«المنهج البنائي في التفسير» كتاب لمحمود البستاني طبعه دار الهادي ببيروت سنة 1422هـ/ 2001م، ويقع في 240 صفحة.
ويتكون الكتاب من قسمين:
القسم الأول عُقِدَ لعرض المعلومات النظرية عن المنهج البنائي في التفسير.
القسم الثاني خصص للدراسة التطبيقية لهذا المنهج.
أما القسم الأول من الكتاب الموسوم ب: «ملامح منهج التفسير البنائي»، فقد تطرق فيه المؤلف إلى العناصر الآتية:
التعريف بالمنهج البنائي في التفسير.
مسوغات اعتماده.
هدفه.
مكوناته المتمثلة في:
* الصلات التي تربط بين عناصر السورة، وأنواعها.
* طرق الربط بين أجزاء السورة.
* عمارة السورة ووسائل خدمتها.
فقد بين المؤلف من خلال هذه العناصر التي تناولها القسم الأول من الكتاب أن المقصود بالمنهج البنائي في التفسير هو دراسة كل سورة من سور القرآن الكريم باعتبارها وحدة لغوية تترابط آياتها وأجزاؤها ومواضيعها. وكانت الحاجة ماسة إلى الإقدام على هذا المنهج في التفسير لكون الدراسات التراثية للقرآن يغلب عليها طابع التجزيء؛ إذ تتناول كل آية على حدة، رغم أن بعضها حاول الربط بين الآيات القرآنية فيما سمي بالنظم القرآني؛ إلا أنها مقتصرة على بعض النماذج، وأما الدراسات الحديثة المتجهة إلى الدراسة الموضوعية للسور القرآنية، فقد اكتفت بتناول بعض المواضيع والظواهر من خلال السورة، ولم تعتن بالتماسك والبناء القائم بين الآيات المكونة للسورة، وبعضها التفتت إلى هذا التماسك لكن دون أن تتعمق في دراسته وإبرازه، وبقيت في المناخ العام للسورة، علاوة على اقتصارها على بعض النماذج من السور...
ومقصد المنهج البنائي في التفسير هو الكشف عن المعنى الكلي للسورة، وأسرارها، والمقصد العام منها، والآثار العامة التي تتركه في النفس عند تلاوتها، بفضل الترابط والتماسك الموجود بين مكوناتها على الهيئة التي هي فيها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بوضع كل آية في موقع معين من سورة معينة عبثا.
وقد أبرز المؤلف الروابط المتنوعة بين آيات السور القرآنية المشكلة لبنيانها الداخلي هي:
* روابط تتعلق بالعلاقات بين الأجزاء والعناصر داخل السورة.
* روابط تتعلق بالمسار الذي تمر به السورة لتصل إلى غرضها، وهو ما أطلق عليه المؤلف خطوط العمارة طوليا أو أفقيا أو توازيا.
* الخطوط التي يوظفها النص من أجل الإنارة لتحقيق هدفه.
ويتم الترابط بين أجزاء السورة عبر طريق: التداعيات الذهنية، أو نمو مقوماتها، أو تجانسها، أو عبر التمهيد لها.
وقد قدم المؤلف نماذج لاعتماد هذه الطرق في الربط بين أجزاء السورة، فبيَّن من خلال دراسة سورة المائدة كيفية ربط أجزاء السورة بواسطة مقدمتها، وكيفية خدمة أجزاء السورة المترابطة لعمارتها وانعكاسها على المتلقي، ومَثَّلَ بسورة الصف لربط السورة بالآليات الآتية: (التمهيد، والتداعي، والتجانس، والنمو) المتداخلة والمتضافرة للقيام بدور الوصل بين أجزاء السورة.
والربط بين أجزاء السورة يخدم تنظيم عمارتها عبر البناء القائم على صلة أجزاء النص بعضها مع الآخر، وعلى هيكلته، وعلى الأدوات المنيرة لأهدافه.
والوسيلة التي تقع به خدمة عمارة السورة هي البناء القائم على هيكل النص الذي حدَّده المؤلف في الوحدة العضوية للسورة المتمثلة في انتخاب جزئياتها وتنظيمها وإخضاعها لأهداف السورة سواء أكانت ذات موضوع واحد، أو ذات مواضيع مختلفة، وقد بين المؤلف الهيكلة العضوية للسور القرآنية من خلال سورة «الفيل»، و«القدر»، و«الكافرون»، و«نوح»، و«الناس».
وهيكل السورة يتنوع إلى:
* ما يمكن تسميته المرحلة الأفقية للنص.
* ما يمكن تسميته بالمرحلة الطولية.
* ما يمكن تسميته بالمرحلة أو البناء المقطعي.
* ما يشكل بذاته بناء عاما تستقل به السورة.
وأما القسم الثاني من الكتاب فقد خصّصه المؤلف للدراسة التطبيقية للمنهج البنائي في التفسير من خلال دراسة سورة «البقرة»، وسورة «المؤمنون»، وسورة «مريم»، وسورة «تبارك»، وسورة «الماعون» معتمدا في هذه الدراسة التطبيقية على المفردات الآتية:
* البناء الأفقي: وهو أن تبدأ السورة بموضوع، وتختتم بالموضوع ذاته، وتتخلل ذلك الإشارة إلى موضوعات مختلفة.
* البناء الطولي: وهو أن تبدأ السورة بموضوع وتتدرج في تناوله إلى أن يختتم في نهاية السورة.
* البناء المقطعي: وهو أن تثير السورة جملة من المواضيع، وتقف عند نهاية كل موضوع أو بدايته على عنصر مشترك بينها.
* السببية: ويقصد بها أن تكون بين الموضوعات المكونة للسورة علاقة سببية، بحيث يكون كل موضوع سببا للاحقه ومسبَّبا لسابقه.
* النمو: والمقصود به أن السورة تتناول موضوعها عبر مراحل فيتطور بذلك الموضوع إلى أن يكتمل نموه في نهاية السورة.
* التجانس: القائم بين عناصر السورة بحيث تتوافق موضوعات السورة مع الأدوات التي اعتمدت في تناولها مثل القصة والصورة والإيقاع.
فمن خلال ما سبق، يتبين أن المنهج البنائي في التفسير كما عرضه محمود البستاني في هذا الكتاب استفاد من المنهج البياني من حيث كونه يدرس السورة القرآنية باعتبارها وحدة لغوية تترابط آياتها وأجزاؤها، كما استفاد من منهج التفسير الموضوعي؛ إلا أن المنهج البنائي يتغيى أن تكون الدراسة الموضوعية للسور القرآنية شاملة لا تغفل عن أي عنصر من عناصرها مَهْمَا بدا بعيدا عن الموضوع أو المواضيع الرئيسة للسورة، كما يرمي إلى إبراز الروابط والأسرار الكامنة بين آيات السورة وأجزائها من أجل الكشف عن البناء الكامل للسورة وعمارتها ونظمها.
إعداد: ذ.مصطفى اليربوعي
باحث بمركز الدراسات القرآنية