مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

تقـريـب السنـوسيـة عند علماء المغرب 3

ذة. نعيمة ملوكي

باحثة بمركز دراس بن إسماعيل

 

الظروف التاريخية التي ظهرت فيها السنوسية:

إن الفترة التاريخية المزرية التي ظهرت فيها العقيدة السنوسية مع القوة الفكرية والمنهجية التي ألفها بها الإمام السنوسي، جعلت المغاربة يقبلون عليها ويلتفون حولها رغم ظهور عقائد أخرى منافسة في ذلك العصر.

فإذا رجعنا  إلى العصر الموحدي أي فترة ترسيم المذهب الأشعري وتغلغله في الغرب الإسلامي، حيث يرى بعض الباحثين “أن هذه المرحلة في بدايتها مثلت قمة تطور المذهب وعطائه، لكن أتى حين من الدهر بدأت فيه معالم المذهب الأشعري تعرف تقهقرا وتدهورا حينا، وانتعاشا ويقظة حينا آخر.

وما إن أشرف القرن الثامن الهجري على الأفول حتى بدأت همم الناس تفتر عن تناول علوم النظر، فطغى التقليد وهيمن الجمود على ما هو موجود، وأقفل الناس باب الاجتهاد في علوم النظر، والتوسع فيها حتى بدا المجتمع الإسلامي هنا وكأنه يعرف انقلابا معرفيا خطيرا، وفي ذلك يقول الإمام السنوسي: “ولا يستغرب في هذا الزمان الذي نحن فيه وهو آخر القرن التاسع، الذي صار المعروف فيه منكرا والمنكر معروفا، وتعذر فيه معرفة الحق لندور أهله، واتسع الخرق فيه جدا على الراقع، فلم يبق فيه للعاقل إلا التحصن بالسكوت، وملازمة البيوت والرضى في معاشه بأدنى القوت”. [السنوسي شرح العقيدة الوسطى (مخ) محمد احنانا –تطوان، ص6. نقلا عن تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، يوسف احنانة، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية، ط2/2007م ص212]

 وملاحظة السنوسي هنا هي شهادة من عارف، على أن متفقهي عصره ومثقفيهم من الطلبة وغيرهم كان يظهر عليهم “الفساد في عقائدهم وإعراضهم عن النظر في أدلة التوحيد، وإهمالهم للكثير من مراشدهم” [نفس المصدر ص5]

 فالتقليد كان سمة طاغية في مسائل العقائد وأمور علم الكلام، حتى عند أولئك الذين اشتهروا في زمانهم بالمشاركة والاطلاع، فقد كانت غالبيتهم تستنكف النظر العقلي، وتقبل ما هو موجود تقليدا، وخير دليل على ذلك هو قلة العلماء المبرزين في هذا المجال في القرن التاسع الهجري، فقد كانت النازلة العقدية لا تجد من يبت فيها فيضطر معها الناس إلى رفعها إلى فقيه متمكن بعيد، كأن تنتقل من الجزائر إلى المغرب وتونس، أو من تونس إلى المغرب أو غير ذلك.

والواقع أن هذا الجمود والتراجع النظري وشيوع التقليد له ما يبرره تاريخيا، سببه ضعف مسلمي الغرب الإسلامي من جهة، وسقوط الأندلس في يد الإسبان من جهة أخرى، وكان من نتائج هذا التراجع السياسي تراجع آخر على المستوى الفكري، تمثل في الغفلة عن علوم النظر، وإهمالها والاكتفاء بالتقليد فيها، وبتقلص مواضيعها حتى صارت المواضيع التي يكتفى بها ويقتصر عليها هي معرفة الصفات الإلهية الوجودية (الذاتية) والمعاني، والإيمان بالنبوة والمعجزات والحشر والصراط والحوض … إلخ. [انظر تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، ص212].

وفي خضم هذا الجمود والفتور الذي عرفته الساحة الفكرية، ظهر أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي حاملا رسالة النهوض بعلم الكلام الأشعري، وتجديده ومقاومة كل مظاهر التقليد والتبعية الحاصلين في علوم النظر، سعيا منه إلى بث الحياة في هذا العلم، وإعادة الاهتمام به والتفاني في تحصيله، قناعة منه بأن هذا العلم هو أشرف ما ينبغي الاشتغال به. فدخل بذلك علم الكلام الأشعري مرحلة جديدة تميزت بالتجديد والتطور والتراكم الكبير في المؤلفات العقدية.

 أسباب عناية المغاربة بالسنوسية:

إن تمسك المغاربة بالعقيدة الأشعرية واستماتتهم في تقريبها والدفاع عنها، جعل مؤلفاتهم العقدية خالية من مباحث الفلسفة والمنطق، وظل عندهم مبحث العقائد مبحثا بسيطا للغاية، لأن علم الكلام الأشعري في المغرب يتميز بطابع تعميمه على مجموع شرائح المجتمع، بما في ذلك عامة الناس، فكان منهج المؤلفين المغاربة في هذا العلم يتسم بيسر العبارة وتبسيط المضامين، والابتعاد عن المشكل والمتشابه والعبارات الفلسفية، حتى يقبل عليها الناس العامة منهم والخاصة.

ولعل الناظر في عقائد السنوسي يلمس هذه البساطة في عرضها واقتصاره على الضروري منها، حتى إذا أردنا تلخيص هذه العقائد قلنا إنها تجمع في اعتقاد ما يجب لله وما يجوز عليه وما يستحيل، وكذلك ما يجب للرسل وما يستحيل وهذا ما دفع السنوسي إلى جعل كلمة الشهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” خلاصة لعقائده جميعا، قال السنوسي: “ويجمع معاني هذه العقائد كلها قول لا إله إلا الله محمد رسول الله“.[أم البراهين في ملاحق كتاب الإمام السنوسي وعلم التوحيد، ص451. نقلا عن  تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ص228]

فـ”لا إله إلا الله” تتضمن ما ينبغي اعتقاده في حق الذات الإلهية، ومحمد رسول الله تتضمن ما ينبغي اعتقاده في حق الرسل والأنبياء. وهذا الاقتصار الذي حصر به السنوسي مواضيع علم الكلام الأشعري في الذات الإلهية والنبوة، أدى إلى إقصاء مواضيع أخرى لم تعد تطرح في سياق علم الاعتقاد، مثل موضوع الإمامة الذي نلحظ غيابه التام من مجموع مؤلفات السنوسي العقدية، فلم يشر إليه وكأنه لم يعد جزءا من موضوع علم الكلام الأشعري، وهذا ما سينعكس على هذه المرحلة بكاملها. [تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ص228]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق