مركز الدراسات القرآنيةدراسات عامة

تفسير القرآن من التوجيه المذهبي إلى المدخل المصطلحي

يأتي التفسير على رأس العلوم التي تعكس التفاعل الإنساني مع الوحي، إنه -بمعنى آخر- الصورة المثلى للقاء الإنسان مع الله عز وجل وتواصله معه: فهما لآياته وتمثلا لأحكامه، لذلك كان التفسير من أقدم العلوم والمجالات التي شهدت على استمداد الإنسان من الوحي واستناده إليه. وهو إلى جانب ذلك، يتميز بخاصية التجدد والاستمرارية بما يعرضه من الدلالات القرآنية المتجددة والمستمرة في الوجود والكون.

وقد مر التفسير بمراحل في تاريخه، تشكلت فيها صورته وتحددت مادته، على أساس التفاعل بين رؤيتين: رؤية النص المفسَّر، أي: الرؤية القرآنية التي تنزلت تباعا مع تنزلات الوحي، حتى استوت واكتملت مع إكمال الدين وإتمام النعمة به على المسلمين، ورؤية النص المفسِّر أي الرؤية الإنسانية التي تلقت هذا الوحي تبيّنا وبيانا وتنوعت مستويات هذا التبين والبيان بحسب الزمان والمكان والإنسان. فكان التفاعل بين الرؤيتين -على مر العصور التي تلت نزول الوحي إلى الآن- تتجاذبه هيمنة رؤية المفسر أحيانا، وهيمنة رؤية النص المفسِّر أحايين قليلة.

ولأن المفسر قبل أن يكون شارحا لكلام الله تعالى، هو إنسان منفعل بثقافة معينة ومجتمع معين، لم يكن بالإمكان فصله عن خلفياته الثقافية والسلوكية والمجتمعية تلك، لكن القرآن الكريم -في المقابل- لا يمكن بحال توجيه دلالاته تبعا للتصورات المذهبية والآراء الخاصة للمفسر، كيف وهو الكتاب الذي جاء ليتخطى حدود الزمان والمكان والإنسان؟

تلك هي إشكالية التعامل مع القرآن الكريم، وإشكالية علم التفسير بصورة أدق: إشكالية تتحدد أسئلتها الكبرى في: كيفية التوفيق بين رؤية المفسر التي توجه عمله التفسيري وفهمه القرآن وتمثل دلالاته، وبين الرؤية القرآنية المودعة في كلماته وآياته وسوره؟ وهل من مدخل آمن إلى التفسير، وإلى اقتناص تلك الرؤية القرآنية الخالصة، يعصم صاحبه من السقوط في مزالق التأويل الجاهل والتحريف الضال؟

لا نزعم في هذا المقام الضيق الإجابة على هذه الأسئلة الكبيرة، وإنما هي محاولة لطرق باب البحث في هذه القضية، نبرز من خلالها وضع التفسير بين التوجيه المذهبي، والمدخل المصطلحي، على أساس أن التوجيه المذهبي شكل المأزق في هذه المسألة بينما نرجو أن يشكل المدخل المصطلحي حلا لها.

وقبل الحديث عن كل من المأزق والحل، يلزم أولا بيان المقصود بالتوجيه المذهبي والمدخل المصطلحي:

 أما التوجيه المذهبي، فالمقصود به هنا التأثير الذي تركه التمذهب بصورته المختلفة العقدية والفقهية في التفسير، وتوجيهه لخدمة آراء المفسرين.

أما المدخل المصطلحي، فقد يكون في استعمال لفظ “المصطلح” هنا بعض التجاوز والتجوّز لما كان يستعمل عند القدماء (فهم عادة ما يستعملون كلمة: اللفظ أو المفردة، أو الكلمة) إلا أن القصد هنا وهناك واحد، وهو اعتبار الألفاظ والمفردات والمصطلحات مدخلا لبيان القرآن الكريم كله، على اعتبار أن المصطلحات هي مفاتيح العلوم والمداخل الطبيعية لها، ولم نقل هنا المدخل اللفظي أو “المفرداتي”، حتى لا يلتبس الأمر بالتفسير اللغوي المحض الذي لا يصل إلى بيان الدلالات القرآنية المتضمنة في المفردات، لذلك كان التعبير بالمصطلح أدق[1]، لأنه الوعاء الأنسب لما تحمله مفردات القرآن الكريم من مدلولات ورؤى خاصة.

  1. المدخل المصطلحي وبدايات التفسير:

سجلت أولى مراحل التعامل مع القرآن الكريم -زمن النزول- اهتماما خاصا بالألفاظ والمفردات القرآنية، خاصة تلك التي كانت تحتاج إلى بيان، إما لأن الآذان لم تألفها، وكانت قليلة الاستعمال بعيدة المعنى، أو لأنها كانت تحمل مدلولات جديدة لم تعْرف العرب لها مثيلا في معجمها الدلالي. وقد أثمر هذا الاهتمام الخاص البدايات الأولى للتفسير ممثلة في ما يعرف بكتب الغريب التي ستخرج من رحمها كتب المفردات وهي معاجم للمصطلحات القرآنية.

ولم يكن عبثا ولا من قبيل الصدفة أن تتوجه عناية المفسرين الأوائل من الصحابة والتابعين إلى تفسير الألفاظ والمفردات؛ فقد يكون ذلك منسجما مع طبيعة المرحلة وطبيعة المتلقين للقرآن الكريم. حيث كان التحدي الأكبر للقرآن الكريم هو المتمثل في اللغة، ولذلك انصرفت جهود العلماء في هذه المرحلة إلى التعامل مع المعجم القرآني الخاص الذي استعملت فيه أحيانا ألفاظ بعدت عن الفهم واحتاجت إلى البيان ممن لهم علم ودراية بالمعجم اللغوي والشعري الموروث عن العصور السابقة.

وقد يكون ذلك إشارة إلى أهمية فهم هذا المستوى من النص: مستوى المفردات، ومحوريته في فهم الآيات.

 لقد أثمرت هذه المرحلة -كما سبقت الإشارة- ما يسمى بكتب الغريب، فكانت هذه الكتب التي لم تتعد تفسير المفردة الغريبة البدايةَ الحقيقية للتفسير. ثم سرعان ما أضيفت إلى هذا المستوى المعجمي الخالص، مستويات تركيبية وصوتية وقرائية فرضتها طبيعة الخطاب القرآني، وهو ما أنتج ما يسمى بكتب معاني القرآن.

ومع التطور الذي شهده علم التفسير، تفرقت سبل العلماء في رسم استمرارية هذا العلم، بين منهج معجمي حافظ على خصائص تفسير الغريب وطورها، وبين منهج تفسيري، سار نحو توسيع دائرة البيان، لتشمل اللغة والقراءة والمعاني والأحكام، مع ما صاحب هذا التوسيع من ضرورات جمع الأقوال وتوثيقها والترجيح بينها، وما صاحبها أحيانا من حجاج ومحاورات علمية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بدت آثار ثقافة المفسر وطبيعة العلوم والمعارف السائدة في عصره، على مسار التفسير، فظهرت نزعة التخصص والتمذهب التي كان تفسير القرآن الكريم -لأسباب مختلفة- مجال عرضها واستعراضها، ومآل استمداد الحجية والشرعية لها.

  1. التوجيه المذهبي ومقاصد التفسير:

في تتبعنا لهذا المسار الذي تدرَّج فيه علم التفسير، نلحظ بوضوح أن غاية التفسير، التي كانت في البدايات الأولى متمركزة حول النص المفسَّر تروم بيانه للناس، وإخراجه من دائرة الخفاء إلى دائرة التجلي، ومن دائرة الفهم إلى دائرة التطبيق، قد زاغت عن ذلك لتتمركز حول المفسِّر، وآرائه ومذهبه وثقافته، وهذا ما نلمحه في التفسير المتخصص أو المذهبي بأنواعه وألوانه:

فالتفسير الفقهي، متمثلا في كتب الأحكام، لم يركز على بيان مراد الله عز وجل من كتابه، والكشف عن مقاصده. وإنما كان همه الأساس بيان الأحكام الفقهية والتدليل عليها، حتى وقع التعسف في تفسير الآيات بتحميلها من الأحكام الفقهية وفروعها ما لا تحتمله سياقاتها، ولا تعبر عنه دلالاتها القرآنية! مما جعل هذا التفسير مدخلا للفقه، والقرآن الكريم خادما للمذهب الفقهي وليس العكس. وقد تنبه أصحاب مدرسة المنار إلى خطورة هذا المنحى في التفسير، وفي تفسير المنار إشارات بليغة في نقد هذا المنحى، من ذلك ما جاء في معرض تفسير الآية: 173 من سورة البقرة: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: “ويذكر بعض المفسرين في هذا المقام مسائل خلافية في الميتة كحل الانتفاع بجلدها وغير ذلك مما ليس بأكل، وقد قلنا إننا لا نعترض في بيان القرآن إلى المسائل الخلافية التي لا تدل عليها عبارته إذ يجب أن يبقى دائما فوق كل خلاف” ويعلق رشيد رضا على كلام أستاذه الإمام هنا بقوله: “إنه رحمه الله كانت خطته الغالبة في ترك المسائل الخلافية التي لا يدل عليها القرآن وهذا غير الخلاف في مدلول عباراته… وقد زاد المفسرون على هذه المحرمات تبعا لفقهائهم محرمات أخرى استدلوا عليها بأحاديث آحادية في دلالتها نظر وبعموم تحريم الخبائث وهي معارضة بما في هذه الآية وغيرها من الحصر. وقد حققت هذه المسألة في تفسير: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ﴾ [سورة الاَنعام / الآية: 145] إلخ، وفندت ما قيل في تأويلها بما ظهر به أن القرآن فوق كل خلاف”[2].

أما التفسير الكلامي، فقد كانت مقاصده الكبرى تتحدد في التدليل على صحة المذهب الكلامي للمفسر، والبحث عن شرعية الآراء والاجتهادات الكلامية في الآيات القرآنية، معتمدا في ذلك على آلية التأويل المجازي تارة وعلى ثنائية المحكم والمتشابه تارة أخرى. فلم يقصد هذا التفسير بيان القرآن للناس، وتفهيم مراده عز وجل الذي قصده من كلامه، بل جعله مجالا لعرض مسائل وجزئيات وتفريعات لا علاقة لها بالآيات القرآنية دلالة وسياقا، فكان بذلك تفسيرا مذهبيا موجها للنخبة خادما لمقاصدها، ولنا في تفسير الفخر الرازي “مفاتيح الغيب” خير مثال على ذلك، حيث يأخذنا في متاهات التفريعات من مسائل ووجوه وأمور وأقوال، وكلها في استطرادات علمية لا علاقة لها بتفسير الآية المقصودة بالتفسير[3].

أما التفسير الصوفي أو الإشاري، فإن بناءه على أساس تقسيم الخطاب القرآني إلى ظاهر وباطن، وتقسيم المتلقين للقرآن إلى عامة وخاصة، وأن الوصول إلى الباطن لا يتأتى إلا للخاصة عن طريق التأويل الإشاري، المبني على آليات عرفانية كالإلهام والكشف والتجلي والرؤيا… لم يدَع مجالا لاعتبار قواعد الخطاب في العملية التفسيرية من سياقات لفظية ومقامات تداولية. وهو إلى ذلك تفسير ينطلق من القرآن الكريم باعتباره مصدرا للإشارات العرفانية، فيفهمها بحسب ما تمليه عليه التجربة الصوفية الخاصة، وهو بهذا المعنى يتقاطع مع أنواع من التفسير المتخصص الذي جعل تخصصه المعرفي يهيمن على فهم القرآن وليس العكس، وكما كانت تلك الأنواع من التفسير تلبي حاجة المتخصصين في تلك المعارف (نحوية أو فقهية أو كلامية)، فإن التفسير الإشاري يلبي أيضا حاجة خاصة ويعرض معرفة من نوع خاص موجهة لطبقة خاصة.

إن جنوح التفسير بكل اتجاهاته وأطيافه، إلى خدمة المفسِّر على حساب المفسَّر، والتمكين للمذهب والثقافة الخاصة للهيمنة على القرآن، لا لهيمنة القرآن على ذلك المذهب وتلك الثقافة، يجعل قيمة هذا التفسير اليوم، -بالنظر إلى المقاصد التي يجب أن توجهه وهي بيان القرآن للناس- تنحسر لتصير مجرد قيمة تاريخية، لا تأثير لها في واقع الناس، ولا في تلقي معاني القرآن الكريم الملائمة لهذا الواقع. وفي أحسن الحالات هي قيمة علمية وثقافية محضة بحيث أغنت مكتبة التراث بالعلوم والمعارف التي وظفت في التفسير كاللغة والبلاغة والفقه والكلام وغيرها…

والسبب في ذلك يرجع أساسا إلى المنهج الذي انتهجه هذا التفسير عموما في التعامل مع القرآن الكريم، منهج جعل المذهب -كلاميا كان أو فقهيا- هو الموجه الأساس لعملية التفسير: فهما واستنباطا، ففُسِّر القرآن بمقتضى ما يريده المفسر ويقصده، لا بما يدل عليه القرآن الكريم ويقصده، والقرآن الكريم إنما يمنح التجدد والاستمرارية لمفسره إذا جعل المفسر الدلالة القرآنية وسياق الخطاب هما المنطلق للتفسير، والفهم لمقاصده وتمثل هداياته هو الغاية منه.

هذا الوصف لحال التفسير لا يعني خلو كتب التفسير مطلقا من بيان القرآن للناس، كما لا يعني غياب مسارات أخرى في التفسير لم تتأثر بالتوجيه المذهبي، وجعلت التفسير جامعا لبيان القرآن خادما لما للناس به حاجة[4].

وإذا كان الأمر على ما وصف، فكيف نحدد مواصفات التفسير الذي ينفع الناس، فيفهِّمَهم كلام ربهم ومراده، وكيفية تنزيل ما يفهمون؟ وإذا كان التأثير المذهبي قد أعاق تحقيق هذه الأهداف، فكيف يمكن الرجوع إلى ذلك المدخل الآمن للتفسير الذي تبينا بعض ملامحه من خلال تعامل السلف مع القرآن الكريم، المدخل المفضي إلى تفسير يقرب القرآن إلى الأذهان والقلوب والعقول، فيجعلها تتمثله كما لو كانت قرآنا يمشي على الأرض؟

  1. المدخل المصطلحي ومقاصد التفسير:

اهتمام القدماء باللفظ القرآني مدخلا للتفسير:

ليس بدعا من القول الدعوة اليوم إلى الالتفات إلى الألفاظ والمفردات والمصطلحات، واعتبارها مدخلا للتفسير، فقد ألمح الراغب الأصفهاني رحمه الله، منذ القرن الخامس الهجري إلى أهمية تحقيق المفردات القرآنية، في فهم معاني القرآن الكريم، وفهم العلوم المحيطة به، حين قال في مقدمة كتابه “المفردات”: (إن أول ما يُحتاج أن يُشتَغَل به من علوم القرآن، العلومُ اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيقُ الألفاظ المفردة فتحصيلُ معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المُعاون لمن يريد أن يدرك معانيه… وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علمٍ من علوم الشرع، فألفاظ القرآن: هي لبّ كلام العرب وزبدتُه وواسطته وكرائمُه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكَمِهم، وإليها مَفزعُ الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم…)[5].

وكما تطور تفسير القرآن الكريم في المسار الذي وصفنا آنفا، كان هنالك مسار آخر، لمجالات وعلوم اعتبرت من أهم المداخل إلى التفسير، وكان محورها اللفظ القرآني، وتحقيق دلالاته، وتتبع سياقاته، كعلم الوجوه والنظائر الذي ظهر منذ القرن الثاني الهجري عند جلة من أتباع التابعين ألفوا في وجوه القرآن ونظائره، وهم يقصدون بذلك: الألفاظ الدائرة في القرآن الكريم على وجوه -أي معان- متعددة[6]. وكمعاجم المفردات القرآنية، التي تعتبر الامتداد الطبيعي لكتب الغريب.

إن كتب الوجوه والنظائر، تعكس لونا خاصا من دراسة الألفاظ القرآنية، تتقاطع مع كتب المفردات في الغايات، وتتباين معها في المنهج والأدوات. فقد كان هم الدارسين لهذه الوجوه والنظائر ملاحظة دلالات الألفاظ في سياقاتها المختلفة، واقتناص هذه الدلالات من النصوص القرآنية مباشرة. ورغم اختلاف الدارسين في تصنيف “علم الوجوه والنظائر” ضمن فروع اللغة أو فروع التفسير، فإن ارتباط هذا العلم بالقرآن الكريم وبالتفسير ظاهر بيّن، لكن الذي يميز كتب الوجوه والنظائر أساسا هو منهج عرض المادة، والمقاصد العلمية التي تكمن وراء هذا النوع من التأليف، فقد كان اهتمام المؤلفين في هذا الفن متجها صوب إحدى الظواهر الدلالية في القرآن الكريم المرتبطة بالألفاظ في علاقتها بسياقات ورودها، حيث يكون للفظ في كل سياق معنى غير معناه في سياق آخر.

والحقيقة أن هذا الأمر هو ما يجعل كتب الوجوه والنظائر تمثل جانبا مهما من اهتمام علمائنا بالمصطلح القرآني، جمعا ودراسة، ويجعلها أيضا مصدرا مهما لمن أراد تحقيق المفردات والمصطلحات القرآنية واعتماد ذلك مدخلا لتفسير الآيات التي وردت فيها، ومن ثم تفسير القرآن الكريم كله، أمّا معاجم المفردات القرآنية، فهي تعكس وعي العلماء، ممن ألفوا فيها، بأهمية دراسة ألفاظ القرآن الكريم وبيان معانيها التي استعملت فيها في القرآن الكريم؛ خاصة في ظل تشعب العلوم المرتبطة بالوحي، وحاجة المتخصصين فيها إلى الاستمداد من القرآن الكريم، وتأصيل الكثير من المفاهيم والمصطلحات انطلاقا منه، هذا فضلا عن حاجة المفسرين للقرآن الكريم أنفسهم إلى معرفة دلالات الألفاظ القرآنية التي تتعلق بها الأحكام والمعاني.

لكن هل تفي كتب الوجوه والنظائر، ومعاجم المفردات القرآنية بالغرض؟ وتكفي لبيان القرآن الكريم للناس؟ وهل يكفي الرجوع إليها لتحقيق المقاصد المرجوة من التفسير؟

إن تلك المصادر تمثل جهود السابقين في خدمة علم التفسير، وتعكس حسا منهجيا بضرورة الالتفات إلى هذا المدخل المصطلحي للتفسير، وهي جهود تستحق الدراسة والتمحيص، والاعتماد عليها منطلقا -لا منتهى- للبحث في سبل ومناهج أكثر ملاءمة لثقافة العصر، ولخدمة الأغراض التي نتوخاها من التفسير، دون الخروج عن الثوابت والضوابط التي تحكم العملية التفسيرية برمتها، أنى كان منهجها وأدواتها. حتى لا تصبح دعواتنا هاته، ملتبسة بدعوات مجانية للتجديد والتحديث لا تميز بين أصيل ودخيل، ولا بين ثابت ومتغير.

1 2الصفحة التالية

دة. فريدة زمرد

  •  عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، ورئيسة لجنة الدراسات والأبحاث بها.
  • رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق