مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

بين علم الكلام وعلم العقائد

قال الشيخ الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل قاسم البكي في كتابه: “تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب”:

قد تقرر في التعليم الأول من صناعة الميزان أن لكل علم موضوعا ومبادئ ومسائل؛ إذ بها تنوعت العلوم وتمايزت في المفهوم، ثم من المعلوم أن الناظرين في هذا الشأن – أعني علم التوحيد- والباحثين عنه على قسمين:

منهم من نظر نظرا عاما؛ أي في المعلوم من حيث هو معلوم، وإن كان المقصود أولا وبالذات العلم بواجب الوجود.

ومنهم من نظر نظرا خاصا، وذلك فيما يجب لله، ويستحيل عليه، ويجوز في أفعاله، وما يوصل إلى ذلك إجمالا، لا تفصيلا.

والعلم الحاصل عن الأول هو المسمى ب“علم الكلام”، والثاني يسمى ب”علم العقائد”، وهذا مندرج تحت الأول اندراج أخص تحت أعم، ولذلك كانت المطالب التي تحصل من الأول أكثر لشمولها شؤون الواجب وأحوال الممكن كما هو مسطور في كتب أهل هذا الفن، خصوصا كتب المتأخرين. ولذلك حد هذا العلم بأنه: “العلم الباحث عن أحوال الواجب وأحوال الممكنات من حيث المبدأ والمعاد، وما يعم قصدا للتحقيق“.

وأما الثاني؛ فلا يحصل منه إلا ما عُبِّدنا باعتقاده فقط كما هو مسطور في هذه العقيدة [أي عقيدة ابن الحاجب] و”النسفية” و”اللمع” وغيرها، ويدل على هذا ما اقتصر عليه من ينكر طريق الكلام كما هو طريق المحدثين والفقهاء وغيرهم، حيث اقتصروا على تحصيل العقائد من غير نظر في العالم بنظر المتكلم، بل اقتصروا على المبادئ السمعية وما قرب من المبادئ العقلية.

ولذلك يحد هذا العلم بأنه: “العلم بالأحكام الشرعية الاعتقادية عن قاطع عقلي أو سمعي أو وجداني“.

فعن قاطع يخرج المقلد، ونظري يدخل المتكلم، وسمعي يدخل المحدث، ووجداني يدخل الصوفي.

وما حد به المحقق سعد الدين الكلام حيث قال : “الكلام: هو العلم بالعقائد الدينية عن أدلتها اليقينية”، فحد له باعتبار المقصود منه، وإلا فهو مشكل لإمكان ورود منع الجمع.

وإذا تقرر هذا فنقول: لا يكفي في معرفة موضوع هذا العلم – أعني علم العقائد- ومسائله [و] مبادئه معرفةُ موضوع علمِ الكلام ومسائلِه ومبادئِه، فلا بد من التعرض لذلك بخصوصيته.

فموضوع علم العقائد: ذات الواجب؛ إذ الناظر في علم العقائد يبحث عن لواحق الواجب الذاتية؛ أعني صفاته وأفعاله، وكل ما يُبحث في علمٍ عن لواحقه الذاتية فهو موضوع لذلك العلم.

لا يقال: موضوع العلم لا يتبين وجوده في ذلك العلم، بل في علم آخر، ومن المعلوم أن العلم بوجود الصانع يتبين في هذا العلم، فكيف يكون هو موضوعه؟!

لأنا نقول: نمنع أن كل موضوع علم إنما يتبين وجوده في غيره، ولئن سلمنا ذلك، فنمنع أن صانع العالم يتبين وجوده في هذا العلم، بل وجوده بديهي، والمذكور إنما هو على جهة التنبيه؛ قال تعالى : (أفي الله شك)[إبراهيم: 10]، وبهذا قال جماعة من المحققين كابن البناء في مراسمه، أو إنه مبين في علم آخر، وهو علم الكلام الذي هو أوسع وأشمل كما نبهنا عليه.

وأما مسائله: فكل قضية جعل الشرعُ العلمَ بها إيمانا، والجهلَ بها كفرا أو ابتداعا.

وأما مبادئه: فالقواطع العقلية والسمعية، والإدراكات الوجدانية والحسية.

“تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب”، للإمام البكي، ص: 37 وما يليها، تحقيق: نزار حمادي، مؤسسة المعارف للطباعة والنشر، بيروت-لبنان.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق