الرابطة المحمدية للعلماء

المغرب يدعو إلى اعتماد مقاربة شاملة و مندمجة لمحاربة داء السيدا

منح جائزة المؤتمر الدولي حول السيدا لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى

انطلقت يوم أمس الأربعاء أشغال المؤتمر الدولي ال15 حول داء (السيدا) والأمراض المنقولة جنسيا بإفريقيا بحضور صاحبة السمو الملكي الأميرة للاسلمى، وسيبحث المشاركون في هذه التظاهرة الدولية، التي تنعقد حول موضوع “جواب إفريقيا: مواجهة الحقائق”، طيلة أربعة أيام، سبل تنسيق جهود الحكومات والباحثين والمنظمات غير الحكومية من أجل مواجهة انتشار داء السيدا بإفريقيا، الذي حصد أرواح أزيد من 51 , مليون شخص خلال سنة 2007.

وحسب المنظمين، فإن الأمر يتعلق بتطوير مفهوم وبرامج مواجهة هذا الوباء، من خلال إرساء تكامل بين مختلف المقاربات العلمية والجماعية والريادية، وعبر إشراك أصحاب القرار من القطاعين الخاص والعام، وذلك بهدف تسريع وتيرة الولوج على المستوى العالمي إلى الوقاية والعلاج من داء السيدا والأمراض المنقولة جنسيا.

هذا، و قد منحت جائزة المؤتمر الدولي ال15 حول داء فقدان المناعة المكتسبة (سيدا) والأمراض المنقولة جنسيا، لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى رئيسة “جمعية للا سلمى لمحاربة داء السرطان”،، لانخراطها في مكافحة داء السيدا. وتم تسليم هذه الجائزة لصاحبة السمو الملكي من قبل رئيس المؤتمر البروفيسور سليمان مبوب.

وقد ألقت سموها كلمة باسم المملكة المغربية، وفيما يلي نصها الكامل:

“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

فخامة رئيس الجمهورية،

حضرات المندوبين المحترمين،

أصحاب المعالي والسعادة،

أيها السيدات والسادة،

إنه لمن دواعي سعادتي وسروري أن أشارك في هذا المؤتمر الهام. ومما يضاعف من ابتهاجي، أن ينعقد هذا الملتقى في السنغال، البلد الشقيق، الذي تربطه بالمغرب وشائج تاريخية عريقة، وتجمعه وإياه شراكة استراتيجية.

وإن اجتماعنا اليوم، يشكل مناسبة سانحة، للوقوف على الإنجازات التي تحققت في مجال الجهود المشتركة، التي نبذلها لمحاربة داء السيدا، وكذا لرصد ومواجهة التحديات التي لا تزال مطروحة. لذلك فإننا مدعوون، في إطار هذه التظاهرة، إلى أن نتدارس ونتباحث بشأن الوسائل، الكفيلة بمساعدتنا على مواجهة الواقع المؤلم، الذي تعانيه قارتنا، وفي حربها الضروس ضد هذا الوباء.

فخامة الرئيس،

حضرات السيدات والسادة، ما يزال داء السيدا، باعتباره آفة العصر، يخلف آثارا كارثية في مختلف أنحاء العالم. وذلك على الرغم من الجهود الجبارة التي بذلت من أجل القضاء عليه.

بيد أنه من المؤسف أن تظل الهوة كبيرة بين الدول المتقدمة والدول الإفريقية في مجال نجاعة محاربته. وهي هوة متعددة الأبعاد في مظهرها. وتكتسي طابع مفارقة حقيقية في جوهرها. ذلكم أن هذا الداء، ما فتئ يعرف نوعا من التراجع والاستقرار في الدول المتقدمة، بفضل التقدم العلمي الذي تم إحرازه في مجال تطويقه، وتحسين ظروف الاستفادة من العلاجات المضادة للفيروس الذي ينقله.

كما أن مستوى التقدم الذي بلغته هذه الدول، خاصة في مجالات التربية والصحة والإعلام، يشكل حاجزا قويا، يحد من انتشار هذا المرض.

ومما لا شك فيه، أن إمكانية الإصابة بفيروس داء المناعة المكتسب، تتقلص كلما أمكن تعميم الاستفادة من منافع محو الأمية، وتوفير الخدمات الصحية الضرورية.

ففي الدول المتقدمة، أصبح التعامل مع السيدا يتم في منأى عن التهويل أو التهوين. إذ أصبح ينظر إليه باعتباره مرضا مزمنا، له متطلباته ومقتضياته الخاصة، سواء على مستوى التشخيص أو العلاج. وإذا كانت هذه الدول قد استطاعت الحيلولة دون انتشار هذه الآفة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لقارتنا الإفريقية.كما أنه من المؤسف أن نلاحظ بأن التداعيات السلبية للسيدا، وللأمراض المنقولة جنسيا، تنتشر بشكل خطير بإفريقيا، أكثر من أي مكان آخر، مما يثير القلق والانشغال. 

فوباء السيدا يمس في العمق، الإنسان في سلامته الجسدية وكرامته.

وإذا كانت بعض الدول الإفريقية، قد تمكنت من الحيلولة، ولو نسبيا، دون انتشار فيروس فقدان المناعة المكتسب، فإن الآفاق تبعث على الانشغال، لاسيما وأن التعامل مع هذا المرض، لا يزال يخضع للأحكام المسبقة. كما أن النظرة إليه، تقوم على أساس اعتبار الإصابة بهذا الداء أمرا موصوما بالعار. والأدهى والأمر، ما تؤشر عليه بعض الإحصائيات. ففي بعض المناطق من القارة الإفريقية، تصل نسبة الإصابة بداء السيدا إلى 50 في المائة من مجموع السكان، بل أكثر من ذلك. إننا إزاء حقيقة مرة، ينبغي أن تسائل كل الضمائر الحية. 

ونظرا لما يترتب عن الإصابة بهذا الداء من كلفة اجتماعية، فإنه يشكل لا محالة إحدى العقبات التي تحول دون تحقيق التنمية المندمجة للمجتمع. فضلا عن كونه يرهن مستقبل العديد من الدول الإفريقية الشقيقة.

كما أن خطورته تأتي أيضا، من كونه يستهدف أهم الثروات التي تتوفر عليها مجتمعاتنا الإفريقية، ألا وهي الموارد البشرية التي تزخر بها، ولاسيما الفئات الشابة منها.ومن جهة أخرى، فإن للنساء وضعا اجتماعيا، غالبا ما يجعلهن الفئة الأكثر عرضة لخطر الإصابة بداء السيدا، فضلا عن كونهن يتصدرن قائمة ضحايا عدم الاستقرار، الذي يستفحل في عدد من المناطق داخل قارتنا.

فكيف لنا إذاً أن نتجاوز هذه المفارقة، ونقدم الحلول الملائمة لمختلف التحديات التي تفرضها علينا ? إننا نتقاسم جميعا تلكم القناعة الراسخة، بأن السيدا ليست قدرا محتوما بالنسبة لمجتمعاتنا.ذلك أننا قادرون على مواجهتها، والتغلب عليها، إن نحن اتحدنا وتضامنا فيما بيننا لبلوغ هذا الهدف. وانطلاقا من الطموح الذي يحدونا في هذا المجال، فإن محاربة هذا الوباء تقتضي تعبئة مستمرة وقيام تعاون فعال على الصعيدين الإقليمي والدولي. وينبغي لهذا الجهد الجماعي أن يكون ناجعا ومتسما بمزيد من الدقة في تحديد الأهداف.

كما يتعين اعتماد مقاربة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب المرتبطة بهذا الداء، سواء منها الطبية أو السوسيولوجية أو النفسية أو الثقافية.

وبموازاة ذلك، يجب مواكبة هذه المقاربة الدولية على الصعيد الإقليمي، من خلال إقامة تعاون فعال، بين دول الجنوب.

وفي هذا الصدد، فإننا نلاحظ أن تغييرات عميقة قد طرأت على طبيعة المواجهة العالمية، لداء السيدا، حيث أصبحت مدرجة ضمن أجندة منظمة الأمم المتحدة، باعتبارها إحدى الأولويات الثابتة والدائمة. بيد أنه يتعين إعادة بلورة السياسة المتبعة على الصعيد العالمي، لمحاربة هذا الداء، وذلك في إطار استراتيجية كفيلة بفسح المجال أمام الدول الأكثر فقرا، للحصول على وسائل الكشف والعلاجات المتوفرة.

كما يجب أن ترتكز هذه المقاربة على مضامين ملموسة، تضع التنمية البشرية المستدامة للقارة الإفريقية في صميم انشغالاتها.

ذلك أن هذا المرض غالبا ما ينشأ، وينتقل ويترعرع، داخل الأوساط التي تعاني الإقصاء والفقر والجهل. لهذا، فإن دعم الفئات الأكثر خصاصة قد أصبح ضرورة ملحة، لاسيما الأطفال الأيتام، ضحايا الإصابة بفيروس السيدا.

فكافة الجهود التي تبذلها دولنا، ستبقى محدودة الأثر، إذا لم تندرج في إطار سياسة شمولية، ترمي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ دعائم الحكامة الجيدة. وقبل هذا وذاك، فإن التربية والتوعية والإعلام، تعتبر أفضل السبل للتصدي لهذه الآفة، مقارنة بأي علاج آخر.

ومن الأكيد، أن تمويل البرامج المرتبطة بالوقاية من السيدا، قد تحسن بشكل ملحوظ، على الصعيد العالمي. بيد أن الطريق لا يزال طويلا وشاقا، لبلوغ الهدف المنشود.لذا ندعو المجتمع الدولي، إلى تعزيز الدعم التقني والمالي، الموجه للدول التي تعرف نسبا ضعيفة أو متوسطة، لتفشي داء السيدا. ومن شأن هذا الإجراء، الإسهام في الحيلولة دون انتشاره، خلال السنوات القادمة.

كما ينبغي للمجتمع الدولي، أن يتيح إمكانية توظيف آليات خلاقة للتمويل، من أجل القضاء على هذه الآفة.

ذلكم أن المعركة التي تخوضها البشرية جمعاء ضد هذا الوباء، لا ينبغي أن تعوقها الصعوبات المالية المطروحة في الوقت الراهن.

ومن هذا المنطلق، فإن السؤال العريض المطروح على الإنسانية، في هذه الظرفية الدولية الحالية الدقيقة، يمكن إيجازه في ما يلي : ألا يستحق الرأسمال البشري، باعتباره منبع الثروة الحقيقية، أن ينال نفس الرعاية، إن لم تكن أسمى، من العناية الخاصة التي يستأثر بها الرأسمال المالي الناجم عن المضاربة ?

فخامة الرئيس

حضرات السيدات والسادة،

منذ اكتشاف أول إصابة بداء السيدا في المغرب، سنة 1986، أضحت محاربة هذا المرض إحدى الأولويات، التي تقوم عليها سياسة المملكة في مجال الصحة.

وحاليا، يبلغ معدل الإصابة بالسيدا بالمغرب 08 ,0 في المائة بفضل الالتزام الراسخ والرعاية الكاملة لجلالة الملك محمد السادس، أيده الله، الذي أعطى دفعة قوية لمحاربة هذه الآفة في بلادنا. وفي هذا الصدد، تهدف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من خلال اعتماد مقاربة شمولية، إلى تحقيق الاستفادة المثلى من الخدمات الاجتماعية الأساسية، لاسيما ما يتعلق منها بالعلاجات والخدمات الصحية، الموجهة لفائدة الفئات الاجتماعية المحرومة، والأكثر خصاصة.

ومن هذا المنطلق، سارع المغرب إلى وضع ترسانة من التدابير والإجراءات الرامية إلى مكافحة داء السيدا، والمتمثلة خصوصا في:

– إحداث هيئة وطنية للتنسيق من أجل التصدي لداء فقدان المناعة المكتسب; – وضع برنامج استراتيجي وطني، يحدد بدقة الأهداف المراد بلوغها، في أفق 2011، وكذا الوسائل التي ينبغي الاستعانة بها لتحقيق هذا الغرض;

– وضع نظام وطني للتتبع والتقييم، لتحديد مختلف المؤشرات التي تساعد على رصد ما تم إحرازه من تقدم، وتحديد نسبة ما تم إنجازه من أهداف;

– اعتماد مقاربة تشاركية وإدماجية للمنظمات غير الحكومية.

كما تتضمن الاستراتيجية القطاعية لوزارة الصحة، بالنسبة للفترة الممتدة من 2008 إلى 2012، محورا خاصا بمحاربة داء السيدا، يهدف بالأساس، إلى تعميم الاستفادة من خدمات الوقاية والعلاج والتكفل المرتبطة بهذا الداء.

كما أن المغرب عاقد العزم، على رفع التحديات المرتبطة بتزايد نسبة الوفيات، الناجمة عن الإصابة بالأمراض المنقولة، وغير المنقولة.

وفي هذا الصدد، لا يمكن ضمان النجاعة اللازمة، للإجراءات الوقائية المتخذة، دون الرجوع إلى الخدمات الصحية الأساسية. ذلك أن النهوض بالأوضاع الصحية، لا يمكن أن يتم إلا من خلال الاعتماد على مقاربة، تقوم على إشراك مختلف القطاعات المعنية.

ومن هذا المنظور، فإن الخطة الاستراتيجية 2007 -2011، المعتمدة لهذا الغرض، إنما هي ثمرة مجهود جماعي، قام على أساس إشراك الفاعلين المؤسساتيين والجمعويين، على حد سواء. كما أن بلورة هذه الخطة، قد شكلت مرحلة حاسمة، في إطار التعبئة الشاملة لبلورة سياسة وطنية، للتصدي لهذه الآفة.

وأود بهذه المناسبة، الإشادة على وجه الخصوص، بالمنظمات غير الحكومية في المغرب، التي أصبحت، بفضل ما تراكم لديها من خبرات في هذا المجال، تنهض إلى جانب السلطات العمومية، بدور المحرك، لبلورة سياسات جديدة في مجال الصحة العمومية، وتقديم الدعم اللازم لذلك، والقيام بمهام التأطير، ذات الصلة.

وإن المملكة المغربية، لتؤكد من خلال مختلف الخطط المعتمدة، والمبادرات المتخذة، والأعمال المنجزة، التزامها الراسخ، بالإسهام في تحقيق أهداف الألفية للتنمية، وكذا الأهداف التي حددها الإعلان المنبثق عن الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة، حول السيدا.

وفي هذا الصدد، يعرب المغرب مجددا، عن استعداده التام، لمواصلة المواكبة الدائمة والفعالة، للجهود الحثيثة التي تبذلها منظمة الأمم المتحدة، في هذا المضمار.

ووفاء منها لروابط الأخوة والتضامن، التي تجمعها بالدول الإفريقية الشقيقة، فإن المملكة المغربية، تؤكد مجددا، عزمها مواصلة الإسهام، في مكافحة آفة السيدا بقارتنا.

وفي هذا الصدد، ما فتئ صاحب الجلالة، الملك محمد السادس، أيده الله، يعمل من أجل تيسير الظروف الملائمة، لرفع هذا التحدي الكبير، وذلك من خلال تسخير الموارد البشرية والمادية، وتوظيف الخبرات الضرورية، لتحقيق هذا الهدف.

وتندرج هذه المساهمة، في إطار التعاون المبرمج مع العديد من الدول الإفريقية الشقيقة، ولاسيما ما يتعلق بصحة الأم والطفل، وكذا برامج الوقاية، ذات الصلة بمحاربة داء السيدا. وفي ظل الظرفية الدولية الاقتصادية العصيبة، التي يجتازها العالم في الوقت الراهن، يبقى المغرب مقتنعا بضرورة توحيد جهودنا، وتعزيز التضامن الدولي، لبلورة رد متناسق وفعال، للقضاء على داء السيدا.

فخامة رئيس الجمهورية،

في ختام هذه المداخلة، أود أن أتوجه إلى فخامتكم بأخلص عبارات الشكر والامتنان، للاستقبال الأخوي الذي حظينا به.

كما أن كرم الضيافة، المعهود لدى شعب السنغال الشقيق، يجعل من بلدكم الأصيل، فضاء متميزا للتلاقي، وأرضا للانفتاح على قيم الحوار، وملتقى خصبا، لتجسيد أبهى مظاهر التبادل والتلاقح المثمرين.

لهذا كله، فإننا نتقدم إلى دولة السنغال، بأخلص عبارات الشكر والامتنان.

شكرا على حسن إصغائكم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

(عن و.م.ع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق