صدر عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة (1430هـ-2009م) كتاب «بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق» للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله في 182 صفحة، ويحتوي الكتاب على: مقدمة، وسبعة بلاغات، وخاتمة.
افتتح الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله مؤلفه بمقدمة بيَّن فيها أن هذا الكتاب كان في أصله عبارة عن دروس كان رحمه الله يلقيها بمجالس قرآنية في مدينة مكناس المغربية، وأن مقصده من هذه الرسالة هو وضع ورقة عمل لمثال تطبيقي ونموذج عملي لما أصل له من بلاغات القرآن العظيم التي هي ثمار لما استقر نظره من خلال كتابه: (البيان الدعوي)؛ فكانت هذه الرسالة محاولة من المؤلف لوضع أسس لمشروع إصلاحي فردي وجماعي مؤسس على البديهيات الدينية الاعتقادية والعملية التي كان إهمالها مصدرَ ما وقع من البلاء المتسلط على البلاد والعباد.
والمنهجية التي اتبعها المؤلف في هذه الرسالة هي الانطلاق من القرآن إلى العمران وفق منهج رسول الله في سيرته ودعوته؛ لإثمار الإنسان القرآني السائر في كل مناحي حياته في ظلال القرآن وهداياته.
وهذا ما بينه المؤلف تحت عنوان: «تبصرة في المنهج» مبرزا كيفية كون الآية القرآنية بصيرة وآياته بصائر للناس، شارحا معنى الآية في القرآن، ووجه تسميتها بالآيات، وكونها تشكل نسقا كونيا يؤدي إلى الإبصار النفسي والقلبي، وأمثلة للتبصير من قبل الصحابة وغيرهم لآيات ومواقف؛ مما يدل على منهج التبصر لدى الرسول وصحابته، كما عرض المؤلف قصة بلاغ الرسالة القرآنية؛ وكيفية إدراك بلاغ الرسالة القرآنية المتمثل في تجديد الدين بتجديد الفهم السليم للإسلام ومضمون الرسالة الذي يدور حول المرسِل والمرسَل والمرسَل إليه.
وهكذا تتبع المؤلف بلاغات الرسالة القرآنية السبعة التي أودعها في ثنايا هذه الرسالة كالآتي:
البلاغ الأول: اكتشاف القرآن تدبرا وتفكرا
أوضح هذا البلاغ أن اكتشاف القرآن يحصل بمعرفة القرآن، ثم اتباع منهج التدبر والتفكر في آياته ومعانيه لكشف أسراره ومقاصده، وأن القرآن روح، ومن أهم خصائص الروح أنه سبب الحياة، وباعثها في سائر الأحياء، فالحياة توجد بوجوده، وتنعدم بانعدامه، فالقرآن روح؛ لأنه سبب حياة هذه الأمة، وسبب حياة القلوب ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52-53].
وأما التدبر في القرآن الذي هو منهج اكتشاف القرآن، فهو: النظر في مآلات الآيات القرآنية، وعواقبها ومواقعها من النفس، وآثارها على القلب والعمل، ومدى تطبيقها ومخالفتها. وإذا كانت تتعلق بالمجتمع ننظر في سنن الله فيه كيف وقعت؟ وكيف تقع اليوم؟ وعلاقة ذلك كله بالكون والحياة والمصير، وأما التفكر كما ورد في سياقات قرآنية هو التأمل في بديع صنع الله يحصل به في القلوب الخاشعة إحساس بالحياة، وشعور بعظمة الله الواحد القهار، والرهبة من جلال ملكه وعظمة سلطانه، وإيمان متين، وتسليم تام لقدرة الله.
البلاغ الثاني: في التعرف على الله والتعريف به
يتعلق هذا البلاغ بأس أسس الدين وأصل أصوله، وهو: التعرف على الله والتعريف به؛ باعتباره رأس العلم، وأسمى المعارف، وعليها تبنى جميع البلاغات القرآنية؛ فالدعوة إلى الله إنما هو تعريف بالله، من حيث كونها إنهاضَ المدعوين الغافلين عن الله وعن وظيفتهم التي كلفهم به في هذه الحياة، وإشعارهم بقرب الله منهم، وتذويقهم لحظة من لحظات المحبة الربانية عسى أن يتعلقوا بجمال الله.
والتعرف على الله والتعريف به إنما يحصل من خلال القرآن عبر قراءة الرسالة الربانية إلى عباده، فأول مقصد القرآن هو تعريف الناس بالله المتكلم بالقرآن؛ فمعرفة الله لا يكون إلا عبر رسالته المتضمنة لكلامه في التعريف بنفسه.
ومفاتيح معرفة الله والتعريف به من خلال القرآن كثيرة، منها: تدبر الأسماء الحسنى التي سمى الله بها نفسه في القرآن؛ فقد عرف الله نفسه بأسمائه الحسنى المتضمنة لمعاني العظمة والإجلال والقدرة على كل شيء، وذلك من خلال آيات عدة، منها: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الحشر: 24] ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)﴾ [الحشر: 22-24] ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1-4].
ومدخل آخر لمعرفة الله هو أداء المؤمن حق الخالقية لربه الذي خلقه وأحسن خلقه، فيستفيد من تأدية هذا الحق معنى عظيما لوجوده؛ فينطلق المسلم في توحيد الربوبية الذي ينفتح بابه على العباد من الشعور بحق الخالقية، فكان أول وصف لذاته تعالى في بدء تعريفه بالله ربا ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].
وينبعث من معرفة الله بما عرّف به نفسه تعرُّفُ الإنسان على ذاته والكون الذي يعيش فيه، فالبحث عن الذات فطرة في الإنسان، ولن تُعرف الذاتُ إلا إذا عُرف سببُ وجودها وموجدها ومصيرها؛ وذلك متوقف على معرفة الله الواحد أولا.
البلاغ الثالث: في اكتشاف الحياة الآخرة
يتناول هذا البلاغ مفهوم الحياة التي وصفها الله تعالى بصفتين متقابلتين: الأولى هي: (الدنيا)، والثانية هي: (الآخرة)، فالحياة إذن طبقتان: الأولى تنتمي إلى عالم الشهادة، وهي حياتنا هذه التي نحياها، والثانية تنتمي إلى عالم الغيب، وهي الحياة الآخرة التي تعتبر من أهم أركان الإيمان؛ فالإيمان بالحياة الأخروية قرين الإيمان بالله تعالى، كما ورد في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
البلاغ الرابع: في اكتشاف الصلوات وحفظ الأوقات
تضمن هذا البلاغ ما استخلصه المؤلف من تأمل وتدبر البلاغ القرآني في الصلاة المتمثل في: أن السير إلى الله من غير مسلك الصلاة ضرب من التيه، فكل أعمال المسلم راجعة إلى مدى سلامة هذا الأصل قصدا ووقتا وأداء. فالقرآن الكريم يضفي على الصلاة مذاقا إيمانيا مستمدا من اكتشاف أسرار الصلاة يدفع التالي للقرآن حق تلاوته إلى تذوق حلاوة الصلاة والإحساس بأثرها في النفس، وفي هذا السياق العام ورد الأمر بالصلاة مباشرة بعد تلاوة القرآن ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [العنكبوت: 45].
فالإنسان المصلي حقا تارك لكل منكر، فالله عز وجل ذكر في سياق الحديث عن صفات الفلاح في فاتحة سورة «المؤمنون» عددا من الأفعال والتروك، فكان جانب الترك فيها أكثر حضورا باللفظ أو بالمعنى، كما في (الإعراض عن اللغو) و(حفظ الفروج) ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45]؛ لذلك أفردها الله بالذكر عقب ذكر التمسك بالكتاب ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: 170]، فالصلاة هي آية المسلم، والعلامة الهامة التي تميزه ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: 29]؛ لأن الصلاة هي المعين الصافي الذي يتزود منه المسلم الخصال الحميدة والأعمال الجليلة من المعاهدة والرحمة ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: 29].
والصلاة أهم ما يشع الإيمان في قلوب المؤمنين ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 3]، وأول صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة وآخرها المحافظة على الصلاة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)...إلى قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)﴾ [المؤمنون: 1-9]، فالبلاغ القرآني في الصلاة يفيد بصيرة جامعة، وهي: أن الخير كله فاتحته وخاتمته وغايته ووسيلته الصلاة .
البلاغ الخامس: في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
جاء الاهتمام القرآني الكبير بالدعوة إلى الخير المشتمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باعتبار أن المجتمع الإسلامي حركة دعوية بطبيعته، وجماعة إصلاحية؛ ولهذا شهد الله بالخيرية لهذه الأمة في قوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما دعوة إلى الخير أولا، والخير كل الخير معرفة الله، فكل معروف إنما كان كذلك من حيث هو يؤدي إلى معرفة الله، وكل منكر إنما كان كذلك من حيث هو جهل بالله، ولابد لهذا الأمر أن ينضبط بضابط عام وهو: أن الأمر بمعروف ما إذا كان ينتج عنه منكر أكبر منه يتوجب ترك ذلك الأمر، وكذلك النهي عن منكر ما إذا كان يؤدي إلى ما هو أفظع منه، يتوجب ترك ذلك النهي؛ فالدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها قواعد تجمعها آية ﴿إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) ...إلى قوله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)﴾ [فصلت: 30-36]، ومن خلال هذه الآيات تستشف عشر قواعد للدعوة إلى الخير، وهي:
1. الإعلان بالتوحيد بالقرآن ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [فصلت: 30]. 2. الاستقامة على قول ﴿ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: 30]. 3. التيسير وعدم التنفير. 4. الدعوة إلى الله لا غير ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت: 33] . 5. العمل الصالح أساس الدعوة إلى الله ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت: 33]. 6. إعلان الانتماء لجماعة المسلمين، والحرص على عدم تفريق وحدتهم العامة ﴿وقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]. 7. عدم تسوية الخير والشر، والحق والباطل ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ﴾ [فصلت: 34]. 8. دفع الشر بالخير؛ وذلك بتحقيق المناط العام لعدم التسوية بين الحسنة والسيئة ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].
9. الصبر على الأخذ بالمنهج القرآني ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [فصلت: 35]. 10. الحذر من الشيطان عند الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 34].
وكل هذه القواعد هي هدايات قرآنية في طريق الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر مستقاة من البلاغ القرآني.
البلاغ السادس: في اتباع السنة، تزكية وتعلما وتحلما
فاتباع المبلِّغ طريق إلى إدراك البلاغات القرآنية السابقة؛ فتلاوة الرسول للقرآن عبارة عن القيام بعمليتين: التزكية والتعليم؛ والتزكية تطهير النفس، والتعليم للحلال والحرام وسائر الأحكام. ومنهجية التعليم والتزكية هو الحلم، وهو الرزانة والكياسة، والرحمة والأناة. والاتباع العام للرسول في كل شيء إنما مفتاحه التحلم بحلمه والتخلق بخلقه.
البلاغ السابع: في المفاتيح الثلاثة
أكد هذا البلاغ أن الإسلام لَمَّا بين بلاغاته للناس بين لهم كذلك وسائل الوصول إليها، وطرائق اكتساب صفاتها، وجعل لكل أصل عملا يلزمه، ولكل عمل بابا، ولكل باب مفتاحا، وذلك أنه لا فائدة من حكم لا يتحقق له مناط مطلقا في حياة الإنسان، و المفاتيح التي رأى المؤلف أنها أمهات وسائل العمل بالأصول الدينية الإسلامية هي:
1. اغتنام المجالسات، وذلك بالحرص على حضور مجالس القرآن، والاعتصام بالقرآن مصدرا أولا للتدوين، والشمائل المحمدية نموذجا أعلى للتطبيق، واتباع منهج القرآن كما عرضه القرآن تلاوة وتعلما وتعليما ودراسة وتدارسا وتدبرا. 2. التزام الرباطات، وهي بيوت الله، لحضور الصلوات وتدارس العلم الشرعي، ورباط المسجد هو المدرسة الأساس للدعوة الإسلامية. 3. تبليغ الرسالات؛ وذلك بالبحث عن كيفية البلاغ، وتأصيل البلاغ، والبلاغ في هذا العصر ليس إبلاغ خبر الذي قام به الأولون، وإنما إبصار الحقائق القرآنية التي تتلى عليهم صباح مساء وهم عنها عمون، فهو ليس (بلاغ التخبير) وإنما هو (بلاغ التبصير) بأصول الرسالة القرآنية. وبلاغات القرآن اكتشاف القرآن، والتعرف على الله والتعريف به، واكتشاف الحياة الآخرة، واكتشاف الصلوات وحفظ الأوقات، وحقيقة الدعوة إلى الخير، وحكمة اتباع السنة تزكية وتعلما وتحلما. وأما وسائله فأصول وفروع، أما الفروع فلا تنحصر، وضابطها عدم نقض أصولها، ومعلوم في قواعد علم أصول الفقه أن كل فرع عاد على أصله بالإبطال فهو باطل، وأما الأصول فهي دوران الإنسان في حركته الدعوية مع الخير حيث دار يسقي به كل من لقيه في طريقه وكلَّ من اتصل به في أي ظرف من الظروف يبصر الناس بحقائقها بكل الطرق ومقام وحال، بالإضافة إلى غرس جذور المقبلين على الخطاب القرآني وبصائر المستزيدين من حقائقه؛ فالمؤمنون المستجيبون لبلاغات الرسالة القرآنية تمتد لهم جذور التربية في تربة الرباطات، ويسقون بعد ذلك بماء المجالسات.
فهذه البلاغات القرآنية المضمنة في هذا الكتاب هي خلاصات تدبر المؤلف رحمه الله تعالى لكتاب الله تعالى صاغها بهدف إيصالها إلى الناس إبصارا وتبصيرا، ومعرفة وذوقا للعمل بها وتطبيق ما تقتضيه من أحكام على الصعيد الفردي والمجتمعي في مختلف مناشط الحياة لبناء النفس والمجتمع.
إعداد: مصطفى اليربوعي باحث بمركز الدراسات القرآنية