مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

الوصاية؟

 

 

 

أ.د. بدر العمراني

قال الدكتور القزويني في سياق إثبات الوصاية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (وهذا مصداق ما قال الشهرستاني..ثم قال: >من الذي يبايعني على روحه، وهو وصيي، وولي هذا الأمر من بعدي؟ فلم يبايعه أحد حتى مدّ أمير المؤمنين علي (رض) يده إليه، فبايعه على روحه، ووفّى بذلك، حتى كانت قريش تعيّر أبا طالب أنّه أمّر عليك ابنك<. وهذا الحديث الذي يدل على الوصاية من النبي (ص) لعلي (ع) قد أخرجه أصحاب التفسير من علماء السنة ورواتهم، منهم: أبو الحسن النيسابوري في أسباب النّزول، والقندوزي في ينابيع المودّة، وابن حجر العسقلاني في الإصابة، والإمام أحمد في المسند، والمحب الطبري في الرياض النضرة، وابن كثير في تفسيره، وغير هؤلاء من علماء السنة وحفاظهم)([1])

قلت: هذا الرجل يوهم القارئ بأن الشهرستاني هو المحتج بهذا الخبر على الوصاية، والصواب أنه حاكٍ لأقوال الشيعة الإمامية، بدليل قوله الذي صدّر به كلامه عن الإمامية: (هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، نصا ظاهر، وتعيينا صادقا، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. قالوا: ..)([2]). بل هو بعد ذلك عقب عليهم بقوله: (ثم إن الإمامية تخطّت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة طعنا وتكفيرا، وأقله ظلما وعدوانا، وقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم والرضا عن جملتهم قال الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) وكانوا إذ ذاك ألفا وأربعمائة. وقال الله ثناء على المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه). وقال: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة). وقال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم). وفي ذلك دليل على عظمة قدرهم عند الله تعالى وكرامتهم ودرجتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم. فليت شعري كيف يستجيز ذو دين الطعن فيهم ونسبة الكفر إليهم..)([3]).

أما عزوه الخبر لمخرجيه، فسنبين مقداره عند كل من أخرجه واحدا واحداً:

1- أبو الحسن النيسابوري في أسباب النّزول:

فهذا الخبر غير موجود في كتاب أسباب النزول للواحدي.

2- القندوزي في ينابيع المودة:

القندوزي لم يذكر الخبر كما أورده الشهرستاني، وإنما روايات أخرى في الوصاية لا علاقة لها بالخبر المذكور([4]).

وسليمان بن إبراهيم القندوزي (ت1294هـ) يوحي كتابه المليء بالنقل عن الشيعة أنه متشيّع، وإن كان حنفي المذهب. ولذلك عدّ آغابزرك الطهراني كتابه ينابيع المودة من مصنفات الشيعة في كتابه (الذريعة إلى مصنفات الشيعة، قائلا: (والمؤلف وإن لم يُعلم تشيّعه؛ لكنّه غنوصيّ، والكتاب من كتب الشيعة)([5]).

3- ابن حجر في الإصابة:

كذلك لم يُورد الخبر في كتابه الإصابة، وخاصة الترجمة التي عقدها لعلي بن أبي طالب طالعتها فلم أجد([6]). وفيها قال كلمة مهمة، وهي: (وقد وَلَّد له الرّافضة مناقب موضوعة هو غَنِيٌّ عنها)([7]).

4- أحمد في المسند:

لم أجد الخبر مخرّجا بالسّياق الوارد عند الشهرستاني، وإنما روى أحمد في المسند، قال: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {وأنذر عشيرتك الأقربين}، قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا، قال: فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي. فقال رجل ــ لم يسمه شريك ــ: يا رسول الله، أنت كنت بحرا من يقوم بهذا؟ قال: ثم قال الآخر، قال: فعرض ذلك على أهل بيته. فقال علي رضي الله عنه: أنا([8]).

وهذا الحديث ضعيف أيضا فيه شريك وعباد:

شريك بن عبدالله الكوفي القاضي ضعيف. قال ابن المبارك: ليس حديث شريك بشيء. وقال الجوزجاني: سيئ الحفظ مضطرب الحديث مائل. وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ شريك في أربعمائة حديث([9]).

قال البخاري: سمع منه المنهال ابن عمرو فيه نظر.

روى العلاء بن صالح، حدثنا المنهال، عن عباد بن عبد الله، عن علي، قال: أنا عبد الله، وأخو رسول الله، وأنا صديق الأكبر، وما قالها أحد قبلي، ولا يقولها إلا كاذب مفتر، ولقد أسلمت وصليت قبل الناس بسبع سنين. قال الذهبي: هذا كذب على علي.

قال ابن المديني: ضعيف([10]).

5- المحب الطبري في الرياض النضرة:

كذلك غير موجود في الرياض النضرة.

6- ابن كثير في التفسير:

ذكر حديث الإمام أحمد المتكلم عليه آنفا. وحديث عبدالغفار بن القاسم([11]) التي تحدثنا عنه في المقال السابق، وقلنا بأنه موضوع.

إذن، هذا الرجل بنى شبهة وَفْق منهج التلبيس والتلفيق؛ كي يوهم القارئ بحجته. ومع التمحيص انكشفت وبقيت دعوى عارية عن الدليل. والله أعلم.

 


([1]) مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزويني ص 60.

([2]) الملل والنحل 1/189.

([3]) الملل والنحل 1/189.

([4]) انظر ينابع المودة: الباب الخامس عشر في عهد النبي (ص) لعلي (ع) وجعله وصيا 1/91-96.

([5]) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 25/290. رقم: 165.

([6]) الإصابة 7/275-283.

([7]) الإصابة 7/276.

([8]) ميزان الاعتدال 2/270.

([9]) المسند رقم: 883. 2/225.

([10]) ميزان الاعتدال 2/368.

([11]) انظر تفسير ابن كثير 6/168-169.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق