مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

تحرير الأقوال في صوم الست من شوال، لزين الدين أبي العدل قاسم بن قطلوبغا(ت879هـ) تعريف وتوصيف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.

وبعد؛

فقد ألف علماء الشريعة الإسلامية في مسألة صيام الست  من شوال  مؤلفات،  ومن الذين ألفوا فيها العلامة زين الدين قاسم بن قطلوبغا جزءا عظيم النفع، كثير الفائدة، سماه: ” تحرير الأقوال في صوم الستِّ  من شوال” ناقش فيه المسألة من جوانبها الفقهية والحديثية، ولهذا ارتأيت التعريف بصاحبه أولا، ثم التعريف بالكتاب ثانيا.

أولا: التعريف بالمؤلِّف[1].

*اسمه، ونسبه، ومولده:

هو: زين الدين أبو العدل قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله الجمالي، يعرف بقاسم الحنفي، ولد في المحرم سنة اثنتين وثمانمائة بالقاهرة(802هـ) [2].

*شيوخه:

تلقى العلم  على مجموعة من علماء زمانه الأفذاذ منهم:

الحافظ ابن حجر[3]، وابن الهمام[4]، والتاج أحمد الفرغاني النعماني قاضي بغداد[5]، والعز عبد السلام البغدادي[6]، وعبد اللطيف الكرماني [7]، والسعد بن الديري[8]، وناصر الدين البارنباري[9].

*تلاميذه:

وممن أخذ عنه شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي[10].

*مؤلفاته:

له مؤلفات كثيرة جدا منها:

شرح منظومة ابن الجزري[11]، وحاشية على شرح الألفية للعراقي[12]، وشرح النخبة لابن حجر[13]، وتخريج أحاديث عوارف المعارف للسهروردي[14]، وأحاديث الاختيار شرح المختار[15]، والأربعين في أصول الدين[16]، وجواهر القرآن[17]، وإتحاف الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء[18]، ونزهة الرائض في أدلة الفرائض[19]، وتعليق مسند الفردوس[20].

*ثناء العلماء عليه:

أثنى عليه مجموعة من العلماء منهم:

قال عنه السخاوي: “هو إمام، علامة، قوي المشاركة في فنون، ذاكر لكثير من الأدب ومتعلقاته، واسع الباع في استحضار مذهبه، وكثير من زواياه وخباياه، متقدم في هذا الفن، طلق اللسان، قادر على المناظرة، وإفحام الخصم”[21].

وقال عبد الحي الكتاني: “هو الإمام الحافظ”[22] ثم قال: “حلاه الشهاب أحمد بن حجر الهيثمي في الخيرات الحسان بـ: “الإمام الحافظ الذي انتهت إليه رياسة مذهب أبي حنيفة”[23].

*وفاته:

توفي ليلة الخامس رابع  ربيع الآخر سنة (ت879هـ) [24].

ثانيا: التعريف بجزء: تحرير الأقوال من صوم الستة من شوال.

يعد كتاب: “ تحرير الأقوال في صوم الست  من شوال” من أفضل  ما ألف  في هذه المسألة المتعلقة بصيام ستة أيام من شوال بعد انقضاء رمضان، التي كثُر بشأنها الجدل بين العلماء والفقهاء، من حيث مشروعيتها، أو كراهة وصلها، ومسألة التتابع في صومها بعد الفصل بينها وبين رمضان بيوم العيد، أو تفريقها على شهر شوال، أو على السنة كلها.

وقد ناقش الفقيه المحدث قاسم بن قطلوبغا هذه المسألة من جوانبها الفقهية والحديثية، وأجاب على ما أثير حولها من خلافات في هذه الرسالة الصغيرة  الحجم العظيمة النفع.

وحرر فيها أقوال الفقهاء المتعلقة بها، ولم يقتصر فيها على مذهب الحنفيَّة ـ باعتباره حنفي المذهب ـ بل اعتنى ببيان أقوال الفقهاء مِن بقية المذاهب الأربعة، وغيرهم.

وقد جاء في مقدمة هذه الرسالة بيان سبب تأليفها من أحد تلامذة المؤلف ـ رحمهما الله ـ  بما نصه: “وبعد؛ لما شاع في القاهرة المحروسة ذكر صوم الست من شوال أنه مكروه، فطلب ذلك العدل الرضا المحصل أبو عبد الله بن طيبغا الحنفي، عامله الله بلطفه الخفي، من كتب السادة الحنفية”.

فوجد مقالة الشيخ الإمام العالم الجلال التَّبَّاني الحنفي في منظومته:

وفي صيام السِتِّ من شوال *** كراهة عند أولي الأفضال

وقوله في شرحها: أي يكره صوم الست من شوال متتابعا ومتفرقا عند أبي حنيفة. وعن أبي يوسف يكره متتابعا. وقال مالك: يكره على كل حال، وهذا وظيفة الجهال، وكل حديث فيه فهو موضوع، ذكره في كتاب التفسير.

وصوم شهر رمضان نسخ كل صوم كان قبله، والأضحية نسخت كل دم كان قبلها، كالعتيرة والأكيرة، وقيل: لا يكره. وهو قول محمد. والأول أصح؛ لما فيه من التشبه بأهل الكتاب؛ لأنهم يلحقون بالفرض ما ليس منه.

فسأل عن ذلك سيدنا الإمام العالم بقية السلف زين الدين أبا المعالي قاسما بن قطلوبغا الحنفي، رحمه الله تعالى.

فأجاب ـ بعد البسملة والحمد لله والصلاة والسلام على النبي بما نصه:

وبعد، فإن الفقير إلى رحمة ربه الغني، قاسم الحنفي يقول:

قد رفع إلي العدل الفاضل أبو عبد الله محمد بن طنبغا الحنفي قول الشيخ الجلال التباني، في منظومته، وشرحه، ما ذكر بحروفه حرفا حرفا، فقلت: هذا رجل قد عمد إلى تعطيل ما فيه الثواب الجزيل، بدعوى كاذبة بلا دليل، واعتمد الضعيف والمؤول، وترك ما عليه المعول، وصحح ما لم يسبق إلى تصحيحه، ولا عول أحد عليه، مع النقل المختل والألفاظ الزائدة، وذكر ما ليس له في هذا المحل فائدة.

وبيان ذلك”[25].

 ثم بدأ  في الإجابة على ما ادعاه الشيخ الجلال التباني، في منظومته، وشرحه لها،  مع تفنيد وتصحيح أكثر الأقوال التي جاء بها، بلغة شديدة اللهجة.

وأهم ما تضمنته الرسالة تحقيق قضيتين: هما تصحيح ما نقل عن أئمة مذهب الحنفية، وأنه محمول على عدم الفصل بين صيام الست من شوال، وصيام رمضان. ثم تعزيز ذلك بالنقل عن أشهر فقهاء المذهب إلى عصر المؤلف بتأكيد استحباب صوم الست من شوال.

ولم يقتصر ابن قطلوبغا  في رسالته على مسألة مشروعية صوم الست من شوال فقط التي كانت السبب  في تأليفه، بل تناول مسائل أخرى، مثل: التتابع وعدمه في صيام الست من شوال، وكونها منتفية هنا بحصول الفصل بين رمضان وما بعده بتحريم الصوم يوم العيد، ورد دعوى نسخ صوم رمضان لأي صوم آخر، والكلام عن صوم الدهر ومسألة التشبيه به،  وكونها لا تفيد التحريم، وإنما تفيد ما هو الوجه المقصود من التشبيه، وهو حصول الثواب الكبير من غير تحمل المشقة التي تحصل بصيام الدهر … [26].

وعلاوة عن تحرير الجانب الفقهي للموضوع، حفلت الرسالة بالجانب الحديثي له، وذلك بالكلام عن الحديث المثبت لمشروعية صيام الست من شوال ببيان طرقه، ودرجة رواياته وصحته. ردا على قول الجلال التباني أن: “كل حديث فيه فهو موضوع”[27].

ومما ميز ابن قطلوبغا رحمه الله في رسالته أيضا أنه  اتبع منهجا جامعا بين أسلوب الردود، والبيان، فقد قام بتجزئة السؤال إلى فقرات، ثم بدأ في الجواب عن كل جزء على حدة… مع النقد العلمي الهادف، كما أنه جمع بين طريقتي المنقول والمعقول، والاستشهاد بأقوال فقهاء المذاهب.

ثم ختم كتابه بقوله: “ولما تم هذا سميته: تحرير الأقوال في صوم الست من شوال”[28].

وختاما فإن  قاسم بن  قطلوبغا سلك في كتابه: “تحرير الأقوال في صوم الست من شوال” في الرد على الجلال التباني منهجا دقيقا، وأسلوبا رفيعا، في معالجة المشكلة المتعلقة بمسألة صيام ست أيام  من شوال فقهيا وحديثيا.

***************

هوامش المقال:

[1]  من مصادر ترجمته: الضوء اللامع(6 /184)، وشذرات الذهب لابن العماد(9 /487)،والبدر الطالع(2 /45ـ46ـ47)، وفهرس الفهارس(2/ 972)، والأعلام(5 /180).

[2]الضوء اللامع(6/184).

[3]فهرس الفهارس(2/972).

[4]نفسه(2/972).

[5]الضوء اللامع (6/184).

[6]نفسه(6/184).

[7]نفسه(6/184).

[8]نفسه(6/185).

[9]نفسه(6/185).

[10]نفسه(6/189).

[11]البدر الطالع(2/46).

[12]نفسه (2/46).

[13]نفسه (2/46).

[14]نفسه (2/46).

[15]نفسه (2/46).

[16]نفسه (2/46).

[17]نفسه (2/46).

[18]نفسه (2/46).

[19]نفسه (2/46).

[20]نفسه (2/46).

[21]الضوء اللامع(6/187ـ188).

[22]فهرس الفهارس(2/972).

[23]فهرس الفهارس(2/972).

[24]البدر الطالع(2/47).

[25] تحرير الأقوال من صوم الست من شوال(ص: 31ـ32ـ33-34).

[26] تنظر مقدمة تحقيق تحرير الأقوال في صوم الست من شوال(ص: 16ـ 17).

[27] تحرير الأقوال في صوم الست من شوال(ص: 45).

[28] تحرير الأقوال في صوم الست من شوال(ص: 45).

***************

جريدة المصادر والمراجع:

الأعلام، لخير الدين الزركلي،  دار العلم للملايين. ط15، 2002 م.

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع، لمحمد بن علي الشوكاني، دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة.

تحرير الأقوال في صوم الست من شوال، لأبي الفداء زين الدين قاسم بن قطلوبغا الجمالي الحنفي، تحقيق: الدكتور عبد الستار أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت ـ لبنان،ط1، 1422هـ ـ 2001م.

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي العكري الحنبلي، عبد القادر الأرناؤوط، ومحمود الأرناؤوط ، دار ابن كثير، دمشق ـ بيروت، ط1، 1413هـ ـ 1993م.

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي، منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت.

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت، ط2 ،1402هـ ـ 1982م.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق