مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

دلالات وإشكالات من خدمة المغـاربة للأشعرية

«المغاربة لا يحتملون أحدا يعارض الأشعري في كلامه»(1)

تاج الدين السبكي

درجت الكثير من الدراسات التي تعنى بتتبع الشأن الديني بالمغرب على الاستناد إلى بديهيات ومسلمات دون مناقشتها والبحث في قيمتها المعرفية، ومن أهم الوجوه التي يمكن تلّمسها في هذا الاستناد، المبالغة المفرطة في إثبات خصوصيات دون التدليل عليها بالموازنة الدقيقة التي تأخذ بمنطق التفريق الذي يَنتج عنه إبراز سمة التميّز.

 فعند قراءتنـا لحديث الخصوصية، نجد أنه يخلو ضمنيا من الموازنة بين الأشعرية في المشرق والمغرب، هذه الموازنة التي تقتضي تحديد أوجه الائتلاف، ثم بعدها تأخذ في تتبع مواطن الاختلاف، ولا تنتهي إلى تقرير خصوصية حتى تتأكد أنها ميزة تخص المغاربة وحدهم، بعدها يمكن البحث في عوامل هذه الخصوصية وأسبابها والحفر في جذورها الاثنوغرافية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية..الخ.

 لكن أغلب ما نجده هو إثبات خصوصيات بمنهج مفارق ومنفصل عن الأرضية التاريخية، لذلك تأتي هذه الخصوصيات شاحبة وفي صيغة بيانات دعوية أو مقولات سياسية أو شعارات خطابية غير مؤسسة على خصائص حقيقية.

وبما أن موضوع الخصوصية يقتضي دراسات معمقة توازن بين التراث العقدي في المشرق، والآخـر في المغرب، وبما أنه يبرز بكثرة في الثقافة العالمة من التراث المغربي، خصوصا الجانب العقدي منه، وهـذا التراث مـا زال أكثره مخطوطـا، فقد حاولنا أن نتجنب إبراز أي وجه دلالي للخصوصية في ورقتنا هـذه، وإنما اكتفينا بالإشارة إلى دلالات الجهود التي بذلها المغاربة في خدمتهم للمذهب الأشعري.

هذه الدلالات يمكننا تتبعها في المنشور من التراث العقدي، والدراسات التي تناولته بالمقاربة والتحليل والتفسير والتأويل، أما المخطوط من هذا التراث فلا يمكن البناء عليه إلا في جانبه التاريخي والبيبليوغرافي، لذلك اعتمدنـا في بحثنا هذا بصورة أولية على كتاب من تأليف خالد زهري، وضعه بعنـوان «المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية»(2)، وهو عبارة عن ببليوغرافيا ودراسة ببليومترية، حاولنا من خلالهـا أن نستبصر الرؤية التي تُيسر لنا الكشف عن دلالات هذه الخدمة في مستواهـا التاريخي والكلي العام، أي التكويني والبنيوي.

وإذا كان منهج المقاربة الكرونولوجية لتاريخ الأشعرية في المغرب لا يخدم طريقتنا في العمل، فقد حاولنا أن ننظر إلى المسار العقدي في نسقه العام، فمن خلال مسح تاريخي أوّلي للجهود التي بذلها الفكر المغربي في بناء النسق الأشعري، يتبين لنـا أن الأمر يفرض رؤيتين مهمتين في المقاربة، الرؤية الأولى الدياكرونية (=التعاقبية)، وهي التي تهتم بتتبع الجهود الأشعرية في مسارها التاريخي، عبر تطورها، وعبر تشكل الفكرة العقدية وتولّدها من فكرة أخرى تسبقها، وهذه الرؤية تعطي الأولوية للبعد التاريخي أو الزمني في تناول قضايا العقيدة الأشعرية في المغرب، و هذه الرؤية لا تنطوي على أي إجراء نسقي، وإنما تجـدي من يروم الاستقصاء التاريخي.

 أما الرؤية التي يمكن أن تخدم ورقتنا هذه فهي السانكرونية (= التزامنية)، وقيمتها المعرفية تكمن في أنها تزيح البعد الزمني عن العلاقات التي تتشابك فيها قضايا العقيدة الأشعرية، فيتجلى أمامنا درّاس بن إسماعيل (ت.357هـ) وأبو بكر المرادي (ت.489هـ)وأبو الحجاج الضرير (ت.520هـ) وأبو بكر بن العربي (ت.543هـ) والقاضي عياض (ت.544هـ) والسلالجي (ت.574هـ) وابن بزيزة (ت.663هـ) وأبو علي عمر السكوني (ت.717هـ) وأبو عبدالله السنوسي (ت.895هـ) وأبو علي اليوسي (ت.1102هـ) وغيرهم من الأشاعرة على مسرح واحد، وجدوى هذه الرؤية في نظرنـا أنها تُجنبنا التقسيم المرحلي السياسي (المرابطون، الموحدون، السعديون،..الخ) الذي درج عليه التأريخ المغربي، فينزاح عن كل هذه الشخصيات ثوبها التاريخي ومنحاها الإيديولوجي فيظهر الجهد العقدي المغربي كأنه قام على أرضية جغرافية همها الأساسي هو الثابت الوطني.

1 ـ تحديدات وإشكالات:

1ـ 1 ـ الثابت الوطني:

فتوح المغرب

نُـذكّر بأنه ليس من السهل تتبع السيرورة التاريخية في تغيراتها من أجل الخلوص إلى ثبات نجرده من كل المعاني التي نتجت عن عوامل تطور الدول وتقلبات أحوالها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالحديث في الثابت الوطني هو حديث في مفهوم يقتضي تجاوز كل ما هو متغير على مستوييه الزماني والمكاني.

على المستوى الزماني يصعب الاعتبار بالإطار الذي يروم تأريخ الفكر العقدي بالمراحل السياسية، فهو إطار يقوم على غلق دوائر المعرفة براهِنها السياسي، ما يجعل الإشكالية العقدية تابعة لعاملـها السياسي، وهـذه النظرة لها جدوى في بعض المعضلات والمسائل الكلامية التي يظهر فيها عامل السلطة أصلا وابتداء وليس تابعا، مثل علاقة الدولة المرابطية أو الموحدية بالعقيدة الأشعرية، من حيث الاتصال  والانفصال، أو الترسيم والمحـاربة، فالعقيدة هنا بمبادئها ومضامينها تابعة للسلطة.

لذلك فمن يرجح التأريخ بالمراحل السياسية غالبا ما ينظر إلى العقيدة على أنها جهاز إيديولوجي للدولة، وأن مضامينها لا تعبر عن قضايا عقدية بقدر ما تعبر عن رغبة السلطة وأهوائها، كما أن التأطير السياسي هنـا يتعارض مع الإشكال العقدي الذي ينحو منحى الاستمرارية ويصل بين أجيال الأشاعرة في مجمل قضايا الاعتقاد، ما يعني أن هـذا التأطير يتعارض مع طبيعة الفكر الذي يتطور من منطلق سماته وكلياته الخاصة.

لهـذا فالتأريخ يجب أن يخضع لمنطق العلم، أي ما بات يُعرف بـ«تاريخ الأفكــار»، وهو النظر إلى تاريخ العقيدة الأشعرية في المغرب من حيث نشأتها وتأسيسها وترسيمها وانتشارها وتقهقرهـا، أو التأريخ بأعيان الأشعرية الذين كان لهم تأثير استطاع أن يحقق طفرات مهمة على مستوى أنظمة هـذا العلم أو مقاييسه المعرفية وأطره النظرية.

وأما من جهة المستوى المكاني، فنحن نلاحظ أيضا التغيّرات والتحولات التي تجلّت في امتداد الدولة أو في تقلص رقعتها الجغرافية، ويزداد الأمر تعقدا إذا نحن حاولنا تحديد هذه المنطقة على مستوى نهايات الدول وحدودهـا، وهذا ما يُـوّلد اشتباهـا في التصور المكاني للمغرب، هل هو المعنى الآخر للغرب الإسلامي، أو المغرب الكبير الذي يمتد من المعنى المعاصر للمغرب إلى حدود شرق ليبيا؟

يفرض علينا مفهوم الثابت هنـا استنباط معنى يتعالى عن كل الظرفيـات التي طبعتها النسبية والعرضية، لذلك فالوحدة التي تقبع وراء هذه المتغيرات هي هـذا الثابت الذي نراه في الموروث الكلامي بوصفه رمزا ثقافيا يحمل معنى الهوية والذاكرة، يقول عبد الله العروي بصدد مناقشته لفكرة امتداد وتقلص الدولة المغربية عبر تاريخهـا: «يجب أن نفصل الوجه السياسي عن الوجه الاجتماعي والثقافي، قد تنهار الوحدة السياسية وتبقى الوحدة الحضارية قائمة..»(3).

يبقى لنا مفهوم الوطن بوصفه معضلة يشتد التباسها بحسب امتدادها في التاريخ، فهل القصد به الوحدة الجغرافية لجماعة بشرية؟ أم المفهوم الحديث الذي يدل على فضاء عمومي يربط علاقات الأفراد بمنطق الحقوق والواجبات؟ أم أن المفهوم مجرد معنى يفيد الولاء لهذا الثبات الفكري الذي يمكن تلمّس وحدته في مجمل التغيرات التي حصلت في مسار الفكر الإسلامي بالمغرب؟

من خلال ما ذكره العروي يمكننا الجمع بين معنى الهوية في صيغتها الوطنية الحديثة فيكون المغرب المعاصر هو المعنى الـمُوجّه، وبين هـذا الثبات المعنوي والفكري الذي يظل فعّالا بعد أن يتغير التاريخ والجغرافيـا، فالغاية من الثبات هي تصوير الجهد المغربي في خدمة العقيدة كأنه فعل تقوم به ذات متفردة.

1 ـ 2 ـ دلالة الخدمة العقدية:

يتشعب معنى الخدمة العقدية إلى دلالات يصعب حصرهـا في محددات أو صوغها في تعريف دقيق جامع مانع، خصوصا أن هـذا المعنى يتصل بالمرتبة العقلية والروحية من الذات الإنسانية، فإذا كانت الخدمة في معنـاها الحركي المادي يستحيل تصنيفها في أنماط محدودة، فالخدمة العقدية بوصفها فاعلية رمزية ونتاجـا عقليـا أولى بصفة الاستحالة من جهة التصنيف والحصر.

لذلك تتفرع الخدمة العقدية إلى وجوه دلالية ينتقي منها الناظر أقوم وجه يستشفه من مجموع التراث العقدي الذي تركه المغاربة، وهو وجه لا يحمل معنى التصنيف النوعـي فحسب، بل يحمل وجهـا دلاليا له وجاهة نظرية تستقي معناها من الحقل الكلامي نفسه، بوصفه ميدانـا للجدل والتناظر والمحاورات والمطارحـات.

لاشك أن جدوى التصنيف النوعي يفيد في تقسيم هـذا التراث إلى أقسام تجد مستندهـا في مقاصد التأليف كمـا خلص إليها القدمـاء، أي تصنيف هـذا التراث الذي ينتمي للثقافة العالمة إلى أنواع حصرها ابن حزم في سبعة، يقول فيها: «والأنواع التي ذكرنا سبعة لا ثامن لها: وهي إما شيء لم يسبق إلى استخراجه فيستخرجه؛ وإما شيء ناقص فيتممه؛ وإما شيء مخطئ فيصححه؛ وإما شيء مستغلق فيشرحه؛ وإما شيء طويل فيختصره؛ دون أن يحذف منه شيئاً يخل حذفه إياه بغرضه؛ وإما شيء مفترق فيجمعه؛ وإما شيء منثور فيرتبه»(4).

فإذا نظرنـا إلى التراث الأشعري المغربي وفق هـذا المنظور فيمكننا حصره في هذه الأقسام، فتكون معنى الخدمة محصورة في التأليف، وإذا كانت الخدمة بمعنى الكتابة، فيمكن العمل بتقسيم آخر محصور في رباعية تتناول إما الشخصية العقدية (=الأشعري، الباقلاني، الجويني، الغزالي،..الخ) أو الكتاب/المتن العقدي (=التمهيد، الإرشاد، البرهانية، السنوسية،..الخ) أو المفهوم الكلامي (=النظر، الصفة، الكسب،..الخ) أو الطائفة (=المعتزلة، الشيعة، الخوارج، البكرية، الوهابية..الخ)، وهو تقسيم تشهد له مجموع الكتابات العقدية التي حررها المغاربة، خصوصا كتب السنوسي التي تجاوزت شروحها وحواشيها المئة.

غير أن هذه الدلالة تنحصر في معناها التقني، وهـو معنى يمكن توظيفه في مجمل العلوم والمعارف التي خاض فيها المغاربة (التصوف، الفقه، اللغة..الخ)، لذلك تفرض علينا الخدمة هنـا أن نربط معناها بخصوصية منوطة بالحقل الكلامي في تجليه الأشعري، فمجمل هـذا التراث كان يرمي إلى ربط الصلة بالمشرق بوصفه مهبط الوحي، لذلك ظلت الصلة بين المشرق والمغرب مستمرة عبر هـذا التواصل الفعـال، وهو الذي رأيناه في الجدل في مستواه العـام، ثم جدل آخـر خاص يتفرع عنه.

الأول هو الجدل الخارجي الذي نلاحظه في التفاعل الذي حصل بين الأشعرية في المغرب والأشعرية في المشرق، وهـو عام لأنه تناول علم الكلام في صورته الجدلية التي تشمل حتى غير الأشاعرة، مثل ردود المغاربة على الزمخشري المعتزلي، والجدل الثاني هو الذي نلاحظه في الصدام التأويلي المتعلق بالحوار الأشعري-الأشعري في المجال التداولي المغربي.

تبقى دلالة أخرى تحمل طابعا أخص من هذا، وهو التقسيم المنهجي الذي يمنع كل علم غير العقيدة أن يدخل فيه، وهو الذي قرره الشهرستاني في كتابه “الملل والنحل” حيث يقول: «التقسيم الضابط أن نقول: من الناس من لا يقول بمحسوس ولا معقول، وهم السوفسطائية. ومنهم من يقول بالمحسوس، ولا يقول بالمعقول، وهم الطبيعية. ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول، ولا يقول بحدود وأحكام، وهم الفلاسفة الدهرية. ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والأحكام. ولا يقول بالشريعة والإسلام، وهم الصابئة. ومنهم من يقول بهذه كلها وبشريعة ما وإسلام، ولا يقول بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهم: المجوس، واليهود والنصارى. ومنهم من يقول بهذه كلها، وهم المسلمون»(5).

وهذه المراتب المتدرجة لا تعنينا، لأن الأشعرية وتجليها المغربي بالضرورة لا يدخل في كل مدارجهـا، فقد تشترك مع أهل التسليم والتفويض في رد مقالات المعتزلة والشيعة، وقد تشترك مع المعتزلة في نقض اليهودية والمسيحية، وقد تشترك مع هذه الديانـات في نقد من يرفضون الشرائع، وتشترك مع هؤلاء أيضا في الرد على منكري الحقائق، وهذا التداخل بين مراتب الحجاج الديني يفرض علينا عرض صورة عامة نخصص فيها الكلام عن نشأة الأشعرية في المغرب، وتكوينها ونسقهـا.

1ـ 3 ـ الأشعرية في المغرب.. التشكّل والنسق:

عرف المشهد العقدي في المغرب ـ قبل الأشعرية ـ خطابات كلامية كانت تكمن خلفها رؤى سياسية لأشخاص فرّوا من المشرق بحثا عن مشروعية سلطوية في منطقة الغرب الإسلامي، ودشّنوا بذلك معتركا كلاميا وميدانا لصدام العقائد تطارحت فيه كبرى الفرق الإسلامية أفكارها ومقالاتها، حيث ظهرت فرقة الخوارج التي انتهت إلى فرقتين هما الصفرية والإباضية، والمعتزلة التي تذكر الكثير من المصادر أن وجودهـا في هذه المنطقة كان بعناية واصل بن عطاء (ت.131هـ)، والشيعة الذين جلبوا معهم مجمل آرائهم التي طبعوا بها تلك المرحلة لما تحتاجه من تأييد روحي لإيديولوجية النسب العلوي.

القيروان

وقد نشأ الخطاب السني بين هذه المذاهب معرضا عن الخوض في نقد الآراء الكلامية وميّالا إلى الاشتغال بالفقه ورواية الحديث ونقد أسانيده، إلى أن تفشت هذه الآراء وانتشرت بين الناس، فبدأت المبادرات السنية في النقض الحجاجي لمجمل هذه المقالات، فاشتهر بذلك «عيسى بن دينار» و«يحيى بن يحيى الليثي» و«محمد بن سحنون» و«ابن أبي زيد القيرواني» وغيرهم.

فنحت هذه المبادرات منحى سجاليا في الرد على الخصوم، فنجد لمحمد بن سحنون (ت.256هـ) مؤلفات من قبيل «الحجة على القدرية» و«الرد على أهل البدع» و«الرد على المرجئة»، ولمحمد بن محبوب الزناتي (ت.307هـ) «الرد على القدرية»، ولابن التبان (ت.311هـ) «فضائل أهل البيت»، ولابن القلانسي (ت.359هـ) «الإمامة والرد على الرافضة»، ولابن أبي زيد القيرواني (ت.386هـ) «الرد على القدرية».

إن نظرة حدسية في مجموع عناوين مؤلفات هذه المرحلة يتبين منها أن المقياس الفكري العام الذي كان يحرك الردود والانتقادات هو الجدل على المستوى الكلي مع الفرق المخالفة الكبرى، فذلك ما يظهر في المفاهيم التي تشكل هذه العناوين، مثل «القدرية» و«العصمة» و«الإمـامة»..الخ إلا أن هذا لم يمنع من ظهور إشكاليات داخل الدائرة السنية كمسألة «الاستثناء في الإيمان» التي أثارهـا محمد بن سحنون(6)، وتم اتهامه بسببها بـ«الإرجاء»، وهو أمر يفسر لنا إلى أي حد كان المذهب السني مسكونـا بهاجس التدقيق في تصفية المذهب العقدي وتنقيحه وتحقيقه.

هذا القلق المعرفي الذي نتج عن جدل الخطاب السني مع نفسه، كان له دور في توليد الحاجة إلى نسق توفيقي يجمع بين العقل والنقل ويقوم باحتواء الاختلافات السنية، يتجلى ذلك في الرغبة الضرورية في تسجيل بيان عقدي تتحدد فيه المرجعية كمنهج للانطلاق، يمكن أن نستشف هذا في كتابات مثل «الاعتقاد» لأبي القاسم عبد الجليل الربعي، و«أحكام الديانة» و«كتاب الاعتقادات» لابن القابسي (ت.403هـ) «الرسالة الواعية في الاعتقادات» لأبي عمرو الداني (ت.444هـ). و«شرح الاعتقاد» لحماد الكلاعي (ت.447؟) و«العقيدة» لأبي محمد التميمي القرشي (ت.460هـ).

إن قلق المرجعية والانشغال بالخصوم يطرح علينا جملة من التساؤلات حول منشأ الأشعرية في المغرب، لكن ليست الأسئلة التي تدور حول: كيف دخل المذهب الأشعري إلى المغرب؟ ومتى؟ وعلى يد من؟ وإنما التساؤلات التي يمكن اختزالها في إشكالية مهمة وهي: هل عرف المغاربة أشعرية قبل الأشعري؟ وهي إشكالية تتفرع عنها الكثير من الأسئلة، أهمها سؤال التحديد، أي: من هو الأشعري؟ هل هو الذي يؤول الصفات ويقول بالكلام النفسي والكسب؟

نشأت في المشهد المغربي فرقة اسمهـا «السحنونية»، وهو ظهور له معنى الخصوصية على مستوى الفرق الكلامية، لكن لا دليل على اكتمال هذه الفرقة في رؤية شاملة تخوض في مجمل مسائل علم الكلام، كمـا أن ثمة فرقـا مثل «البكرية» أو «الفكرية»، وأخرى باسم «الشكوكية»، وهي فرق دخل معها الفقهاء الأوائل في صراع عقدي، إلا أنها بقيت فرقـا تاريخية اضمحلت في حينها، وبقيت الأشعرية كاسم بدون إطار محدد وجامع مانـع.

لاشك أن الأشعرية في المجمل هي مجموعة مواقف كلامية، وهذا أمر يحتم علينا إدراك إذا كان المغاربة وقفوا على هذه الآراء وقالوا بها قبل ظهور أبي الحسن الأشعري أم لا، وهو ما يتفرع عنه أيضا قضية الأشعرية كمعطى جاهز ونموذج نظري شمولي ينتهي في «سلطة مذهبية»، ففي غياب هذه المسألة يصبح الكثير من الجدل حول انتساب بعض أعلام المذهب المالكي مثل ابن أبي زيد القيرواني من نوع الجدل الزائف، وهو أمر لا تعضده قضية اكتمال النسق الأشعري في نموذج نظري فحسب، بل حتى في طبيعة الهموم العقدية التي كانت تشغل ابن أبي زيد وغيره في صراعه مع الفرق المخالفة.

يمكن تلخيص الأشعرية في دافعين حرّكـاصاحبهـا، إيديولوجي وابستيمولوجي، أما الدافع الإيديولوجي فقد صرح به مباشرة في مستهل كتابه «مقالات الإسلاميين» والذي يُستفاد مـــنه الجــمع بين مقالات الإسلاميين لمحاولة إبراز ما يجمعهم عبر آلية التوفيق وإيجاد حد وسط بين الإفراط العقلي والإفراط النقلي، لذلك ما من قضية يتجاذبها طرفان في الخلاف العقدي إلا ونرى الإضافة الأشعرية تتوخى التوفيق، نجد ذلك في مبحث الصفات والقدر وغيرها من المباحث الكلامية، والدافع الإبستيمولوجي هو الذي نراه في تفكيك نظام المعقولية التي استندت عليه مقالات المعتزلة.

ثمة دلالات كثيرة تفيد أن الحاجة كانت ماسة إلى أبي الحسن الأشعري، حاجة تتحدد باستيعاب تمزق المجتمع المغربي جراء الصدام الكلامي ولملمة تشظياته وأشتاته، وهو أيضا ما أوجب ضرورة البناء العقلي للقضية العقدية لاحتواء ما تبقى من آثار الصراعـات التأويلية، لا يمكن القطع بهذه العلة لانعدام الشواهد الكافية التي يمكنها تفسير هذه الحاجة، بيد أن بعض الشخصيات المغربية التي قامت بـ”الإحالة” على الأشعري في تلك الفترة تنطوي على إشارات تدعم ذلك، فقد نُسب لدراس بن إسماعيل (ت.357هـ) رسالة في «الدفـاع عن الأشعرية»، وكتب ابن القابسي (ت.403هـ) «رسالة في أبي الحسن الأشعري» قال عنها ابن عساكر: «أحسن الثناء عليه وذكر فضله وإمامته»(7).

غير أن ثمة ما يجب التذكير به، وهو أن الأشعرية بقيت نسقا توفيقيا له القابلية على الجمع بين آراء الفرق الإسلامية، ونزوع التوفيق هـذا ظل يسكن الأشعري إلى غاية وفاته، فقد نقل ابن عساكر رواية عن أبي علي زاهر بن أحمد السرخسي قال: «لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري رحمة الله في داري ببغداد دعاني فأتيته فقال: اشهد على أني لا أكفر أحدا من أهل هذه القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات»(8).

2 ـ جدل الذات والآخـر:

إن الأشعرية في المغرب لا تكتمل صورتها إلا في ربطها بأشعرية المشرق من حيث تواصلها واستمرارية هذه الصلة على طول تاريخ الفكر العقدي بالمغرب، فمنذ تتلمذ المغاربة الأوائل على أبي بكر الباقلاني (ت.403هـ) ظلت هذه العلاقة تتقلب في مواقف كثيرة، من بينها موقف التمثل الذي تم فيه توظيف كتب كبار الشخصيات الأشعرية في الدرس والتحصيل والدعوة، لكن هـذا لم يمنع من اتخاذ المغاربة موقفا يتسم بالإبداع في النقد والتعليق والرغبة في الاستقلالية.

تمكن أشاعرة المشرق من الحضور العلمي في المشهد العقدي المغربي من خلال كتبهم التي تناولها المغاربة بالشرح والتعليق والنقد، وكان من بينهم: الباقلاني، والجويني، والغزالي، والرازي، والقرافي، وابن الحاجب، والبيضاوي، والتفتازاني، وعضد الدين الإيجي، وجلال الدين السيوطي وغيرهم.

فأما الباقلاني، فبغض النظر عن تتلمذ كبار المغاربة على يديه، إلا أن حضوره في التأليف العقدي كان مبكرا، فقد دخل كتابه «التمهيد» إلى المغرب مع أحد تلامذته، فتناوله بالشرح أبو القاسم عبد الجليل الربعي في كتابه «التسديد في شرح التمهيد»، وهو شرح ينطوي على دلالات كثيرة، منهـا أن شارحه كان تلميذا لأبي عبد الله الأذري صاحب الباقلاني، وكذلك بقي هـذا الكتاب محفوظا إلى يومنا هـذا، فأغلب كتب هذه المرحلة في حكم المفقود.

كتاب الإرشاد

بعد الباقلاني تأتي شخصية إمام الحرمين الجويني (ت.478هـ) بكتابه «الإرشاد في أصول الاعتقاد» الذي عرف تغلغلا عميقا في الدرس الأشعري بالمغرب، فقد شرحه ابن دهاق المعروف بـابن المرأة (ت.611هـ) في «نكت على شرح الإرشاد»، وشرحه في القرن نفسه أبو يحيى زكريا الإدريسي في كتابه «كفاية طالب الكلام»، وشرحه ابن بزيزة (ت.662هـ) في «الإسعاد في شرح الإرشاد»، وتناوله أيضا بالشرح أبو بكر الخفاف في «اقتطاف الأزهار واستخراج نتائج الأفكـار لتحصيل البغية والمراد من شرح الإرشاد».

وبعد الجويني يأتي أبو حامد الغزالي (ت.505هـ)، إلا أن حضوره لم يكن بكتبه فحسب، بل كان حضورا متنوعـا ومهيمنـا، وشخصية الغـزالي من الشخصيات المتحققة بصفة «المثير للجدل»، ليس في المشرق فقط، بل حتى في الغرب الإسلامـي.

قواعد العقائد

 فهو شيخ لابن العربي المعافري (ت.543هـ) كبير المغاربة الذين خدموا العقيدة الأشعرية بمصنفاتهم، فقد كتب في العقيدة: «العقد الأكبر» و«المتوسط» و«المقسط» و«الأمد الأقصى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى» و«الغرة» في الرد على ابن حزم، و«العواصم من القواصم» و«الأفعـال» و«قانون التأويل»..، وقد أثر الغزالي في ابن العربي تأثيرا قويا إلى حد أننا نجد مناقشته لآرائه بين ثنايا جـل كتبه.

المهدي بن تومرت

ومن جهة أخرى فالغزالي يُذكر عنه أنه شيخ للمهدي بن تومرت (ت.524هـ) صاحب الدولة الموحدية التي حملت لواء الانقلاب على الدولة المرابطية التي رفضت فكر الغزالي وحرقت كتابه «إحياء علوم الدين»، وكان فقهاؤها يحرمون امتلاك هذا الكتاب ويُحلفون الناس على عدم قراءته، وقد ساهم ابن تومرت في ترسيخ العقيدة الأشعرية سياسيا ومعرفيا، أما سياسيا فليس هذا محل تفصيل ذلك، وأما معرفيا فقد ألف رسائل(9) تُـقرب العقيدة الأشعرية إلى العامة، حتى أنه لم يكتف بالتأليف العربي فحسب، بل وظّف اللهجات المغربية الأخرى في تكريس هـذا المعتقد.

المهدي بن تومرت

وأهم رسائله التي انتشرت في المجال العقدي المغربي، رسالته «المرشدة» التي ظلت متداولة بين أيدى الطلبة حتى بعد سقوط الدولة الموحدية، وقد شرحهـا محمد بن خليل السكوني، وشرحها ابن عباد الرندي النفزي (ت.792هـ) في «الدرة المشيدة في شرح المرشدة»، ولابن النقاش الأموي شرحا عليها باسم «الدرة المفردة في شرح العقيدة المرشدة» وغيرهم.

لأبي حامد الغزالي مصنفات في تقرير المذهب الأشعري، لكن إضافاته الاجتهادية تجاوزت رسم هذا المذهب في صورة نسقية تشبه تلك التي جاءت في إرشاد الجويني، بل تأتي كـ”اقتصاد” في هذا العلم أو “إلجام العوام” عنه، بيد أن رسالته في قواعد العقائد المعروفة بالعقيدة القدسية أو المقدسية هي التي نالت اهتمام المغاربة، فقد شرحها الصوفي الكبير أبو مدين الغوث (ت.594هـ)، وشرحها الشيخ زروق (ت.899هـ) في «اغتنام الفوائد في التنبيه على معاني قواعد العقائد».

وإذا كان حضور الغزالي يتسم بالكثير من الأستاذية، إلا أن هذا لم يمنع من نقده من جانب أشاعرة المغرب، خصوصا في نقد مقولته «ليس في الإمكان أبدع ممـا كان» التي استفزت المغاربة، فظهرت أولى التعليقات على يد تلميذه ابن العربي، فقد نقل الذهبي عنه أنه قال «في (شرح الأسماء الحسنى): قال شيخنا أبو حامد قولا عظيما انتقده عليه العلماء، فقال: وليس في قدرة الله أبدع من هذا العالم في الإتقان والحكمة، ولو كان في القدرة أبدع أو أحكم منه ولم يفعله، لكان ذلك منه قضاء للجود، وذلك محال.ثم قال: والجواب أنه باعد في اعتقاد عموم القدرة ونفي النهاية عن تقدير المقدورات المتعلقة بها»(10).

ثم تتالت الانتقادات بعده، فنقدهـا ابن عرضون (ت.1012هـ)، ومحمد الطيب بن كيران (ت.1227هـ) في تقييده على قول الغزالي «ليس في الإمكان أبدع مما كان»، ومحمد بن عبد الكبير الكتاني (ت.1327هـ) في عنوان «البيان والعيان الشاهد ليس في الإمكان أبدع ممـا كان»، وغيرهم. ويظهر من دلالة انتشارها في هذا التاريخ، أنها جاءت في معرض النقاش المشرقي الذي أعقب رسالة السيوطي (ت.911هـ) المشهورة بـ«تشييد الأركان، في ليس في الإمكان أبدع مما كان».

ومن الأشاعرة الذين طغى حضورهم في المشهد المغربي، فخر الدين الرازي، ويبدو من حضوره هـذا أنه جاء في سياق النقد الفلسفي الذي وجهه ابن رشد للأشاعرة، فإذا رجعنا إلى ابن خلدون في تقسيمه لتطور الفكر الأشعري إلى ثلاث مراحل(11)، سنجد أن الرازي يدخل في الطريقة التي جمعت بين الفلسفة وعلم الكلام، فهذا فيه إشارة إلى حاجة المغاربة لهـذا الجمع.

لذلك اهتموا بكتابيه «الأربعين في أصول الدين» و«معالم أصول الدين»، فشرح الأول أبو يحيى زكريا الإدريسي، وشرح الثاني أبو طاهر بن سرور (ت.700هـ)، ومحمد بن عبد السلام الهواري (ت.749هـ)، وحسن البجائي (ت.754هـ)، واهتموا بكتبه الأخرى تلخيصا واختصارا، مثل «اختصار المحصل» لمحمد بن محمد القرشي الفاسي (ت.758هـ) و«لباب المحصل» لابن خلدون (ت.808هـ).

هذا الحضور المشرقي الأشعري يطرح علينا سؤالا حول ما إذا كان المغاربة مجرد شارحين لمتون المشارقة، فثمة فرضيات كثيرة يطرحهـا أسلوب بعض الكتب العقدية التي ألفها المغاربة، فإذا رجعنا ـ تمثيلا لا حصرا ـ إلى الكتاب الذي وضعه ابن عرفة (ت.803هـ) في علم الكلام ووسمه بـ«المختصر الشامل في أصول الدين»، سنجد أن صاحب «الديباج المذهب» قال فيه أنه «عارض به كتاب الطوالع»(12)، أي «طوالع الأنظار» للبيضاوي، وهذا الرأي له دلالته في تفسير مجمل أعمال أشاعرة الغرب الإسلامي التي كانت لها «سلطة معرفية» واهتم بها المغاربة بنفس اهتمامهم بالكتب المشرقية.

غير أننا يجب أن ندرك من مسألة محاكاة المغاربة لتآليف المشارقة، أنها تحمل بعدا دلاليا عميقا في مفهوم الخدمة، لا يمكن فهمه على أنه ترديد وتقليد ينتهي سببه إلى نوع من الإحساس بتفوق المشارقة فحسب، وإنما الأمر يرجع إلى نوع من المنـافسة التي تهدف إلى إثبات الذات واستقلاليتهـا عبر جمع نسقي يتضمن مجمل قضايا الكلام الأشعري، وهو أمر يمكن رؤيته في عقيدة أبي بكر المرادي (ت.489هـ) ومنظومة «التنبيه والإرشاد» لأبي الحجاج يوسف بن موسى الضرير (ت.520هـ) و«البرهانية» للسلالجي (ت.574هـ) وغيرها.

وسار المغاربة على نفس منوال تعاطيهم مع إرشاد الجويني، فشرحوا البرهانية بنفس الهمة، شرحهـا محمد بن عبد الكريم الفندلاوي المعروف بابن الكتاني (ت.595هـ)، وشرحها ابن بزيزة، وشرحها أبو الحسن اليفرني الطنجي (ت.734هـ) في «المباحث العقلية»، وشرحها أبو عثمان سعيد العقباني (ت.811هـ)، وشرحها عبد الرحمن بن سليمان السملالي (ت.882هـ) وغيرهم(13).

إن وضع متون مستقلة للدرس العقدي، بقيت عادة مغربية إلى غاية تمركزها في السنوسية ومراتبها، فعلى هامش هـذا المتن العقـدي الشهير سيعرف التأليف الأشعري انكماشا كبيرا حول الشروح والحواشي، لدرجة أن مجموع ما أُلف على السنوسية قد يساوي مجموع كل الشروح التي ألفت على كل المتون العقدية التي ظهرت في المغرب، غير أن هـذا لم يمنع من ظهور مؤلفات تتسم بطابع السجال مع الأشعرية المشرقية، خصوصا قضية الملا إبراهيم الكوراني (ت.1101هـ) في مسألة الكسب.

كتب الكوراني مجموعة رسائل في موضوع الكسب بعنوان: «مسلك السداد إلى مسألة خلق أفعال العباد» و«إمداد ذوي الاستعداد» و«الإلماع المحيط بتحقيق الكسب والتوسيط بين طرفي إفراط وتفريط» وغيرها من المؤلفـات التي يظهر من كثرتها أن الكوراني أعطى قضية الكسب منزلة عالية في الاعتناء والاهتمـام، ودار موضوع هذه القضية على فهم جديد قدمه الكوراني لمقولة الكسب في العقيدة الأشعرية، ما خلّف حملة نقدية واسعة بدأت في المشرق وانتهت في المغرب.

وكان أبو سالم العياشي (ت.1090هـ) من بين أبرز من انتقدوا هذا الفهم في كتابه «الكشف والبيان عن مسألة الكسب والإيقان»، ثم تتابعت بعده كتابات نقدية في هذه المسألة، فكتب عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت.1096هـ) «الاستعداد لسلوك مسلك السداد الوارد من طيبة خير البلاد في خلق أفعال العباد»، ولمحمد المهدي الفاسي القصري (ت.1109هـ) «اللمعة الخطيرة في مسألة خلق أفعال العباد الشهيرة»، وكتب محمد بن عبد القادر الفاسي (ت.1116هـ) ردا على الكوراني في مسألة الكسب، ورسالة في مراجعة اللمعة، وكتب محمد العربي بردلة (ت.1133هـ) جوابـا عن مسألة في تعلق القدرة والإرادة، وألف محمد الحاج الدلائي (ت.1141هـ) «سواكب الأفضال في كواسب الأفعال»، وكتب أحمد بن مبارك السجلماسي (ت.1156هـ) «الدرة في تحقيق تعلق القدرة».

ولم ينشغل المغاربة بالرد على أشاعرة المشرق فحسب، بل خصصوا كتابات كثيرة لشخصيات مشرقية من مذاهب أخرى، وكان من أهمهم الزمخشري المعتزلي (ت.538هـ) الذي طاله النقد الأشعري المغربي، وسبب هذا النقد يرجع إلى قضيتين، قضية القصيدة التي كتبها في ذم أهل السنة، وقضية استحسان العلماء لكتابه «الكشف عن حقائق التنزي لوعيون الأقاويل في وجوه التأويل» لما تضمنه هذا الكتاب من مسائل بلاغية دقيقة وإشارات نحوية عميقة، فقاموا بنقد اعتزالياته التي أوردها في تفسيره.

فكتب في نقده عمر السكوني (ت.717هـ) «التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال لتفسيره للكتاب العزيز»، وكتب ابن البنا العددي المراكشي (ت.721هـ) حاشية على الكشاف، واختصر محمد بن علي الفاسي (ت.762هـ) هـذا التفسير، وحشاه أحمد الأزدي القصار (ت.790هـ)، وكتب نظمـا ابن يجبش التازي (ت.920هـ) في الرد على البيتين اللذين ذكرهما الزمخشري في الطعن على أهل السنة، وكتب محمد الصغير اليفرني(ت.1153هـ) في «طلعة المشتري في ثبوت توبة الزمخشري»، وكتب أحمد بن المبارك السجلماسي تقييدا في نقد بعض مقالات صاحب الكشاف، وألف محمد الطيب بن كيران (ت.1227هـ) اعتراضـا على الزمخشري في الكشاف، ووضع أبو الحسن علي ابن جلون الفاسي (ت.1292هـ) تقاييد على الكشاف.

يتبين لنا مما عرضناه أن علاقة المغرب بالمشرق على مستوى العقيدة الأشعرية عرفت مواقف متنوعة، ما بين محاورة ونقد وتطلع إلى الاستقلالية، كما أن الكثير من المؤلفات التي وقفنا عليها تشير إلى الرغبة القوية في كسر علاقة التلميذ بالأستــاذ، وهذا ما يعطي لمفهوم الخدمة بُعداً يجعل الذات تكشف نفسها في مرآة الآخـر، الآخر الذي تعلمت منه وانتقدته واستقلت عنه بإبداعها لمتونـها العقدية ومنظومـاتها التعليمية ليس من أجل تسهيل الحفظ فحسب، بـل من أجل استمرار الهوية العقدية عبر الذاكرة المـغربية.

3 ـ الجدل الأشعري-الأشعري:

لم تُرد الذات المغربية الأشعرية أن تنحصر وتتحدد هويتها في علاقتها بالمشرق فقط، بل شهدت عبر تاريخها صدامـات عقدية متعددة القضايا والمشاكل، صراعات يمكن وصفهـا بـ «الجدل الأشعري-الأشعري»، لاشك أنه يصعب سرد وتتبع كل المعضلات العقدية التي ثار حولها الجدل أو خلفت ضجة امتدت آثارهـا في التاريخ المغربي، إلا أننا سنعرض قضيتين عقديتين حصلتـا بعد القرن العاشر الهجـري لهما معنى هذا الامتداد التاريخي، وهمـا من أهم ما عرفه الفكر الأشعري بالمغرب في باب الجدل مع الذات، الأولى إشكـالية إيمـان العوام والثانية إشكالية الهيللة.

3 ـ 1 ـ إشكـالية إيمـان العوام:

تظهر المرحلة السنوسية في مسار الفكر العقدي المغربي كإطار مرجعي حكَم مجمل الجهود الكلامية التي أعقبتها، ولا يمكن رد هذه الهيمنة إلى علة التأخر أو التقهقر فحسب، وإنما مرد ذلك إلى جملة عوامل قد تكون من بينها حالة غياب الاجتـهاد الكلامي التي ساهمت في انكماش هـذا العلم على الحواشي والشروح، كما أن الأمر يرجع أيضا إلى قدرة السنوسي على تقريب العقيدة وإيجازهـا وتبسيطهـا، ما ساهم في انتشار فكره في مختلف أطياف المجتمع وطبقاته.

وقد اختار السنوسي (ت.895هـ) طريقة تدرجية في تعليم الاعتقاد، ما جعل كتاباته تتوزع بحسب مستويات التلقي والفهم، فبالرغم من شروحه لمتون عقدية، مثل شرح منظومة شيخه شهاب الدين الجزائري الزواوي (ت.884هـ) «كفاية المريد في عقائد التوحيد»، وشرحه لـ«مرشدة ابن تومرت» وشرحه لـ«جواهر العضد»، بيد أن له طريقة أخرى انتهج فيها المسار المدرسي، فألف في ذلك «عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع وعنيد»، وشرحها في «عمدة أهل التوفيق والتسديد»، بعدها وضع عقيدة متوسطة عنونها بـ«العقيدة الوسطى» وشرحها، ثم العقيدة الصغرى المشهورة بـ«أم البراهين» و«السنوسية»، وقد تجاوزت هذه العقيدة مجالها التداولي إلى المجال المشرقي، وعرفت شروحا كثيرة هنـاك، غير أن السنوسي لم يكتف بهذه المتون المدرسية، بل زاد على ذلك متونا أخرى استهدف بها أطيافا أخرى خارج الدوائر المدرسية، مثل تأليفه عقيدة مفيدة وأخرى وجيزة للنساء والأطفال.

وإذا حاولنا أن نتتبع المقاصد الكبرى الثاوية في عقائد السنوسي، سنقف على معان دقيقة تدل على الوعي بأهمية الاعتقاد ورجوعه إلى الذات المفكرة، فالسنوسي لم يكن يرغب من خلال أسلوبه في الإيجاز والتبسيط إلا دعوة الذات إلى الخروج من التقليد، وهذا ما نتلمسه حتى في عنوان مؤلفه «عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع وعنيد»، فكأن السنوسي يعلل لنا منشأ الجهل بالتقليد، وهـذه القضية ستخلّف له فيما بعد تصادمات فكرية باتت معروفة بـ«إيمان العوام»، ومن خلالها دخل في سجال مع المتكلم الأشعري «أحمد بن زكري» (ت.899هـ)، وهو خصم تجاوزت شهرته السنوسي في تلك المرحلة.

إن الرجوع إلى سيرة ابن زكري وأعماله وصِيته يوحي لنا بأن ما عُرف بالمرحلة السنوسية كان يجب أن يُعرف بالمرحلة الزكرية، فمجموع القرائن المبثوثة بين ثنايا سيرة هـذا الرجل، تقول أنه فاق السنوسي في الصيت، حتى أن شهرته بلغت المشرق في حياته، فهذا شمس الدين السخاوي يقول عنه: «هو الآن المشار إليه في تلمسان»(14)، وبالرغم من خدمته للعقيدة الأشعرية بوضعه شرحا على عقيدة ابن الحاجب، ونظمه متنـاً تعليميا بعنوان «محصل المقاصد مما به تعتبر العقائد»، إلا أن السنوسي هو الذي انتصر في النهاية بانتشار اسمه وذيوع عقائده ورسوخ سلطته المعرفية، بينما بقيت أخبار وأعمال ابن زكري متداولة بين النخبة المتخصصة في العقيدة الأشعرية وتاريخها، ومن بين هذه الأعمال خبر المساجلة الكلامية التي حصلت بينه وبين السنوسي حول «إيمان المقلد».

تذكر كتب التراجم أن ابن زكري «وقعت له منازعة ومشاحة مع الإمام السنوسي في مسائل، كل يرد على الآخر»(15)، و«له منازعات مع الشيخ السنوسي»(16)، وحاول الحضيكي أن يقرأ هذا النزاع قراءة إيجابية وأخلاقية، قال فيها: «وكانت بين الشيخين مذاكرات ومحاورات ومباحثات»، لكن هذه القراءة لم تمنعه من الاستدراك،  فأومأ إلى ما هو نفسي بينهما فقال: «وادعى ابن زكري أن الشيخ السنوسي من تلامذته، فقال الشيخ السنوسي: والله ما أخذت عنه سوى مسألة واحدة»(17)! وقد بيّن الأستاذ يوسف احنانة جانبا من هذا السجال، حيث خلص فيه إلى أن الجدل بينهما تحدد في أن السنوسي يقول بعدم كفاية التقليد في أمور العقائد، وأن هذا الرأي عليه إجماع الجمهور والمحققين، بينما ابن زكري ينفي هذا الإجماع(18) على رفض إيمان العوام.

وإشكالية إيمان العوام وعذرهم بالجهل ترجع نشأتها إلى البدايات الأولى في علم الكلام، خصوصا في الصراع بين المعتزلة والأشاعرة حول مبدأ النظر ووجوبه وأولويته، بيد أنها في المرحلة التي جمعت السنوسي وابن زكري يمكن أن نؤول انبعاثها إلى الشعور الدفين بانغماس الناس في التخلف والانحطاط، والإحساس بأفول النظر بوصفه واجبا شرعيا، غير أن مناط التناظر بينهما يمكن رده إلى المآل الذي يمكن أن يخلص إليه هـذا التنـازع، وهو التكفير.

هذا المآل هو الذي انتهى في الجدل الكلامي الحاد الذي خلّف استقطابات متوترة قسّمت المشهد العقدي الأشعري في هذه المرحلة إلى قسمين، قسم ينتصر لأفكار السنوسي التي تنتهي إلى تكفير العوام، وقسم آخر ينتصر لإعذار العوام، وهو الرأي الذي تبناه ابن زكري، وعلى يد تلميذه محمد شقرون الوهراني المغرواي (ت.927هـ) سيشهد الفضاء التداولي المغربي صراعا محتدمـا حول إيمان العوام وأحكام التقليد، حيث قام برفع هذه القضية إلى المستوى العنفي، وصعّد السجال إلى حد استعمال مصطلحات قتالية وجهاز مفهومي تطبعه لغة عنفية  (=الجيش»، «الكمين»، «قتال») وهي مفردات تشكل عنوان كتابه «الجيش والكمين لقتال من كفّر عامة المسلمين»، وبعده بدأت الكتابات العقدية تهطل في المغرب على طول مرحلة ما بعد السنوسية.

الحكم بالعدل والانصاف

بيد أن الفتنة التي أججها ابن أبي محلي هي أهم ما خلفته هذه المساجلة، فقد جمع جملة من النقول العقدية عن بعض أساطين العقيدة الأشعرية، خلص فيها إلى أحكام انتهت في فتاوى تُخرج الناس من الملة(19)، ما خلّف صدى واسعا في المشهد الأشعري بداية من تلك المرحلة إلى مطلع القرن الرابع عشر الهجري، فكتب أبو عبد الله  محمد العربي الغماري (ت.1002هـ) «جوابا عمن كفّر من مات ولم يقرأ التوحيد»، ووضع أحمد بن أبي المحاسن الفاسي (ت.1021هـ) رسالة «حول صحة إيمان المقلد»، وألف أبو سالم العياشي «الحكم بالعدل والإنصاف فيما جرى بين علماء سجلماسة من الاختلاف»، وصنف أحمد بن مبارك السجلماسي (ت.1156هـ) رسالتين هما «رد التشديد في مسألة التقليد» و«رسالة في أحكام المقلد»، وكتب محمد بن التهامي الوزاني (ت.1311هـ) «تقييدا في صحة إيمان المقلد».

3 ـ 2 ـ  إشكالية الهيللة:

بدأت هذه الإشكالية برسالة عنوانهـا «رسالة ذي الإفلاس إلى خواص مدينة فـاس» ألّفهـا محمد بن علي الخروبي الطرابلسي الصفاقسي الجزائري (ت.963هـ) الذي كان تلميذا للشيخ زروق، واشتغل سفيرا بين سلطان آل عثمان وبين الأمير أبي عبد الله الشريف بقصد المهادنة بينهما وتحرير البلاد، والمشهور أيضا بمساجلاته النقدية.

وجاء في هذه الرسالة آداب على القواعد الخمس، حتى أن لها إسما آخر هو «مزيل اللبس عن القواعد الخمس»(20) يقول فيها الخروبي: «من الأدب أن لا يتناول النفي عند النطق بحرف النفي إلا مـا ادعاه المشركون من الآلهة سوى الله تعـالى، وليكن الحق جل جلاله ثابتا عنده في حالة النفي والإثبات، وإلى هـذا أشار بعض العلماء حيث قال: النفي لما يستحيل كونه، والإثبات لما يستحيل عدمه»(21).

هـذا الكلام نقمه الناس عليه، لما فيه من التباس واشتباه يثبت الإله في محل النفي، فوقف عليه الشيخ عبد الله الهبطي (ت.963هـ)، فبعث برسالة إلى الشيخ الخروبي يبين له ما وقع فيه من خطأ اعتبره الهبطي هفوة وزلة قلم يمكن إصلاحـهـا، لكن قبل أن يبعث بها طلب من المفتي في تلك الفترة وهو الشيخ اليسِّيثني الفاسي (ت.959هـ) أن ينظر فيها، فقام اليسّيثني بالتعليق عليها، لكن شنع في كتابته على الشيخ الخروبي.

وجاء في هذه التقييدات التي كتبها اليسيثني أن النفي إنما يتسلط على الآلهة المعبودة بالباطل بوجه، وهي ثابتة بوجه واعتبـار. فلمـا اطلع عليها الهبطي قال: الله أكبر، أراد أن يخطئ هذا الرجل فوقع في خطـأ أكبر منه، فنسب قوله إلى اجتمـاع الضدين، بحجة أن النفي لا يصح إلا على صفة الألوهية عن كل ما سوى الله، وإثباتها لله وحـده(22).

فخلّفت هذه المسألة ضجة كبيرة تناولتها أقلام كثيرة، ابتدأت من الشيخ الهبطي الذي ألف في ذلك«الإشادة بمعرفة مدلول كلمة الشهادة»و«تقييد في معنى لا إله الا الله»، و«جواب في مسألة النفي في كلمة لا إله إلا الله»، و«رسالة في المقصود من النفي في كلمة التوحيد»، وهي مجموعة كتابات كانت تتخللها من جهة أخرى ردود اليسيثني الذي ألف «جزء في الرد على من زعم أن لا إله إلا الله لا ينتفي به ألوهية الصنم ونحوه مما عُبد من دونه»، و«رسالة في مسألة الهيللة».

وكتب أبو حامد محمد العربي الفاسي (ت.1052هـ) تعليقـا على تقييد في معنى لا إله إلا الله، وألف عبد القادر بن علي القصري الفاسي (ت.1091هـ) جوابـا عن: ما هو المعتقد الذي يجب ربط القلب عليه في معنى لا إله إلا الله، وكتب محمد بن يحيى المذبوحي (ت.1094هـ) جوابـا عن معنى الاستثناء في كلمة التوحيد، وكتب الهبطي الابن محمد بن عبد الله (ت.1001هـ) تقييدا في معنى كلمة التوحيد و«كشف الغطا عما وقع في حقيقة الإله من الخطا»، وكتب أبو علي اليوسي (ت.1102هـ) «مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص»، وكتب الحسن بن محمد الورياجلي اللجائي (ت.1283هـ) في تقييد عقائد الإيمان المندرجة تحت الهيللة، وكتب أبو المفاخر محمد بن عبد الواحد الكتاني (ت1289هـ) إشارات حروف الهيللة.

وهذا التـناظر الذاتي الذي دار حول معضلة الهيللة، يمكن أن نقرأ فيه دلالة الجدل الأشعري-الأشعري الذي يكشف لنا عن مدارسة أخرى من بين المدارسات الكثيرة التي عرفهـا تـاريخ الفكر العقدي الأشعري في المغرب.

خـاتمة:  نحو مجايلة أشعرية مغربية

لو رجعنـا إلى مجمل الدراسات التي اهتمت بتاريخ الأشعرية، سنجد أنها تنطوي في جلهـا على حلقات تاريخية مفقودة، ما يجعلنـا نفقد معهـا الروابط التي تصل بين طبقات الأشاعرة  المغاربة من جهة المشيخة والتلمذة والملاقاة والصحبة وغيرهـا من أنماط العلاقات التي يمكن أن تكشف لنـا عن معان دقيقة تسعفنـا في حل كثير من المعضلات.

والمجايلة الأشعرية المغربية هي محاولة اقتراحية تدعو إلى دارسةٍ تُـعنى بتاريخ أجيال الأشاعرة في المغرب وعلاقاتهم العلمية وأنماط هذه العلاقة، من أجل تجاوز التحقيبات التاريخية المعمول بها في أغلب الدراسات مثل التحقيب بـ«النظام الكاريزماتي» أو «نظام العصور السياسية» أو «الفترات التاريخية الكبرى» أو غيرها من النظم التحقيبية التي لها مبرراتها بحسب مضمون البحث، والمجايلة تحمل في طياتهـا دلالات تتصل بما ذكرناه من ثابت وطني ونسق معرفي وبذل الجهد في خدمة المذهب.

فمن جهة هـذا الثابت نجد المجايلة تحمل بُعدًا أُسريًا تظهر فيه جهود المغاربة كأنها خدمـة قدّمتها عائلة واحدة، لأننا إذا رجعنا إلى النواة الأولى التي بدأت فيها الأشعرية كأمشاج أولية في تكوين هذا المذهب وتشكّـــله، ثم جردنا منها كبار الشخصيات فوضعناهم ضمن جيل معين، ثم رتبنا بعدهم الجيل الثاني ثم الثالث..، في طبقات علمية سواء في الربط بين الأعلام من حيث الصحبة أو الملاقاة أو التلمذة أو في سلسلة سندية مثل: تلقي القاضي عياض (ت.544هـ) عن الضرير (ت.520هـ) عن المرادي (ت.489هـ) عن أبي إسحاق المعافري (ت.443هـ) عن أبي عبد الله الأذري، لكن ليس الهدف منها الاكتفاء بإبراز الرواية والعنعنة، وإنما إبراز مغزى  المجايلة، أي العلاقة والتفاعل بين أجيال أشاعرة المغرب من حيث المناولة والتلقي المعرفي، لاشك أننا سنقف على فوائد مهمة تتمم لنا ما نقص من حلقات علمية مفقودة.

والجيل يتضمن أكثر من علَم في العقيدة الأشعرية، وهذا مـا يوجب تتبع مسائل هذا الجيل العقدية وإشكالاتها ومفاهيمها وطرق استدلالهـا من أجل استخلاص نظام معرفي كلي يحدد لنا المقياس الفكري العام الذي يمكّننـا من جمع أفكـار هـذا الجيل، بدون شك أن الأمر يقتضي جهدا ووقتـا، لكنه مشروع له أهميته.

الهوامش:

(1) طبقات الشافعية، السبكي، تحقيق، محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، ط2، (هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1413هـ)، (8/122).

(2) صدر عن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

(3) مجمل تاريخ المغرب، عبد الله العروي، ط2، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2000)، (2/7).

(4) رسائل ابن حزم، تحقيق إحسان عباس، (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983)، (4/103).

(5) الملل والنحل، الشهرستاني، (بيروت، دار ابن حزم، 2005)، (ص:180).

(6) ترتيب المدارك وتقريب المسالك، القاضي عياض، تحقيق عبد القادر الصحراوي، (المحمدية-المغرب، مطبعة فضالة، 1970)، (4/218).

(7) تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري، ابن عساكر، ط3، (بيروت، دار الكتاب العربي، 1404هـ)، (ص:122).

(8) المرجع السابق، (ص:149).

(9) انظر: أعز ما يطلب، المهدي بن تومرت، تحقيق وتقديم عبد الغني أبو العزم، (الرباط، مؤسسة الغني للنشر، 1997). انظر أيضا: المهدي بن تومرت، عبد المجيد النجار، (تونس، دار الغرب الإسلامي، 1983)، (ص:149).

(10) سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف شعيب الأرناؤوط، ط3، (بيروت، مؤسسة الرسالة، 1985)، (19/337).

(11) المقدمة، ابن خلدون، تحقيق عبد السلام الشدادي، (الدار البيضاء، خزانة ابن خلدون، 2005)، (3/35).

(12) الديباج المذهب، ابن فرحون، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، ط2، (القاهرة، مكتبة دار التراث، 2005)، (2/265).

(13) انظر: عثمان السلالجيومذهبيته الأشعرية: دراسة لجانب من الفكر الكلامي بالمغرب من خلال البرهانية وشروحـها، جمال علال البختي، (المملكة المغربية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2005)، (ص:208).

(14) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، شمس الدين السخاوي، (بيروت، دار مكتبة الحياة، د.ت)، (9/182).

(15) نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي، ط2، (طرابلس-ليبيا، دار الكاتب، 2000)، (ص:130).

(16) شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد مخلوف، علق عليه عبد المجيد الخيالي، (بيروت، دار الكتب العلمية، 2003)، (1/386).

(17) طبقات الحضيكي، محمد الحضيكي، تحقيق أحمد بومزكو، (الدار البيضاء، طبعة النجاح الجديدة، 2006)، (1/28).

(18) تطور الفكر الأشعري في الغرب الإسلامي، يوسف احنانة، (المملكة المغربية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2003)، (ص:189).

(19) انظر: إيمان العوام في ميزان الفقهاء وعلماء الكلام بالمغرب، إكرام بولعيش، مجلة الإبانة، العدد:2/3، (ص:151).

(20) تطور الفكر الأشعري في الغرب الإسلامي، يوسف احنانة، (ص:214)، ونسب هذا الكتاب ابن مريم لزروق، انظر: البستـان، تحقيق محمد بن يوسف القاضي، (القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية،2010)، (ص:58).

(21) أوردهـذا النص الحضيكي في طبقاته، (ص:557).

(22) انظر حيثيات هذه الرواية في:

ـ النبوغ المغربي، عبد الله كنون، ط2، (بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، 1961)، (2/367).

ـ دوحة الناشر، ابن عسكر، تحقيق محمد حجي، ط2، (الرباط، مطبوعات دار المغرب،1977)، (ص:9).

ـ طبقات الحضيكي، (ص:557).

ـ تطور الفكر الأشعري في الغرب الإسلامي، (ص:213).

ــ لائحة المصادر والمراجع:

  • أعز ما يطلب، المهدي بن تومرت، تحقيق وتقديم: عبد الغني أبو العزم، (الرباط، مؤسسة الغني للنشر، 1997)
  • إيمان العوام في ميزان الفقهاء وعلماء الكلام بالمغرب، إكرام بولعيش، مجلة الإبانة، العدد:2/3، شعبان 1436هـ/يونيو 2015
  • تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري، ابن عساكر، ط3، (بيروت، دار الكتاب العربي، 1404هـ)
  • ترتيب المدارك وتقريب المسالك، القاضي عياض، تحقيق: عبد القادر الصحراوي، (المحمدية-المغرب، مطبعة فضالة، 1970)، (الجزء الرابع)
  • تطور الفكر الأشعري في الغرب الإسلامي، يوسف احنانة، (المملكة المغربية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2003)
  • دوحة الناشر، ابن عسكر، تحقيق: محمد حجي، ط2، (الرباط، مطبوعات دار المغرب،1977)
  • الديباج المذهب، ابن فرحون، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، ط2، (القاهرة، مكتبة دار التراث، 2005)
  • رسائل ابن حزم، تحقيق: إحسان عباس، (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983)
  • سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف: شعيب الأرناؤوط، ط3، (بيروت، مؤسسة الرسالة، 1985)
  • شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد مخلوف، علق عليه: عبد المجيد الخيالي، (بيروت، دار الكتب العلمية، 2003)
  • الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، شمس الدين السخاوي، (بيروت، دار مكتبة الحياة، د.ت)
  • طبقات الحضيكي، محمد الحضيكي، تحقيق: أحمد بومزكو، (الدار البيضاء، طبعة النجاح الجديدة، 2006)
  • طبقات الشافعية، السبكي، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، ط2، (هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1413هـ)
  • عثمان السلالجيومذهبيته الأشعرية: دراسة لجانب من الفكر الكلامي بالمغرب من خلال البرهانية وشروحـها، جمال علال البختي، (المملكة المغربية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2005)
  • مجمل تاريخ المغرب، عبد الله العروي، ط2، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2000)
  • المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، خالد زهري، (المغرب، مركز أبي الحسن الأشعري التابع للرابطة المحمدية للعلماء، 2017)
  • المقدمة، ابن خلدون، تحقيق: عبد السلام الشدادي، (الدار البيضاء، خزانة ابن خلدون، 2005)
  • الملل والنحل، الشهرستاني، (بيروت، دار ابن حزم، 2005)
  • المهدي بن تومرت، عبد المجيد النجار، (تونس، دار الغرب الإسلامي، 1983)
  • النبوغ المغربي، عبد الله كنون، ط2، (بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، 1961)
  • نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي،عناية وتقديم: عبد الحميد عبد الله الهرامة، ط2، (طرابلس-ليبيا، دار الكاتب، 2000)
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق