خصوصية شهر رمضان مع القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم: والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
يعد شهر رمضان من أعظم مواسم الخيرات والبركات، وله خصوصية بالقرآن الكريم، حيث أنزل فيه جملة قال تعالى: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ﴾([1]) ، وفي ليلة مباركة وهي ليلة القدر قال تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾([2]) ، هذا وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه والترغيب فيه، ببيان فضله وفضل من يتلوه ويتدبره في سائر أيام العام، ويتأكد ذلك في هذا الشهر الفضيل ، فقال: ﴿إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور﴾ ([3])، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"([4]) ، وقال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر"([5]) ؛ لأجل هذه الأهمية جاء هذا المقال ليسلط الضوء على ذكر بعض فضائل القرآن الكريم عامة ، ثم الحديث عن اختصاص القرآن بشهر رمضان ، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:
أولا من فضائل القرآن الكريم:
يعد القرآن الكريم من الكتب السماوية المنزلة على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي تكفل الله بحفظه من كل تحريف ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾([6])، هداية ورحمة للناس أجمعين ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾([7]) ، وهو كتاب الله الخالد، وحجته البالغة، باق إلى أن يرث الله هذه الأرض ومن عليها ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا﴾ ([8]).
ويستحب للمسلم ملازمة كتاب الله تعالى في حياته كلها، وذلك بقراءته، وتدبر معانيه، وحفظه، والعمل بما فيه، لما له من الفضائل الكثيرة؛ ومن هذه الفضائل أذكر:
أولا: نزول السكينة والرحمة والطمأنينة؛ وهي المعبر عنها في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه، إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم السكنية، وذكرهم الله فيمن عنده" ([9]) .
ثانيا: حصول الأجر والثواب ومضاعفة الحسنات؛ مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف” ([10]).
ثالثا: شفاعة القرآن الكريم يوم القيامة؛ مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة"([11]).
رابعا: الحصول على الدرجات العليا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن: "إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية"([12]).
خامسا: حصول الرفعة في الدنيا والآخرة؛ مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين"([13])
سادسا: ومن فضائل القرآن أن الذي يقرؤه يحظى بذكر الله تعالى له، لقوله عز وجل: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ ([14])
ثانيا: خصوصية شهر رمضان مع القرآن الكريم
إن شهر رمضان لا يعد شهرا للصيام فحسب؛ بل هو شهر الجد والاجتهاد في العبادات والطاعات، ومن هذه الطاعات: ملازمة كتاب الله، والإكثار من قراءته وختمه، وتدبر معانيه والعمل بما فيه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير في هذا الشهر الفضيل أكثر من غيره من الشهور، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود من الريح المرسلة" ([15]).
قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله- (ص: 169): "دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان". ([16]).
وقال أيضا: "وفي حديث ابن عباس "أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلا "، فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر "([17]).
وكذلك كان حال السلف الصالح مع القرآن الكريم ؛ حيث كانوا يحرصون على قراءته وتدبره وختمه، في كل ثلاث ليال، أو في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وبعضهم في العشر الأواخر في كل ليلة ([18])،فهذا مجاهد كان يختم القرآن الكريم في رمضان، فيما بين المغرب والعشاء " "([19])، وكان علي الأزدي يختمه فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان"([20]).
وكانوا يحثون على ملازمته، فعن الزهري كان إذا دخل رمضان قال: "فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام""([21]).
بل منهم من كان يترك كتب العلم ومجالسه، ويتفرغ لمدراسة القرآن؛ كما كان يفعل الإمام مالك رحمه الله؛ حيث كان إذا دخل شهر رمضان ترك المجالس والكتب كلها، إلا مجالس القرآن الكريم، وتلاوة القرآن([22]).
فحري بالمسلم أن يغتنم هذا الشهر المبارك، بملازمة كتاب الله تعالى، والإكثار من قراءته وختمه، وتدبر معانيه، اقتداءا بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضي الله عنهم،
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال أخلص إلى الآتي:
1-يعد شهر رمضان من اعظم مواسم الخيرات والبركات.
2-خصوصية شهر رمضان مع القرآن حيث هو شهر أنزل فيه القرآن.
3-تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث على ملازمة القرآن، والترغيب فيه ببيان فضله، وفضل من يتلوه ويتدبره.
4- ذكرت في المقال ستة فضائل لمن يلازم كتاب الله في حياته وهي:
-نزول السكينة والرحمة.
-الحصول على الأجر.
-مضاعفة الحسنات.
-الحصول على الدراجات العليا في الآخرة.
-الحصول على الرفعة له في الدنيا والآخرة.
-أنه يعد من المذكورين عند الله تعالى في الملإ الأعلى.
5- كان النبي صلى الله عليه سلم مع جبريل عليه السلام يتدارسون القرآن في ليالي رمضان كما في الحديث المتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
6-اهتمام السلف الصالح بالقرآن؛ حيث كانوا يحرصون على ختمه، وقراءته، وتدبره، ومدارسته في هذا الشهر العظيم؛ بل منهم من يترك كتب العلم ومجالسه، ويتفرغ إلى القرآن الكريم.
والحمد لله رب العالمين
******************
هوامش المقال:
([1]) سورة البقرة، من الآية: (185).
([3]) سورة فاطر، الآيتان (29-30).
([4]) أخرجه مسلم في صحيحه (1 /361)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم: (804).
([5]) أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 345)، كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل القرآن على سائر الكلام، برقم: (5020)، ومسلم في صحيحه (1/ 359)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضيلة حافظ القرآن، برقم: (797).
([7]) سورة الأنبياء الآية: (107).
([8]) سورة الفرقان الآية: (1).
([9]) أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 1242)، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، برقم: (2699).
([10]) أخرجه الترمذي في سننه (5/ 33)، كتاب: فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر، برقم: (2910).
([11]) أخرجه أحمد في مسنده (11/ 199)برقم: (6626).
([12])أخرجه الترمذي في سننه (5/ 35-36)، كتاب: فضائل القرآن، برقم: (2914).
([13]) أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 365)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، برقم: (817).
([14]) سورة البقرة من الآية: (152).
([15]) أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 31) كتاب: الصوم، باب: أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان، برقم: (1902)، ومسلم في صحيحه (2/ 1092)، كتاب: الفضائل، باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، برقم: (2308).
([16]) لطائف المعارف (ص: 315).
([17]) لطائف المعارف (ص: 315).
([18]) لطائف المعارف (ص: 318). بتصرف
([19]) التبيان في آداب حملة القرآن (ص: 78).
([20]) التبيان في آداب حملة القرآن (ص: 78).
([21]) لطائف المعارف (ص: 318).
([22]) لطائف المعارف (ص: 318).
*****************
لائحة المراجع المعتمدة:
التبيان في آداب حملة القرآن. لمحيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي . عني به: محمد شادي مصطفى عرش. دار المنهاج جدة. ط2/ 1432هـ- 2001مـ.
الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.
الجامع الكبير. محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. ط1/ 1996مـ.
صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي. دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ.
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، دمشق بيروت، ط 5/ 1420هـ-1999مـ.
المسند. أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة. ط2/ 1420هـ-1999مـ.
*راجع المقال الباحث: محمد إليولو