مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

خبيرة ألمانية في علوم القرآن:”كل من يقول أن الإسلام لا يواكب العصر فهو ذو عقل محدود

من موقع: http://www.alitaliyanews.com/2016/10/blog-post_99.html

 

 

 

ترى أنغليكا نويفرت الخبيرة في علوم القرآن أن ادعاء افتقار الإسلام إلى التنوير ما هو إلا صورة نمطية أوروبية قديمة غير قابلة للصمود أمام الحقائق التاريخية٬ مشيرًة إلى الصفات القرآنية “الجمالية والتقدمية الثورية” وإلى أن صميم القرآن يدعو إلى العلم والمعرفة. وتعتبر أن افتخار الغربيين بعصر التنوير الأوروبي هو ما يدفعهم باستمرار إلى اعتبار الثقافة الغربية متفوقة على الثقافة الإسلامية. آَّنا ألفي وعلياء هوبش حاورتا أنغليكا نويفرت حول ذلك لموقع قنطرة

. السيدة أنغليكا نويفرت٬ تحاولين في 800 صفحة من كتابك “القرآن باعتباره نًصا من الحقبة المتأخرة من العصور القديمة” العثور على مدخل أوروبي إلى كتاب المسلمين المقدس.

ما المقصود بالضبط بالنظرة “الأوروبية” إلى القرآن؟  

أنغليكا نويفرت: الكتاب نفسه يوضح ذلك. أسعى لأْن أبّين أَّنَ من يقرأ القرآن قراءة تاريخية فسيجد التقاليد نفسها التي ُتعتمد بشكل أساسي منِ قَبل الأوروبيين بخصوص ثقافتهم.ُ يقرأ القرآن كإبلاغ٬ أي كرسالة إلى أشخاص لم يُكونوا مسلمين بعد. ذلك لأنهم لم يصبحوا مسلمين إلا بعد الإبلاغ. تبِّين هذه النظرة أنه في شبه الجزيرة العربية آنذاك قد نوقشت القضايا نفسها التي نوقشت في العالم المحيط في الحقبة المتأخرة من العصور القديمة٬ والتي تَّم في وقت لاحق اعتبارها أساس أوروبا إلى حٍّد ما. هذا يعني أننا جميًعا لدينا سيناريو نشوء مشترك٬ الأمر الذي غداُ مْلَتِبًسا فقط من خلال تطورات تاريخية لاحقة.

إًذا لا يتعلق الأمر بمدخل “أوروبي” بقدر تعّلقه بالعناصر المرتبطة بالحقبة المتأخرة من العصور القديمة و/أو تأثيرات العصور القديمة. ولا يستطيع ما يسمى بـ “الشرق” ولا ما يسمى بـ “الغرب” الادعاء لنفسه بخصوصية هذه العناصر… 

أنغليكا نويفرت: لكنهم يفعلون ذلك في الواقع. أكان ذلك في الشرق٬ حيث الوعي التقليدي الإسلامي بذاته ينطلق من أَّن الإسلام يختلف منذ بداياته بشكل جوهري عن الثقافة المحيطة٬ وأَّنه جاء بشيء جديد تماًما إلى العالم٬ بينما قبله كان عصر الجاهلية – حقبة لا تحظى بتقدير كبير ولا ينبغي للمرء بالضرورة أن يحيط بها علًما.

وفي الغرب يعتقد أَّن الإسلام هو الآخر المختلف تماًما٬ أي أنه أمٌر لا ينتمي إلى الثقافة الأوروبية. إنها تحديدات قديمة جًدا للغيرِّية لا تصمد أمام الحقائق التاريخية٬ إلا أنها قد تحددت على هذا النحو بسبب تبدل النفوذ أو تغُّير موازين القوى في مراحل سابقة.

هل تخالفين أيًضا الرأي القائل بأَّن الإسلام في حاجةُ ملِحة للتنوير أو أَّن العقل والعلم حتى يومنا هذا يقعان في موقع مضاد للإيمان؟

 أنغليكا نويفرت: الادعاء بأَّن الإسلام يفتقر إلى التنوير ما هو إلا صيغة نمطية قديمة جًدا. إَّن الفخر بالتنوير(في الغرب)٬ مع أنه اليوم قد خبا بعض الشيء٬ يدفع بشكل متكرر إلى نسب تقدم كبير للثقافة الغربية وأقل للإسلام. على الرغم من عدم وجود حركةَ علَمنة شاملة في التاريخ الإسلامي٬ إلا أَّن وجود الجانبين الروحي والدنيوي في الإسلام بعضهما إلى جانب بعض هو سبب ذلك. كما أَّن اختلال موازين القوى السائد اليوم بين الشرق والغرب لم يكن دائًما بهذه الجسامة على الإطلاق٬ إذ كانت حضارة العلوم الإسلامية لفترة طويلة جًدا متفِّوقة على نظيرتها الغربية أو عموًما على نظيراتها غير الإسلامية٬ ولم يكن هذا بسبب تقدمها عن غيرها على صعيد الوسائط فقط.  

صِنع الورق في العالم الإسلامي منذ القرن الثامن على سبيل المثال. وهذا بدوره وَّفر إمكانَّية نشر كٍّم هائٍل من النصوص٬ الأمر الذي لم يُكن في ذلك الوقت قائًما في الغربَ قّط. وبالتأكيد كان عدد النصوص العربية يفوق عدد المخطوطات التي كانت متداولة في الغرب بأكثر من مئة مّرة٬ حيث كان الغرب حتى القرن الخامس عشر يعتمد في الكتابة على الِرق الذي كان باهظ الثمن ويصعب الحصول عليه.

. ما هي صورة المرأة والإنسان في القرآن؟

أنغليكا نويفرت: القرآن بطبيعة الحال ليس مرجًعا للسلوك الاجتماعي. تنطلق اليوم أوساط واسعة من إمكانية العثور على كل معايير الإسلام في القرآن. بيد أَّن هذا لم يُكن هدف القرآن. لقد توّجه القرآن باعتباره إبلاغ إلى الذين كانوا يعتمدون معايير أخرى٬ وكانوا على استعداد لوضع هذه المعايير موضع الشك والتساؤل.ُيقدم القرآن أطروحات حول معايير مختلفة. أما حيثية جمع الأحكام القانونية القليلة نسبًيا وتنظيمها وجعلها جزًءا من المعايير الإسلامية الأساسية٬ أي الشريعة٬ فتلك مسألة أخرى.

لا تعكس الكتابات التشريعية في الفترات اللاحقة ما هو موجود في القرآن. يتضح هذا على وجه الخصوص في صورة حيث ساوى الله المرأة أمام بالرجل٬ الأمر الذي لم يُكن له نظير في ذلك الوقت. فمحاسبة كلا الجنسين يوم القيامة مثلاً المرأة٬ التي تختلف تماًما في الكتابات التشريعية الإسلامية عما هي في القرآن. إذ شَّكل القرآن هنا بالذات تقدًما ثورًيا٬ ستكون بالطريقة نفسها. ربما يبدو هذا الأمر من منظور يومنا الراهن عادًيا٬ ولكن الأمر لم يُكن كذلك آنذاك. كانت المساواة بين المرأة و الرجل في ذلك الوقت غير واردة بتاتاً بعد – وكانت لا تزال هناك نقاشات حتى عما إذا كانت المرأة تملك روًحا أصلاً. جرى الحكم على المرأة بشكل متضارب جًدا وكانت منزلتها الحقوقية في الكثير من المجتمعات سيئة للغاية قبل الإسلام. كما وضع القرآن المرأة في أمور دنيوية هامة على نفس المستوى مع الرجل٬ حيث تملك حقوًقا وتستطيع حتى أنَ تِرث٬ أي أنها ليست بأية حال من الأحوال فاقدة الاستقلالية ولا الوصاية على نفسها.

 يتحدث نافيد كرماني في كتابه “الله جميل” عن البعد الجمالي للقرآن. أين تكمن هذه الجمالية؟

 أنغليكا نويفرت: قراءة القرآن وفهمه حصًرا باعتباره نوًعا من وسيلة للتوصل لمعلومات كما يفعل اليوم الكثير من الباحثين في القرآن لا يعطي مجمل الموضوع حقه. يّتسم القرآن بالِشعرية إلى حٍّد بعيد ويحتوي على الكثير من الرسائل٬ التي لا يتم أبًدا إخبارها بوضوح وبشكل جلّي على المستوى الدلالي٬ بل من خلال بنى شعرية. ولولا هذا لما كان للقرآن هذا التأثير المستدام. إَّن الفريد في القرآن هو بالذات تعدد جوانبه٬ بحيث يتحدث على مستويات مختلفة – وهذا له من المنظور الجمالي جاذبية كبيرة بالطبع٬ ولكن أيًضا إْن صَّح التعبير له جاذبية كبيرة من الناحية البلاغية وقوة الإقناع.

كما ذكرت٬ ربما يمكن إيجاز مقولات القرآن في ملخص قصير جًدا في إحدى الصحف٬ لكن لو حصل ذلك لما كان له أي تأثير. يتعلق الأمر بالفعل بالافتتان باللغة. وهناك إشادة في القرآن باللغة بحد ذاتها أيًضا باعتبارها من أعظم الِهبات التي حصل عليها الإنسان من الله. هذا له بالطبع علاقة بالمعرفة. فاللغة وسيط المعرفة. لذلك لا ينبغي بحال من الأحوال التجني على الحضارة الإسلامية واتهامها بالعداء للمعرفة والعلوم. بالتالي كل القرآن يشكل في صميمه دعوة للمعرفة والعلم. المعرفة التي تعّبر عن ذاتها من خلال اللغة.

ما هي أوجه الشبه الموجودة في القرآن مقارنة بنصوص اليهود والمسيحيين؟ وما هي بالتحديد الخصوصية التي تمّيز القرآن أو ما هو الجديد الذي أتى به القرآن؟

أنغليكا نويفرت: لا بد من أْن يكون القرآن قد أتى بجديد عندما يظهر في العالم بعد مئات السنين من ظهور النصوص المقدسة التي نشأت من قبله (مثلاً بعد حوالي خمسة قرون على ظهور العهد الجديد ‘الإنجيل’). من جهة يسعني القول إن الجديد كان في إصراره على أَّن المعرفة جزٌء عظيُم الأهمية في الحياة الإنسانية وأيًضا في الحياة الإنسانية الدينية. هذه الفكرة ليست مثيرة للاهتمام في العهد الجديد على سبيل المثال.ُ يْبِرز العهد الجديد أشياء أخرى٬ وكذلك التوراة ­العهد القديم أي الإنجيل العبري

. يتبّين بوضوح أَّن التركيز على المعرفة أمٌر جديٌد لم يُكن موجوًدا قبل ذلك. يتعلق هذا بالنشوء في الحقبة المتأخرة من العصور القديمة٬ حيث كان هناك استعداد إلى وضع المعرفة في الصدارة في تلك الحقبة٬ ومن الممكن القول بالإضافة إلى ذلك إَّن تعميم الرسالة في القرآن بصفتها كونية٬ وتوجيهها إلى كل الناس٬ كان يلعب دوًرا ممّيًزا.

لا يوجد في القرآن فهٌم خاص لمفهوم الشعب المختار كما لدى اليهود. الصوت القرآني يرفض اختياراً كهذا٬ فبدلا من بعٍض مختار يأتي جميع البشر. كما يتم رفض مفهوم اختيار الله للمسيحيين٬ الذي حَّل عند هؤلاء محل مفهوم اختيار الله لليهود. لا أحدُ مختار بل هناك فقط أناٌس يحتذون بالُمُثل العليا٬ لا يمكنهم الاستناد إلى أي من امتيازات الاختيار (هذا يعني٬ لا يتم الاستناد كما لدى اليهود إلى إبراهيم أو كما لدى المسيحيين إلى المسيح). هذه الاستنادات لا تنفع أمام الله أبًدا٬ بل كل إنسان مسؤول وحده عن أعماله وسوف يحاسبه الله عليها.

هل يعني هذا٬ أَّن بإمكان كل إنسان إقامة علاقة فردية  بدون أْن يكون هناك جهة وسيطة؟

 أنغليكا نويفرت: نعم٬ يمكن قول هذا٬ مع أَّن القرآن بحِّد ذاته ومن وجهة نظر معينة هو جهة وسيطة أيًضا – أي باعتباره وسيًطا يستطيع المرء من خلاله بلوغ هذه الحالة بسهولة٬ فمن خلال أداء المؤمن لطقوس الفروض٬ وخصوًصا من خلال الصلاة٬ ومن خلال تلاوة القرآن٬ يملك المرء مدخًلا غير متاٍح للآخرين. بيد أَّن هذا المدخل شعائري­لفظي٬ ولا يقوم على امتياز يرجع إلى شخص أو إلى سلف أو إلى شخصيةُ مَخلِّص

ما هي النصيحة التي تقدمينها لشخٍص لم يطلع حتى الآن على الدين الإسلامي ويود الانشغال بالقرآن للمرة الأولى؟

 أنغليكا نويفرت: هذه نقطة انطلاق غير مواتية أبًدا إْن لم يُكن مطلًعا على الكتب المقدسة الأخرى. للأسف لم تُعد عموًما لدى القارئ المعرفة التي كان يملكها من استمعوا إلى النبي. فهؤلاء كانوا مثقفين٬ وكانت لديهم دراية بمعارف الإنجيل ومعارف زمنهم الفلسفية التي لا نملكها اليوم

. ما الذي يمكنه فعله إًذا؟ يستحسن إذا كان القارئ مسلًما أن يقرأ ببساطة تفاسير القرآن٬ فهي تشمل خبرات المجتمع المسلم بالقرآن٬ وهي مفيدة على أية حال – حتى وإْن كانت نابعة من زمن ليس زمننا وكان ما يقرأه المرء فيها يدعو للحيرة أحياًنا.

 وإذا كان المرء غير مسلم وينظر من خارج فينبغي عليه ربما الاكتفاء في البداية بقراءة الجزء الأخير من القرآن – الأفضل باللغة العربية إْن توَّفرت الإمكانية – وسماع تلاوة القرآن أثناء القراءة. جزء عَّم٬ كما يطلق عليه بالعربية٬ وهو الجزء الثلاثين والأخير في القرآن يفتح مدخًلا جميًلا جًدا إلى القرآن. وإذا لم يستدُّل القارئ هنا على أي شيء٬ فلن يصل إلى ذلك في السورة الثانية أيًضا (تضحك)

 

حاورتها: آَّنا ألفي وعلياء هوبش ترجمة: يوسف حجازي تحرير: علي المخلافي قنطرة

 

 

نشر بتاريخ: 10 / 10 /2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق