مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

الهدي النبوي في الإفطار

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

إنجاز: يوسف أزهار*

 إن للصائم فرحتان: الفرحة الأولى عند الإفطار، وهي طبيعية، وذلك لسد العطش والجوع، والفرحة الثانية، هي عند لقاء الله عز وجل، كما نص عليه الحديث النبوي الشريف، فعن أبي هريرة  رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه) [1]، والفرحة الثالثة أن نستن بهدي نبينا ﷺ في الصيام، وسأورد في هذا المقال إن شاء الله بعض هدي النبي ﷺ في الإفطار في شهر رمضان، مع إشارات لطيفة وجدتها مبثوثة في كتب شروح الحديث، وإليك بعض الهدي النبوي في الإفطار.

أولا: تعجيل الفطور: 

كان النبي ﷺ يعجل بالفطور فور غروب الشمس، وهي صفة الخيرية لهذه الأمة، ذلك أن تأخيره يسبب أضرارا جسدية للصائم، وتعجيله يحافظ على قوته، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (لا يزال الناس بخير ما عَجَّلوا الفطر)[2].

يستفاد من هذا الحديث ما نقله العلامة ابن بطال عن المهلب ابن أبي صفرة: “إنما حض عليه السلام على تعجيل الفطر؛ لئلا يزاد فى النهار ساعة من الليل، فيكون ذلك زيادة فى فروض الله؛ ولأن ذلك أرفق بالصائم وأقوى له على الصيام”[3].

وقال القاضي عياض: “أشار أن فساد الأمور يتعلق بتغير هذه السنة؛ التى هي تعجيل الفطر، وأن تأخيره ومخالفة السنة فى ذلك كالعلم على فساد الأمور”[4].  

ثانيا: الإفطار بالتمر أو الماء:

كان النبي ﷺ يفطر على رطبات، فإن لم يكن فتمرات، فإن لم يكن فحسوات من ماء، فعن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور) [5].

يستفاد من هذا الحديث ما قاله الإمام ابن العربي: “الحكمة والله أعلم في الفطر على التمر ما فيه من البركة، وإنما أفضل المطعومات، فأعقب ليلا أفضل العبادات في النهار، والماء أفضل المشروبات، فيكون بدلها”[6].

وقال العلامة محمد الحفيد كنون: “لأنه حلوة –يعني: التمر-، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم، وهذا أحسن ما قيل في المناسبة، وبيان وجه الحكمة، وقيل: لأن الحلو يوافق الإيمان، ويرق القلب، وإذا كانت العلة كونه حلوا، والحلو له ذلك التأثير فيُلحق به الحلويات كلها، أما ما كان أشد منه في الحلاوة فبفحوى الخطاب، وما كان مساويا له فبلحنه”[7].

ثالثا: الدعاء عند الإفطار:

كان النبي ﷺ يدعو عند فطره، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ كان إذا أفطر يقول: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)[8].

يستفاد من هذا الحديث ما قاله العلامة الطيبي: “استبشار منهم؛ لأن من فاز ببغيته، ونال مطلوبه بعد التعب والنصب، وأراد أن يستلذ بما أدركه مزيد استلذاذ، ذكر تلك المشقة، ومن ثم حمد أهل السعادة في الجنة بعد ما أفلحوا بقولهم: ﴿الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور﴾[9][10].

رابعا: الإفطار على مرحلتين:

كان النبي ﷺ يأكل الرطب أو التمر أولا، ثم الماء، ثم يذهب إلى صلاة المغرب، فإذا صلى أكل ما تيسر له، فعن أنس رضي الله عنه: “كان رسول ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء)[11].

يستفاد من هذا الحديث ما قاله الإمام ابن العربي: “كان النبي ﷺ يفطر قبل أن يصلي على شيء يسير، لا يشغله عن الصلاة، وفيه ثلاث فوائد: تعجيل الإفطار …، وتفريغ البال للصلاة، وفصل ما بين العبادة والعبادة، وبينهما في أنفسهما”[12].

فهذا بعض هدي النبي ﷺ عند الإفطار في شهر رمضان، وتبعه في ذلك الصحابة وتابعيهم رضوان الله عليهم أجمعين، ولهذا ينبغي أن نقتفي أثرهم ونسلك مسلكهم؛ لنفوز بجوار نبينا صلى الله عليه في جنة عدن خالدين فيها أبدا.

 ****************

جريدة المراجع

1- إتحاف ذوي التشوف والحاجة إلى قراءة سنن ابن ماجه لعبد الحفيظ (محمد الحفيد) بن عبد الصمد كنون الإدريسي، اعتناء: عبد الصمد العشاب، محمد عبد الحفيظ كنون، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، المغرب، ابتداء من: 1421 /2000.

2- إكمال المعلم بفوائد مسلم لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء، مصر، الطبعة الأولى: 1426 /2005.

3- الجامع لشعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخراساني، تحقيق: مختار أحمد الندوي، عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى: 1423 /2003.

4- السنن الصغير لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخراساني، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، منشورات جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي- باكستان، الطبعة الأولى: 1410 /1989.

5- السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني، اعتناء: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية: 1427 /2007.

6- السنن لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، اعتناء: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية: 1429 /2008.

7- السنن لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، اعتناء: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية: 1429 /2008.

8- شرح صحيح البخارى لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي، تحقيق: إبراهيم بن سعيد الصبيحي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثالثة: 1423 /2003.

9- الصحيح لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ.

10- الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت، الطبعة الأولى: 1422، مصورة عن الطبعة الأميرية، بولاق، 1311.

11- عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري، دار الكتب العلمية، بيروت (مصور عن الطبعة المصرية القديمة).

12- الكاشف عن حقائق السنن لشرف الدين الحسين بن عبد الله بن محمد الطيبي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى: 1417 /1997.

13- المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى: 1411 /1990.

 

هوامش المقال:

[1]) رواه بهذا اللفظ الترمذي في سننه: كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل الصوم، رقم الحديث: 766، (ص: 189)، قال أبو عيسى: “وهذا حديث حسن صحيح”.

[2]) رواه الشيخان، البخاري: كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار، رقم الحديث: 1957، (3 /36)، ومسلم: كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، رقم الحديث: 1098، (2 /771).

[3]) شرح صحيح البخاري (4 /104).

[4]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (4 /34).

[5]) رواه بهذا اللفظ الترمذي في سننه: كتاب الصوم، باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار، رقم الحديث: 695، (ص: 174)، قال أبو عيسى: “وهذا حديث حسن صحيح”، وابن ماجه في سننه: كتاب الصيام، باب ما جاء على ما يستحب الفطر، رقم الحديث: 1699، (ص: 297).

[6]) عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (3 /215).

[7]) إتحاف ذوي التشوف والحاجة إلى قراءة سنن ابن ماجه (4 /348).

[8] ) رواه بهذا اللفظ البيهقي في السنن: كتاب الصيام، باب ما يستحب أن يفطر عليه وما يقول، رقم الحديث: 1390، (2 /112)، والشعب (5 /406).

[9] ) سورة فاطر، الآية: 34.

[10] ) الكاشف عن حقائق السنن (5 /1588).

[11]) رواه أبو داود في سننه: كتاب الصيام، باب ما يفطر عليه، رقم الحديث: 2356، (ص: 413)،  والترمذي في سننه: كتاب الصوم، باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار، رقم الحديث: 696، (ص: 174)، قال أبو عيسى: “هذا حديث حسن غريب”، والحاكم في مستدركه (1 /597).

[12]) عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (3 /215-216).

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق