مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات عامة

انعكاسات الحجر الصحي على حياة النساء بالمغرب. العنف الأسري فيروس آخر ينضاف إلى فيروس كورونا

عرف المغرب، كباقي دول العالم، انتشارا واسعا لفيروس كورونا “كوفيد-19” الذي تحول إلى جائحة خلال الأشهر الماضية. وفي ظل غياب علاج مباشر لهذا الفيروس المستجد، كان الحل الوحيد هو اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية على رأسها إعلان حالة الطوارئ  وفرض الحجر الصحي وإلزام الجميع بالمكوث في البيت كشكل من أشكال الإقامة الجبرية التي فرضتها أسباب صحية للحد من انتشار هذا الوباء. ومما لا شك فيه أن هذه الفترة شكلت ظرفية استثنائية بالنسبة لمختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية وفرضت مجموعة من التحولات التي شملت نمط العيش والسلوك اليومي. يسلط هذا المقال الضوء على ظاهرة العنف الأسري كأحد أبرز تأثيرات الحجر الصحي على الأسرة المغربية.

العنف الأسري: تصاعد الحالات دوليا ووطنيا

على المستوى العالمي، تسجل العديد من التقارير أن الحجر الصحي ومنع التجوال بسبب كورونا أدى إلى تزايد حالات العنف المنزلي وكذا حالات الطلاق. تقول الدكتورة كلير وينهايم، وهي أستاذة مساعدة لسياسات الصحة العالمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن، “إنه من الطبيعي أن تزداد حالات العنف المنزلي بعدما أرغم الناس على البقاء في منازلهم في وقت تنتابهم فيه المخاوف والهموم من فقدان الوظائف وقلة المال.” وتسجل الدكتورة وينهايم بأن جميع الجوائح لها تأثير متفاوت على الجنسين، وأن النساء يشكلن الغالبية العظمى من ضحايا العنف المنزلي.[1] وفي هذا السياق، تشير المعلومات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، أنه ومنذ تفشي الجائحة، ارتفعت طلبات النجدة في الخطوط الساخنة في معظم دول العالم بمعدل 39%، وأنه من المرجح أن تكون للقيود المفروضة على التنقل والخوف من نقل العدوى تأثير على قدرة النساء على تقديم شكاوى لدى الشرطة.[2]

في المغرب، کشف تقرير أنجزته خلية الدعم النفسي التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، ويهم طبيعة الحالات التي تم التكفل بها طيلة الفترة الزمنية للحجر الصحي الممتدة من 31 مارس إلى 19 ماي الماضيين، أن النساء هن الأكثر اتصالا وطلبا للدعم مقارنة بالرجال، حيث شكلن 80 بالمائة من مجموع الحالات المتصلة بالخلية. و ذلك ما يدل، حسب الباحثين، على أن النساء هن الفئة الأكثر تضررا من الحجر الصحي، إلى جانب الأطفال والمراهقين.[3]

وكانت مجموعة من جمعيات المجتمع المدني قد سجلت تصاعدا في حالات العنف داخل الأسرة، ومنها فيدرالية رابطة حقوق النساء، التي صرحت أنها استقبلت مؤخرا، عبر مختلف الخطوط الهاتفية التي وضعتها بخدمة النساء 240 اتصالاً هاتفياً للتصريح بالعنف من قبل 230 امرأة عبر مختلف جهات المملكة. كما تم تسجيل 541 فعل عنفٍ تمت ممارسته على المغربيات منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية. ووفق نفس المعطيات التي قدمتها الفيدرالية، فإن “العنف الزوجي، بما فيه عنف الطليق بكل أشكاله، طغى على أنواع العنف الممارس ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي، حيث شكل نسبة 91.7%، يليه العنف الأسري بنسبة 4.4%، ويتضمن أفعال العنف الممارس على النساء من قبل أفراد الأسرة”.

واعتبرت الفيدرالية أن هذه الأرقام لا تعكس الوضع الحقيقي بسبب ظروف الحجر الصحي التي تفرض صعوبة في التواصل والتبليغ.”[4] وفي نفس السياق، أشارت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى أن “المنازل أصبحت مكانا مغلقا، لا يمكن مغادرته دون ترخيص، مما حولها إلى فضاءات تزايد فيها العنف الأسري والزوجي منه بشكل خاص”، كما أن “الوضع يزداد تعقيدا في ظل انشغال السلطات بتنفيذ الطوارئ الصحية، وعدم إهتمامها بتظلمات النساء وطلبات النجدة التي تتوصل بها منهن، بل لا تعتبر السلطات المحلية أن مغادرة البيت هروبا من العنف سبب جدي و “غاية ملحة” تستحق ترخيصا لتنقل الذي تمنحه”.[5]

ما وراء الأبواب وخارج البيت: عنف بأنواعه

في بحث آخر تم إنجازه من طرف منظمة “امرأة” بمشاركة 17 منظمة غير حكومية، تم الكشف عن أن 47.76 في المائة من المجيبين عبر الإنترنت لاحظوا تغيرات نوعية في طبيعة العنف ضد المرأة، وأن انعكاسات الجائحة على النساء تعددت أبعادها لتشمل العنف داخل العائلة بالدرجة الأولى ثم العنف الاقتصادي ثم العنف في العمل ثم العنف في الشارع. فبجانب تأكيد تزايد حالات التبليغ عن العنف المنزلي الناتجة عن بقاء المرأة مع معنفيها على مدار 24 ساعة في اليوم، أشار البحث إلى الآثار السلبية التي خلفها الحجر الصحي على المستوى الاقتصادي بالنسبة للنساء، حيث أن عددا من العاملات وجدن أنفسهن دون دخل و دون أي تعويض، رغم كون غالبتهن مسؤولات عن أسرهن، وهو ما جعلهن أكثر عرضة للعنف لعدم توفيرهن مصروف الزوج أو الابن أو الأخ أو الأب خاصة في حالة الإدمان. كما أن غالبية النساء المأجورات غير مصرح بهن لدى صندوق الضمان أو تشتغلن في القطاعات الغير مهيكلة والمياومات وهو ما يحرمهن من أي تعويض في ظل الجائحة.

هذا الوضع جعل معظم النساء معتمدات كليا على أزواجهن فيما يخص المصاريف، خاصة أن غالبية النساء “وجدن أنفسهن غير مؤهلات لاستفادة من هذا التعويض لأن بطاقة “رميد” غالبا ما تصدر باسم الزوج أو الأب، وغالبية النساء المتزوجات لم تتمكن من الاستفادة منها. يضيف البحث أن النساء أكثر عرضة للعنف في العمل من خلال عدة ممارسات أبرزها الاعتداءات الجسدية والإرغام على العمل بدون المطالبة بأي حقوق مادية، وما يزيد الأمر سوءا هو العمل في ظل ظروف لا تحترم الإجراءات الوقائية التي تحول دون تفشي فيروس كورونا، هذا بالإضافة إلى تسجيل حالات من العنف في الشارع حيث يتم استغلال فراغ الشوارع وغياب الشهود من اجل التحرش الجنسي ومحاولة الاعتداء والسرقة. كما تم تسجيل حالات أخرى من العنف والتحرش بواسطة وسائل تكنولوجيا المعلومات والتواصل حيث تم الإبلاغ عن حالات من المضايقات والاتصالات غير المرغوب فيها وقرصنة محتويات الهاتف ونشر الصور التي تم تغييرها رقميًا لتكون ذات طبيعة جنسية.[6]

ولفت البحث الانتباه إلى أن عددا من النساء تتقبلن الوضعية التي تعشنها رغم تفاقمها و ذلك لعدة أسباب منها، عدم القدرة على الدفاع عن النفس، وعدم المعرفة أو القدرة على استعمال تكنولوجيا المعلومات الرقمية خاصة النساء في وضعية إعاقة، النساء الأميات، والخوف من لوم العائلة، أو تعريض نفسها وأطفالها للإصابة بعدوى الفيروس. وفي سياق متصل، نبه المرصد المغربي للعنف ضد النساء “عيون نسائية”، من مضاعفات الحجر الصحي على قدرات النساء على مقاومة العنف، خاصة في ظل وجود ثغرات في تدابير الدعم والحماية والتكفل المخصصة لهن.[7]

تفاعل رسمي وتعقيب حقوقي

تفاعلا مع تحذيرات مختلف فعاليات المجتمع المدني، وجه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، تعليمات جديدة لمكافحة العنف ضد المرأة في ظل استمرار فترة الحجر الصحي بالمملكة. وقد دعا فيها إلى العمل على تطوير منصات رقمية أو هاتفية لتلقي شكايات العنف ضد النساء، في حدود الإمكانيات المادية واللوجستيكية المتاحة، والاستمرار في تفعيل المنصات الرقمية والهاتفية المتوفرة حاليا.

 وكان ملفتا للانتباه أن الدورية كشفت أن عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء قد انخفض خلال الفترة الممتدة من 20 مارس إلى حدود 20 أبريل، عشر مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا (148 متابعة بدلاً من 1500 متابعة شهريا في الأحوال العادية)، فحسب ما جاء في الدورية: “ورغْم أن الوقت ما زال مبكراً للخروج بخلاصات واضحة حول مستوى العنف المنزلي ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي، إلاَّ أن الإحصائيات المتوفرة – والتي تهم بطبيعة الحال القضايا المرفوعة للقضاء – يبشر باستقرار الأسرة المغربية، وانسجامها واستعدادها للتعايش والتساكن الطبيعي الهادئ، ولو في أصعب الظروف، كظروف الحجر الصحي.”[8]

وفي تعقيب لها على هذه الدورية، قدمت الجمعية المغربية لنساء المغرب قراءة تحليلية لدورية رئاسة النيابة العامة بشأن قضايا العنف ضد النساء، قالت فيها أن انخفاض عدد القضايا المسجلة بالمحاكم، لا يعني بالضرورة انخفاض عدد حالات العنف ضد النساء، وإنما مرده أساسا إلى “الصعوبات الجمة التي تواجهها النساء المعنفات، من صعوبة في التنقل خارج المنزل سواء بسبب التواجد الدائم للجاني بالمنزل أو بالنظر الإدارية المرتبطة المرتبطة بالحصول على رخصة التنقل والتي غالبا ما تسلم لأرباب الأسر من الرجال، إلى جانب ضعف إمكانية الولوج إلى المعلومة المرتبطة بوسائل التبليغ وعدم التوفر على إمكانيات للتبليغ ومن بينها الهواتف الذكية أو البريد الالكتروني أو الانترنيت، فضلا عن إغلاق المحاكم، مما يجعل النساء عرضة للعنف الذي يشكل في كثير من الأحيان خطرا على حياتهن الجسدية والنفسية وكذا على أطفالهن، دون التمكن من الولوج إلى آليات الإنتصاف”.[9]

التبليغ عن كورونا والتبليغ عن العنف

ما يفاقم الوضع بشأن العنف المنزلي في ظل الحجر الصحي هو أن العنف الأسري لا يزال يعتبر شأناً عائلياً خاصاً في مختلف الدول العربية. فحسب الاستطلاع الذي أجراه الباروميتر العربي في الفترة 2018-2019، يتبين أن أغلب النساء ضحايا العنف بالمنطقة (88 في المئة) يلجأن إلى قريبات أو أقارب لهن طلباً للمساعدة. وأن هناك قلة قليلة من النساء في المنطقة (12 في المئة) يفكرن في تقديم الشكوى للشرطة المحلية بسبب هذا العنف.[10] وقد سبق لتقرير المندوبة السامية للتخطيط أن أشار إلى أن المنزل يعتبر من أكثر الأمكنة التي تتعرض فيها النساء المغربيات للعنف، بنسبة 52 في المئة (6.1 مليون امرأة)[11].

وعليه، يمكن القول أنه إذا كان البقاء في المنزل يُقلل من خطر الإصابة بفيروس كورونا، فإن هذا لا يعني أنّ الجميع في مأمن عن أخطار أخرى، وأن ما يُسهم في تراجع عدد الإصابات بوباء كوفيد 19، قد يُضاعف معاناة ضحايا العنف المنزلي. في هذا الصدد، قالت الكاتبة كارولينا مونيوث، في تقرير نشرته مجلة “ريفستا فال” المكسيكية، إنه بعد الالتزام بالتدابير المفروضة في جميع أنحاء العالم بسبب وباء فيروس كورونا، وعلى ضوء هذه الأرقام، اتضح أنه لا ينبغي إثارة الإنذارات بسبب انتشار الفيروس، وإنما أيضا بسبب الوباء الآخر المستفحل ألا وهو موت الآلاف من النساء اللواتي خضعن للحجر الصحي في المنزل مع معنفيهن.[12]

[1] https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-52296561

[2] https://www.unwomen.org/-/media/headquarters/attachments/sections/library/publications/2020/impact-of-covid-19-on-violence-against-women-and-girls-and-service-provision-en.pdf?la=en&vs=0

[3] https://rue20.com/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%ab%d8%b1-%d8%aa%d8%b6%d8%b1%d8%b1%d8%a7-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d9%8b-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84/

[4] https://www.alaraby.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%A3%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84-%D8%AA%D8%B9%D9%86%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%22%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%A9%22

[5] https://banassa.com/societe/19224.html

[6] https://mrawomen.ma/wp-content/uploads/doc/COVID-19%20et%20violences%20faite%20aux%20femmes%20Rapport%20Arabe.pdf

[7] https://www.hespress.com/femme/468529.html

[8] http://www.pmp.ma/%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%8a%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af/

[9] https://www.legal-agenda.com/article.php/article.php?id=6837

[10] https://www.arabbarometer.org/wp-content/uploads/Gender-Data-in-Light-of-Covid-19-Crisis.pdf

[11] https://www.arabbarometer.org/ar/media-news/%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%aa%d8%ad%d8%aa-%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%ac%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b2%d9%84%d9%8a-%d9%88%d8%a7/

[12] https://www.aljazeera.net/news/women/2020/5/29/%D9%81%D9%8A-%D8%B8%D9%84-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AA%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D9%8A-%D8%B6%D8%AF

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق