مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

بلال أشمل يناقش أطروحته حول ابن رشد الفقيه

ناقش المتعاون مع مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية فضيلة الأستاذ محمد بلال أشمل أطروحته لنيل الدكتوراه من مدينة مدريد بجامعة (UNED) حول ابن رشد الفقيه بعنوان: «أسس الفقه الإسلامي عند ابن رشد: تحليل نقدي لبداية المجتهد ونهاية المقتصد»، وكانت لجنة المناقشة مكونة من المستعربة الإسبانية البروفيسورة “مارية خيسوس بيغيرا” رئيسة (جامعة كومبلوطينسي- مدريد)، والبروفيسورة “مانويلا لوبث بيطا” سكرتارية (جامعة الأونيد- مدريد)، والبورفيسور “خوان ماطوس كيسادا” عضوا (جامعة كومبلوطينسي-مدريد)، والبروفيسور “اندريس مارتينيث لوركا” مشرفا، ونال الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع تهنئة اللجنة. وبهذه المناسبة يسر رئيس المركز، والعاملين به أن يتقدموا إلى دكتورنا العزيز بأحر التهاني، متمنيين له مزيدا من النجاح والعطاء العلمي.

وفيما يلي ملخص لنص الأطروحة:
«من المعروف أن هذا الكتاب يسلك ضمن الفقه الإسلامي المقارن، والتحليل المفصل لمضمونه يفضي إلى أن إشكاليته الأساسية هي عرض الاختلاف بين الفقهاء حول مسائل فقهية معينة، وتحليل أسباب الاختلاف، مفرغا الجهد في صياغة خطاب فقهي موحد لمختلف الأقوال التي تفرقت بها الأسباب من ناحية نقلية أو عقلية.
لكن أهمية  إشكالية هذا الكتاب لا تقف هاهنا، بل إنها تمتد إلى حيث يسعى المؤلف إلى عرض الإتفاق بين الفقهاء، وصياغة أحكام تتراوح بين الاستحسان أو الاستهجان، وبخاصة حول بعض الأقوال الشاذة المخالفة للآلية العقلية التي تنتج الخطاب الفقهي، أو للأسانيد النقلية والعقلية التي تحكم الممارسة الفقهية بعامة.
إن التحليل النقدي لبداية المجتهد، المعتمد على التصور السابق، والمتحقق بمادته، يفضي إلى الخلاصة الرئيسية وهي تضمن هذا الكتاب أسسا ناظمة للفقه الإسلامي. ولذلك يكون من الطبيعي التاكيد على أن هذا الكتاب يعد بحق الثمرة الناضجة للممارسة الفقهية الإسلامية من حيث موضوعه، وإشكاليته، ومنهجيته، ومفاهيمه، وتصوراته.
ولهذا الغرض، فقد كان القصد من هذه الأطروحة الوقوف على خصائص ومميزات هذه الممارسة كما تجلت في بداية المجتهد، والتعرف عن قرب على موضوعها، والنظر المتأني في إشكاليتها، والفحص الدقيق لمنهجيتها، والوقوف النقدي امام أسسها، والدراسة المتبصرة لمفاهيمها.
ولتحقيق هذا المبتغى، كان من الضروري إنجاز تحليل نقدي لمتن البداية، مصطنعين في ذلك منهجية ذات أبعاد متعددة، تاريخية وفقهية على حد سواء، مستفيدين في كل ذلك من المنهجية المعاصرة في الإسلاميات التطبيقية.
ولعل المستند في ذلك، أن دراسة الإشكالية الفقهية لبداية المجتهد، تستتبع النظر في البعد التاريخي الذي يكونها كبعد مقوم لخطاب فقهي يستعيد أقوال السابقين واللاحقين في المسائل الفقهية الخلافية، ويستفرغ الجهد لمعرفة أسباب الخلاف النقلية منها أو العقلية.
وبما ان البعد التاريخي يسير طردا وعكسا مع السابق واللاحق، فإن حضور العقل المقارن يكون امرا لا مناص منه. ولهذا السبب، يكون من الضروري اصطناع المنهجية المقارنة حيثما تطلبها المقام كما هو الشأن في هذه الأطروحة.
والواقف على متن البداية، يستطيع النظر إلى أي مدى يشكل الموضوع الفقهي الخلافي صورة وشكل هذا المتن، مما يقتضي اصطناع منهجية تتواءم وهذا الخطاب، وتنسجم مع جماع المفاهيم التي يعبر بوساطتها عن غاياته ومقاصده. ولذلك فإن أقصى الجهد المبذول في هذا الموضع هو عرض أسس الفقه الإسلامي كما تنطوي عليها البداية، والنظر في كيفية اصطناعها من اجل بيان تطور إرادة المعرفة والتفسير لدى المؤلف في فهم وإدراك وتجاوز الخلاف الواسع في المسائل الفقهية، والتدقيق في الخطوات التي خطاها من أجل  صياغة خطاب فقهي يسعى إلى جمع الخلاف في الائتلاف، ضمن معقولية فقهية تنتقل من النص إلى الواقع، ملتمسة له أسبابا نقلية، وعقلية، وعرفية، عسى تتجاوز بها وضعا سياسيا حيث تتمكن دولة إسلامية تتمذهب بمذهب مالكي حدودي مع الإمارات النصرانية في الثغرين الأعلى والأدنى.
ونظرا لشساعة الموضوع، وما يقتضيه من تحصيل المعرفة التاريخية والفقهية والنقدية المقارنة، كان من اللازم تقسيم هذه الأطروحة إلى قسمين؛ قسم عالجنا فيه المذهب المالكي من حيث مبادؤه، والمتون الأم التي ألفت فيه، وأطوار نشاته وانتشاره، وخصائصه المميزة له، وقسم خصصناه للتحليل النقدي لكتاب بداية المجتهد.
والداعي إلى اعتماد هذا التقسيم، داع موضوعي؛ فمن جهة، أحببنا تهيئة الأسباب التاريخية والفقهية لعملنا النقدي لمتن البداية، ومن جهة اخرى، تعزيز النظر النقدي الذي عولنا عليه في عموم عملنا، وتقديم رؤية شمولية لمتن فقهي كان لصاحبه شان وأي شان في التاريخ الثقافي والفكري في الغرب الإسلامي. إن المرجعية الفكرية والمذهبية لبداية المجتهد هي المالكية؛ ففيها وضع الرجل عمله الفقهي المقارن، وضمن أصول الفقه الإسلامي اجتهد في صياغة خطاب فقهي باحث عن اسباب الخلاف، ومتناد إلى دواعي الائتلاف، وإن كان صريح النقد امام المالكية وأطر الفكر التي تحتكم إليها الممارسة الأصولية الفقهية الإسلامية.
ولعل فصل بداية المجتهد عن المالكية، وعن الأصول الفكرية التي تنتظم فيها الممارسة الفقهية الإسلامية، يكون عملا غير حكيم بتاتا؛ ولا يعين في إدراك حقيقة الإشكالية التي عليها مدار عمله الفقهي، ولا جلال فوائدها المنهجية والمعرفية.
ولذلك ارتأينا جعل القسم الأول من هذه الأطروحة قسما تمهيديا؛ يدور حول المالكية بما يقتضيه المقام من عرض مبادئها، وتسمية المتون الأم التي ألفت فيه، والإشارة إلى أطوار نشاتها وانتشارها، وخصائصها المميزة لها.
ويتألف القسم الأول من هذه الأطروحة من أربعة فصول؛ يسعى أولاها إلى تقديم سيرة تركيبية لإمام دار الهجرة، والأسس التي قام عليها مذهبه في النشاة وفي التطور وفي الاكتمال، وجماع الخصائص التي تميز بها هذا المذهب في جميع اطواره التاريخية، ويسعى ثانيها إلى التوقف عند انماط الفكر والأدب الفقهيين في المذهب المالكي، متسائلا فيه بصورة أساسية عن قيمة الإسهام المالكي في أصول الفقه.
وبالنظر إلى انتماء كتاب بداية المجتهد إلى الفضاء التداولي الفقهي في الغرب الإسلامي، كان لا بد للفصل الثالث من فهم وإدراك أسباب وعوامل دخول المذهب المالكي إلى الأندلس، وانتشاره في ربوعه، ضمن رؤية تاريخية وسياسية تستحضر ما أسميناه بخاصية  المالكية الحدودية، في جميع مراحلها الفكرية والسياسية بدءا من عصر الولاة إلى انهيار دولة بني الحمر في غرناطة. وكان المعتمد في كل ذلك على عوامل ثلاثة وهي الرحلة، والحج، والتجارة؛ عدتها هذه الأطروحة عوامل جوهرية نستطيع بمقتضاها فهم أسباب دخول وانتشار ورسوخ المذهب المالكي في الأندلس.
أما الفصل الرابع، فقد توقف عند بعض خصائص المذهب المالكي كما ترسخ في الأندلس، وعمل على فحص قيمة إسهام رجاله في علم أصول الفقه، وحظهم من التأصيل لمذهب إمام دار الهجرة، انطلاقا من بعض النماذج والأمثلة.  
وعلى خلاف القسم الأول الذي عالج المذهب المالكي عامة، وحضوره في الأندلس خاصة، سيعمل القسم الثاني من هذه الأطروحة بصورة تامة على تحليل نقدي لكتاب بداية المجتهد مع ما يقتضيه المقام من تدقيق تاريخي وفقهي.
ويتألف هذا القسم من سبعة فصول، يقوم الفصل الأول منها بالتمهيد التاريخي الضروري من خلال وضع سيرة تركيبية نقدية لأبي الوليد ولعلمه الفكري بجميع أنماطه الفقهية والسياسية والفلسفية. ويأخذ الفصل الثاني طابعا نقديا حين يفحص الصلة بين الفقه كعلم والقضاء كخطة وممارسة، وبين الفلسفة كنظر، والفقه كعمل لدى أبي الوليد، ويسعى إلى وصل ما اتصل بينها، وفصل ما انفصل بينها، وفهم مصير الرجل وقد ازدهر في الغرب اللاتيني، وتأمل تراثه بين ضفتي المتوسط ما بين مراكش التي دفنت جثته، وقرطبة التي احتضنت رفاته، والغرب الذي استوحى فكره.
اما الفصل الثالث، فيمضي رأسا إلى فكره الفقهي والتساؤل عما إذا كان من المشروع صياغة فرضية حول عمل فقهي آخر غير “البداية” و”الضروري”، يكون محض “فتاوى” مثلا قررها طيلة عمله في خطة القضاء، كقاض ثم كقاضي قضاة.
وفي هذا المدى من الرؤية، ونظرا لكون البداية مدار عملنا النقدي في هذه الأطروحة، كان لزاما علينا تحقيق مسألة نسبتها إلى صاحبها، ومنزلتها من عمله الفكري، وحظها من القيمة في العمل الفقهي الإسلامي، والمقارنة بينها وبين عمل السابقين واللاحقين عليها، مثل “الإشراف على نكت الخلاف” لعبد الوهاب البغدادي (ت. 422/1030) و”القوانين الفقهية” لابن جزي الكلبي (ت. 741/ 1347)، والإشارة إلى ما تحصل لدينا من نشراتها العلمية، وتتبع الترجمات إلى اللغات الغربية التي كانت موضوعا لها، سواء الكلية منها أو الجزئية، وفحص الدراسات العلمية التي أنجزت حولها.
وتعميقا لهذا المنحى، تناول الفصل الرابع كتاب البداية من حيث تكوينه، وبنيته، ومسائله، ومصادره، ومقاصده.
اما الفصل الخامس، فقد تناول منهجية هذا الكتاب، والخصائص التي تميز بها، من خلال كلية هذا المتن، وخصوص مقدمته؛ حيث تم الوقوف على طرق تلقي الأحكام، وما سكت عنه الشرع، وصيغ الأمر، والنهي، والخلاف حول صيغ الأمر، والتحريم، وأسباب الخلاف.
أما الفصل السادس، فقد توقف عند الإشكالية الجوهرية في كتاب البداية، وعرض لأهم أسبابها؛ مع التمثيل لكل خلاف بأسبابه، سواء منها الصريحة أو المضمرة.  
أما الفصل السابع، فقد توقف عند إشكالية الائتلاف في صيغها المتعددة من اتفاق أو إجماع بين الفقهاء، ومختلف خصائصها، ومتعدد مميزاتها.
لقد تم إنجاز هذه الأطروحة بفضل بيبليوغرافيا مختلفة متنوعة؛ تتألف من المصادر في لغتها الأم، من عربية وإسبانية، وفرنسية، وإنجليزية، مع التركيز بطبيعة الحال على المصادر العربية والقشتالية، وعيا من صاحبها بانخراطه النقدي في مدرسة الرشديات الإسبانية المعاصرة، وبضرورة إسهامه المختلف في خطابها العلمي.
أما الصعوبات التي كان علينا تفاديها في إعداد هذه الأطروحة، فهي قرينة بسائر الصعوبات التي يواجهها اي باحث، ولكنها كانت ذات طبيعة خاصة فيما يتصل بموضوع ابن رشد؛ فمن جهة  غياب عمل أكاديمي مخصص كليا لبداية المجتهد في الجامعة الإسبانية، ومن جهة أخرى حالة بعض الأعمال الأكاديمية في الجامعات العربية والإسلامية التي إذا وجدت، اشتكت من بعض النقائص من حيث طبيعة المصادر المعتمدة، أو المنهجية العلمية المصطنعة.
الصعوبة الثانية لها صلة بالوضع الحالي للدراسات الرشدية الإسبانية؛ إذ من المعروف أن العمل الفلسفي لأبي الوليد قد تم نقله إلى اللسان القشتالي. لكن ليس هذا هو حال عمله الفقهي؛ فإذا استثنينا مختصر المستصفى للغزالي المسمى بالضروي في أصول الفقه، الذي تم نقله جزئيا إلى الإسبانية من لدن “بويغ مونطادا” على أساس نشرة المرحوم أستاذنا جمال الدين العلوي، فليس لدينا أي نص من البداية منقول إلى الإسبانية، عدا نصوص محدودة ترجمها “كارلوس كيروز” و”محمود علي مكي”، الأمر الذي كان علينا تجاوزه بالاعتماد على انفسنا في نقل نصوص البداية في مختلف كتبها إلى الإسبانية، وبخاصة فيما يتصل بالمفاهيم الفقهية التي تتقوم بها البداية.
وبما أن لكل صعوبة تحديات عليها مواجهتها، فإن تحدينا كان تجاوز جميع الصعوبات التي قد تكون عسّرت عملنا. وفي هذا الصدد، سعينا إلى نقل متن معتبر من كتاب البداية إلى الإسبانية استجابة للمشروع الفكري الذي انخرطنا فيه منذ إنجازنا رسالتنا لنيل دبلوم الدراسات العليا حين ترجمنا كتاب الجهاد بكامله إلى الإسبانية. ومن جهة اخرى، سعينا إلى تطارح قضايا الفقه المقارن انطلاقا من كتاب البداية عينه. ولعل القاموس الفقهي الذي وضعناه كملحق لأطروحتنا يشكل بداية البداية لعمل اكثر شمولية وعمقا في وضع قاموس فقهي مقارن يتجاوز المصطلح الرشدي في البداية، إلى المصطلح الفقهي الإسلامي في امهات المتون الفقهية في الحضارة الإسلامية.
وبطبيعة الحال، إن لكل اطروحة نتائج تتوصل إليها، وحدوسا تختمر في ذهن صاحبها. ولعل النتائج التي توصلنا إليها، والحدوس التي التمعت في ذهننا كثيرة، نجتزئ منها بهذه الامثلة:
– شهد المذهب المالكي في الغرب الإسلامي انتشارا عظيما، وذيوعا واسعا لعدة أسباب ثقافية وفكرية وسياسية، جعلت منه، فيما جعلت، مذهبا فقهيا حدوديا مع انماط فقهية وعقدية مغايرة؛
– سيرة وفكر أبي الوليد ابن رشد المطبوعة بتحصيل العلم، جرت ما بين مجد مستحق، ونكبة مأسوف عليها؛
– في سعيه إلى وصل الفلسفة بالفقه، اقتدر ابن رشد على إضفاء طابع من الانسجام بينهما بما أوتي من عمق نظر، وسعة رؤية، وعقلية أكسيومية، واستفادة من علوم الأوائل؛
– لا مناص من افتراض إمكانية وجود عمل فقهي آخر لأبي الوليد أخذا بعين الحسبان تجربته في القضاء في إشبيلية وقرطبة، وترجيح مسألة جلوسه للفتوى؛
– بغض النظر عن أي معيار كرونولوجي، يعتبر كتاب البداية نموذجا تطبيقيا للمنهجية الفقهية، المراجعة في “الضروري”، والمطورة في “بداية المجتهد”؛
– القراءة المتانية لمتن البداية، وتحليله المعمق، لا يتركا شكا لدى أحد اصطناع المؤلف لمنهجية متميزة، ورؤية كلية للقضايا الفقهية مدار الخلاف؛
– لم يكن الدفاع عن المذهب غاية ابن رشد في البداية، بل عرض الخلاف بين الفقهاء، والسعي إلى تفسير أسبابه بما اقتدر عليه من أمانة في عرض الأقوال، وسلاسة في المقارنة بينها، ونزعته الأكسيومية والعقلانية، وتعويله على خبرته الطبية، واستدعائه لسلطة جده العلمية، وبعض الرجال المشهود لهم بالحصافة العلمية في مجال اشتغالهم مثل ابن عبد البر؛
– بنية كتاب البداية تشبه سائر بنيات كتب الفقه المقارن، سوى بعض الاختلافات فيما يتصل بطريقة تناول المسائل، والروح العلمية السائدة فيها؛
– مقدمة كتاب البداية أكثر منها مقدمة منهجية، هي مشروع مذهب فقهي موحد يروم تجاوز التقليد، والدعوة إلى الاجتهاد على الرغم من عناية مؤلفه بالأسس الإبيستيمولوجية للخلاف، وليس بمقوماته الايديولوجية؛
– بصدد إشكالية “النزعة الظاهربة” لدى ابن رشد، من الممكن القول بوجود بعض العناصر الظاهرية في هذا الكتاب، لكنها لا تقوم دليلا على كون صاحبها كان كذلك، ولا كان جزءا من مشروع الدولة الموحدية باعتباره فقيها مالكيا صاحب نزعة نقدية داخل المذهب، وليس خارجه.
بفضل التحليل النقدي لمتن البداية، وقفنا على عمل جليل القدر في صنفه، ليس في مقصده العام في الدعوة إلى الاجتهاد الفقهي، بل في منهجيته الفقهية الدقيقة، ومضيه إلى صياغة خطاب فقهي موحد يتجاوز الاختلاف، ويؤسس للائتلاف.
إن إرادة المعرفة التي جسدها الجهد المضني من أجل التماس أسباب الخلاف، والاعتراف بمختلف وجوه الإجماع عبر تحديد مصادر تلقي الأحكام الشرعية، وضع معالم على الطريق لمن بسبيله من الفقهاء لفهم التعاليم القرآنية والنبوية.
إن الروح الأكسيومية التي تبسط ظلالها على متن البداية، مسنودة بمنهجية فقهية صارمة شغالة في تحليل الخلاف، ورده إلى أسبابه المباشرة، تجعل من هذا الكتاب في وضع متقدم يسائل الإشكالية الفقهية الإسلامية على ضوء وحدة الخطاب في متنوع صيغه، وعلى ضوء مراعاة المقاصد العامة للشرع بعيدا عن أية مذهبية فقهية أو تشرذم طائفي.
وإذا لم يكن في وسع الفقهاء إدراك هذا الطور، فعلى الأقل يلزمهم ملازمة الاقتصاد في التفقه، دون الذهاب بعيدا إلى الأقوال الشاذة أو الاختيارات الخيالية.
بهذه الاختيارات التي تضمنها متن البداية بكلية كتبه من كتاب الوضوء إلى كتاب الأقضية، لم يشأ أبو الوليد الانفصال عن المالكية؛ فقد رأيناه يعزز مالكيته بتفعيل مبدأ أساسي في المذهب المالكي وهو مبدأ المصالح المرسلة، والذهاب به إلى أبعد حد ينسجم مع المثل الأعلى الشرعي، والسعي إلى صياغة فكر فقهي نقدي يستفيد من ثمار المذاهب الفقهية الأخرى، ويصطنع ادواته الفلسفية وثقافته العلمية».     

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. iهنيئا لكم أخي الكريم واتمنى لكم كل التوفيق ومزيدا من الانجازات إن شاء الله

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق