بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة»، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى قال: آمين، ثم رقى الثانية فقال: آمين، ثم رقى الثالثة فقال: آمين، فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين ثلاث مرات؟ قال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت: آمين، ثم قال شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: شقي عبد ذكرت عنده، ولم يصل عليك، فقلت: آمين».

إن سبب إيرادي لهذين الحديثين في هذا المقام، هو قرب انتهاء شهر رمضان، ليكون تذكيرا للغافل، عسى أن يستدرك ما فاته من الطاعات في أوله ووسطه، فتدركه رحمة الله تعالى ليفوز بالثواب وغفران الذنوب، ولا يطاله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فيصاب بالذل والهوان مصداقا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له»، أو الشقاوة؛ وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى قال: آمين، ثم رقى الثانية فقال: آمين، ثم رقى الثالثة فقال: آمين، فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين ثلاث مرات؟ قال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت: آمين».

تخريج الحديثين والحكم عليهما:

فأما الحديث الأول: فقد أخرجه من طريق أبي هريرة رضي الله عنه جماعة من الأئمة الحفاظ: أحمد في مسنده[1]، رقم الحديث: 7451، والترمذي في جامعه[2]، أبواب الدعوات، رقم الحديث: 3545، وابن حبان في صحيحه[3]: كتاب الرقائق، باب الأدعية، رقم الحديث: 908، والبزار في مسنده[4]، رقم الحديث: 8465.

فهو حديث حسن، قال أبو عيسى الترمذي في حكم الحديث (المتوفى عام: 279هـ): “هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وربعي بن إبراهيم هو: أخو إسماعيل بن إبراهيم، وهو ثقة، وهو: ابن علية”[5].

وقال أبو الفضل ابن حجر العسقلاني (المتوفى عام: 852 هـ): “هذا حديث حسن صحيح … وأراد الترمذي بالغرابة: تفرد عبد الرحمن بن سعيد”[6].

وأما الحديث الثاني: فقد أخرجه من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الإمام البخاري في كتابه: الأدب المفرد[7]: الأذكار، باب من ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه، رقم الحديث: 644.

فهو حديث حسن، قال شمس الدين السخاوي (المتوفى عام: 902 هـ): “وهو حديث حسن”[8].

وقال أبو العباس القسطلاني (المتوفى: 923ه): “هذا حديث حسن”[9].

الوقوف مع بعض معاني حديث أبي هريرة:

دونت كتب شروح الحديث معاني كثيرة لهذا الحديث؛ من فوائد علمية وأحكام فقهية، فوددت تقاسم بعض تلك الفوائد المقتنصة مع القارئ الكريم، نقلا عن الأئمة الأعلام المحدثين: ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي (المتوفى عام: 685هـ) في شرحه على مصابيح السنة[10]، ومظهر الدين الحسين بن محمود بن الحسن الزيداني المظهري (المتوفى عام: 727ه) في شرحه على مصابيح السنة[11]، وشرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى عام: 743ه) في شرحه على مشكاة المصابيح[12]، وزين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي (المتوفى عام: 1031ه) في شرحه على الجامع الصغير [13]، والأمير أبو إبراهيم عز الدين  محمد بن إسماعيل الصنعاني (المتوفى عام: 1182ه) في شرحه على الجامع الصغير[14]،  ومحمد بن علي الإتيوبي (المتوفى عام: 1442ه) في شرحه على صحيح مسلم[15].

وقد أجملت الكلام على هذه الفوائد المنتقاة من شروح أولائك العلماء رحمهم  الله تعالى، معزوا فيه إلى المصادر المتقدمة الذكر، في كلام جامع مانع مختصر.

إن شهر رمضان شهر الله المعظم، ﴿الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان﴾[16]، فإنه لشهر تغفر فيه الخطيئات وتضاعف فيه الطاعات، فمن وجد فرصة تعظيمه بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عظمه  الله، فما ينسلخ إلا وقد غفر  الله لمن أقبل على طاعته وتجاوز عن سيئاته،  ومن لم يعظمه حقره  الله تعالى ولم يغفر له فقد أتى من قبل نفسه ولا يهلك على الله إلا هالك، وصار حقيقا بالدعاء بأن يرغم  الله أنفه في التراب، وهو دعاء عليه بالذل والهوان، مجازاة تعظيم شهر رمضان، بأن لم يتب فيه من الذنوب، ولم يبالغ في طاعة الله تعالى، حتى يجد الغفران، بسبب تعظيم هذا الشهر، ولا يكون هذا إلا لترك واجب، وتفريطه في جنب الله، وإقباله على خلاف مراضيه، وخاب وخسر من قدر وعلم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرا في كل سنة، وأتى بما وظف له فيه من الصيام والقيام، غفر له ما سلف من الذنوب، فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى، فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عظمه  الله، ومن لم يعظمه حقره  الله وأهانه.

هذا وإن تعظيم هذا الشهر الفضيل، وصيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، من تقوى القلوب، ذلك أن من عظم الله عز وجل، وأتى بالأوامر واجتنب النواهي، وخالف النفس والشيطان غفر له ما تقدم من الذنوب، ومن خالف ما تقدم واتبع النفس والشيطان لحقه الذل والهوان، فلعل هذه الأسطر تكون تنبيها وتذكيرا لنا قبل فوات هذا الشهر، ولم تعمنا رحمة الله تعالى، سيما وأننا في الأيام الأخيرة منها، فلنشمر على سواعد الجد والاجتهاد، لتعمنا رحمة رب العباد.

***************

هوامش المقال:

[1] ) المسند 12/ 421.

[2] ) الجامع الصحيح 5/ 550-551.

[3] ) صحيح ابن حبان 3/ 189.

[4] ) البحر الزخار 15/ 144.

[5] ) الجامع الصحيح 5/ 551.

[6] ) الجامع الصحيح 4 /24-25.

[7] ) الأدب المفرد ص: 231.

[8] ) القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص: 209.

[9] ) مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على المصطفى ص: 116.

[10] ) تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة 1/ 308.

[11] ) المفاتيح في شرح المصابيح 2 /164.

[12] ) الكاشف عن حقائق السنن 3/ 1044.

[13] ) فيض القدير شرح الجامع الصغير 4/ 34.

[14] ) التنوير شرح الجامع الصغير 6 /259.

[15] ) البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 9451.

[16] ) سورة البقرة، الآية: 185.

***************

جريدة المراجع

الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لأبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان البُستي، ترتيب: علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- بيروت، الطبعة الأولى: 1412/ 1991.

الأدب المفرد لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، تخريج وتعليق: محمد ناصر الدين الألباني، دار الصديق، الجبيل- السعودية، مؤسسة الريان، بيروت- لبنان، الطبعة الخامسة: 1430 /2009.

البحر الزخار (المسند) لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق ج15: عادل بن سعد، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- السعودية، الطبعة الأولى: 1427 /2006.

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج لمحمد بن علي بن آدم الإتيوبي، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى: 1426/ 1436.

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة لناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي، تحقيق: جماعة من المحققين، إشراف: نور الدين طالب، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الأولى: 1433/ 2012.

التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، مكتبة دار السلام، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1432/ 2011.

الجامع الصحيح (السنن) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق ج3: إبراهيم عطوة عوض، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية: 1395/ 1975.

فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى: 1356.

القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع لأبي الخير شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، تحقيق: بشير محمد عيون، مكتبة المؤيد، الطائف- السعودية، مكتبة دار البيان، دمشق- سوريا (د- ت).

الكاشف عن حقائق السنن لشرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1417/ 1997.

مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على المصطفى لأبي العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر القسطلاني المصري، تحقيق: محمد بارود، إصدارات المجمع الثقافي، أبو ظبي- الإمارات، 1420/ 2000.

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

المفاتيح في شرح المصابيح لمظهر الدين الحسين بن محمود بن الحسن الزيداني المظهري، تحقيق: جماعة من المحققين، إشراف: نور الدين طالب، دار النوادر، منشورات إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف الكويت، الطبعة الأولى: 1433 /2012.

نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار لأبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار ابن كثير، دمشق- سوريا، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية: 1429 /2008.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور