مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض منهيات الصيام من خلال أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وفق برحمته من شاء من عباده فأدرك شهر رمضان، وعرف قدره، فعمره بطاعة الرحمن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم القهار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أقوم الناس بطاعة ربه في البواطن والظواهر صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا . 

أما بعد:

       يعد شهر رمضان من أفضل الشهور وأعلاها منزلة عند الله تعالى، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، و تجاب الدعوات، وتكفر السيئات، وتضاعف الحسنات، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار ، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة”([1])، وقال: ” من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه “([2]).

     لقد شرع الله تعالى الصيام وسيلة  للتقوى، الذي يجنب المسلم المعاصي ويترفع عنها، وهو ما صرح به سبحانه في قوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ([3]) ؛ فعلى المسلم أن يصون صومه ولا يفسده، والبعد كل البعد عن كل ما يبطله ، وقد نهت الشريعة الإسلامية قرآنا وحديثا عن ذلك، ولأهمية هذا الموضوع أفردته بهذا المقال؛ الذي سأتناول فيه بعض منهيات الصيام من خلال أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مع تخريجها تخريجا مختصرا، وهذا أوان الشروع في الموضوع  فأقول وبالله أستعين:

    وردت أحاديث في فضل رمضان تحث على حسن اغتنامه، واستثمار أوقاته بالطاعات، والأعمال الحسنة، والالتزام بمكارم الأخلاق، وبالمقابل البعد عن الأمور التي تبطل الصوم وتنقص درجته، حتى يؤدي ثمرته المطلوبة، ويترتب عليه الأجر العظيم، والمغفرة الموعود بها.

إن الصوم المقبول حقاً هو صوم الجوارح عن الآثام، واللسان عن الكذب والفحش، والبطن عن الطعام والشراب، والفرج عن الرفث، ومباشرة النساء؛…الخ.  

ومن منهيات الصيام أذكر الآتي:

أولا: “الرفث”.

  لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم عن الرفث كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا عن الله تعالى قال: “قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ..”

وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه كذلك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصيام جنة فلا يرفث”.

والرفث معناه كما قال ابن حجر في الفتح: ” هو الجماع؛ ويطلق على التعريض به، وعلى الفحش في القول، وقال الأزهري: الرفث: اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء”([4]).

تخريج الحديث:

لفظ الرواية الأولى أخرجها: البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: هل يقول إني صائم إذا شتم([5]) ، ومسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب:  فضل الصيام ([6]).

والرواية الثانية: أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم([7])، بهذا اللفظ، وبلفظ آخر مسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: حفظ اللسان للصائم([8]).

ثانيا: الصخب، والشتم، والسب.

دعا النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ لسان الصائم من الصخب، والشتم، والسب، وفحش الكلام مصداقا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد، أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم”.

وفي رواية:” الصيام جنة، فلا يرفث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله، أو شاتمه، فليقل إني صائم مرتين”وقد تقدم تخريجهما.

“ولا يصخب” معناه: الخصام؛ قال ابن حجر في الفتح: “ولا يصخب؛ كذا للأكثر بالمهملة الساكنة، بعدها خاء معجمة، ولبعضهم بالسين بدل الصاد([9])، وهو بمعناه؛ والصخب: الخصام، والصياح”([10]).

ثالثا: الغيبة وكلام الزور.

إن الصيام الصحيح؛ صيام اللسان عن فضول الكلام من الغيبة، والنميمة، والبهتان، وقول الزور؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه”.

وقول الزور: هو الكذب([11]).

تخريجه:

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: من لم يدع قول الزور، والعمل به في الصوم([12])، وأبو داود في سننه، كتاب: الصوم ، باب: الغيبة للصائم  ([13]).

رابعا: القبلة والمباشرة للذي لا يملك إربه، وتحركت شهوته

على الصائم الاحتراز عن مواطن الشهوة؛ خاصة لمن يعلم من نفسه أنه لا يسلم من أن يفسد صومه، مثل القبلة والمباشرة للذي لا يملك إربه، وتحركت شهوته، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل زوجته وهو صائم، إلا أنه كان أملك الناس لإربه؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ” كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم ‌يقبل ‌وهو ‌صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه”.

والإرب هو: حاجة النفس ووطرها قال الخطابي في معالم السنن: “يروى على وجهين أرب مفتوحة الألف والراء، وإِرب مكسورة الألف ساكنة الراء ومعناهما واحد: وهو حاجة النفس ووطرها” ([14]).

ولأن من مقاصد الصيام ترك الشهوات؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلي”.

تخريج الحديث:

الحديث الأول  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: المباشرة للصائم([15])،  ومسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته([16])، واللفظ لمسلم.

والحديث الثاني أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم([17])، واللفظ له،  ومسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: حفظ اللسان للصائم([18]).

خامسا: الوصال في الصوم.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصيام، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” لا تواصلوا، فأيكم إذا  أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! قال:” إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقين”.

ومعنى الوصال: “صوم يومين فصاعدا، من غير أكل أو شرب بينهما”([19]).

تخريج الحديث:

أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه كتاب: الصوم، باب: الوصال إلى السحر([20]).   

الخاتمة:

من خلال ما تقدم أخلص إلى الآتي:

أن المقصد من الصيام السمو بالنفس إلى المنزلة التي أرادها الله؛ وهي تحقيق التقوى.

أن تحقيق معنى التقوى لا يكون إلا بالالتزام بمكارم الأخلاق والبعد عن سيئها. 

من منهيات الصوم: الرفث وهو كما قال ابن حجر في الفتح: ” هو الجماع؛ ويطلق على التعريض به، وعلى الفحش في القول.

من منهيات الصوم:  الخصام، والشتم، والسب.

من منهيات الصوم: القبلة والمباشرة للذي لا يملك إربه، والإرب هو: حاجة النفس ووطرها.

من منهيات الصوم: الوصال في الصيام.

والحمد لله رب العالمين.

*******************************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه الترمذي في سننه (2 /61)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم: (682).

([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /28)، كتاب: الإيمان، باب: قيام ليلة القدر من الإيمان، برقم: (37).

([3]) سورة البقرة الآية: (183).

([4]) فتح الباري (4 /330).

([5]) صحيح البخاري (2 /31-32)، برقم: (1904).

([6]) صحيح مسلم (1 /511)، برقم: (163) (1151).

([7]) صحيح البخاري (2 /29)، برقم: (1894).

([8]) صحيح مسلم (1/ 510)، برقم: (160) (1151).

([9]) إشارة إلى لفظ مسلم في صحيحه (1/ 511)، برقم: (163) (1151).

([10]) فتح الباري (5 /104).

([11]) فتح الباري (5/ 103).

([12]) صحيح البخاري (2 /31)، برقم: (1903).

([13]) سنن أبي داود (ص: 379)، برقم: (2362).

([14]) معالم السنن (1 /98).

([15]) صحيح البخاري (2/ 37)، برقم: (1927).

([16]) صحيح مسلم (1 /492)، برقم: (65) (1106).

([17]) صحيح البخاري (2 /29)، برقم: (1894)، وقد تقدم.

([18]) صحيح مسلم (1/ 510)، برقم: (164) (1151) وقد تقدم.

([19]) صحيح مسلم بشرح النووي (4/ 229).

([20]) صحيح البخاري (2 /49)، برقم: (1967).

**********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ..

الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. ط1/ 1996مــ.

سنن أبي داود. لسليمان بن الأشعث أبي داود السجستاني. طبعة جديدة في مجلد واحد مقابلة على عدة نسخ خطية، رقمت أبوابها على المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف وتحفة الأشراف للحافظ المزي. ضبطه: محمد عبد العزيز الخالدي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2017مـ. .

صحيح مسلم بشرح النووي. حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. (ج4) ط1 /1415هـ- 1994مـ..

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. طبعة جديدة منقحة ومصححة عن الطبعة التي حقق أصلها ورقم كتبها وأبوابها وأحاديثها: عبد العزيز بن عبد الله بن باز- محمد فؤاد عبد الباقي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2017مـ

معالم السنن شرح سنن أبي داود.  لحمد بن محمد أبي سليمان الخطابي. خرج آياته ورقم كتبه وأحاديثه، وقارن أبوابه مع المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف. ذ عبد السلام عبد الشافي محمد. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2009مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق