مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض أحكام النساء في شهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين ، وبعد:

    فإن شهر رمضان  واجب على كل مسلم مكلف من الرجال والنساء، قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم  تتقون) ([1])،وقال: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ([2]) ، وتتعلق به وبغيره من أنواع الصيام جملة من الأحكام الشرعية العامة، وأخرى تخص المرأة دون الرجل، وفي هذا المقال سأورد فيه بعض الأحكام المتعلقة بالمرأة باختصار ، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

بعض أحكام النساء في شهر رمضان:

من أحكام النساء في هذا الشهر الفضيل أذكر الآتي:

الحيض والنفاس:

فالنساء تعرض لهن بعض العوارض التي تخص الصيام؛ ومن هذه العوارض:  "الحيض والنفاس" وهما من الأعذار المبيحة للإفطار في رمضان، وهذا بإجماع، فقد أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصيام بسبب الحيض أو النفاس، وأنهما يفطران في رمضان أيام الحيض، أو النفاس، ولا يجزئهما الصيام؛ لكن عليهما القضاء قياساً على المريض والمسافر، ونصًّا في الحائض؛ قال الموفق بن قدامة :"أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم، وأنهما يفطران رمضان ويقضيان، وأنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم " ([3])؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نطهر ، فيأمرنا بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة"([4]) .

وفي رواية لمسلم عن معاذة العدوية رضي الله عنها قالت: "ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ !  قلت: لست بحرورية؛ ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"([5]).

الحمل والرضاعة:

ومن تيسير الله ولطفه على المرأة في شهر  رمضان أن رخص للحامل والمرضع منهن بالفطر إن خافتا علىٰ نفسيهما، أو على ولديهما أن يلحقهما ضرر أو مشقة، أفطرتا وعليهما القضاء لحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما عن رجل من بني عبد الله بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى وضع شطر الصلاة، أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر وعن المرضع ، أو الحبلى"([6]).

قال الخطابي في معالم السنن: "قد يجمع نظم الكلام أشياء ذات عدد منسوقة في الذكر مفترقة في الحكم، وذلك أن الشطر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء، والصوم يسقط في السفر ترخيصا للمسافر، ثم يلزمه القضاء إذا أقام ، والحامل والمرضع تفطران إبقاء على الولد، ثم تقضيان وتطعمان من أجل أن إفطارهما كان من أجل غير             أنفسهما "([7]).

وقال ابن العربي في القبس: "وأما الحامل والمرضع فعن مالك رضي الله عنه في ذلك روايتان، وقال الشافعي: تفدي الحامل ولا تفدي المرضع؛ لأن الحامل تخاف على نفسها، والمرضع تخاف على غيرها، فصارت المرضع بمنزل من يمرض مريضا في رمضان فيضعف عن الصوم، فلا فدية عليه. والصحيح: أنه ليس على المرضع، ولا على الحامل فدية"([8]).

إذن الزوج لها في سنة الاعتكاف:

والاعتكاف يعتبر سنة لعموم قوله تعالى : ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) ([9]).ولفعله صلى الله عليه وسلم فعن عائشة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله "([10]).، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأزوجه بذلك، ويدل عليه حديث عائشة :"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه  من بعده" ([11]).  

فالاعتكاف سنة للمرأة كما هو سنة للرجل؛ ولكن شريطة استئذان الزوج، فلا بد من إذن زوجها بالاعتكاف، لما ثبت في الحديث السابق من أن حفصة وعائشة وزينب أزواج النبي ﷺ استأذنَّ رسولَ اللهِ ﷺ في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن حين ضربن أخبيتهن فيه([12]).

قال ابن حجر: "قال بن المنذر وغيره: " في الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها، وإنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها"([13]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

1-وجوب شهر رمضان على كل مسلم مكلف من الرجال والنساء.

2-تتعلق بشهر الصيام جملة من الأحكام الشرعية التي تخص المرأة

3-اقتصرت في المقال على ذكر ثلاثة أحكام شرعية متعلقة بالمرأة وهذه الأحكام هي:

أ-عارض الحيض والنفاس اللذان يوجبان الإفطار في رمضان مع وجوب القضاء.

ب-الحمل والرضاعة، وقد رخص الله تعالى للحامل والمرضع بالفطر في رمضان إن خافتا على نفسيهما ، أو على ولديهما، مع القضاء، واختلف الفقهاء على وجوب الفدية عليهما والراجح كما قال ابن العربي: أنه ليس على المرضع ولا على الحامل فدية.

ج-سنة الاعتكاف؛ لكن شريطة إذن الزوج لها بالاعتكاف.

********************

هوامش المقال:

([1])  سورة البقرة الآية : (183).

([2])  سورة البقرة (185).

([3])  أوجز المسالك إلى موطأ مالك (5 /186).

([4])  سنن الترمذي (2 /145-146) ،كتاب: الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في قضاء الحائض الصيام دون الصلاة، برقم: (787) وقال:  "هذا حديث حسن".

([5])  صحيح مسلم  (1/ 163) كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم صحيح مسلم برقم: (335). 

([6])  سنن أبي داود (4/ 80)، كتاب: الصوم، باب: اختيار الفطر، برقم: (2408).

([7])  معالم السنن (2/ 125).

([8])  القبس في شرح الموطأ (2 /226).

([9]) الحج  من الآية: (26).

([10]) أخرجه البخاري في صحيحه(2/ 66-67)، في كتاب: الاعتكاف، باب: اعتكاف النساء، برقم: (2033)، ومسلم في صحيحه (1/ 526)، كتاب: الاعتكاف، باب: متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه، برقم: (1173) واللفظ للبخاري.

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه(1/ 116)، في كتاب: الحيض، باب: الاعتكاف للمستحاضة، برقم: (309)، ومسلم في صحيحه (1/ 525)، كتاب: الاعتكاف، باب:  اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، برقم: (5)(1172).

([12]) تقدم تخريجه.

([13]) فتح الباري (5/ 240).

*******************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

أوجز المسالك إلى موطأ مالك. لمحمد زكريا بن محمد الكندهلوي. تحقيق:  أيمن صالح  شعبان. دار الكتب العلمية بيروت لبنان (د.ت).

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ

الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1/ 1996مـ

سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية بيروت 1430هـ-  2009 مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).

القبس في شرح موطأ مالك بن أنس. لأبي بكر بن العربي المعافري. دراسة وتحقيق: د محمد عبد الله ولد كريم. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1/1992مـ

معالم السنن شرح سنن الإمام أبي داود. لأبي سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي. تحقيق: محمد راغب الطباخ.  المطبعة العلمية حلب. طبعة خاصة 1430هـ- 2009مـ

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق