مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

سيرة أبي العباس الإقليشي

الإمام العلامة المقرئ الإقليشي(1) (ت410 ه‍)

مدخل: لا أخفي القارئ الكريم-والحق أقول- أن إشراقة هذه السلسلة المباركة “أعلام قرائية” بدءا بهذا العلم الإمام، كانت قداحته في نفسي ما أثاره الأستاذ الدكتور الشيخ المقرئ المسنِد نبولسي رئيس المركز أثناء جلستنا الأسبوعية عصر كل يوم جمعة لمدارسة سير الأعمال العلمية المنوطة بالإخوة الباحثين المحترمين: حالها وآفاقها، وغير بعيد ونحن في جمعنا العامر الماتع نتناول قضايا وأفكاراً انطلاقا من مسألة علمية جَرَّ إليها البحث، أو طرحها بعض الأساتذة، وتارة بقراءة نصٍّ أدبي أو نقدي، يكون محور الجلسة والحديث، وفي قعدتنا الماضية المنعقدة يوم الجمعة الثالث عشر من شهر أبريل 2012، فاجأنا السيد الرئيس بوقوفه على نسخة خطية لكتاب” معاني القراءات” للعلامة الإقليشي المتوفى سنة 410، وقد سعى جاداً للحصول عليها قريبا، مما أدخل على الإخوة جميعاً الفرح والسرور بهذا الخبر البهيج.

لكن العجيب في الأمر أن جلستنا هذه لم تنته حتى وصل إلينا الكتاب مسجلا داخل قرص مضغوط، فتحققت البشارة وعمت الغبطة.

ثم أبلغنا في غد أن ذلك القرص كان يحمل كتابا آخر غير مصنفنا المذكور، مما أذهله وحط من قواه حتى لم تعد قدماه تستطيع حمله لهول المفاجئة الفاجعة، لكن الحسرة لم تدم طويلا حتى وقف – كما أخبرني – على نسخة صحيحة للكتاب، ففرج الهم، وذهب الحزن، ودفع الأسى.

فهذا – وما لم أقل- الدافع لي لكتب هذه المقالة عن هذا العالم الإمام.   

               أما الإقليشي فهو الإمام أحمد بن قاسم بن عيسى بن فرح بن عيسى أبو العباس اللخمي الإقليشي(2) الأندلسي المقرئ، عالم بالقراءات ووجوهها، مولده في شهر صفر سنة (363 ه‍ )، سكن قرطبة، وروى بها عن جماعة كالعلامة المحدث الثقة أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن الحباب، الشهير بابن الجَسور الأموي مولاهم، القرطبي دارا وإقامة، (ت 401 ه‍ )، والعلامة أبي الحسن بن المعتمر، ثم رحل مترجمنا إلى المشرق فدخل بغداد ولم يمكث بهاإلا يسيرا، فسمع من عالمها الشيخ المسند الحافظ أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة المتوثي البغدادي البزاز (ت 389 ه‍ )، وقد روى عنه حديث علي بن الجعد، كما روى عن الإمام المقرئ المحدث المعمر أبي حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير البغدادي الكتاني (ت‍ 390ه‍)، بعده خرج إلى مصر، فلقي بها الإمام المقرئ الضابط الثقة أبا الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي ثم المصري           (ت‍ 389ه‍) فأخذ القراءة عنه عرضا مع إجازته له سائر كتبه، كذا لقي ولده الإمام الحافظ الحاذق المجود المقرئ أبا الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون (ت‍399ه‍).

وقد أخذ عن الإقليشي –رحمه الله تعالى- جماعة، منهم حافظ المغرب وإمامه، الفقيه المحدث المتفنن أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي صاحب التصانيف الحسان (ت‍463ه‍)، والصاحبان: أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة بن ميمون الأموي مولاهم، الطليطلي (ت‍ 400ه‍)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حسين الشهير بابن شِنظير (ت‍402ه‍)، والإمام المحدث الثبت أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان بن سعيد بن غلبون الخولاني القرطبي (ت‍ 448ه‍)، والإمام العالم العارف المقرئ أحمد بن محمد بن حيون أبو بكر القرشي (ت‍ في حدود 410ه‍)، والشيخ أبو عبد الله بن السلم.

قال الخولاني في وصف شيخه الإقليشي: “كان رجلا صالحا فاضلا مجودا للقرآن، قائما بالروايات فيه، وكان ملتزما في مسجد الغازي بقرطبة لإقراء الناس عن شيوخ لقيهم بالمشرق “.

وقال ابن بشكوال: ” وألف أبو العباس هذا كتبا في معاني القراءات أخذها الناس عنه، وانتقل في الفتنة (3) إلى طليطلة، وأقرأ الناس بها إلى أن توفي في رجب سنة عشر وأربعمائة، ذكر وفاته أبو عمر”.

قلت: هكذا قال غير واحد ممن أرخ وفاته، إلا أبا طالب المرواني، فقد قيدها بسنة عشرين وأربعمائة، ولعل الصواب الأول.

الهوامش:

1) ترجمه الحميدي في الجذوة، القسم الأول ص (201) رقم (243)، وأبو طالب المرواني في عيون الإمامة ونواظر السياسة (قطعة من الكتاب) ص (151) رقم (47)، وابن بشكوال في الصلة (1/36) رقم (60)، والضبي في البغية ص (201 – 202) رقم (400)، والذهبي في تاريخ الإسلام (9/148) رقم (309)، وابن الجزري في الغاية (1/126)، رقم (430)، والزركلي في الأعلام (1/197)، وكحالة في معجم المؤلفين (2/49)، وذكره ياقوت في معجم البلدان، مادة (أُقليش)، والزبيدي في التاج مادة (قلش).

2) نسبة إلى مدينة إِقليش (Uclés) ، ضبطها الأكثرون بكسر الهمزة واللام، وقيدها ياقوت بضم الهمزة وسكون القاف وكسر اللام وياء ساكنة وشين معجمة، كذا ضبطه، وبضم أوله نُص عليه في القاموس مع شرحه التاج، وهي قاعدة كور شنتبرية، وقيل هي من أعمال طليطلة، بناها الفتح بن موسى بن ذي النون. [ينظر عنها: معجم البلدان لياقوت، والروض المعطار للحميري، كلاهما في مادة (أقليش)].

3) هي المسماة ب‍ “الفتنة البربرية” الواقعة بين الحموديين والأمويين سنة (401 ه‍)، ينظر خبرها في نفح الطيب (1/482) وما بعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق