقبة التاريخية القاسية إلى مؤامرات كيدية وعاتية، تستهدف وجوده وتقسيمه، بل وضع اليد عليه بالكلية، لتحقيق أهداف يزعمون أنها توراتية، والتوراة منها براء، فهي في أصلها كتاب من الله مقدس، من المحال أن ينص على معاداة الربانيين من الناس، المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.  

وشدد الشيخ محمد أحمد حسين على أن أداء واجب المسجد الأقصى المبارك من قبل المسلمين في أن يشدوا الرحال إليه لإعماره والصلاة فيه وحمايته من المخططات التهويدية، يزداد لزوما في هذا الزمان، وبخاصة في ظل دعوات المستوطنين المتطرفين الأخيرة إلى الحج الجماعي إليه، في سابقة تنذر بما يخطط له من كيد، يهدف إلى فرض واقع جديد فيه، وجعله مكانا للحج اليهودي، مشيرا إلى أنه لا شك في أن هذه الدعوات التحريضية تتعدى الخطوط الحمراء الخاصة بمكانة هذا المسجد العظيم، مما يعني ضرورة التحرك العاجل لمنع هذه الاعتداءات ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته.

ومن أبرز ما هو مطلوب من المسلمين حيال ما يتهدد مسجدهم الأقصى، أن يحافظوا على دعوتهم لنصرته، من خلال الحث على شد الرحال إليه، وإعماره بالمصلين والمعتكفين، وطلبة العلم، ليبقى منارة إسلامية تشع بالنور والخير للعالمين.    

كما تطرق إلى اللغط الذي أثير في الآونة الأخيرة حول شد الرحال إلى المسجد الأقصى وزيارة القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة في ظل الاحتلال، حيث شدد المحاضر على أن المسجد الأقصى أسمى من هذا اللغط، ووضعه في هذا الظرف الصعب من الأسر والخطر، أدعى للتفكير في حمايته ونصرته أكثر من الاختلاف حول سبل شد الرحال إليه، والمسألة برمتها سياسية أكثر منها قطعية في صرامة الحكم الشرعي.

وأكد أن من أبرز واجبات الأمة الإسلامية أن تعمل جهدها لتحرير هذه الأرض المباركة، ومسجدها الأقصى، حتى تكون مفتوحة لمن يشد الرحال إليهما، ابتغاء رضوان الله وثوابه، “ومن المؤكد أن شد الرحال إلى المسجد الأقصى في ظل الاحتلال يختلف عنه في ظل الحرية والأمان، وأهل القدس أدرى بحالها، وبما يخدم مصالحها، ويعزز صمودها”.

وشدد على أن شد الرحال إلى المسجد الأقصى أمر تعبدي، وضرورة يستدعيها الخطر الداهم الذي يتهدد وجوده بالهدم أو التقسيم أو التدنيس أو بالحصار المحكم والحيلولة دون إعماره، مؤكدا على أنه رغم المرارة التي يتكبدها الفلسطينيون إلا أنهم لن يستسلموا لإرادة البطش والقهر، وسيواصلون سعيهم بأجسادهم وقلوبهم ومشاعرهم إلى مسجدهم، ولن يدعوا فرصة تتاح لهم، إلا ويثبتوا من خلالها للقاصي والداني أنهم أصحاب الحق الوحيدون في هذا المسجد، وفي هذه الأرض الطهور، شاء من شاء، وأبى من أبى.  

ونبه المحاضر أيضا إلى دور المغاربة في القدس، حيث جاؤوا مع الفاتحين لبيت المقدس، واستقروا فيها طلبا للبركة، والرباط في القدس الشريف، فكان لهم ذلك، فحمل أحد أبواب المسجد الأقصى الرئيسة اسم باب المغاربة، بل إن هناك حارة كاملة من حواري بيت المقدس كانت تعرف بحارة المغاربة، وكانت ملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، وظلت قائمة إلى أن وقعت القدس في براثن الاحتلال الصهيوني الذي هدم  الحارة بكاملها، وشرد أهلها منها.

وأبرز الشيخ محمد أحمد حسين أن الدعم المغربي للقدس لم يتوقف، “فهناك وكالة بيت مال القدس الشريف، التي تعمل مشكورة على دعم صمود أهل بيت المقدس وتثبيتهم من خلال قيامها ببعض المشاريع المهمة في القدس ومنها بناء المدارس ودعم المشافي.
     
وفي ختام هذا الدرس ، تقدم للسلام على أمير المؤمنين الشيخ محمد أحمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية، والشيخ عبد الله بن بية أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، من علماء موريتانيا مقيم بالسعودية، والأستاذ شيخنا بن عبد الله بن بية مدير المركز العالمي للتجديد الإسلامي ببريطانيا (السعودية)، والأستاذ محمد مختار ضرار محمد مختار المفتي، عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت (الأردن)، والأستاذ عبد المجيد داوود من علماء نيجيريا، والأستاذ المدني طل من علماء السينغال، والأستاذ أحمد شفيع نائب رئيس المجلس الإسلامي بالنيجر، والأستاذ عبد الرحمن أحمدو التوجاني الكاتب الدائم للمجلس الإسلامي بالنيجر، والأستاذ أبو بكر فوفانا رئيس المجلس الأعلى للأئمة (الكوت ديفوار)، والأستاذ مامادو طراوري، إمام وخطيب مسجد ريفيرا كولف (الكوت ديفوار).  

وبعد ذلك، قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق لأمير المؤمنين المجموعة الأولى من: الخط المغربي الميسر (الكراسة الأولى) من إعداد الخطاط محمد المعلمين، ونظم لآليء السمط في حسن تقويم بديع الخط من تأليف أحمد بن محمد بن قاسم الرفاعي الحسني الرباطي. دراسة وتدقيق الأستاذ محمد صبري، والمصطلح الأصولي لدى أبي الوليد الباجي، تأليف الأستاذ العربي البوهالي، وتراث الشيخ الأحسن البعقيلي في الفقه وأصوله والتصوف. تأليف الأستاذ مصطفى الصمدي في جزءين، والفهرس الوصفي لمخطوطات خزانة المولى ادريس الأكبر بزرهون. إشراف وتنسيق ومراجعة الأستاذ عبد الحميد العلمي والأستاذ عبد الرزاق وورقية، ومجلة دعوة الحق: الأعداد 402 و403 و404 .  

وقد اعتادت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تقوم في كل عام بنشر مجموعة من الإصدارات تنفيذا لتعليمات أمير المؤمنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق