مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

دور المرأة المغربية في خدمة الحديث النبوي

 

 

 

بقلم: خديجة أبوري*

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

قلما نجد مصدرا مغربيا اهتم بالتأريخ لحياة نساء عالمات[1]، كان لهن الدور البارز في خدمة الحديث النبوي وعلومه، اللهم بعض المحظوظات اللاتي عُرفن بعلمهن لانتسابهن إما لزوجٍ عالم، أو لأخ، أو لأب علامة، وليس غرضنا من هذا المقال استقصاء جميع الأعلام من النساء اللاتي كان لهن هذا الدور –أي: خدمة الحديث النبوي وعلومه-، وإنما الذي نسعى إلى بيانه هنا هو الدور الفعَّال الذي قامت به هذه المرأة في خدمة الحديث النبوي تعلما، وتعليما، وحفظا، وإجازة.

وفيما يلي عرض موجز لبعض نماذج هؤلاء الشهيرات:

أولهن: رحمة بنت الجنان المكناسية زوج الحاج عزوز ووالدة الشيخ ابن غازي المكناسي المتوفى عام (919 هـ)، وكانت حافظة لأحاديث كثيرة من الصحاح[2].

كما برزت الأميرة خناثة[3] بنت الشيخ بكار بن علي بن عبد الله المغافري توفيت عام (1155 هـ)، وهي زوجة السلطان المولى إسماعيل، ووالدة السلطان المولى عبد الله، وجدة السلطان المجاهد الصالح سيدي محمد بن عبد الله، كانت على جانب كبير من الخيارة والتدين والمعرفة، ولها اعتناء بالحديث ورجاله، وُجد خطها على هامش نسخة من الإصابة لابن حجر[4].

والسيدة لالة غيلانة وهي ابنة الفقيه مَحمد –فتحا- غيلان توفيت عام (1189هـ)، وكانت عالمة نساء تطوان، لقنها والدها علوم القرآن، والحديث، والعربية والفقه، وكانت تفتي النساء[5].

ونضيف إلى هذا المثال مثالا آخر من العهد العلوي؛ حيث نجد العالمة زينب بنت الشيخ المهدي ابن الطالب بن سودة (ت1344 هـ)، التي نشأت في حجر والدها وبين أحضان إخوانها الأربعة: محمد، والتاودي، والمكي، وعبد السلام، فاكتسبت من ذلك معلومات فقهية وألفاظ حديثية، وكانت عند أول يوم من رجب في كل سنة تستدعي أبناء إخوانها، وتأمرهم بسرد صحيح الإمام البخاري في كل يوم إلى متم رمضان، وفي آخره يكون ختم الصحيح [6].

والحديث عن المرأة المغربية راوية للحديث لا يقل أهمية عن أخيها الرجل، ومن النساء اللامعات نذكر:

العالمة أسماء بنت أسد بن الفرات: القيروانية، العالمة، والفقيهة، وراوية الحديث، التي تعلمت على يد أبيها صاحب الإمامين الكبيرين أبي حنيفة ومالك بن أنس، واشتهرت برواية الحديث، والفقه على مذهب أبي حنيفة[7].

وأم المجد مريم بنت أبي الحسن الغافقي، المتوفية عام (649 هـ) درست الحديث، وهي من فضليات نساء عصرها، وقد وصفها بـ: العجوز المسندة، محمد بن القاسم السبتي في اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار[8].

ومن النساء البارعات أيضا: عائشة بنت علي بن عمر بن شبل الصنهاجي، توفيت بمصر سنة (739 هـ)، وكانت عالمة بالحديث، روى عنها ابن حجر بواسطة[9]. وأختها هاجر – وتلقب بـ: قرة العيون- سمعت من العز الحراني[10]، وسمع عليها إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني المصري[11].

كما شاركت المرأة المغربية  أخاها الرجل في إجازة الشيوخ، كما هي الحال بالنسبة لمؤمنة بنت عبد الله بن يحيى الفاسي المجاورة بالحرمين الشريفين، والتي أجازت الشيخ عبد الله بن عمر بن العز ابن جماعة[12]. وعائشة الصنهاجية السابق ذكرها، وقد روى عنها العلامة ابن حجر بواسطة.

 ولم يكن دورهن مقتصرا على ذلك فحسب، بل تجاوز ذلك إلى العناية الخاصة ببعض الأجزاء أو المصنفات الحديثية: سماعا، أو إجازة، أو نسخا؛ فهذه شريفة بنت محمد بن أحمد الحسني الفاسي المكي، توفيت عام (882 هـ)، الفاسية الأصل وردت مكة خلال القرن السابع الهجري فعاشت بها إلى أن وافتها المنية. وقد سمعت من أبي بكر ابن الحسين الحديث المسلسل بالأولية، والمجلد الأخير من صحيح البخاري، وأجاز لها جماعة[13].

وهذه فاطمة بنت أحمد زويتن، التي كان لها ولوع خاص بصحيح البخاري حتى كتبت نسخة منه في خمسة أجزاء بخط يدها[14]، فقد ذكر المؤرخ محمد بن علي الدكالي أنه رأى بالقرويين بفاس سنة 1304 هـ جزءا من صحيح البخاري بخط جيد، وعلى طرر الكتاب تعابير مفيدة، ولما سأل عن صاحبة ذلك الخط، أُجيب بأنها بنت الشيخ سيدي أحمد البدوي زويتن (ت 1275 هـ)[15].

كما برعت المرأة المغربية في فن الخط، ومن الأسماء اللامعة في هذا الميدان نذكر: آمنة بنت الحاج عبد اللطيف بن أحمد حجاج المدعو: غيلان الشريف التطواني، توفيت عام (1227 هـ)، خطها مغربي مبسوط واضح مليح مشكول في غالبه مجدول، ويعرف الآن بخطها منتسختان من بينها: الترغيب والترهيب للمنذري[16].

ومن النساء المغربيات من أسهمن في بناء المدارس ودور العلم، مما كان له الأثر البالغ في إغناء الحركة العلمية بالمغرب، ومن بينهن: فاطمة الفهرية أم البنين توفيت نحو (265 هـ)، التي بنت جامع القرويين في فاس، كما قامت أختُها مريم ببناء جامع الأندلس في فاس أيضًا. وغيرهن مما يضيق عن ذكرهن في هذا المجال.

وفي المرحلة المعاصرة، نبغت نساء مسلمات في مختلف العلوم، منها: الحديث النبوي، ووصل بعضهن إلى درجة عالية من التفوق العلمي في هذا الميدان، ومن هؤلاء نذكر: الحاجة بهية بنت هاشم القطبي الفلالية المكناسية، حفظت القرآن الكريم ولها من العمر 14 سنة، واجتازت امتحان القرآن على يد القاضي محمد بن أحمد الإسماعيلي العلوي، وأخذت القراءات السبع عن الشيخ إبراهيم الهلالي، والموطأ عن الفقيه العرائشي ولها من العمر 16 سنة، والبخاري عن القاضي محمد السوسي، وأكملته على الفقيه ابن عيسى الخلطي، وصحيح مسلم عن الفقيه الزريهني .. وكان ممن درس عليها الشيخ يحيى الغوثاني في الموطأ وأجازته، كما أجازت غيره من العلماء من أهل المشرق والمغرب[17].

 الخاتمة:

تلك إذن صورة مصغرة عما كان لعالمات المغرب من اهتمام واضح بالعلم عامة وبالحديث النبوي الشريف خاصة، هذه الصورة التي تثير في نفوسنا الاعتزاز بها وبإسهاماتها المتميزة في هذا الميدان، وتجعلنا ندرك تماما ونقدِّر الدور الهام الذي قامت به في سبيل إثراء الحركة العلمية بالمغرب عبر العصور.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

لائحة المراجع المعتمدة:

1) اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار لمحمد بن القاسم الأنصاري السبتي، تحقيق عبد الوهاب بن منصور. ط2 – 1403 هـ- 1983 مـ، الرباط.

2)  الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأبي العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري تحقيق جعفر الناصري- محمد الناصري ط 1418 هـ- 1997 مـ دار الكتاب، الدار البيضاء.

3) الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين) لخير الدين الزركلي ط 5- 1980.دار العلم للملايين، بيروت.

4) إليغ قديمًا وحديثًا لمحمد المختار السوسي، هيأه للطبع وعلَّق عليه: محمد بن عبد الله الروداني ط 1386هـ-1966مـ المطبعة الملكية، الرباط.

5) تاريخ الوِراقة المغربية صناعة المخطوط المغربي من العصر الوسيط إلى الفترة المعاصرة لمحمد المنوني، ط1 – 1412 هـ- 1991مـ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط.

6) الدر الكمين بذيل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين لعمر بن فهد الهاشمي المكي، دراسة وتحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط1 – 1421 هـ-2000مـ دار خضر، بيروت.

7) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لشهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر العسقلاني .طبعة دار المعارف العثمانية.

8) ذيل التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد لأبي الطيب التقي الفاسي محمد بن أحمد الحسني المكي، تحقيق: محمد صالح بن عبد العزيز المراد. ط1 – 1418 هـ- 1997 مـ، دار التراث، القاهرة.

9)  سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة، تحقيق: محمد حجي ط1- 1417 هـ-1997مـ دار الغرب الإسلامي، بيروت.

10)  فقيهات عالمات لمحمد خير رمضان يوسف، دار طويق.

11) فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تحقيق: إحسان عباس ط 2- 1402 هـ 1982مـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

12)  معجم المحدثين والمفسرين والقراء بالمغرب لعبد العزيز بن عبد الله، ط 1972 مـ مطبعة فضالة الجديدة.

13) مقال: “ترجمة العالمة الجليلة المعمرة بهية بنت هاشم الفلالية المكناسية” بقلم: رضوان شكداني، منشور في الجريدة الالكترونية، ” هوية بريس”، بتاريخ: 21 نونبر 2013.

هــوامـــش الــمــقــال

**********************

[1]  – وممن ألف في هذا الموضوع:

الوزير محمد بن أحمد اليحمدي (ت1132هـ) له كتاب: كشف الأسا بمحاسن الصالحات من النسا وبعض التعريفات بالأعلام والرؤسا. ذكره الزركلي في الأعلام 6/91، ومحمد بن أحمد العبيدي الكانوني ( ت1357هـ)  له كتاب: شهيرات المغرب ترجم فيه لما يقرب من مائتي مغربية .ذكره الزركلي في الأعلام 6 /23.

[2]- معجم المحدثين: ص:19.

[3]  – في الاستقصا 7 /138: “خناثى”.

[4]  – الاستقصا 7/138- إليغ قديما وحديثا 1 /29- الأعلام للزركلي 2 /324.

[5]- معجم المحدثين ص:28.

[6]  – سل النصال ص: 39.

[7]  – فقيهات عالمات ص: 18 فما بعدها.

[8]  – اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار ص: 21.

[9]  – الدرر الكامنة 2 /237 – فهرس الفهارس والأثبات 2 /631.

[10]  – معجم المحدثين ص: 39.

[11]  – ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد 2 /277-279.

[12]  – الدرر الكامنة 4 /385.

[13]  – الدر الكمين 2 /1473-1475.

[14]  – معجم المحدثين ص: 29.                             

[15]  – الوراقة المغربية ص: 261.

[16]  – الوراقة المغربية ص: 206.

[17]  – نقلا عن مقال: “ترجمة العالمة الجليلة المعمرة بهية بنت هاشم الفلالية المكناسية”، بقلم: رضوان شكداني، منشور في الجريدة الالكترونية، ” هوية بريس”، بتاريخ: 21 نونبر 2013.

 

* راجعت هذا المقال بتكليف من رئيس المركز، لجنة مكونة من: يوسف أزهار، فاطمة الزهرة المساري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق