مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

تصحيح مفاهيم خاطئة( 2 ): تشويش عقائد العوام خطأ فاحش ومنكر عظيم

قال القاضي العميري في فهرسته:

ومن الخطأ الفاحش والمنكر العظيم الفواحش تشويش عقائد العوام، وتحريك عقائد إيمانهم الراسخة منذ أزمنة طوال وأعوام، كما بلغني أن طالبا شرطه بعض قبائل بني حسن، فجعل يحضهم على التوحيد ويقول: إن من لم يعرفه لا توكل ذبيحته ولا تحل مناكحته، وإن مات لا يدفن في مقابر المسلمين، فجاءني رجل منهم مغموما من ذلك الكلام، وذكر لي ذلك، وسألني عن صحته، فسألته بقدر ما يفهم، فإذا هو على اعتقاد صحيح جازم، فقلت له: لايلزمك في خاصة نفسك أكثر أو كلاما نحوه…

وهذه قولة بالرد أحرى، وفتنة تخمُد تارة ، وتثور أخرى، كانت قامت بين طلبة سجلماسة في حدود السبعين بعد الألف، بُدئ الكلام فيها على كلمة الإخلاص…

قال سيدي الحسن اليوسي: فمن أجل ذلك ألَّفت كتاب “مناهج الخلاص من كلمة الإخلاص” …

قال: ثم رجعت في زورة أخرى فوجدت فتنة أبشع من هذه وأشنع وقعت لهؤلاء مع عوام المسلمين، ثم مع المسلمين كافة عامة وخاصة، وذلك أنهم نظروا في كلام من حرض من الأئمة على النظر في علم التوحيد وحذّر من الجهل فيه ومن التقليد، فجعلوا يسألون الناس عما يعتقدون، ويكلفونهم الجواب والإبانة على الصواب، فإذا قصروا في العبارة، وتلجلجوا لدَهْش أو جهل شيء مما يقدح في العقيدة، أو يظنونه قادحا وإن لم يكن قادحا، شنَّعوا عليهم الجهل والكفر، ثم أشاعوا أن الفساد ظهر في عقائد المسلمين، وجعلوا يقرؤون العقائد للعوام، فشاع أن من لم يشتغل بالتوحيد على النمط الذي يقررون فهو كافر، وشاع أن من لم يعرف معنى لا إله إلا الله، أي النفي والإثبات على التقرير الذي يقرره العلماء فهو كافر، فدخل على الناس من ذلك أمر عظيم، وهول كبير.

قال سيدي الحسن اليوسي: فلما دخلت البلاد جاءني الناس أفواجا يشتكون من هذا الأمر، وأن ليس كل واحد يبلغ إلى فهم تقرير العلماء. فأقول لهم: إن الله تعالى إنما يعبّدكم باعتقاد الحق في أنفسكم، أفلا تشهدون أن الله تعالى حي موجود؟ فيقولون : بلى، أفلا تعلمون أنه واحد في ملكه لاشريك له، وكل معبود سواه باطل؟ فيقولون: بلى، هذا كله يقين عندنا لا نشك فيه ولا نرتاب. فأقول لهم: هذا هو معنى كلمة الإخلاص، المطلوب منكم اعتقاده، سواء عرفتموه من لفظها أو لا، فإن الكلمة عربية، والأعجميُّ لا حظ له في دلالتها، وإنما حسبه أن يُترجم له عن مضمونها فيعتقده، وكذا العقائد كلها، المطلوب اعتقادها بالمعنى، ولا يشترط فهم ألفاظها التي يعبَّرُ عنها في كتب العلماء، ولا إدراكُ حدودها ورسومها التي تُعَرَّفُ بها، فإن فهم هذه العبارة، والإحاطة بهذه الحقائق والتقريرات على التفصيل لم يكلَّف بها العوامُّ، فإذا أجبتُهم بذلك انطلقوا مسرورين حامدين شاكرين.

ثم جاءني رئيس هذه الفتنة، وسألني عن مسائل من هذا المنحى، ثم تقدمت إليه بالنصيحة وقلت: إن أكثر النِّحل وجُلَّ الطوائف الضالة إنما خرجت في هذا العلم، فإن أردتَ نفع الناس فقرّر لهم العقائد بالقدر الذي يبلغون، وحدِّث الناس بما يفهمون، ودع عنك هذه الامتحانات والتشنيعات التي لم تجر بها سنة أهل الدين في عصر من الأعصار، فإذا هو قد تمكَّن فيه التظاهر به،…وتمادى في تلك التشنيعات حتى قال من تبعه عليه: إن عوامّ المسلمين لا توكل ذبائحهم ولا يناكحون، مخافة أن يكونوا لم يعرفوا علم التوحيد…

ثم لم يقفوا في هذا، بل لما انتهكوا حرمة عوام المسلمين ابتلاهم الله بانتهاك حرمة خاصتهم أيضا، فتناولوا فقهاء وقتهم، ووقعوا في أهل العلم والدين ومن معهم على سبيل المهتدين، وضللوهم إذ لم يضللوا العامة…

المصدر: النوازل الجديدة الكبرى  فيما لأهل فاس وغيرهم من البدو والقرى المسماة بالمعيار الجديد الجامع عن فتاوي المتأخرين من علماء المغرب“، تأليف أبي عيسى سيدي المهدي الوزاني (ت: 1342هـ)، ج12 ص: 103/106. قابله وصححه: الأستاذ عمر بن عباد، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، 1420هـ/1999م.

Science

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق