مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

دينامية الإستشراق والتغريب في التحرير النسائي

سارة لوكيلي*

 

 

 

تقديم

تحتل مقاربة الجندراليوم حيزا ملحوظا من نقاشات الطامحين إلى تحسين وضعية المرأة في العالم العربي والإسلامي أملا في اللحاق بنظيرتها الغربية. وقد ارتبطت مقاربة الجندر بنظريات الحركات النسوية التي قامت على أساس تفكيك ونقد أعراف المجتمع الأبوي في تكوين الفروقات والامتيازات الإجتماعية لفئة على أخرى. كما أنه من اللافت أن “مقاربة الجندر” تدرس الهويات الجنسية في شتى المجالات والتمثلات الاجتماعية لكل من الجنسين حيث تسلط الضوء على التكوين الاجتماعي والثقافي لما يحدد معنى الأنوثة و الذكورة وأدوار كل من الرجل و المرأة. تقول سيمون دوبوفوار بخصوص الجندر “إن المرأة لا تولد امرأة، إنما يصبح امرأة[1]“. وأخذا بعين الاعتبار أن معظم هذه النظريات رأت النور في ظل مجتمعات غربية تنظر إلى المرأة بعين مختلفة عن التي توجد في العالم العربي و المسلم، فإنه من الضروري أن نقف عند معالم الاختلاف و أوجه الشبه بين الثقافتين. ما علاقة الخطاب الغربي الاستشراقي بتحرير المرأة؟ ما موقع نظرية الجندر في تحرير المرأة؟ ما هو رد فعل المجتمعات الإسلامية حيال الخطاب الغربي حول المرأة؟؟

1– الامبريالية والفكر الغربي 

تناقش دوروثي سميث[2]، أحد رواد النسائيات ومقاربة الجندر، في معظم كتاباتها نظرية وجهة النظر stand point theory  حيث ترى أن وجه نظر الفرد هي نتيجة تجاربه الاجتماعية والسياسية. وبناء عليه يمكن استنتاج أن دوروثي سميث هي الأخرى متأثرة بوجه نظرها وتجاربها الفردية تماما كأي مفكر ساهم في تطور العلوم الغربية بشكل عام. وهنا تنكشف إشكالية تأثير الأحداث السياسة والسياقات الاجتماعية في تطور الفكر الغربي وعلى نظريات النسائية ومقاربة الجندر وعلى تلقي العالم الإسلامي لهذا التأثير.

حسب العديد من الباحثين فإن الفلسفة والعلوم الغربية ترجع نقطة بدايتها إلى عصر الأنوار،حيث كانت بداية تكون العقلية الغربية الحالية.ويوضح أستاذ الدراسات الثقافية والإثنية بجامعة بيركلي بأمريكا رامون أن الأنا هي محورهذه الفلسفة التي تسعى لخلق شمولية تعوض مركزية الكنيسة. “الكوجيطو الديكارتي (أنا أفكر إذن أنا موجود)، المؤسس للفلسفة المعاصرة، يلغي عامل الوقت والسياق ويضع الأنا في قلب المعرفة من أجل إزالة العوائق الزمكانية والتكلم بشمولية إلهية[3]“. يربط رامون أيضا هذه الفلسفة المتمركزة حول الأنا بعقود من الامبريالية التي ربطت هي الأخرى الوجود بالاستعمار وقهر الآخر بتحقيق الذات والفكر الغربيين من خلال إلغاء الآخر إيديولوجيا وتسعى لتبرير دونيته.

لاشك أن تاريخ المجتمعات الغربية له تأثير في تكون فلسفتها وفكرها، ما يجعل مقاربة الجندر والحركات النسوية جزءا لا يتجزء من وجه نظر الغرب، بل إن ما تعالجه لا يتجزء من المنظومة الامبريالية الغربية. من جهة أخرى، تخلق هذه الأفكار نوعا من العنصرية المعرفية وتضيف طبقة أخرى من العنصرية والاضطهاد التي توجه للمرأة الشرقية (اضطهاد الثقافة الأم وعنصرية الفكر الغربي الأناني/المعظم لذاته). أضف إلى هذا صراع الطبقات الاجتماعية والأجناس الذي يتماهى وفكرة الغرب عن صراع الحضارات وعداوة الشرق له، ما ينتج عنه عولمة متعصبة ترفض كل خصوصية ثقافية أو عرقية أو دينية معتبرة الفكر الغربي أسمى تعبير عن الحضارة وأكثرها تطورا ورقيا في تاريخ الإنسانية.

2-المرأة الشرقية في الخطاب الاستشراقي

ارتباطا بطبيعة الصراع الحضاري المفتعل في الفلسفة الغربية بين ما هو غربي وما هو شرقي يبرز دور المرأة في تكريس هذه الرؤية. فمثلا نجد اللورد كرومر[4]ينتقد في فترة استعمار بريطانيا لمصر حجاب المرأة ويعتبره تدنيسا لها لذلك سعى لمنعه معتبرا ذاته محررا للشرق بينما منع في نفس الوقت النساء عن ممارسة مهنة الطب بمصر[5]. إنازدواجية الخطاب هته تساهم في تدنيس وضعية المرأة الشرقية، بل وتساهم في تفاقم أوضاعها البائسة وتعزز بذلك تعنيفا فكريا و حضاريا يدعم استمرارية استعمار يغذي أجندات الغرب.يوضح ادوارد سعيد ماهية هذا التنميط ويعتبرهبأنه هو الذي يحدد دينامية الاستشراق التي يخلق عبرها الغرب شرقا آخر يتناسب وتوقعاته وأجنداته السياسية[6].

المرأة العربية والشرقية في عيون الغرب سجينة حجابها ومضطهدة ومعنفة أو أداة جنسية للاستمتاع وإنجاب الأطفال، وهي في كل الأحوال تقع تحت رحمة كل رجل في محيطها. جاك شاهين، احد أبرز النقاد السينمائيين في أمريكا يقدم في فيلمه الوثائقي”العرب الأشرار: كيف تصور هوليوود العرب” Real Bad Arabs : How Hollywood Vilifies a People  توضيحا لهذا التنميط[7] حيث يبين أن المرأة الشرقية في عيون هوليوود تختزل في صورة الأميرة جاسمين في قصة علاء الدين من إنتاج وولت ديزني أو حكاية شهرزاد أو الصور النمطية لنساء بلباس البرقع الأفغاني أو تغطية الإعلام لزواج القاصرات باليمن، كل هذه الصور تبدوا ممعنة في إبراز دونية وبربرية المجتمع الشرقي بما في ذلك نساؤه. هذا التنميط هو ما يخلق لدى الأجندات السياسية مبررا لشن حروب بحجة دمقرطة الشرق وتحرير نسائه. مثال على ذلك هو عدد ‘تايم ماغازين’ لغشت 2010 والذي ركز على الضرر الذي قد يلحق بالنساء الأفغانيات في حال ما غادر الجيش الأمريكي تاركين زمام الأمور بيد الطالبان[8]. وقد اختارت المجلة أن تضع على غلافها صورة لضحية جريمة شرف للتعزيز من وقع الصور النمطية للنساء الأفغانيات.

باختصار، هناك انطباع عام تحاول بعض الأجندات الغربية خلقه والدعاية له وهو أن الرجل الغربي البطل يقع على عاتقه تحضير الآخر الشرقي، وبالحديث عن حقوق المرأة والحركات النسائية، فإن النسائيات البيضاوات “المتحضرات” بدورهم تقع على عاتقهن مسؤولية إبراز “النموذج “المثالي” الذي يجب أن تتبعه المرأة المسلمة من التحرير.

3-النسائيات الامبريالية

امتد تأثير الفكر الغربي التنميطي إلى مجال حقوق المرأة فأصبح يعبر عن نوع من النسائية الإمبريالية Imperialist Feminism التي تركز على تصوير المرأة المسلمة كضحية والرجل المسلم كإرهابي. وقد أدرجت حكومة بوش هذا الخطاب ضمن الدعاية للحرب على العراق حيث أن السيدة الأولى آنذاك، لورا بوش، دعت إلى تحرير العراقيات عبر غزو العراق بكل روح نسائية تحريرية بالرغم من كونها لا تمت للنسائيات بصلة[9].هذا السرد الإمبريالي الذي يصنع إيديولوجياتهمها هو الهيمنة واستعمار الشرق، بشكل أو بآخر، قد ترسخ بعمق في ذاكرة كل فرد إلى درجة أنه أصبح حقيقة محسومة.

من الجلي في هذه المرحلة أن السياسة سرقت الخطابات النسائية لخدمة مصالحها، لكن امبريالية الفكر الغربي تتمظهر أكثر في الأبعاد العنصرية التي تمثلها النسائيات البيضاوات. من بين أبرز تمظهرات هذا الخطابفي الحملة التي تشنها فرنسا ضد الحجاب منذ سنة 2004 والتي ستبعدت فيها كل تيار رافض لحضر الحجاب وما تزال تتوعد كل من ترتدينه بمنعهن منحقوق مواطنتهن[10]. وتتخذ هذه الحملة اليوم طابعا عنصريا إلى درجة أنه أصبح أقرب إلى حصار أوإقصاء اجتماعي على أساس التمييز العنصري لكن باسم الحرية والعلمانية والأخوة.

من جهة أخرى، من المهم الانتباه إلى أن مطالب كثير من الحركات النسائية الغربية ارتبطت بنساء الطبقة البورجوازية البيضاوات وعبرت عن واقع فئة دون أخرى بل عن أفضلية فئة اجتماعية على غيرها. إن ما أحرزته هذه النسائيات من تقدم يميز نساء الطبقة البرجوازية عن غيرهن يضيف طبقة أخرى من الاضطهاد الموجه نحو النساء من أصول أخرى في المجتمعات الغربية[11]. أما على مستوى العالم، فقد تبنت المؤسسات العالمية مطالب النسائيات البيضاوات على حساب غيرها من النسائيات ووضعتها على سقف أولويات السياسات الموجهة نحو تحسين أوضاع النساء في كل المجتمعات. وهنا تكمن إشكالية استيراد أفكار تأثرت باستغلال سياسي حرف مسارها الحقيقي في سياق طبقية اجتماعية “ونموذج مهيمن لم يكتسب شرعيته إلا من خلال الاستعمال الانتقائي والسياسي لماهية المطالب النسائية[12]“.

4-تحرير النسائيات من الاستعمار

في سياق هيمنة غربية تسوق لمبادئ معينة على حساب أخرى يتم نقل افكار النسائيات في سياق استشراقي يضع المشرق في موقع ضعف ودفاع، وهو ما يحتم تحرير النسائيات من العنصرية والامبريالية. النسوية الغربية مشحونة بتاريخ وبصراعات فكرية ودينية واجتماعية لا تمت لخصوصيات المشرق بصلة، لذلك فإن الاعتماد على مناهجها لمعالجة واقع ومشاكل مجتمع مختلف البنيات هو أقرب ما يمكن إلى الاستعمار الثقافي.

بالرغم من كون نظريات الجندر والنسائيات الغربية تعالج إشكالية تقاطع[2] نظم الاضطهاد وتأخذ بعين الاعتبار تأثير التباينات الاجتماعية والثقافية والطبقية على كل امرأة، إلا أن استيراد هذه التجارب النسائية دون معالجتها يخلق إشكاليات أخرى تزيد الطين بلة. إن التصادم بين الواقع الاجتماعي المغربي، على سبيل المثال، والثقافات الغريبة يخلق التباين بين الحركات النسائية الناشئة التي تستجيب ضمن نطاق نهج دفاعي تتضارب فيه مطالب النسائيات المنتميات إلى طبقات اجتماعية مختلفة وبذلك تتم إعادة إنتاج نفس التراتبية الثقافية بين نساء الغرب والشرق. 

5-البدائل المقترحة: ما وراء العالمي/الخصوصي والاختلاف/الائتلاف

مقابل هيمنة النسائيات البيضاوات، استطاعت أن تبرز حركات اجتماعية باسم نساء لا يتطابق واقعهن وقيم الطبقة البورجوازية. نستطيع أن نجرد ضمنها النظرية الاجتماعية “الوومنيسم[3]” التي تناهض الاضطهاد العرقي والجنسي للنساء السود وتطمح لتغيير وجه النظر الخاطئة حول واقع نساء الأقليات العرقية والاجتماعية. كما برزت حركات أخرى تدعو للاعتراف بحقوق النساء باسم الدين وتسعى لإعادة قراءة وتفسير النصوص الدينية مثل العمل الذي يقوم به مركز الدراسات والبخوث في القضايا النسائية في الإسلام www.annisae.ma. وهو ما يعبر عن رغبة في خلق طريق ثالث يتجاوز الارتهان إلى واقع اضطهاد المرأة باسم الدين ويرفض الارتماء في حضن الهيمنة النسائية الإمبريالية.  إذن تحرير النسائيات من الاستعمار يعني خلق فكر يستجيب للواقع بعيدا عن ما تفرضه العولمة الثقافية، لأننا بالرغم من انفتاحنا على العالم ما نزال نعيش تحت وقع خصوصياتنا الاجتماعية والثقافية والتي لا تضعفنا بل تأصل لوجودنا.

في الواقع، نحتاج اليوم لتطوير منظور جديد يعتمد على تجارب كل السياقات الاجتماعية ويتعدى حدود النسقين الفلسفيين والسياسيين الغربي والشرقي، ويتجاوز تلك الثنائية الحدية (الغرب/الشرق، العالمي/الخصوصي..) وما ينجم عنها من صراعات تشتت الانتباه عن الإشكاليات الحقيقية.. باستثمار القيم الإنسانية المشتركة، نستطيع أن نتجاوز العوائق الثقافية في فهمنا للمساواة وحقوق النساء دون تجاهل الخصوصيات والسياقات الاجتماعية. وبهذا تنتفع العلوم من استثمار المشترك إنسانيا وتدبير المختلف ثقافيا في ظل عولمة مساواتية تحترم الاختلاف والخصوصية.

 

 


[1]دوبوفوار، (1949، 1989). ،« The second sex »

[2] Feminist and Gender Theories, inhttp://www.sagepub.com/upm-data/41961_14.pdf

[3] Ramon Grosfoguelhttp://mominoun.com/events/%D8%B1%D8%A7%D9%85%D9%88%D9%86-%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%81%D9%88%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%82%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-200

[4] Lord Cromer’s view of Egyptian society : « Islam as a social system has been a complete failure… the degredation of women in hte East is a canker that begins its destructive work early in childhood, and has eaten into the whole system of Islam » (quoted in Leila Ahmed, 1992, p.152). The Solution was that Muslims “be persuaded or forced into imbibing the true spirit of western civilization” (p.153).

[5]The Legacies of orientalism and the exoticizing of women, in http://hampshirefeministcollective.co.uk/2013/08/03/the-legacies-of-orientalism-and-the-exoticizing-of-women/

[6]An introduction to Edward Said’s Orientalis, Harron Khalid, in http://www.renaissance.com.pk/febbore2y6.htm

[7]“Real Bad Arabs : How Hollywood Vilifies a People”, Jack Shahine, inhttp://www.worldbytes.org/reel-bad-arabs-how-hollywood-vilifies-a-people/

[8]Afghan Women and the Return of the Taliban, Aryn Baker, Monday, aug.09,2010, in http://content.time.com/time/covers/0,16641,20100809,00.html

[9]Danele Morton, Go ahead, call Laura Bush a feminist, in SFGATE May 21, 2006, http://www.sfgate.com/opinion/article/Go-ahead-call-Laura-Bush-a-feminist-2496897.php

[10]http://www.atlantico.fr/pepites/laicite-jeune-fille-exclue-college-pour-jupe-trop-longue-2119812.htmlسبب طرد تلميدة من إعداديتها بسبب تنورتها الطويلة جدالا بفرنسا، حيث اتهمت بالاستفزاز على أساس الدين.

[11]النسائيات البيضاوات والامبريالة، قراءة في كتاب، الياس بوزغايةhttp://www.annisae.ma/Article.aspx?C=5803.

 

* متدربة بمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

 

 

نشر بتاريخ: 07 / 07 / 2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق