مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويطبيعة ومجال

حضارات ما قبل التاريخ بالصحراء المغربية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

الحضارة العتيرية في المجال الصحراوي المغربي :

امتدت الحضارة العتيرية، خلال الفترة الثانية من العصر الحجري القديم الأوسط[37]، في مجال الصحراء المغربية[38] التي شهدت تطورا تقنيا خلال معالجة الحجر واستخدامه. حيث تم العثور على أشكال ورقية مسننة، ونصال، وفؤوس، بالمجال نفسه[39].

      وأشار مصطفى الحمري إلى اكتشاف بعض بقايا الحضارة المذكورة في منطقة شاسعة من الصحراء ذاتها[40]. حيث خلفت مجموعات بشرية، بحوض الساقية الحمراء وتيندوف، صناعات عتيرية ذات تقنية “فالوازية”، بشكل دال على تطور تقني في الصناعة الحجرية. ومن بين هذه الأدوات “المكاشط”، و”ذات الوجهين”، ومجموعة من “السكاكين”، و”النوى”[41]. وأكد هـ. بيساك جزءا من الأمر خلال اكتشافه قطعا عتيرية في دراسة ميدانية، بنواحي تيندوف[42]. ويبدو أن ذلك دال على وحدة ثقافية صحراوية شاملة للصحراء الأطلنتية والصحراء الشرقية.

      ولا تتجاوز مواقع الحضارة العتيرية في الصحراء المغربية الأطلنتية 20 موقعا من بين 191 موقع في الصحراء الإفريقية الكبرى[43]. حيث تتركز أغلب هذه المواقع العشرين على ضفاف وادي الساقية الحمراء وروافده ومصبه (17 موقعا)، بحسب خريطة المواقع الأثرية بالصحراء التي أنجزها م. ألماكَرو باش[44].

      وفي هذا السياق ذكر الباحث نفسه مواقع سطحية وأوراش عتيرية لنحث الأدوات الحجرية بضواحي مدينة العيون وبأسفل الوادي[45]. وأشارت بعض الدراسات إلى العثور على بقايا الحضارة العتيرية في حوض طرفاية[46].

      ودرس عبد الله صالح الأدوات الحجرية في موقع “تكة النخلة” الذي اكتشفه ر.سونز- بالبان، وأراندا بيهرمان، بعالية الساقية الحمراء على الضفة اليمنى. حيث تحدث الباحث الأول عن مشيرات جامعة بين أشكال العصر الحجري القديم الأوسط والأعلى، بشكل دال على الحضارة العتيرية، مع وجود نسبة لا بأس بها من الأدوات المعلاقية الشكل[47].

      وفي هذا الصدد شكل موقع “تكة النخل” المذكور موقعا أركيولوجيا غنيا. حيث ضم 40.16 %  من الأدوات الحجرية التي مثلت فيها “المكاشط” 34.89 %، بشكل دال على التقنية “الفالوازية”. وضم 35.41 % منها دالة على الحضارة الموستيرية، و29.68 % منها دالة على الحضارة العتيرية، و23.43 % منها دالة على حضارة العصر الحجري العُلوي[48].

      وأشار عبد الله صالح إلى أن  من المواقع العتيرية الأكثر شهرة أوداي الأكَنام، والمكيتاب، وأوكَرانات، وتيفيكَينين، وحوسا[49]. واحتمل عبد الجليل بوزوكار تحركات بشرية لمجموعات عتيرية نحو الجنوب عبر المعبر الساحلي الأطلنتي اعتمادا على ما تمت دراسته من تأثير الحضارة العتيرية على الصناعات الحجرية بالصحراء الكبرى[50].

      وقد أسهم مناخ فترة البليستوسين الأعلى المتزامنة مع الحضارة العتيرية، إلى جانب تأثيرات المحيط الأطلنتي وتواجد النطاق الجبلي الأطلسي، في جعل منطقة الصحراء الأطلنتية مجالا رطبا وقابلا للتعمير[51].

      وإذ أسهبنا في القول عن حضارات ما قبل التاريخ، خلال العصور الحجرية القديمة، ننتقل الآن إلى الحديث عن هذه الحضارات، خلال العصور الباليو تاريخية الحديثة (العصر الحجري القديم الأعلى الفوقي- العصر الحجري الحديث)[52].

    يتبع       

الإحالات:

[37] الاستيطان البشري للمغرب ما قبل التاريخ، ص77- 78.

[38] راجع: لمحة عن التاريخ القديم، ص12، وص14- 15، وص26.

[39] راجع: الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص93، وص96.

[40] راجع: ملامح من الاستيطان البشري القديم بالصحراء الشمالية، ص14، وص17، وص18، وص19.

[41] نفسه، ص17.

[42] نفسه، ص18.

[43] راجع: لمحة عن التاريخ القديم، ص14، وص26.

[44] لمحة عن التاريخ القديم، ص14.

[45] نفسه.

[46] راجع: ملامح من الاستيطان البشري ما قبل التاريخ بحوض طرفاية، ص21، وص23، بتحفظ.

[47] راجع: لمحة عن التاريخ القديم، ص14؛ وملامح من الاستيطان البشري القديم بالصحراء الشمالية، ص19.

[48] ملامح من الاستيطان البشري القديم بالصحراء الشمالية، ص19.

[49] لمحة عن التاريخ القديم، ص14.

[50] انعكاسات الهجرات البشرية داخل الصحراء الكبرى، ص22.

[51] راجع: لمحة عن التاريخ القديم، ص13، وص15؛ وملامح من الاستيطان البشري ما قبل التاريخ بحوض طرفاية، ص15، وص17- 18، وص23؛ وملامح من الاستيطان البشري القديم بالصحراء الشمالية، ص9، وص18- 19، وص20، وص21- 22؛ والساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، ص93، وص96؛ والاستيطان البشري للمغرب ما قبل التاريخ، ص81.

[52] لمحة عن التاريخ القديم، ص16.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق