الرابطة المحمدية للعلماء

حول الجوانب التربوية والتعليمية والروحية لغزوة بدر

غزوة بدر الكبرى.. عزة للإسلام

أجرى موقع الرابطة المحمدية للعلماء حوارا خاصا بمناسبة ذكرى غزوة بدر الكبرى، مع ثلة من الأساتذة والمشايخ، تهدف استلهام واستذكار أهم الجوانب التربوية والتعليمية والروحية لهذا الحدث العظيم. وقد أجرى الحوار الأستاذة عزيزة بزامي، رئيسة تحرير جريدة “ميثاق الرابطة” مع كل من السادة العلماء: الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي رئيس المجلس العلمي المحلي بمراكش، وأستاذ التعليم العالي بجامعة القرويين. والأستاذ المهدي السيني، عضو المجلس العلمي الأعلى، وأستاذ بكرسي مسجد الحسن الثاني. والشيخ محمد جمال أبو الهنود، رئيس شبكة إذاعة القرآن الكريم بفلسطين، وعضو المجلس الصوفي الأعلى، مدير عام وزارة الأوقاف.
وفي كلمته عن هذه المناسبة أكد الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي، أنه عندما نستحضر تاريخ الإسلام وغزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي مقدمتها غزوة بدر الكبرى التي تشعرنا بعزة الإسلام وقوته في بدايته وإشراقاته، عندما خرج المسلمون من مكة إلى المدينة، وفي الوقت الذي خرجت فيه زمام الأمور من يد قريش وأصبحت تترصد المسلمين وتجمع كل قواتها للقضاء على الإسلام يستطيع النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يوحد الصفوف وأن يجمع الكلمة. ومن ثم على الأمة اليوم أن تستفيد من تجربة غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها الإسلام وانطلق فيها الإسلام الانطلاقة الحقيقية الرائدة وعلى أساسها جاءت المدينة الفاضلة التي أُسست فيها الدولة الإسلامية القوية

 في ما يتعلق بالجانب التربوي، يضيف الدكتور المعيار، أننا نعلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يشارك في المعركة بنفسه، بينما الصحابة كما قال الإمام علي –رضي الله عنه- كانوا يحتمون برسول الله –صلى الله عليه وسلم- فكان هو أقرب منهم إلى العدو؛ فأولا النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يعطي القدوة لأصحابه في القيادة وهذا شيء ضروري، فلابد أن يكون هناك انسجام تام بين القاعدة والقيادة.

من الأشياء الأخرى التي تتعلق بالجانب التربوي: أن هذه المعركة كانت قائمة على أخلاق، وعلى قيم حافظت عليها ورعتها، فمن جملة هذه الأخلاق عدم القيام لتمثيل بالقتلى…
ومن الجوانب التربوية أيضا، أن المسلمين جعلوا لمن لم يستطع من الأسرى أن يقدم ما يُفتدى به أن يقوم بتعليم عشرة من المسلمين، وهذا يدل على شيء كبير وهو أن الإسلام لما جاء إلى المدينة النبوية بدأ يؤسس لدولة قائمة على التعليم، والعلم، فنحن نعلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر الصحابة أن يتعلموا لغات أخرى كزيد ابن ثابت…

فإذن، الغزوة كانت مدرسة للتربية، وكانت أول انتصار للأمة الإسلامية وكانت مقدمة لانتصارات ستتوالى إلى أن نصل إلى فتح مكة. وهذه الأحداث ما أحوجنا إلى العودة إليها والاستفادة منها باعتبارها تجربة رائدة للمسلمين. وكل غزوة من غزوات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تُقدم لنا في هذا الباب جديدا.

ومما نستفيده من غزوة بدر الكبرى هو قيامها على الشورى، ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- وهنا يجب الإلفات إلى نقطة مهمة، حيثُ أخذ رسول اللّه –صلى الله عليه وسلم- برأي الحباب بن المنذر الذي سأله بعد أن نزل أدنى ماء من بدر، يا رسول اللّه، أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلاً أنزلك اللّه ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول اللّه، فإنَّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالنّاس حتّى نأتي ماءً من القوم فننزله ثُمَّ نفوّر ما وراءه من الآبار ثُمَّ نبني عليها حوضاً فنملأه ماءً، ثُمَّ نقاتل القوم فنشرب ولا يشربـون، فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: لقد أشرت بالرأي، ثُمَّ أمر بتنفيذ خطّته، فلم يجئ نصف الليل حتّى تحوّلوا كما رأى الحباب، وامتلكوا مواقع الماء”.

فهذه الأشياء على كل حال الشورى أساسية في تدبير الشأن الإسلامي بصفة عامة وهي تعطي ميزة للمسلمين، وهي على كل حال نوع من الديمقراطية، نوع من أخذ الرأي العام وعدم تولي الأمر بانفراده. فالنبي –صلى الله عليه وسلم- يعلمنا من خلال هذه الغزوة أن أساس النجاح هو الشورى.

 من جهته أكد الأستاذ المهدي السيني، أننا عندما نقرأ قوله تعالى: “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الاَرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين” نتذكر أن المسلمين يومئذ كانوا مستضعفين، كانوا مهانين، كان هناك قوتان عظيمتان تترصد المسلمين: قوة قريش صاحبة رحلة الشتاء والصيف وصاحبة البيت، وأيضا يهود في يثرب كان لهم النفوذ، وكانوا أهل الكتاب وكان المسلمون مستضعفين في نظر هؤلاء وهؤلاء، ولكن الله سبحانه وتعالى الذي وعد أولياءه وأصفياءه، فإن وعد الله يتحقق عندما يكون المسلمون مؤهلين لوعد الله. قال سبحانه وتعالى: “وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الاَرض كما اَستخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهمُ أمنا يعبدونني لا يشركون به شيئا” [سورة النور/ الآية: 53]، فالمسلمون يومئذ وهم مستضعفون، كان انتصارهم معجزة باهرة، ربانية، شهد بها القاصي والداني.

 وفي كلمته عن أهم الجوانب التربوية والروحية في غزوة بدر، خلال هذه المائدة المستديرة، أكد الشيخ محمد جمال أبو الهنود، أن أهمها ما يَنتفع به في زماننا رجل المباحث أو الأمن؛ فنأخذ مثلا موقفا: لمّا تسلل بعض من المشركين ليخترق صفوف المجاهدين في بدر وألقوا الصحابة القبض عليهم وأخذوا يردون أن ينتزعوا منهم اعترافات بالقوة إلى أن استدعاهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ فأطعمهم وسقاهم وطمأنهم ثم أخذ منهم الاستجواب: كم عددكم؟ لم يجيبوا لا بالضرب ولا بالقوة، ولكن ننظر حكمة رسول الله وعقلية رسول الله الأمنية “إن هو إلا وحي يوحى”، جهة الاختصاص من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: كم تذبحون من الإبل في اليوم؟ فقالوا: ما بين تسعة وعشرة. فقال: إذن القوم ما بين تسع مائة وألف. وهذا أسلوب أمثل في الاستجواب حتى تعرف عدوك، وكيف تستجوبه حتى تستقي منه المعلومات ليس بطريق التعذيب أو القتل أو ما إلى ذلك من الأساليب…

والآن، يضيف الشيخ محمد جمال، نجد مؤسسات إنسانية وعالمية تنهى عن ذلك وتقول ما تقول في هذا الشأن. لكن نجد سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- السباق إلى حقوق الإنسان هذا جانب ثم الجانب الأهم الروحي وهو الاعتماد على الله أولا، وأخيرا نجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الهجرة أخذ بالأسباب وكانت هناك السرية وكان هناك أسماء ذات النطاقين بالماشية حتى تزيل الأثر ثم دخلوا الغار كان تكتيك وسرية، كان تخطيط، إنما الحرب في بدر فُرضت على رسول الله ولم يُعد لها عدّتها؛ فهذا مما دفعه بقوة الالتجاء إلى الله؛ فكان يبسط كف الضراعة إلى الله ويجأر إلى الله بالدعاء حتى بانت إبطه وكان يسقط رداءه من كتفه ويرده أبو بكر وهو يجأر إلى الله بالدعاء (اللهم إن تهزم هذه العصابة فلن تُعبد بعد اليوم) “إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدّكم بألف من الملائكة” [سورة الانفال/الآية: 9]، فنجد أن السماء تدخلت في هذه المعركة: أنزل الله المطر ليطهركم به، ليثبت به الأقدام ثم نجد أن الملائكة شاركت في هذه المعركة يوم التقى الجمعان يوم الفرقان: يوم فرق الله به بين الحق والباطل، فهذه المعركة فيها من الدروس للقادة وحكام وعلماء وفقهاء دروس في شتى ميادين الدين والدنيا وكما قال أستاذي الشيخ: “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاَخر وذكر الله كثيرا” [سورة الأحزاب/الآية: 21]. “وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب” [سورة الحشر/الآية].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق