الرابطة المحمدية للعلماء

النزاع على الإسلام المتنور صراعٌ على مستقبل التديُن

الإسلام الأوروبي بأعين صحافي ألماني متخصص في الشؤون الإسلامية

دعا الصحافي الألماني المهتم بالشؤون الإسلامية، ماتياس دروبينسكي، إلى تفعيل تدريس العلوم الإسلامية في الجامعات الأوروبية بطريقة منهجية نقدية، مؤسسا رؤيته على تبعات مناقشة مجلس العلوم الألماني خلال العامين المنصرمين، عما إن كان هناك جدوى للبحوث العلمية وتدريس الثيولوجيا (علوم اللاهوت) في الجامعات الحكومية بغض النظر عن المعتقد الديني.

وقد أجاب المجلس عن هذا السؤال محقًا بالإيجاب لحسن الحظ. كما اقترح من ناحيةٍ أخرى ترسيخ علوم الدين الإسلامي في الجامعات الألمانية، وإنشاء الكليات الخاصة بها، وذلك بنفس التطلع العلمي أسوةً بعلم اللاهوت المسيحي، لكن أيضًا تحت الإشراف الأشد للدولة عليها.

وأضاف دروبينسكي، وهو صحافي معروف ويعمل لدى صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية المرموقة، أن خلف هذا الاقتراح تكمن القناعة بأن المجتمع الديمقراطي المتعدد يحيا أيضًا عبر تكامل الدين والتنوير، والتديُّن والمراجعة والتفكُّر، وذلك ضمن تجاذبٍ من شأنه أن يدفع المُتديِّنين إلى الشك تمامًا كما يدفع الملحدين أو من يتبع المذهب اللاأدري (الأغنوستي).

يبحث علم اللاهوت المتنور في حياة الأنبياء مستخدمًا مناهج علم التاريخ، وفي مقاربة الإنجيل أو القرآن بأدوات نقد النص، وبهذا يتحدث علم اللاهوت عن حدود الدين. يفعل ذلك عبر النظرة المحايدة للعلوم الدينية، التي تفعل ذلك لأجل الدين نفسه، لأن أيّ دينٍ لا حدود له ولا يعرف الشك سوف يتحجر أو يتحول إلى أصولية مندفعة.

ووجه الصحافي الألماني نداء صريحا إلى المسؤولين الألماني بالتأسيس لعلوم الدين الإسلامية كما علم اللاهوت المسيحي في الجامعات الألمانية، أي في مواقع المراجعة النقدية والمراجعة النقدية الذاتية، معتبرا أنه يُجسّد مشروعا مغامرا، لأن مجلس تنسيق المسلمين في ألمانيا (KRM) الذي سوف يناط به تعيين أساتذة الجامعة وتحديد محتوى المواد الدراسية، يشكو من عدم التوافق في داخله، وفيه بعض الممثلين الذين يطالبون بحق المشاركة في اتخاذ القرار بأنهم يريدون استحضار أئمتهم من تركيا كما تعلن الكنائس وغيرها بشكلٍ صريح.

وفي معرض الترحال مع الأسئلة اللصيقة بوجود المفكرين المسلمين المتنورين في العصر الراهن، اعتبر دروبينسكي أن هؤلاء ليسوا غائبين لأن الإسلام معادٍ للعلم من حيث المبدأ، أو لأنه غير قابلٍ للإصلاح وعنيفٌ كما يعتقد ناقدو الإسلام بنقدهم المسطح الذي ينتشر حاليًا مستخدمًا الأشكال النمطية التي نتجت في القرن التاسع عشر، والتي ترى في المسلمين غرائبيةً وأيروسيةً وانعدام القدرة على التفكير، بقدر ما أن الواقع يثبت بأن هناك بالفعل علماء مسلمون يصِفون كيف يمكن للإسلام القادر على المراجعة والتفكُّر وعلى الحوار أن يكون.

وهم موجودون في العديد من الدول الإسلامية والغربية على حد سواء، مستشهدا على الخصوص بأسماء ألمانية من طينة نجلاء كيليك (Necla Kelek) أو سيران أتيش (Seyran Ates). وعلى هامش النقاش الفرنسي الدائر حول موضوع النقاب، يرى دروبينسكي أن بعض النساء الشابات اللاتي تحولن اليوم في ألمانيا إلى الشكل الأكثر تعصبًا في الإسلام يفعلن ذلك لأن البنية الواضحة تلقى استحسانهن، ولأنهن يرغبن بالجماعة الدافئة المتراصة، ولأنهن لا يجدن طريقهن في مجتمعٍ يتوجب على كلِّ امرئٍ فيه أن يرتب حياته بما وُجِد.

وفي هذا السياق لا يعود الحجاب أو للشادور لديهن أي وزن يُذكر. النزاع على الإسلام المتنور إذًا ليس خلافًا بسيطًا بين الماضي والحداثة، بل هو صراعٌ على مستقبل التديُن، مضيفا في نبرة نقدية نوعية، أنه بوسع الأوروبيين أن يحظروا البرقع والحجاب وتشييد المآذن، لكن هذا ليس سوى مؤشرٍ على العجز لا القوة. بيد أنه يمكن للأوروبيين أن يوفروا فضاءً للإسلام الذي يبحث له عن موطنٍ في أوروبا. فضاءٌ للشك ولطرح الأسئلة، ولاستعادة القدرة على المراجعة والتفكُّر وضبط الذات التي كانت لديه ذات يوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق