الرابطة المحمدية للعلماء

دور القادة الدينيين في تغيير السلوكيات الخطرة

خبراء دوليون يؤكدون على أهمية
المقاربة التكاملية والتفاعلية لمواجهة داء السيدا

اختتمت أعمال الندوة العلمية التي نظمتها الرابطة
المحمدية للعلماء يوم الأربعاء 14 جمادى الثانية 1429 هـ،
الموافق لـ 18 يونيو 2008 م، على الساعة السادسة مساء، بقاعة الشيخ عبد الله كنون،
المقر الرئيسي للرابطة المحمدية للعلماء، حول موضوع:
“دور القادة الدينيين في تغيير
السلوكيات الخطرة” تحت شعار: “نحو مجتمع متكافل”، وذلك في دورتها الثانية،
بمشاركة الدكتور
كمال العلمي، منسق برنامج الأمم المتحدة المشترك لمحاربة السيدا، والدكتورة عزيزة
بناني، عن البرنامج الوطني لمحاربة السيدا، والدكتور أحمد عبادي، الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء، والدكتور محمد بلكبير، الخبير الدولي في تغيير
السلوكيات المنحرفة والتثقيف بالنظير. 

 في البداية، حاول
د. كمال العلمي في مداخلته رصد الحالة
الوبائية لفيروس نقص المناعة البشري على الصعيد العالمي بوجه عام، وعلى  صعيد شمال إفريقيا والشرق الأوسط بوجه خاص، بناء
على معطيات إحصائية ضافية؛ حيث سجل أن هناك معطيات أساسية تبرز كيف أن هذا المرض
في تزايد مستمر، وأنه قد وصل في بعض المناطق من العالم إلى درجة الاستفحال؛ فقد
تضاعف عدد الأشخاص المتعايشين مع هذا الداء. كما أنه  يشكل السبب الأول للوفايات بالنسبة للأشخاص
الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19  و 59 سنة. ليتسبب، بذلك، في وفاة 25 مليون شخص في
غضون 25  سنة، أي بمعدل مليون حالة وفاة في
كل سنة.

وبالنسبة للمعطيات الجديدة، فقد أبرز أن الأشخاص
المتعايشين مع فيروس نقص المناعة خلال 2007 قد بلغ عند الراشدين حوالي  30,8 مليون، وعند النساء 15,4 مليون، أما لدى
الأطفال ممن لاتتجاوز أعمارهم عن 18 سنة فقد بلغ 0,5 مليون. أما المصابين بالداء فقد
بلغ 2,1 مليون لدى الراشدين، و142,000 لدى الأطفال أقل من 15 سنة. وبخصوص الوفايات
فقد بلغ مجموعها 2,1 مليون منها 1,7 للراشدين والباقي للأطفال.

وبالنسبة لدول شمال إفريقيا والشرق الوسط فإن عدد حاملي
الفيروس يظل منخفضا نسبيا(حوالي 380,000 ) بالمقارنة مع منطقة جنوب شرق آسيا التي
يبلغ عدد الإصابات فيها إلى حوالي 4 مليون، أو بالمقارنة مع إفريقيا جنوب الصحراء.

ويسجل المتدخل أن الوباء أصبح يكتسي طابعا شبابيا
ونسائيا؛ إذ أن حوالي 50% من الراشدين المتعايشين مع هذا الفيروس نساء،
كما أن 50% من الإصابات الجديدة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين ( 15
و 20 سنة).

 بعد ذلك انتقل
المتدخل لإبراز أهم العوامل المحددة لانتشار وباء فيروس نقص المناعة البشري، وكذا
الوقوف على واقع الحالة الوبائية بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.. ليصل إلى
الوقوف على “الإستراتيجية العالمية لمكافحة السيدا” مذكرا بالمحطات
الرئيسية في هذا المجال، وكذا أهم الحملات العالمية ضد هذا المرض، ليخلص إلى تحديد
معالم الولوج الكلي للوقاية والعلاج في أفق 2010..

ومن جهتها، فقد ركزت د.عزيزة بناني على الحالة الوبائية
للأمراض المنقولة جنسيا والسيدا بالمغرب، وقد جاءت مداخلتها، بدورها، معززة بأرضية
إحصائية غنية. فبعد أن وقفت على مشكلة التقديرات ومدى مطابقتها للواقع، رصدت تطور
عدد حالات السيدا عبر السنوات بالمغرب، وكذا التوزيع الجغرافي الجهوي لهذه
الحالات؛ حيث كشفت أن جهة سوس ماسة درعة تحتل الصدارة في عدد الحالات المسجلة
تليها جهة مراكش الحوز، تم جهة الدار البيضاء الكبرى، و الجهة الشمالية.

وقد شددت على ضرورة إحداث هيأة وطنية للتنسيق في إطار
شراكة متعددة القطاعات، وكذا بلورة مخطط إستراتيجي وطني، فضلا عن منظومة للمتابعة
والتقييم.. لتقف، بعد ذلك، على المبادئ الكفيلة بمواجهة هذا الوباء والتقليل من
عواقبه الوخيمة من قبيل؛ وضع خطط محلية منسقة ولا مركزية للتصدي للسيدا مصحوبة
بجهود الدعم والتعزيز على الصعيد الوطني، توسيع تدريجي للتغطية الجغرافية، وإشراك
الفاعلين المعنيين متعددي القطاعات، واحترام حقوق الأشخاص المصابين، والدعم الرسمي
؛ حيث سجلت المتدخلة الموقف الإيجابي للمغرب على أعلي المستويات؛ من خلال الاهتمام
المباشر للملك محمد السادس، والأميرة لالة سلمى التي سجلت حضورا فعالا في مجموعة
من المنتديات الدولية حول السيدا..

بعد ذلك، وقفت، الأستاذة عزيزة بناني، على الأهداف
الواجب تحقيقها لمواجهة مضاعفات هذا المرض القاتل في تعاون مع الشركاء الوطنيين،
بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، وكذا الشركاء الدوليين، ومنظمات الأمم المتحدة،
وهيئات التعاون الثنائي، والصندوق العالمي لمحاربة السيدا والسل والملا ريا..

بعد تشخيص الحالة الوبائية لفيروس نقص المناعة البشري
على الصعيدين الدولي والإقليمي والوطني، قدم د.محمد
بلكبير طرحا ضافيا لأسلوب أو مقاربة التثقيف بالنظير، وفق منظور تواصلي تفاعلي
للتوعية بمخاطر هذا الداء خاصة بالنسبة للقادة الدينيين..

أما مداخلة د.أحمد عبادي فقد شددت على ضرورة أن تتم معالجة هذا الوضع
وفق رؤية  أصولية مقاصدية تعتمد على فقه
الترجيحات، من منطلق الوعي والتسليم بأن “داء السيدا وباء قد عمت به
البلوى”، بات يستدعي فعلا كفاحيا لمواجهته، محذرا من كون الإصابة مع أنها قد
تبدأ بوتيرة متوالية رياضية، إلا أنها سرعان ما تتسارع بمتوالية هندسية تصعب
ملاحقتها.

ومع تنويهه بأهمية وجدوى المقاربة التكاملية، إلا أنه شدد ضرورة أن
يخضع هذا التكامل لهندسة في سبيل تحديد الأدوار حتى لا تتناقض وتتبدد الجهود.
مذكرا في هذا السياق أن الرابطة قد دأبت على العمل مع شركاء متعددين..

وبعد أن أبرز المحاور التي تشتغل عليها الرابطة في هذا الإطار؛ سواء
تعلق الأمر بالعمل على تعزيز الجانب القيمي، أو تقديم الخبرات اللازمة في هذا
المجال، مع عدم الاكتفاء بالمقاربة الوعظية، على أهميتها، إذ لا بد، يشدد الأستاذ،
من اعتماد مقاربة علمية مدركة ومستوعبة لشروط تغيير السلوكيات الخطرة والمنحرفة،
وسياقات هذا التغيير المنشود، وفق منظور تفاعلي يراهن النفاذ إلى عقليات وذهنيات
ونفسيات الفئات المستهدفة، مع احترامها وتفهم ظروفها وأصول سلوكها، بغض النظر عن
عدم الاتفاق المعياري معها.

وهي المقاربة التي لن تؤتي كامل أكلها إلا بتعزيز التكافل الاجتماعي
سعيا” لتبني هموم الخلق في السياقات العامة” وليس بحثا عن الخلاص الفردي.
وهو البعد التكافلي الذي سعى الأستاذ أحمد عبادي إلى تأصيله بجملة من النصوص
القرآنية والحديثية الدالة.     

ليشير، بعد ذلك، إلى أن إكساب المهارات التي تضمن الاستمرارية يشكل
محورا تعمل الرابطة جاهدة على النهوض به بالتعاون مع جميع الجهات ذات الصلة.. بعيدا
عن مجرد “السعي لتحلة القسم”؟

وتعزيزا للقول بالفعل أعلن أحمد
عبادي، بصفته الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، بشكل رسمي عن فتح نافذة
تواصلية تفاعلية تستلهم مقاربة التثقيف بالنظير، بموقع الرابطة الإلكتروني. مؤكدا،
في نقاش مفتوح مع جمهور الحاضرين لأشغال الندوة، على أن إسهام الرابطة في هذا
المجال لا يمكن أن يتجاوز هوية الرابطة كأكاديمية شرعية وظيفتها الأساسية الإنتاج
العلمي، كما لا يتجاوز”دفتر تحملاتها” وعدد علمائها..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق