مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

دور علماء القرويين في مقاومة الاستعمار2

الدكتور سعيد المغناوي

أستاذ التعليم العالي كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس سايس 

 

ولم تنحصر مهمة علماء القرويين في التعلم والتعليم فحسب، بل شاركوا حتى في محاربة الأعداء، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله باللسان والسلاح، ولا غرابة في هذا، فإنما (يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)، وهم ورثة الأنبياء وفيهم من كانوا سادة الأتقياء، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أشداء على الكفار رحماء بينهم لا يخافون في الله لومة لائم.

فبحميتهم الوطنية والإسلامية شاركوا في الدفاع عن مدينة سبتة لما سقطت في يد البرتغال في أواخر الدولة المرينية، وحولوا الدروس في القرويين آنذاك إلى محاضرات في البطولة والغزو وإلهاب الحماس.[1]

وبإيمانهم الصادق حاربوا مع إخوانهم المغاربة في معركة وادي المخازن (سنة 986هـ)، فاستشهد منهم عيون الفقهاء، وكان في مقدمة من حارب منهم الشيخ أبو المحاسن يوسف الفاسي.[2] 

ولما سلم الشيخ المأمون السعدي مدينة العرائش إلى طاغية الإسبان، أنكروا عليه ذلك أشد الإنكار، وقام الشريف أبو العباس أحمد بن إدريس العمراني، فطاف على مجالس العلم بفاس ونادى بالجهاد والخروج لإغاثة المسلمين بالعرائش، وقد ذهب ضحية هذه الفاجعة نفر منهم، وتعرض بعضهم للمساومة ولاذ البعض الآخر بالفرار[3].

وعندما ابتلي المغرب بالاستعمار في بداية القرن العشرين، كان علماء القرويين أيضا في مقدمة ركب المنافحين عن حوزة البلاد، فناوءوا المحتلين، وتصدوا لهم، وحطموا أحلامهم، وتحملوا صنوف العذاب، وذاقوا مرارة المنافي والسجون، واستشهد منهم جم غفير، ومع ذلك واصلوا السير بتحد كبير حتى حصل المغرب على استقلاله.

وبذلك أكدت القرويين مرة أخرى وجودها ورسخته، وأثبتت للعالم أجمع، أنها كانت ولا تزال معقلا من معاقل العلم والجهاد، تنجب الأعلام والأبطال حتى في أحلك الظروف والأوقات.

فمنها بذرت بذورالوطنية،وفيها تكونت خلايا النضال والكفاح، وبين أساطينها خطب الخطباء وشعر الشعراء ضدا على الغرباء، ومن منابرها دعا علماؤها الأجلاء كافة المسلمين إلى الجهاد من أجل إعلاء راية الحرية والاستقلال، وفي داخلها تكتلت جموع المقاومين للاستعمار.

وقد كان المستعمرون الفرنسيون يدركون تمام الإدراك، أن القرويين هي مصدر كل شيء يقض مضجعهم، فهي التي ترمي إلى إفشال مخططاتهم الهادفة إلى طمس معالم الشخصية الإسلامية لدى المغاربة، وهي التي تذكي نضال الجماهير من أجل الحصول على استقلالهم، وهي التي تجمع المسلمين كافة في صف متراص. فحاولوا تحطيمها فلم يفلحوا، وإنما نجحوا في تضييق الخناق عليها.

ثم دفعهم تفكيرهم الخبيث إلى التدخل في شؤونها، ورأوا أنه لا يمكن القضاء على مادة التوجيه فيها، وهي الإسلام الذي يحرك مشاعر العلماء والطلاب إلا بالقضاء على القرويين كي يضمنوا بقاهم على أرض ليست لهم. ثم قرروا في نهاية الأمر أن يكون للحماية وجود في القرويين أيضا حتى يطمئنوا على ما يجري في هذا المسجد الجامعة الذي يهيمن على فاس، “المدينة المجرمة”[4] حسب زعمهم.

وهكذا قاموا بفصل إدارة القرويين عن نظر القاضي، واستمروا في سياستهم التعسفية فحرموا بعض العلماء من اعتلاء الكراسي العلمية، عقابا لهم على مواقفهم البطولية، وزجوا بعدد آخر منهم في غياهب السجون والدهاليز المظلمة.

دراسات فاسية، للدكتور سعيد المغناوي، ص13 وما يليها، الطبعة الأولى 1424هـ-2003م. مطبعة آنفو – برينت. فاس.

 

 


[1] – الناصري: الاستقصا، ج4 ص92-96.

[2] – نفسه، ج5 ص69-86.

[3]  ـ الناصري: الاستقصا، 6/20ـ22.

[4]  ـ الجنرال مواني هو الذي أطلق على مدينة فاس هذه التسمية. أما المريشال ليوطي فقد نعت جامعة القرويين بأنها “البيت المظلم” [انظر: جامع القرويين لعبد الهادي التازي، 3/742]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق