وحدة الإحياءدراسات وأبحاثطبيعة ومجال

المعرفة النباتية والطبية بالمغرب بين التراث العلمي والعلاج التقليدي.. دراسة تاريخية أنثربولوجية

 تقوم هذه الدراسة على عقد مقارنة جزئية بين بعض نصوص التراث العلمي المغربي-الأندلسي في علمي النبات والطب، وبين الممارسات الاجتماعية المرتبطة بالعلاج الشعبي، والاستعمال التقليدي للنباتات في التاريخ والحاضر. وقد آثرت توظيف منهج تاريخي-أنثربولوجي من أجل الوصول إلى اكتشاف “الانزياحات” الممكنة، وعن مدى الاستمرارية بين هذا التراث، في جانبه العلمي التجريبي، والاستعمالات الشعبية لمواد الطبيعة في الطب الشعبي المعاصر.

في سياق الحالة المغربية وضمن خصوصياتها، أتفق مع الباحثة روني كليس[1] حول كون الأعشاب المستعملة في “طقوس الخفي” كانت معروفة في كثير من نصوص الطب العربي الكلاسيكي (المغربي-الأندلسي) منه على الخصوص، لكن مسار استعمالاتها قد انزاح من استعمال موضوعي طبيعي إلى استعمال سحري فوق طبيعي، وهذه نقطة محورية أريد الوقوف عندها عبر رصد بعض جوانب تطور المعرفة النباتية بالمغرب بين عالم الطبيعة وعالم الخفي..

لا يمكنني إلا أن أتفق مع “روني كليس”؛ إذ تلاحظ بأن كثيرا من الأعشاب المعروفة بخصائصها العلاجية المثبتة علميا تعتبر مجهولة عند العشابين التقليديين؛ والغريب أنها أعشاب ذكرت في كتب الطب العربي، مما يطرح أكثر من سؤال حول استمرارية هذا الطب العالم في العلاج التقليدي المغربي.. من جهة أخرى يمكن القول بأنه إذا كانت فوائد النباتات معترف بها، فإن طرق اشتغالها تُجهل في الغالب. وإذا كان الطب العربي الكلاسيكي طب عالم في مجمله، فإن تعاليمه لم تصل إلى الطب الشعبي إلا بشكل نادر ومختزل..

إن أنواع الخطاب المستعملة في نظام العلاج التقليدي المغربي المعاصر تنتمي إلى أنماط ثلاثة:

أولا؛ الفصل بين سبب المرض، والمعالج، والمادة العلاجية (النبتة)؛ وبين هذه الأقطاب الثلاثة تتكون سلسلة بسيطة يمكن التعبير عنها علميا بالطريقة التالية: مرض ما تعبر عنه أعراض، تعالجه نبتة تحتوي على عناصر فاعلة ضد العنصر المرضي.

ثانيا؛ الانصهار بين عناصر المسار العلاجي: النبتة تغدو كائنا ما ورائيا “جنيا” يفترض التقرب إليه من أجل حل مشكلة في الحياة اليومية انعكست سلبا على صحة المريض.

ثالثا؛ التفاعل مع الخفي: النبتة هنا ليست جنيا، بل تؤثر على الجن وتجعله في حركة قابلا للاستجابة لمتطلبات ممارس السحر “العلاجي[2]“.

ويمكن القول أن أنواع الحضور الثلاثة لنبتة ما في “العلاج الشعبي” ليست مستقلة عن بعضها تمام الاستقلال، بل قد يحدث أن تتداخل فيما بينها: النبتة الطبية تكتسي قيمة دينية، والنبتة النافعة يمكن أن تساق إلى عمل سحري، وقد يجمع “المعالج التقليدي” بين نوعين أو أكثر من حضور النبات.

في الحالة الأقرب إلى الاستعمال العلمي الموضوعي للنباتات في العلاج التقليدي، وهي الحالة التي غلبت على الطب المغربي في بعده العالِم في فترات تاريخية مختلفة، يمكن القول أن علاقة العرَض/النبتة يمكن أن تسلك مسالك مختلفة:

أ. مسلك التجربة؛ إذ يعرف المعالجون التقليديون بالتجربة، وعبر الرجوع إلى كتب الطب العربي علاقة النباتات بعلاج أمراض معلومة؛ مثال ذلك؛ أن الشيح نبتة قاتلة للطفيليات، والحدج والدفلى والدرياس نباتات تؤدي إلى الإجهاض؛ وقد جاء العلم الحديث، خصوصا مع تطور علم الكيمياء النباتية، ليؤكد هذه الخصائص المستعملة في الطب التقليدي.

ب. مسلك نظرية البصمات: théorie des signatures؛ بالإضافة إلى التجربة تحضر نظرية البصمات بقوة في العلاج التقليدي، ومفادها أن الطبيعة تحمل في ذاتها أسرارا تدل الإنسان على الخصائص العلاجية للنباتات، وقد تبلورت هذه النظرية في ثقافات مختلفة (أفريقية وعربية وأوروبية)، وعلى الإنسان أن يكتشف هذه الأسرار من أجل الولوج إلى عالم العلاج..

إن الأمثلة على ذلك كثيرة: استعمال الجوز الذي يشبه شكل دماغ لمعالجة آلام الرأس والاضطرابات العصبية وأمراض الدماغ، واستعمال الفوة ذات العصارة الصفراء لمحاربة الاصفرار وفقر الدم، واستعمال قزبرة البئر التي تشبه سيقانها شعرا أسود لامعا لمحاربة تساقط الشعر…

إن هذا المجهود التصنيفي النابع من ملاحظة دقيقة لبصمات الطبيعة أفضى إلى “تنظيم للعالم” مبني على علاقة بين الظاهر والخفي يحضر فيها الإله الخالق بشكل طبيعي باعتباره واضع البصمات التي اكتشفها الإنسان في الطبيعة من أجل مداواة أمراضه. ضمن هذه الحدود يبقى مجال الطقس محدودا جدا؛ إذ يكفي أن تفك شفرة البصمة حتى تربط بين الداء والدواء، وهنا ينتهي الأمر.

ج. مسلك نظرية الأمزجة théorie des humeurs؛ نجد أيضا في الطب الشعبي بعض بقايا نظرية الأمزجة التي بلورها الإغريق وطورها العرب: الحلبة نبتة الدم تستعمل في إعادة بناء خلايا الدم ومحاربة الوهن، وآزير (إكليل الجبل) نبتة الصفراء، وهي تستعمل في أمراض الكبد والمرارة، والنباتات الباردة (البصل والشيح) تستعمل لمحاربة الحمى، والأعشاب الساخنة (خليط لمساخن، رأس الحانوت) تستعمل ضد أمراض البرودة (الجهاز البولي-الجنسي، الروماتيزم..).

يمكن القول أن الطب العربي الكلاسيكي لازال حاضرا على شكل نتف في “التطبيب الشعبي” بالمغرب؛ مثال ذلك نبتة السذاب (الفيجل) la rue التي تستعمل من أجل الإجهاض، ولا تحتاج في ذلك إلى أي طقوس مرافقة، بل يكتفى بأخذها عبر الفم لتحقيق الهدف المراد، وتستعمل ضد الاصفرار نظرا لاحتوائها على عصارة صفراء وفق نظرية البصمات، كما يعتقد أن لها علاقة كبيرة بعالم الجن، وقد تكون هي نفسها جنيا أو قد تطرد جنيا شريرا[3].

واضح أن الخاصيتين الأولى والثانية نابعتان من الطب العربي العالِم ضمن مبادئه العامة، بينما الاستعمال الأخير المرتبط بالجن ينتمي إلى “حقل فكري آخر”؛ وإذا كنا لا نعثر على أي رابط واضح بين هذين الطريقتين في الاستعمال، فإن المقاربة التاريخية أبرزت التداخل بين عالم الطبيعة وعالم الخفي في كثير من جوانب التراث العربي الإسلامي بشكل يمكن أن يقدم بعض عناصر موضوعية لفهم هذا التداخل الحاصل بين المعرفة الحسية المباشرة، وعالم الخفي في مجال العلاج. ولأن نبات “الفيجل” ناجع ضد بعض الأمراض فقد اعتقد  أنه ناجع في مجالات أخرى؛ يتعلق الأمر في الغالب بتمديد للفعل بفعل العدوى التعاطفية، وبذلك تنقل خصائص النبتة إلى ممارسة هامشية[4].

في حديث ابن البيطار عن نبات “الحلتيت” l’ase fétide يقول: “وله قوة تجذب جذباً بليغاً ولهذا السبب هو ينقص اللحم ويذيبه، ومن فوائده أنه ينفع ورم اللهاة كنفع “الفاوانيا من الصرع، وإذا ديف بالماء وتجرع على المكان صفى الصوت الذي عرض له البحوحة دفعة، وإذا شرب بالمرّ والفلفل أدر الطمث”.. يبدو الوصف هنا خال من أي إشارة لعلاقة هذه النبتة بالخفي، وربما جعلت كلمة “صرع” الواردة هنا في حديث ابن البيطار الكثيرين يعتقدون في علاقة هذه النبتة بالجن، مع أن الصرع المتحدث عنه هنا هو مرض عضوي كسائر الأمراض.

والحق أن عالما مثل ابن البيطار الذي كتب كتابا من أعظم كتب المادة النباتية والصيدلية في بلاد الإسلام، وهو الكتاب الذي استفيد منه بشكل حاسم في المعرفة الصيدلية الحديثة؛ وليس غريبا أن يقدم العالم “لوسيان لوكلير” على ترجمة كتابه “جامع مفردات الأدوية والأغذية” إلى الفرنسية مع التعليق عليه. لم يكن ابن البيطار شخصا عاديا، بل مجددا في مجال تخصصه؛ إذ استطاع أن يوظف كتب علم النبات القديمة مثل كتاب ديوسقوريدس وجالينوس والغافقي في أبحاثه النباتية الميدانية، مما أثمر اكتشاف أنواع نباتية لم تكن معروفة في عصره خصوصا ببلاد الشام[5].

إن منهج ابن البيطار يدل بشكل واضح على أن الافتقار إلى المعرفة العلمية وإلى القدرة على التصنيف وربط الأسماء بالمسميات، وغياب الحس التجريبي ينتج عنه “انزياح” إلى مجال الخفي بما يشكل نوعا من “التعويض” عن الافتقار إلى أسس معرفة كونية تنطلق من قواعد المعرفة العلمية والتجريبية، دون أن يعني ذلك أي إنكار للغيب الذي يعني انخراط الإنسان ضمن جدلية كونية تتشكل عناصرها الثلاثة من الطبيعة والغيب والإنسان، لكن مسرح العمل والتأثير يبقى هو الكون المرئي الذي يتوسل إلى معرفته عبر التجربة  وضبط العناصر المكونة للطبيعة والوجود..

يرى ابن البيطار أن لب ثمار نبات الحدج يستعمل في علاج الشقيقة، والصرع، والربو، والآلام المفصلية، وإصابات الكلى والمثانة[6]، وتستجيب هذه الوصفة لنظرية الأمزجة الأرسطية، بينما يستعمل الحدج اليوم أساسا لأغراض سحرية.

هناك فرضيتان لتفسير هذا الانزياح: الأولى؛ هي أن الخصائص العلاجية العديدة للحدج جعلته يبدو كترياق مداو ذي طبيعة سحرية، فقد كانت تعزى لها خصائص أخرى: ملين، ومقو للشهوة الجنسية، وخافض للسكر في الدم، ومضاد للديدان، ومضاد للصرع؛ والحال أن الحدج مفرغ قوي purgatif، لكن الخصائص الأخرى غير مثبتة علميا، بينما تتمثل الفرضية الأخرى في الخصائص الفيزيائية للحدج: فشكل الثمرة الكروي، واحتفاظ الثمرة ببقايا الحامل الزهري، جعل المخيال الشعبي يعتقد بأنها ترمز لبطن ظاهر الصرة[7].

والحال أن الطب الشعبي لم يرتبط بشكل مطلق بالجن والخفي والأولياء والأضرحة، بل كانت له مستندات مادية مرتبطة بالمجال والمعرفة التاريخية والاجتماعية، فقد اعتمد هذا العلاج في شقه المادي على التجربة وحفظ الذاكرة الجماعية، يقول ابن خلدون: “وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، ويتداولونه متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح منه البعض، إلا أنه ليس على قانون طبيعي، ولا عن موافقة المزاج[8].” وقد قامت الأغذية بدور مهم في هذا النوع من العلاج؛ في هذا الصدد يذكر البادسي أن أبا إسماعيل أصيب بمرض شديد، فأصبح في غاية من الضعف، فقال: “إنما يصلح حالي ويزيل مرضي مرق فلّوس لو شربته[9]“، واستعمل المغاربة زيت السمسم كدواء[10]، وكان “البسباس بدار أبي إبراهيم كبيرا كأكبر الشجر (…) فلا يشكو إليه أحد بعِلّة كانت إلا أعطاه منه فينتفع لكل داء[11]“، وتمكن أبو العباس السّبتي من علاج أحد المجذومين بنصحه أكل الخيار[12]، وكانت عادة أهل دكالة معالجة الإسهال بالنبق[13] 

كان الناس يستعملون بعض النباتات المعروفة كالحناء والبسابس للشفاء من اللسعات السامة، ومنهم من كان يأكل الدفلى ويمضغها ويعالج بها المرضى المصابين بدار الصعر والجنون، ولا تعوزنا التفاصيل عن استغلال العامة للبيئة خدمة لأغراضها الاستشفائية[14]. في هذا الصدد أورد الجيلالي أن العامة كانت تركن إلى أحد أنهار فاس لتفتيت حصى المثانة، وأيضا للتخفيف من آثار بعض حشرات وآلام الرأس[15]، في حين أشار صاحب كتاب “الاستبصار[16]” أن بعض النباتات بجبل فازاز كانت تستخدم لعلاج بعض الأمراض، وبمدينة إيجلي وجد شجر يصلح لعلاج الكلي وإدرار البول[17]، كما لجأت العامة إلى لحوم الحيوانات لمعالجة بعض الأمراض المنتشرة[18].

إن طرح مسألة الاستمرارية بين الطب العربي-المغربي العالِم والطب المغربي الشعبي يستدعي الوقوف عند بعض المنطلقات التي جعلت الانزياح من مجال العضوي إلى مجال الخفي أمرا ممكنا، وجعلت مكانا لما يسميه “ميشيل فوكو” (Michel Foucault) “النظام الصامت”.

 قال البدر الزركشي[19]: تنْبِيهٌ (تَطْبِيبُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَلْ يُفِيدُ التَّعْمِيمَ؟) هَذَا فِي الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا تَطْبِيبُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ أَرْضِهِ، فَقَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي “مُخْتَصَرِ الْمُسْتَدْرَكِ”: هُوَ خَاصٌّ بِطِبَاعِهِمْ وَأَرْضِهِمْ، إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّعْمِيمِ، لِأَنَّ تَطْبِيبَهُ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ، بِخِلَافِ أَوَامِرِهِ الشَّرْعِيَّةِ، ذَكَرَهُ فِي حَدِيثٍ: أَنَّ (امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وسَلَّم، بِصَبِيٍّ لَهَا فَقَالَتْ: أَنْقَأُ مِنْهُ الْعُذْرَةَ. فَقَالَ: تَحَرَّقُوا حُلُوقَ أَوْلَادِكُمْ، خُذِي قُسْطًا هِنْدِيًّا وَوَرْسًا فَأَسْعِطِيهِ إيَّاهُ). وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

لا غرابة، إذن، في حرص معظم المعالجين التقليديين على القول بأن القسط الهندي ترياق يعالج العديد من الأمراض دون أي التفات علمي لخصائص هذه النبتة وحدودها في ميدان الطب الطبيعي. الشيء نفسه يمكن ملاحظته في “الحبة السوداء”، و”الحرمل”، و”الحلبة” وفي مجمل النباتات المذكورة في الأحاديث المنسوبة للنبي.

وجدير بالذكر هنا موقف ابن خلدون مما يسمى “الطب النبوي”؛ يقول: “وللباديةِ من أهل العمران طبٌ يبنونهُ في غالب الأمر على تجربةٍ قاصرةٍ على بعض الأشخاص (..) وكان عند العربِ من هذا الطب كثير (…) والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمرٌ كان عادياً للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي، صلى الله عليه وسلم، من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبِلّة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه صلى الله عليه وسلم، إنما بُعث ليعلمنا الشرائع، ولم يُبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات (…) فلا ينبغي أن يُحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يَدل عليه[20].”

يبدو أن المقاربة التاريخية الدياكرونية diachronique ستمكن من إبراز بعض جوانب القطيعة والاستمرارية بين العلاج التقليدي بالمغرب والطب العربي المغربي العالم؛ وإذا كانت الممارسات الشعبية في مجال التطبيب تخضع لمعطيات بنيوية ومجالية ونفسية واجتماعية، فإن تتبع تطور المعرفة الطبية من شأنه فهم بعض العوامل التي تفسر وضع الممارسات العلاجية التقليدية في المغرب المعاصر..

إن العلاج الطبي العلمي بالمغرب قد أسس في مجمله على مبادئ ومناهج وتقنيات علمية، كان للنهضة العلمية الأندلسية في مجالي الطب والفلاحة أثر كبير فيها. ولعل في إقدام الحكم المستنصر على إقامة خزانة متخصصة بالقصر للطب لم يكن قط مثلها، ما يكشف ليس فقط على غزارة ما وضعه الأندلسيون من مصنفات في الطب، بل وكذلك عن حجم ما تراكم لديهم مما جمعوه من كتب في هذا الميدان، دون ذكر ما يند عن الحصر من المصنفات والتقاييد التي يحتفظ بها الطبيب في خزانة كتبه الخاصة.

ومن خلال إخضاع عينة من الإرث الطبي المحفوظ للدرس والتحليل، يتجلى تعدد المواضيع وتنوع المستويات التي طالها الاهتمام، فبصرف النظر عما يتعلق بفصول المعالجة يذكر فيها السبب والعلامات والعلاج لما يتعلق بظاهر البدن وباطنه من أمراض، وما كتب في مجال الوقاية “لحفظ الصحة في الفصول”، وفي الفصد والحجامة، والجراحة والتشريح والتخدير، تجردت المصنفات الطبية العامة للبحث في خصائص الجسم عموما وفي الاختلافات حسب السن، كما وجه الاهتمام للبحث في تنوع الأجناس، وفي قوى الجسم الطبيعية والنفسية، وتأثير الاختلافات المناخية والإقليمية، وفي أثر الأغذية والأشربة، والمحيط البيئي العام.

وأفردت مصنفات لذكر مختلف أعضاء البدن، وبتحديد أنواع الأمراض الخاصة بكل عضو على حدة، ووصف أشكال العلاج المتاحة في الحالات العادية والمستعصية، وكذا حصر إمكانات ووسائل الوقاية مما يند عن الحصر من الأمراض، إضافة إلى تتبع “العلل المعروفة من رأس الإنسان إلى قدميه” بالدراسة والتفصيل[21].

وبرغم استمرار الخلاف بين الأطباء حول إدراج المستوى النفسي في التطبيب، فسرعان ما تأكد، وإن بشكل تدريجي، كتخصص مستقل ضمن الممارسة الطبية، بالمشرق والمغرب على السواء. وهو الفرع الذي نعث حينا باسم “الطب الروحاني”، وحينا باسم “الطب الحسي والمعنوي”، وأحيانا باسم “طب النفس ومداواة الأخلاق[22]“.

إن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب قد اهتمت بتوفير نوع من العلاج مؤسس على العلم والتجربة، وذلك عن طريق تأسيس المارستانات وتنظيم التعليم الطبي؛ يقول عبد الواحد المراكشي متحدثا عن المارستان الذي أسسه يعقوب المنصور بمراكش: “لم يقصره على الفقراء دون الأغنياء، بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج إلى أن يستريح أو يموت[23]“.

بجانب هذه المؤسسات الاستشفائية نجد أيضا أطباء كانوا يعملون لحسابهم الخاص، ويبدو أن أجرة هؤلاء كانت مرتفعة، فمثلا بلغت أجرة الطبيب ابن أفلاطون بفاس مائة ألف دينار[24]. وكان أغلبهم يستقر بالمدن الكبرى، كفاس ومراكش، وسبتة، كما كان أغلب ممتهني هذه الحرفة من أهل الذمة[25]، لهذا دعا العبدري “طلبة العلم ومن فيه أهلية للفهم والمعرفة أن يشتغل به من المسلمين[26]“.

وازدهر علم الأغذية بشكل ملفت للنظر، فهذا ابن زهر (طبيب البلاط الموحدي) في كتابه “الأغذية” يقول أن من خاصية لحم الدجاج “أن أمراقها متى شربت تفايا عدلت المزاج وكذلك تسقيها لمن ظهر عليه الجذام، وهذه اللحوم كلها نافعة[27]، أما العصافير (…) فكلها نافعة من الفالج واللقوة وللبصابص قوة في تفتيت الحصى، والخرنوب يجب أن يأكله من به إسهال في أول طعامه[28]. وحظيت الأعشاب والنباتات البرية بمكانة بارزة في هذا الصنف من العلاج، واعتبرت المصدر الرئيسي في صناعة الدواء، ويذكر صاحب كتاب “الاستبصار” أن في جبل فازاز “أنواع النباتات من العقاقير التي تنصرف في العلاجات الرفيعة[29]“.

وقد انتشرت كثير من المحلات المتخصصة في بيعها، إلا أن بعض العطارين أساءوا استخدام هذه الأعشاب، مما أثار حفيظة بعض المحتسبين؛ كالسقطي الذي طالب بضرورة مراقبتهم والتشدد معهم[30]. وأعطى العبدري أمثلة لبعض أنواع الغش، التي كانت تطال صناعة الأدوية والعقاقير، من ذلك أنه “إذا أفتى الطبيب مثلا بأوقية من شراب الورد أعطاه الشرابي شرابا عقد منه بالماء شرابا لا طعم للورد فيه، وكذلك يفعلون بشراب الأسطوخودس وغيره (…) فلا ينفع المريض بشيء[31].

ويبدو أن إقبال الناس على هذا النوع من العلاج كان ضعيفا لارتفاع تكلفته[32]، من جهة، وتحفظ الناس من التداوي عند الذمي؛ لأن دواء اليهودي أو النصراني مضنون[33]. وقد حظي الطب بقسط وافر من اهتمام جامعة القرويين بالعلوم التطبيقية باعتبار أن للطب نوعا من “القداسة” جعلته يندرج ضمن العلوم الإسلامية[34].

إن إسهام جامعة القرويين النوعي في الطب قد أتاح للثقافة المغربية ممارسات عملية وعلمية ضمنت حضورا مزدهرا، منذ وقت مبكر، بدءًا من القرن العاشر الميلادي/الرابع الهجري، وقد لاحظ “لوكلير” (Leclerc) في هذا الصدد أن المغرب أشد بلاد الإسلام عمقا من الناحية العلمية[35]..

لقد كان للطب في العصر الموحدي مكانة كبرى في الدولة والمجتمع، وقد اهتم به الموحدون، وبخاصة يوسف ويعقوب، اهتماما كبيرا، فقد بنوا المستشفيات ونظموا هذه المهنة وجعلوا لها رؤساء، منهم أبو جعفر الذهبي الذي كان مزوارا للأطباء[36]، وكان الطب يدرس على عهدهم بالمغرب، ومن أساتذته أبو الحجاج يوسف المريبطري[37]. أما فن الصيدلة فكان له هو الآخر ازدهار على هذا العهد، وكان موظفا بمستشفى مراكش وببلاطات الخلفاء عدد من الصيادلة[38].

من رجالات الطب والصيدلة في هذا العهد الطبيب السبتي أبو الحسن علي بن يقظان[39]، وأبو بكر يحيى بن محمد بن عبد الرحمان بن بقي السلوي (توفي 563ﻫ)، اشتغل بالطب وظهر فيه[40]، والشريف الإدريسي مؤلف كتاب “الجامع لصفات أشتات النبات”، وهو أحد الكتب التي اعتمدها ابن البيطار في كتابه “الجامع”، كما ألف كتابا في الأقراباذين “الصيدلة[41]“، والطبيب سعيد الغماري، وأبو الحجاج يوسف بن فتوح القرشي المري، توفي 561ﻫ، له معرفة بالنبات كان يجلبه ويتجر فيه[42].

زيادة على هؤلاء فقد كان بالمغرب في هذا العهد عدد وفير من الأطباء، والصيادلة برسم خدمة خلفاء الموحدين، وبرسم خدمة المارستانات، منهم أبو مروان عبد الملك بن زهر الاشبيلي (توفي 557ﻫ)، ألف لعبد المؤمن بن علي الترياق السبعيني، كما ألف له كتابا في الأغذية[43]. وقد أثر ابن زهر هذا أثرا بليغا في الطب الأوروبي، وظل هذا التأثير إلى نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وذلك بفضل ترجمة كتبه إلى العبرية واللاتينية[44]. من الأطباء أيضا الوزير أبو بكر ابن طفيل القيسي الودآشي (توفي 581ﻫ)، وأبو الوليد ابن رشد استدعاه يوسف الموحدي إلى سكنى مراكش سنة 578ﻫ برسم الطب[45]، وأبو جعفر أحمد بن حسان القضاعي البلنسي (توفي 598ﻫ)، الذي ألف كتاب”تدبير الصحة[46]“. وأبو جعفر بن الغزال المري، كان المنصور يعتمد عليه في الأدوية المركبة والمعاجين، ويتناولها منه[47]، وأبو بكر محمد بن الحفيد أبي بكر ابن زهر (577-602ﻫ)[48]. وأبو محمد عبد الله بن أبي الوليد ابن رشد الحفيد[49]. واختص حريم الخلفاء بطبيبات لأنفسهن، ومن هؤلاء أخت الحفيد أبي بكر ابن زهر وبنتها، كانتا عالمتين بصناعة الطب والمداواة ولهما خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء..[50].”

وقد عرف خلال العصر الموحدي مرفق يعرف باسم “بيت الأشربة والمعاجين الطبية”، وقد كان خاصا بخلفاء الموحدين، وهو من مظاهر تنظيم الطب في عهدهم، وقد تولاه أيام يوسف، أبو محمد قاسم الإشبيلي، وتولاه أيام يعقوب، أبو يحيى بن قاسم المذكور، وبقي في وظيفته هذه إلى أن توفي أيام المستنصر، فجعل ولده في موضعه عوضا عنه[51].

واهتم الموحدون بشكل كبير بالمستشفيات، فقد أسس يعقوب المنصور مارستانات للمرضى وذوي الإصابات العقلية وأجرى الإنفاق على أهلها[52]؛ قال عبد الواحد المراكشي: “وبنى “يعقوب المنصور” بمدينة مراكش البيمارستان ما أظن أن في الدنيا مثله؛ وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه، فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخارف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يغرس فيه، مع ذلك، من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياها كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسطه إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير و الأديم وغيره بما يزيد على الوصف ويأتي فوق النعت. وأجرى ثلاثين دينارا في كل يوم برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة، خارجا عما جلب إليه من الأدوية. وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم من جهاز الصيف والشتاء.

فإذا برئ المريض فإن كان فقيرا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل، وإن كان غنيا دفع إليه ماله وتركته وسببه ولم يقصر على الفقراء دون الأغنياء، بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج، على أن يستريح أو يموت، وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله ويعود المرضى ويسأل عن أهل بيت أهل بيت يقول: كيف حالكم وكيف القومة عليكم؟ إلى غير ذلك من السؤال ثم يخرج، ولم يزل مستمرا على هذا إلى أن مات رحمه الله[53]“.

جاء في روض القرطاس[54] أنه في سنة 571ﻫ كان الطاعون الشديد بمراكش وأحوازها، فكان الرجل لا يخرج من منزله حتى يكتب اسمه ونسبه وموضعه في براءة ويجعلها في جيبه، فإن مات حمل إلى موضعه وأهله، وهذا النوع من “الكارني” الذي سبق الموحدون إلى استعماله كاف في الإعراب على عظمة الموحدين في ميداني الابتكار والنظام في مجال الطب[55].

إننا بلا شك، إزاء نهضة طبية وصيدلية ملموسة المقاصد والأبعاد، يشهد على ذلك عدد الأطباء وقيمة مؤلفاتهم وعدد المستشفيات والمارستانات المنظمة وفق تنظيم دقيق، وليس غريبا أن يوازي هذا التقدم في الطب تشجيع الحركة العلمية بشكل عام خصوصا في العلوم الكونية والعلوم الفلسفية..

في ذروة هذا الازدهار الموحدي في مجال الطب ظهر مؤلف تصنيفي للمادة النباتية كتبه عالم إشبيلي قام بعمل ميداني في الغرب الإسلامي، هو أبو الخير الإشبيلي صاحب “عمدة الطبيب في معرفة النبات”؛  وهو الكتاب الذي خصصته بدراسة منشورة حول منهجه ومادته العلمية وقيمته المضافة[56].

 ليس هناك في نظري كتاب أكثر تعبيرا عن العقلية العلمية الموضوعية في التعامل مع عالم النبات في الغرب الإسلامي من كتاب “عمدة الطبيب في معرفة النبات”؛ يقول محقق الكتاب محمد العربي الخطابي في المقدمة: “اتجهت إلى استفسار كتاب “عمدة الطبيب”، فتبين لي من خلال تأمل مواده وفصوله أن مؤلفه يجمع بين الإطلاع على مسائل اللغة ومظانها، والمعرفة الواسعة بشؤون الفلاحة والغراسة مع المزاولة الفعلية لهما، بالإضافة إلى معارفه الطبية والصيدلية، وتمرسه بمعاينة الأعشاب في منابتها الطبيعية ومقارنة أعيانها، والدقة في التفريق بين مختلف أجناسها، مع كثرة التجوال في بلاد الأندلس والمغرب بغرض البحث في حقيقة الأعشاب ومشاهدتها في منابتها والتأكد من ماهيتها[57]“.

ويعتبر الدكتور جمال بلخضر[58] أن كتاب “عمدة الطبيب في معرفة النبات” لأبي خير الاشبيلي هو المحاولة الجادة الأولى في تاريخ علم النبات العربي من حيث التصنيف العلمي للنباتات، وقد كان سائدا قبله نسق (Théophraste) الذي تبناه معظم العلماء العرب الذين اهتموا بعلم النبات.

حاول ابن جزلة وابن بطلان أن يبدعا طريقة في تصنيف النباتات تعتمد على تقنية الجدول، ومفادها توزيع النباتات والعقاقير على جداول اعتمادا على خصائص و مؤشرات، لكن يبقى هذا المنهج عملا تقنيا ديداكتيكيا بعيدا عن عمق العمل التصنيفي، ويمكن اعتبار عملي ابن بطلان وابن جزلة مرحلة غير مكتملة العناصر من حيث القواعد العلمية للتصنيف النباتي[59]، وهما أيضا عملان يعبران عن “رؤية للعالم” وتصور للطبيعة سيتم تجاوزهما من طرف أبي الخير الإشبيلي…

يتميز كتاب “عمدة الطبيب” بتماسك نظري ومنهجي كبير، وتسود كل أجزائه عقلانية بادية مع تتابع منطقي للأفكار، وتبدو التصورات واضحة في كتاب أبي الخير الاشبيلي كما أن التعليلات والبراهين فيه واضحة، مع وضوح المعاني وسلامة التركيب.

خلافاً لمعظم الكتب المتعلقة بعلم النبات الطبي، يبدو كتاب أبي الخير الاشبيلي مركزا بشكل شبه مطلق على علم النبات، ونادرا ما يذكر الخصائص العلاجية للنباتات التي يذكرها، وهذا ينم عن وضوح شديد في رؤية الكاتب الذي أراد أن يكون دقيقا في مقصده المتمثل في تقديم “مادة علمية نباتية خالصة” تكون عونا للطبيب في معرفة النبات المستعمل في العلاج؛ وهنا تبدو القيمة المضافة الأساسية لكتاب “عمدة الطبيب”..

أما أسلوب أبي الخير فيمتاز بالوضوح والدقة والإيجاز، وتجنّب الحشو والاستطراد. وقد صاغ ذلك بلغة عربية ناصعة، يحسن اختيار الألفاظ أو المصطلحات التي توضح الفكرة وتخدم الموضوع في صياغة علمية تجنح إلى التشبيه أحياناً للإيضاح كما في قوله: “وله زهر كزهر الزعفران” أو “عليه قشر أسود مائل إلى الصفرة يشبه بصل النرجس”..

وقد “رتب المؤلف كتابه على حروف المعجم بالترتيب السائد في بلاد الغرب الإسلامي، وحقق اسم النبات، عربيا كان أو أجنبيا، ثم بيّن ماهيته وأجزاءه من ورق، وساق، وزهر، وثمر، وبذر، وجذر، ويذكر ألوان الزهور، والأوراق، والأصول، وشكل البذور، وطول الساق؛ بالشبر، والذراع، والقامة، وذكر بيئة النبات الطبيعية وأماكن وجوده، وعدّد في كثير من الأحيان أجناسه وأصنافه المتقاربة على أساس “المشاكلة” التي بنى عليها نظامه التصنيفي. وكثيرا ما يضبط أسماء النبات بمختلف اللغات، ومنها اليونانية واللاتينية والفارسية والنبطية والأمازيغية وعجمية الأندلس (الرومانصية أو اللاتينية العامية)، وكثيرا ما يذكر الاسم العربي الدارج في الأندلس وفي البلاد الأخرى[60].”

ويمتاز كتاب أبي الخير الاشبيلي بكون جل النباتات الموصوفة في كتابه تعد نتيجة لمعاينة شخصية للنبات في موطنه الأصلي، أو مكان زراعته، أو بعد مسائلة الرحالة العارفين عندما يتعلق الأمر بالنباتات المستوردة (plantes exotiques)، بحيث يعمد المؤلف إلى اختبارهم فيما يتعلق بالنباتات التي عاينوها في مواطنها الأصلية خصوصا: الصحراء الكبرى، وإيطاليا، والقسطنطينية واليمن والهند والصين وخراسان..

إن هذه الدقة في الوصف، والتمييز بين الأعشاب وإفرازاتها؛ انطلاقا من خصائص علمية منهجية واضحة هي ما يميز بحق هذا العالم المميز. بالإضافة إلى ولعه باستنبات البذور التي يجلبها من الطبيعة في مزرعة خصصها لذلك، من ذلك قوله عندما كان يصف نبات الخردل: “وأما الأبيض فورقه كورق الفجل البري في هيئته، وله ساق مجوفة تعلو نحو ذراعين، تفترق إلى أغصان رقاق بحمرة يسيرة، وعليه زهر أبيض يظهر في زمن الربيع، تخلفه مزاود في رقة الميل، في داخلها حب مدحرج في قدر بزر الأكرنب، أبيض براق، و قد جمعته  وزرعته مرارا[61].”

وهنا يبدو بشكل جلي بأن التعمق في المعرفة الطبيعية الدقيقة لا يدع أي مجال للخفي، ووفقا لقواعد علم النبات المعاصر يمكن اعتبار كتاب “عمدة الطبيب في معرفة النبات” لأبي الخير الاشبيلي من حيث وصفه الدقيق للنباتات مرجعا للتعرف على العديد من نباتات المغرب والأندلس[62].

والملاحظ؛ أنه بموازاة الطب العالِم المتجسد في السياسة والمجتمع، ساد طب آخر عند العامة خلال العصر الموحدي، وقد سار النوعان من الطب جنبا إلى جنب؛ ولعل من بين المعتقدات التي استشرت بين أوساط العامة ظاهرة التنبؤ بالغيب؛ سواء عن طريق فك الرموز ودلالات كف الشاه، أو عن طريق خط الرمل، كما شاع الاعتقاد بالجن، وبالتمسح ببركات الأولياء والصالحين، إما للاستشفاء أو لأغراض أخرى..

ارتبطت ذهنية العوام بطرق العلاجات المرتبطة بالخفي، فمصادر الفترة تزخر بأخبار ذوي العاهات والأمراض المزمنة بما فيهم النساء اللواتي كن يقصدن الصالحين وقبور الأولياء لأخذ شيء من ترابها للاستشفاء به، وبتأمل أثمان العلاجات الطبية والصيدلية وارتباط خدمات الأطباء وخبرتهم بمصالح علية القوم، نفهم أحد أسباب تخلي العامة عن زيارة الأطباء وعن الاستشفاء بالأدوية الصيدلية، وإن كنا لا نعدم إشارات تؤكد توسيع الخدمات الصحية لتشمل عموم الناس، لاسيما في فترة ازدهار الدولة، ولا أدل على ذلك تخصيص جزء من عائدات بيت المال للمارستان الذي شيده يعقوب المنصور الموحدي، وذلك لجعل الخدمات الطبية في متناول العامة، وتمكين المرضى والمساكين من التطبيب بالمجان ومساعدتهم للاندماج والعيش وسط المجتمع[63].

لقد ساد طب يطلق عليه اسم “الطب الروحي”، من أمثلة ذلك أن أبا شعيب أيوب السارية كان “يبرئ العلل بالتفل عليها[64]؛ كذلك الحال مع أبي يعزى “الذي جيء له برجل قعد عن الحركة فمازال يتفل عليه حتى قال[65]“، وذكر أحدهم أنه أصابه وجع شديد في بطنه فمسح أحد الصلحاء بيده عليه “وحرك شفتيه فذهب ألمه بقدرة الله وببركته[66]“. وعالج آخر داء الرمد بوضع يده على عين المريض والتعوذ عليها[67]، واكتفى بعضهم بالنظر إلى موضع الداء ليشفى العليل، كما هو الحال مع الولي أبو الجبل، الذي عالج قرحة في رأس أحد الصبية بالنظر، فإذا هي “كأنها لم تكن[68].

 وكان التوسل إلى الله ببركة أحدهم كافيا، حسب الاعتقاد السائد، لحصول الشفاء، كما حدث مع المرأة، التي رفعت يدها إلى الله قائلة “اللهم إني أسألك بكرامة هذا الفقيه عندك أن تعافيني مما أنا فيه”، فلما أصبحت وجدت نفسها تمشي، بعد أن كانت مقعدة لعدة أعوام… وكانت بركة الولي تمتد حتى بعد مماته، لذلك استشفى الناس بتراب قبورهم، الذي حظي بمكانة خاصة في العلاج.

 فهذا الولي أبو عبد الله بن بلال القيرواني المدفون بأغمات أوريكة، مازال أهلها “إلى الآن يستشفون بتراب قبره[69]“. و”نقل الناس تراب ضريح الشيخ أبي يعزى وتراب الشيخ أبي غالب النيسابوري للاستشفاء من الأمراض والقروح المعضلة[70]“، أما “الرابطتان اللتان بقرب جبل إيجيليز حيث المهدي (ابن تومرت) فكان الناس يأخذون التراب منهما فيتبركون به ويجعلونه على المرضى[71].”

كان لجوء الناس إلى التداوي عند هؤلاء يرجع بالأساس إلى قلة تكلفته من جهة، ومحدودية نجاعة الطب العلمي في بعض الأمراض من جهة أخرى، فالكرامة تقضي بوجود أمر يتجاوز قوة البشر، وعجزهم عن مواجهته، فهذا الأمير أبو الوليد إسماعيل بن الأحمر، وجد علاجه عند الولي أبي الربيع سليمان بعد أن طلب عند الأطباء دواءه وأعياه العلاج ويئس من محصول الإنتاج[72]، وتمكن آخر من علاج قرحة في الرأس “أعيت الأطباء ولم ينجح فيها علاج[73]“.

ذكر أحدهم أنه ذهب عند أبي تميم عبد الواحد الأسود لعلاج أخته بعد أن عجز الطبيب ابن أفلاطون عن علاجها، فقال له “ذهبت إلى الأطباء بفاس وحقرت عبدك ولم يساو عندك شيئا فخجلت من كلامه وبت عنده فجاءت إليه أختي فسلمت عليه وقعدت أمامه فجعل يحدثها ويمسح بريقه في موضع البرص من وجهها المرة بعد المرة (…) فنظرت إلى وجه أختي فلم أر فيه من البرص شيئا[74]“.

وذكر أحدهم أنه كانت تصيبه في شيبته غاشية، فحملته أمه إلى الولي أبي لقمان، فانتظروا بداره إلى أن جاء فقال لها “لست بطبيب فاحمليه إلى الأطباء فقلت له: أما الأطباء فقد عجزوا ولم يبق إلا طب الله تعالى، فلما سمع كلامي قربني ومسح بيده على رأسي فما أصابني الصرع من حينئذ إلى الآن[75]“. وأخبر أبو الخير الأندلسي، أن أحد شبان فاس أصابه الجذام فعجز الطبيب الحاذق المشهور عن علاجه، وقال لعائلته “ما يطب هذا إلا حواري من حواري عيسى عليه السلام، فأيسهم من برءه فرجعوا، فبينما هم أثناء الطريق فمروا برجل من معارفهم وهو يزرع في أرض (…) فأخبروه بالخبر (…) فوجد أي حزِن (…) فأمر به فأحضر بين يديه فمشى يده عليه ونفث وإذا بالشاب قد ذهب عنه جميع ما كان به من الألم (…) ثم قال لهم ارجعوا إلى الطبيب وقولوا له فعل هذا أحد من حواري محمد صلى الله عليه وسلم[76]“.

كما اعتقد الناس بنجاعة العلاج بالأدعية: يقول ابن حجر “التداوي بالأدعية أنجع من التداوي بالعقاقير[77]“؛ ولجأ بعض المرضى إلى الدجالين والعرافين، الذين ينظرون في الأكتاف والغبار والرصاص الدائب[78]. لكن رغم وجود هذه الممارسات العلاجية المرتبطة بالخفي خلال العصر الموحدي، فإن هذا العصر شهد أوجا للمعرفة الطبية العلمية، وهو الشيء الذي ساهم بشكل كبير في ضمان الأمن الصحي، وإشاعة تقاليد الطب العالِم رغم صمود “العلاج الشعبي” ومقاومته.

خلال العصر المريني ازدهرت المدارس العلمية، وانتعشت كثير من فروع المعرفة؛ غير أن الطب خلال هذه الفترة تراجع على ما كان عليه خلال العصر الموحدي، رغم وجود عدد من الأطباء، لكن في غياب أي مشروع واضح لاحتضان الطب والأطباء. ويمكن اعتبار أبي الحسن علي بن أبي الحسن المراكشي أبرز علم من علماء الطب خلال العصر المريني؛ له كتاب في الأمراض السرية وعلاجها وطبائع النساء، وضعه باسم خزانة السلطان أبي الحسن المريني، وأيضا أبو العباس الشريشي السلوي الأصل (توفي 641ﻫ/1243م)،  وأحمد الجذامي السبتي الطبيب المتوفى بمراكش عام (650ﻫ/1252م).

ومن أطباء العصر المريني أبو العباس الجزنائي، الذي نوه به ابن خلدون، وأبو الحسن علي بن عبد الله بن هيدور التادلي الطبيب الشهير المتوفى عام (816ﻫ/1413م)؛ اشتهر بالطب وألف فيه رسالة سماها “المقالة الحكمية في الأمراض الوبائية”؛ وهي رسالة في حقيقة المرض الناتج عن الوباء، وما هي أسبابه وما وسائل علاجه الطبية. وقد جمع هذا الطبيب بين معرفة طبية علمية وبين طب روحي شعبي يحضر فيه الخفي؛ يتجلى ذلك في توصيته بترديد بعض الأدعية وممارسة بعض الطقوس التي يرى أن التجربة أثبتت فعاليتها، حيث يقول: “وقد اخبرني من أثق به أنه جربه في دفع الداء الوبال مرارا يكتبه في بطائق ويلصقه بحيطان الدار فأصاب جميع جيرانه إلا داره[79].”

ومن المنظومات خلال هذا العصر؛ أرجوزة أبي الحسن علي المراكشي سماها “بهجة المطالع في الحفظ للمجامع”، وهي منظومة تبحث في تدبير الصحة الجنسية وما يتصل بها..

وينفرد صاحب كتاب “بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب” بذكر مجموعة من علماء الطب بسبتة خلال العصر المريني: منهم الطبيب محمد الشريشي السبتي، كان له تقدم في صناعة الطب ومعرفة بما يرجع إليها من علم وعمل، استدعاه السلطان أبو عنان إلى حضرته بفاس، فاجتمع هنالك مع جماعة من الأطباء، والطبيب محمد بن مقاتل السبتي المتوفى عام (764ﻫ/1362م)، والطبيبة عائشة ابنة الشيخ محمد بن الجيار محتسب سبتة: قرأت علم الطب على صهرها الشيخ الشريشي ونبغت فيه وكانت عارفة بخواص العقاقير وما يرجع إلى ذلك.

هذا ما يجعلني أفترض وجود مدرسة طبية سبتية، لا يبدو أنها كانت عامة بالمغرب نظرا لسكوت المصادر عن أي ازدهار حقيقي لعلم الطب خلال هذا العصر، وهو الأمر الذي وقف عنده الباحث عبد الصمد العشاب، لكنه اختار مسارا آخر في التحليل حين قال:  “فإذا كان هذا عدد الأطباء العلماء المشهورين في بلدة واحدة هي سبتة، فماذا يكون عددهم في بقية المدن وخاصة العواصم كفاس ومراكش؟ لاشك أن هذه الطبقة من العلماء الطبيعيين والرياضيين والفلاسفة ضاعت تراجم الكثير منهم، وضاعت بالتالي أعمالهم العلمية من كتب ونظريات وتجارب”. لكنني أرى أن هذا السكوت هو تعبير عن واقع حال لاسيما وأن التأريخ الفكري خلال العصر المريني ازدهر في شتى المجالات العلمية، فكيف يستثنى الطب من ذلك؟

وقد عرف العصر المريني ازدهار الزوايا والطرق الدينية المختلفة، وكثرت كتب المناقب والتراجم، وانتعش الحديث عن الكرامات، من ذلك أن الأمير المريني عبد الحق بن محيو، مؤسس الدولة، كانت له “بركة معروفة (…) وكانت قلنسوته وسراويله يتبرك بها في جميع أحياء زناتة، تحمل إلى الحوامل اللواتي صعب عليهن الوضع فيهون الله عليهن الوضع ويسهل عليهن الولادة ببركته، وكان بقية وضوئه يحمله الناس (…) فيستشفون به لمرضاهم[80].

ويذكر أحمد المقري حادثة تبرز الصراع الذي حصل بين بعض الأطباء خلال العصر المريني وبعض المتصوفة المتعاطين للطب، وذلك أن “متطببا ممن يسر إنكار الكرامات؛ فأتته امرأة بصبي يشتكي ألم الحصا، فقال لجليس له ممن يماليه على مذهبه، قم بنا إلى هذا الفقيه، يعني الشيخ أبا إسحاق حتى نرى ما يصنع، فدخلا عليه موضع إقرائه ومجتمع جلسائه، فسأل الصبي عن شكايته فأخبره (…) وجعل إحدى يديه على ظهر الصبي، والأخرى على قلبه، (…) ثم قذف من الحصيات قدر الحمص خمسا أو نحوها مخضوبة بالدم (…) ثم عطف الشيخ حنقا على المتطبب وصاحبه قال: إنكارهم أحوج إلى هذا، فثوبا إلى الله[81].”

 لا شك أن هذه “الأسطورة” تؤكد على انتصار الطب المرتبط بالخفي على الطب الطبيعي المرتبط بالعلم والتجربة خلال هذا العصر، كما أن التضييق على العلماء المسلمين بالأندلس، ومنعهم من مزاولة الطب ساهم في إفقار المعرفة الطبية بالمغرب خلال هذه الفترة؛ وأحد الأدلة على ذلك المرسوم الذي أصدره الملك خوان الثاني في بلد الوليد بإسبانيا سنة 1308م يمنع بمقتضاه على المسلمين ممارسة عدد من الأمور العامة والخاصة، ومنها منعهم من مزاولة مهنة الجراحة أو العطارة أو بيع المواد الغذائية أو الأدوية، ويعاقب من يخالف بدفع غرامة قدرها 2000 مرابطي وبالجلد زائداً على الغرامة[82].

 ولنا في ابن خلدون شهادة حية على ما عرفه هذا العصر من انتشار الممارسات المرتبطة بالخفي على حساب الممارسة الطبية التجريبية العالمة، يقول ابن خلدون: “ولذلك تجد الكثير من الناس يتشوقون إلى الوقوف على ذلك في المنام والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك من الملوك والسوقة معروفة، ولقد نجد في المدن صنفاً من الناس ينتحلون المعاش من ذلك لعلمهم بحرص الناس عليه فينتصبون لهم في الطرقات والدكاكين يتعرضون لمن يسألهم عنه فتغدو عليهم وتروح نسوان المدينة وصبيانها وكثير من ضعفاء  العقول  يستكشفون عواقب أمرهم في الكسب والجاه والمعاش والمعاشرة والعداوة وأمثال ذلك[83]“.

إن ابن خلدون يشهد بنفسه على بعض المظاهر المصاحبة للسحر إذ يقول: “وقد شاهدنا من هؤلاء من يشغل الحس بالبخور ثم بالعزائم للاستعداد ثم يخبر كما أدرك، ويزعمون أنهم يرون الصور متشخصة في الهواء تحكي لهم أحوال ما يتوجهون إلى إدراكه[84]“.

كان عبد الرحمن بن خلدون يعي أهمية معتقدات الناس وممارساتهم الشعبية إبان حكم المرينيين (القرن 8 الهجري)، وهو لم يكتف بسردها بل اتخذ منها مواقف، وهو يسمي السحر وبعض ما يتعلق به “علوماً” ويعرفها بأنها: “علوم بكيفية استعدادات  تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية؛ والأول هو السحر والثاني هو الطلسمات”؛ وفي هذا القول إشارة ضمنية إلا أن مبعث مثل هذه “العلوم” هو القصور التقني الآلي  للإنسان حيث يهرع إلى هذه الوسائل كي يغير في عناصر الطبيعة من حوله، وابن خلدون يؤكد هذه الفكرة حين يذكر أن مظاهر السحر المذكورة تبغي إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى “بالقوة النفسية وليس بالصناعة العملية[85]“.

ولا يكتفي ابن خلدون بالرؤية النظرية لمثل هذه الأعمال السحرية، بل يلجأ إلى ميدانها بين الناس وإلى العقلاء والنخبة منهم يحاورهم بشأنها بهدف إقناعهم بزيفها: “ففاوضت يوماً شيخنا أبا البركات التلفيقي كبير مشيخة الأندلس في مثل ذلك وأوقفته على بعض التآليف فتصفحه طويلاً ثم رده إلي وقال لي: وأنا الضامن له أن لا يعود  إلى بيته إلا بالخيبة”…

خلال العصر السعدي سيعرف الطب بالمغرب نهضة بعد ركود، وإذا كان الحسن الوزان يقول: أنه لا يوجد بحاحا “أي طبيب من أي صنف وأي جراح ولا عقاقيري[86]“، مما يفتح المجال بشكل طبيعي لظهور المتطببين ومحترفي “العلاقة مع الخفي”، فإن مؤشرات أخرى تدل على نهضة طبية تم التأسيس لها في عصر أحمد المنصور الذهبي، وعرفت ذروتها مع الطبيب النباتي الوزير الغساني…

في عصر الدولة السعدية، لاسيما زمن أحمد المنصور الذهبي، نبغ طبيب رفع من قيمة العصر الذي عاش فيه هو أبو القاسم بن أحمد بن عيسى المعروف بالغول الفشتالي، ألف كتاب “حافظ المزاج ولافظ الأمشاج بالعلاج”؛ وهذا الكتاب عبارة عن منظومة رجزية تقع في نحو خمسمائة وألف بيت، مرتب على أربعة وعشرين باباً؛ فيها الحديث عن وجع الرأس والشقيقة والزكام والقروعة وجرب الرأس وداء الثعلبة، وهو الذي نسميه بـ”الثنية”، وختم بالباب الرابع والعشرين الذي تحدث فيه عن أنواع الأشربة والمربيات والأدهان والأوزان والمقادير[87].

 وقد كان للطب في العصر السعدي مزيد اعتناء بأهله واهتمام بشأنه، ومما يدل على ارتقاء شأن الطب في هذا العصر ما وصفه السلطان أحمد المنصور الذهبي في كتابه لولده بمراكش عند ظهور الوباء من أنواع الوقاية والعلاج ونص المراد منه: “وإلى هذا، أسعدكم الله، أول ما تبادرون به قبل كل شيء؛ هو خروجكم إذا لاح لكم شيء من علامات الوباء ولو أقل القليل حتى بشخص واحد، ثم لا تغفلوا عن استعمال الترياق أسعدكم الله، فالزموه إذا استشعرتم بحرارة وتخوفتموها فاستعملوا الوصف من الوزن المعروف منه ولا تهملوا استعماله، وأما ولدنا، حفظه الله لمكان الشبيبة، فحيث يمنعه الحال من المداومة على الترياق، فها هي الشربة النافعة لذلك قد تركناها كثيرة هُنَالِكُمْ عند التونسي فيكون يستعملها هو والأبناء الصغار المحفوظون بالله حتى إذا أحس ببرد المعدة من أجلها تعطوه الترياق فيعود إليها. والبراءة التي ترد عليكم من سوس أو من عند الحاكم أو من عند ولد خالكم أو من عند غيرهما لا تقرأ ولا تدخل داراً، بل تعطى لكاتبكم هو الذي يتولى قراءتها ويعرفكم مضمنها، ولأجل أن الكاتب يدخل عليكم ويلابس مقامكم فلا يفتحها إلا بعد إدخالها في خل ثقيف وتنشر فتيبس وحينئذ يقرأها ويعرفكم بمضمنها إذ ليس يأتيكم من سوس ما يستوجب الكتمان[88].

 وقد أشار الحسن الوزان (ليون الإفريقي) إلى الأمراض التي كانت منتشرة في هذا العصر (القرن العاشر الهجري) نذكر منها الطاعون ثم الصرع أو داء النقطة وحب الإفرنج، وهو مرض الزهري المعروف في المغرب بالنوار؛ وداء المفاصل والجرب (الحكة) والقرع، وتضخم الغدة الدرقية وداء الغباوة الناتج عن نقص في البنية. ويكثر ذلك في البداية، وبالخصوص حيث يكثر الفقر والماء الممزوج بالجير وداء الجذام الوراثي، وذكر “كودار” في تاريخه أن اليهود الأندلسيِّين اللاجئين إلى المغرب هم الذين أدخلوا الأمراض التناسلية مثل الزهري[89].

ومن أطباء العصر السعدي محمد بن سعيد المرغيثي السوسي، (1598م/1678م)؛ وكان قد تصدر بمراكش لعلاج الناس مدة، ولكنه اعتزل التطبيب بسبب أن إنساناً حمل إليه قارورة فيها بول مريض وهو بالمسجد؛ فاستاء من ذلك، وقال: إن عملاً يؤدي إلى أن أكون سبباً في دخول النجاسة للمسجد لا أشتغل به!! ومن أطباء هذا العصر أبو علي الحسن بن أحمد المسفيوي المراكشي الطبيب (1560م/1594م): أخذ علم الطب على شيخه أبي القاسم الوزير الغساني، وكان المسفيوي على إلمام ببعض اللغات الأجنبية، ولذلك ذكر المقري في “النفح” أنه قام بتعريب بعض الكتب بإذن من السلطان أحمد المنصور الذهبي. وابن عزوز المراكشي الذي ألف كتاب “ذهاب الكسوف في طب العيون”؛ وأبو القاسم الوزير الغساني من أهل فاس، كان طبيباً ماهراً، اختص به السلطان أحمد المنصور الذهبي فصيره من أطبائه وقربه إليه، بل واعتمد عليه في خطة لإصلاح مهنة الطب بالمغرب:

 قال عنه أحمد المقري في “نفح الطيب”: “العلم الجليل علماً وقدراً العلامة المتفنن، ذو التآليف المفيدة والعلم الغزير الفقيه أبو القاسم بن محمد الوزير الغساني، أخذ الطب عن والده محمد (..) ولكنه تفرد بعلم الطب وصار مرموقاً في العاصمتين مراكش وفاس معروفاً بهذه المهنة راسخ القدم فيها، وله في هذا العلم مؤلفات خدم بها البلاط السعدي في عهد أحمد المنصور الذهبي.

ألف الوزير الغساني كتاباً سماه: “حديقة الأزهار في الأعشاب والعقار”، وهو المعروف بكتاب “الأدوية المفردة”، وبشأن هذا الكتاب يقول المقري: “حديقة الأزهار في ماهية الأعشاب والعقار” كتاب في بابه لم يؤلف مثله؛ يذكر سائر الأعشاب والعقاقير بما سميت به في الكتب، ثم يذكر اسمها بلسان العامة، ثم يذكر خواص الأعشاب على وجه عجيب وأسلوب غريب”.

وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب الوزير الغساني كان على دراية باللغات الأجنبية، ولعلها اللاتينية القديمة والبرتغالية والإسبانية؛ وقد نشرت دراسة لكتاب “حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار” أبرزت فيها أن كتاب الوزير الغساني هو استمرارية لكتاب “عمدة الطبيب في معرفة النبات” لأبي الخير الإشبيلي الذي ألف خلال العصر الموحدي[90].

يأتي  كتاب الوزير الغساني “حديقة الأزهار في ماهية العشب و العقار” باعتباره جردا ووصفا دقيقا للنباتات الطبية المستعملة في العلاج في العصر السعدي، مع ذكر الخصائص النباتية والمعطيات البيئية والاستعمالات الطبية، بالإضافة إلى معلومات اقتصادية واجتماعية ذات أهمية بالغة بالنسبة للمؤرخين والأنثروبولوجيين.. والجدير بالملاحظة أنه إذا كان الوزير الغساني يشبه في طريقته طريقة أبي الخير الاشبيلي من حيث العناية بالتصنيف النباتي الدقيق، فإنه تميز عنه بإعطاء حيز لا يقل أهمية للخصائص العلاجية للنباتات التي يصفها..

رتب الوزير الغساني كتابه على الحروف الأبجدية باصطلاح المغاربة، يذكر الاسم العلمي، المتداول في عصره، وهو اسم عربي، للمادة الطبية المفردة ثم يشرح ماهيتها ويصف شكلها وأجزاءها بشكل دقيق واصفا الجذور والأغصان والأزهار والثمار.

ومن مزايا كتاب الوزير الغساني ذكره الأسماء  المتعددة  للنبات الواحد و وصفه البيئة التي تنبت فيها النباتات، ويذكر اسمها الشائع على لسان العامة في المغرب بالدارجة المغربية، خصوصا لهجة أهل فاس، أو باللسان الأمازيغي، وبعد أن يوضح ماهية المادة النباتية ينتقل إلى بيان طبيعتها وأخيراً يذكر خواصها ومنافعها الطبية أو مضارها، إن اقتضى الحال، من غير دخول في التفاصيل المتعلقة بالمقادير وطريقة التحضير إلا نادراً، ثم يختم بذكر بدلها (succédané) إذا تعذر وجودها. ولم يهتم الوزير الغساني بالمواد الحيوانية والمعدنية إلا نادرا. تناول الغساني في كتابه بالشرح نحو 380 مادة مفردة معظمها من جنس النبات، وعدد المفردات الحيوانية والمعدنية التي ذكرها في كتابه سبع.

اعتمد الوزير الغساني على المعاينة والملاحظة المباشرة عبر الرحلات الاستكشافية التي كان يقوم بها… فنجده في عدة مواضع يقول مثلاً: “ولقد رأيته كثيراً ووقفت عليه بجبال تاغيا وقطفته هنالك بيدي”؛ و”قد رأيت منه شجرة واحدة عندنا بفاس…”. كما أننا نجده في حالات أخرى ينقل عن مصادر موثوقة  يختارها. من ذلك مثلاً: “ولقد حدثني والدي… أنه رآه ووقف عليه..”، وفي مكان آخر: “وحدثني والدي.. أنه رأى أخرى[91]“.

 ومما أثارني عند دراسة كتاب الوزير الغساني هو وقوفه في غابة المعمورة ، قرب مدينة سلا، بالمغرب على شجيرة الكُمثري (الأجّاص)  البري (Pyrus mamorensis) الذي يبدو من خلال اسمه العلمي أنه خاص بمنطقة المعمورة ولا يوجد بغيرها، يقول الوزيرالغساني: “والبري هو الإنْجاص الشتوي المعروف، منابته الغاب والأرض المكللة بالشجر، ولقد رأيته ووقفت عليه بغابة المعمورة بقرب مدينة سلا”، وهذه معلومة بالغة الأهمية من حيث التوطين الذي يقدمه الوزير الغساني لنبتة قبسية Endémique   في مغرب القرن السادس عشر..

ونجد الغساني في مواضع أخرى عندما يتعلق الأمر بمواد مستوردة من بلاد بعيدة، لا يكتفي دائماً بالنقل عن كتب القدماء الموثوق بها، بل يجتهد في تعرّف تلك المواد عند باعة العطور والأعشاب والمواد الصيدلية؛ كما أنه يلجأ إلى سؤال الرحالة والتجار لاستكمال معلوماته حول المواد النادرة التي أغفلها سابقوه. ومن ذلك ما يحكيه عند تعريفه خرّوب السودان: “لم يذكره أحد من الأطباء القدماء والمتأخرين، وإنما استخرج بعدهم. حدثني من أثق به من التجار المسافرين للسودان أن شجرته تشبه شجرة النارنج شكلا وورقا..[92]“.

وقد امتاز الغساني “بالوضوح في الوصف، والاقتصاد في التعبير، وسلك مسلكا جعله يهتم بالزهور والثمار والبزور والجذور والأوراق، ويلاحظ وجود نباتات طفيلية، ولا يخوض فيما لم يشاهده ولم يعرفه، ثم إنه قد اهتم بالبيئة الطبيعية التي تعيش فيها بعض النباتات، وهو ما يطلق عليه علماء النبات المعاصرون: (Biotope)[93]“، كما حاول الغساني في “حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار” وضع نسق تصنيفي للأعشاب الطبية التي درسها في الميدان، مستخلصا منهجه التصنيفي من كتاب “عمدة الطبيب في معرفة النبات” لأبي الخير الأشبيلي محييا  بذلك كتابا ظل “صامتا” لقرون، وهذه قيمة مضافة تحسب للوزير الغساني..

هناك قيمة علمية أخرى لكتاب “حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار” تتمثل في جرده للنباتات الطبية التي كانت منتشرة عند باعة الأعشاب والعطارين والصيادلة في عصره خصوصا في مدينة فاس. بالإضافة إلى معلومات وافية يقدمها المؤلف حول أماكن جلب النباتات التلقائية والمستوردة، ومعلومات حول التجارة في فاس خلال القرن السادس عشر والعادات الحضرية لأهل فاس..[94].

إن معظم النباتات التي جردها الوزير الغساني قد عاينها ميدانيا بنفسه خلال رحلاته المتعددة، كما اعتمد على معلومات والده الذي يغلب على الظن أنه كان طبيبا[95].

يؤكد المؤرخ “رينو” تفرد الغساني في عصره بقوله: “يعد الغساني ذهناً متميزاً إذا قيس بعصره وبينته، والحكم على أثاره لا يتأتى دون مقارنتها بالعديد من مصنفات المادة الطبية لمؤلفين عرب آخرين[96]“. انطلاقا من هذه الملاحظات يمكن اعتبار الوزير الغساني مؤلفا أصيلا، ذلك أنه فطن، في عصر تميز بالجمود العلمي في ميداني علم النبات والطب، إلى منهج أبي الخير الأشبيلي من خلال كتابه “عمدة الطبيب” الذي كان قد طاله النسيان في القرن السادس عشر إلى أن بعثه الوزير الغساني من مرقده، لذلك يستحق هذا العالم أن يوضع في قمة المؤلفين في علم النبات الطبي في العالم الإسلامي.

والجدير بالذكر أننا لا نجد في كتابي الإشبيلي والغساني حديثا عن الجن والسحر وطرد الأرواح الشريرة، واستدعاء أو طرد الجن ببخور محددة، مما يطرح أكثر من سؤال حول هذا المنهج القاطع مع “بنية التفكير السحري”، ومعلوم أن الأشبيلي عاش خلال العصر الموحدي، وهو العصر الذي عرف معتقدات وطقوس مرتبطة بالجن والخفي عموما خلف لنا الإخباريون كثيرا من عناصرها.

لكن الطب سيعرف ركودا جديدا في أواخر العصر السعدي، وسيزدهر “الطب الروحاني” بشكل مثير، نستشف ذلك من قصة أوردها صاحب مباحث الّأنوار، يقول: “فقد جاء أحدهم إلى مسعود بن محمد الشراط بولده المقعد “فلما أدخله عليه رفع سيدي مسعود، رضي الله عنه، رمحا مهددا له به كالمريد لضربه ففزع الرجل من ذلك وانزعج انزعاجا فسقط ولده من ظهره وهرب، وعندما سقط الولد قام على رجليه وأخذ في الفرار خائفا من الضرب أيضا!![97]“.

خلال العصر العلوي عرف التدريس الطبي بجامعة القرويين بعض الازدهار، وقد كان للتراث الأندلسي الطبي[98] أثر فاعل في المعرفة الطبية لدى علماء جامعة القرويين؛ وفي حضور مؤلفات ابن رشد وابن طفيل وابن باجة وابن الخطيب والشقوري وغيرهم تأثير كبير  في ذلك..

يمكن القول أن جامعة القرويين أصبحت، بعد انهيار الأندلس، الراعية للتراث الأندلسي في محاولة للمحافظة على إشعاعه واستمراره، كما عرفت جامعة القرويين  بكثرة التآليف الطبية، وذلك من خلال تذييل العلماء لأرجوزة ابن سينا كابن عزرون ومحمد بن قاسم بن زاكور وأدراق[99]، وكذلك من خلال نقد كتابي الأنطاكي: “تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب”، و”النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة”..

لقد نبغت خلال هذا العصر أسرة أدراق التي كان منها الأطباء محمد وابنه عبد الوهاب وقريبه أحمد طبيب السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي دخل طنجة في عهد احتلالها من طرف الإنجليز بقصد ملاقاة الأطباء النصارى ورؤية الشخص الذي صوروه لتعليم التشريح معاينة، والطبيب أحمد بن محمد طبيب السلطان مولاي إسماعيل[100]. وكان الطبيب أحمد المختص بالسلطان مولاي إسماعيل ذا وجاهة وبروز بين أقرانه حظي عند السلطان لخبرته بالأمراض ومعرفته بأدويتها، توفي عام (1116ﻫ/1704م).

 ونبغ من هذه الأسرة الطبيب عبد الوهاب ابن الطبيب أحمد بن الطبيب محمد أدراق المتوفى عام (1159ﻫ/1746م). له تآليف منها كتاب “التعليق على النزهة” للشيخ داود الأنطاكي، و”تذييل على أرجوزة ابن سينا في الطب”، و”أرجوزة في حب الإفرنج”، وهو المرض المعروف بالنوار، وقصيدة في فوائد النعناع، وكتاب “هز السمهري على من نفى عيب الجذري[101]“.

 ونذكر طبيباً من أنبغ تلاميذ الشيخ أحمد بن محمد أدراق هو أبو محمد عبد القادر بن العربي المنبهي المعروف بابن شقرون المكناسي، امتاز ببراعته في علم الطب، وبفاس تلقى على الطبيب أحمد بن محمد أدراق، ووصفه الأديب محمد بن الطيب العلمي في كتابه “الأنيس المطرب”، أنه ركب الأدوية، وانتشرت له بين الحكماء ألوية، وعرف الأمراض، وأرسل سهام الرقى فأصاب الأغراض”: من مؤلفاته في علم الطب كتاب سماه “النفحة الوردية في العشبة الهندية”..

قال عبد الله كَنون: “وتأليفه هذا يدل على طول باعه في مهنته ومعرفته بعلم النبات وخصائصه؛ لأنه بحث يكاد يكون مبتكراً وناسجاً على غير منوال سابق”؛ ومن تآليفه أيضاً منظومته الطبية المسماة بـ”الشقرونية”، تقع هذه الأرجوزة في نحو 700 بيت نظمها جواباً لسؤال من تلميذه الشيخ صالح بن المعطي. ومضمنها شرح فوائد المآكل والمشارب المتداولة بين الناس؛ وألف نظماً آخر في منافع النعناع معروفاً ومشهوراً، وكتاباً في منافع الأطعمة والأشربة والعقاقير[102] كما ألف أحمد بن محمد بن حمدون بن الحاج الفاسي المتوفى سنة  1899م كتاباً أسماه “الدرر الطبية المهداة للحضرة الحسنية”، وهو كتاب جامع في الطب مقسم إلى ثلاثة أقسام مع مقدمة عن تاريخ الطب والصيدلة وأسماء المشاهير من الأطباء ومؤلفاتهم[103].

 وألف عبد الله بن عبد العزيز القرشي المراكشي المشهور بسيدي بلة بن عزوز المتوفى عام 1789م كتاباً سماه “ذهاب الكسوف ونفي الظلمة في علم الطب والطبائع والحكمة”، وهو كتاب في علم الطبيعة والطب والصيدلة،اختصره المؤلف من عدة كتب[104]، وقد استنتج “لوكلير” من نقول هذا المؤلف وجود مصنفات عديدة في الطب العربي بالمغرب، ولقيمته العلمية عمد إلى ترجمته إلى اللغة الفرنسية[105].

وألف محمد بن إبراهيم الروداني، من رجال القرن التاسع عشر، كتاباً سماه “كنز المحتاج في علم الطب والعلاج”، رتبه على تسعة أبواب تتناول علاج مختلف الأمراض وما يناسبها من الأدوية، وختم كتابه بالحديث عن تدبير الصحة وما يحفظها من التزام عادات في الأكل والشرب والنوم والرياضة والسياحة وما إليها.

ومن المنظومات “علامة السعادة في حكم الأغذية المعتادة” لعلي بن حسن القيسي المراكشي، وهي منظومة تبحث في طبائع الأغذية وأصنافها من حبوب وخضر وقطاني وفاكهة طرية وجافة ولحوم وتوابل وألبان ومشتقاتها ومياه معدنية وخمور ومربيات،  بلغ عدد الأغذية والأشربة الموصوفة في تلك المنظومة 202 نوعاً[106].

ومن المؤلفات التي تخلط بين الطب والسحر خلال هذا العصر كتاب محمد أَحْنِنِي الدرعي “راحة الإنسان في طب الأبدان”، وهي رسالة قسمها المؤلف إلى أربعة وعشرين باباً، منها ما يتناول موضوعات طبية، ومنها ما يتناول الطلاسم والأحجبة وما شابه ذلك، وقبله عبد الله عزوز المراكشي المعروف بسيدي بلة  صاحب “ذهاب الكسوف” الذي قام “لوكلير” بترجمته إلى الفرنسية، إلا أن له مؤلف آخر اسمه  “بحر الوقوف على أسرار الحروف”، وكتاب “حل المعقود وعقد المحلول..[107].”

إن عطاء التدريس الطبي بجامعة القرويين خلال هذا العصر، وإن لم نحدد معطياته العلمية التي سبق إليها قبل علم الطب الحديث كاملة، فإن حضوره واستمراره بها حتى نهاية القرن التاسع عشر مكّن المغرب من إسهام نظري جدير بالاعتبار، لكن لم توازيه نهضة طبية عملية كالتي عرفت خلال العصر الموحدي وبشكل جزئي خلال العصر السعدي؛ وإذا كان تدريس الطب بجامعة القرويين خاصة وبالمغرب عامة قد تأثر بظروف الرخاء والاضطراب..

وإن قد تقلصت معالمه بدخول الطب الأوربي إلا أنه كان حريصا على التواصل مع المشرق  والغرب من خلال بعض البعثات، خصوصا في عصر السلطان الحسن الأول، وهو العهد الذي برز فيه الطبيب النابغة عبد السلام العلمي صاحب “ضياء النبراس[108]“…

لم يعرف قطاع الطب محاولة حقيقية للانطلاق إلا خلال عهد المولى الحسن إبان فترة البعثات العلمية إلى الخارج، ويشكل كتاب ضياء النبراس لعبد السلام العلمي، في نظري، قمة الطموح في هذا الإطار…

إن ذروة التفكير الطبي العلمي خلال العصر العلوي قد تجسد في شخصية الطبيب عبد السلام العلمي المتوفى بفاس عام (1323ﻫ/1905م)؛ وقد انتدبه السلطان مولاي الحسن الأول لدراسة الطب بمصر، فالتحق بمستشفى القصر العيني، وصار يدرس الطب على علماء من مصر وإسبانيا وفرنسا وحضر تشريح نحو 1600 جثة من مخلفات ثورة عرابي الشهيرة. ولما عاد إلى بلاده، فتح عيادة صغيرة قرب حرم مولاي إدريس بفاس”؛ وألف في علم الطب تآليف هي: “ضياء النبراس في حل مفردات الأنطاكي بلغة فاس: وهذا الكتاب، كما هو ظاهر من عنوانه، يهتم بذكر الأسماء المغربية لما ورد في “تذكرة” داود الأنطاكي المتوفى عام (1008ﻫ/1599م).

إن العمل الذي قام به الطبيب عبد السلام العلمي هو عمل علمي كبير، حيث قرب النفع بما ورد في كتاب “التذكرة” لعموم المهتمين بخواص الأعشاب في المغرب بأن جعل أمام الأسماء المشرقية للنباتات أسماءها المغربية مرتبة حسب الحروف الهجائية، ولم يكتف الطبيب العلمي بذلك فقط؛ بل إنه حاول في كتابه هذا توضيح كيفية تقطير بعض الأعشاب الطبية؛ مصوراً بالأشكال الهندسية الجهاز المستعمل لهذه الغاية، وقد أهدى المؤلف كتابه هذا للسلطان مولاي الحسن اعترافاً منه بالجميل الذي أسداه إليه بإرساله في بعثة دراسية إلى مصر.

طبع هذا الكتاب على المطبعة الحجرية بفاس في حياة المؤلف في أواخر القرن التاسع عشر، ثم أعيد طبعه، وله “البدر المنير في علاج البواسير، وهو مطبوع مع كتاب “ضياء النبراس” الذي تحدثنا عنه آنفاً. وقد رتب كتابه هذا على مقالات وفصول؛ تحدث في المقالة الأولى الفصل الأول منها على العلامات التي يتميز بها دم البواسير من دم الكبد ومن دم الأمعاء؛ وفي الفصل الثاني؛ تحدث عن دم البواسير بوصفه دم علة وفساد، وأن خروجه من الجسم خير من احتباسه؛ وخصص الفصل الثالث لما ينبغي لصاحب هذه العلة من التحفظ وفيما يناسبه من الأغذية وما لا يناسبه منها.

أما الفصل الرابع؛ فهو لكيفية معالجة البواسير، والمقالة الثانية في كيفية تركيب الأدوية المأخوذة من الطب القديم والجديد النافعة للبواسير، وفيها فصول: الأول؛ فيما يسكن ألم البواسير عند الأقدمين؛ والفصل الثاني؛ فيما يسكن ألم البواسير في علم الطب الجديد… وله منظومة رجزية في علم التشريح سماها “مفتاح التشريح” تقع في ثمانية وسبعين بيتاً طبعت بهامش “ضياء النبراس”.

يتحدث العلمي في هذه المنظومة عن تركيب الهيكل الجسمي للإنسان وتفصيل أسماء العظام وأنواعها، وقد ذكر منها 8 للجمجمة و13 للوجه و64 للأطراف العليا و60 للأطراف السفلى و53 للجذع. ثم جهاز البصر والسمع والأنف وأعضاء العنق والصدر والأمعاء والبطن والجهاز البولي والجهاز التناسلي عند المرأة والرجل، وبذلك يتأكد لنا أن الرجل كان في عصره إطاراً طبياً مهماً: لو تمت الاستفادة من خبرته أحسن استفادة، لكانت النتائج حميدة.

 وله “الأسرار المحكمة في حل رموز الكتب المترجم : فسر في هذا الكتاب مصطلحات الكتب الطبية الأجنبية التي ترجمت إلى اللغة العربية في عصره، و”التبصرة في سهولة الانتفاع بمجربات “التذكرة””؛ وقد رتب في هذا الكتاب “تذكرة” الأنطاكي المشار إليها ترتيب الأمراض، بدلاً من الحروف كما فعل في كتابه “ضياء النبراس”…

لقد أدرك معاصرو عبد السلام العلمي قيمته العلمية وتفرده بين أبناء عصره، تدل على ذلك شهادة من الباشا إسماعيل الذي كان العلمي يحضر مجالسه العلمية الطبية بمصر؛ وهو القائل في حقه: “ومن حظي الأوفر أني اجتمعت مع مثل هذا الفاضل الماهر، فوجدته في العلم والعمل وحيد، وفي المعارف بالنسبة لأقرانه فريد؛ لأنه ذاق من منهل علوم الطب ما فاق وراق، وشرب من سلسبيل الحكمة كأسا دهاق..[109].”

لقد شكل عبد السلام العلمي آخر حلقة من حلقات التفوق العلمي المغربي في مجال الطب قبل دخول المستعمر الأجنبي الذي بادر إلى إنجاز دراسات إثنوغرافية أبرزت معظمها الطب المغربي على شكل “طب شعبي خرافي” منفك الصلة عن جدلية العلم والمجتمع والتاريخ؛ وهي العلاقة التي حاولت إبراز بعض جوانبها في هذه الدراسة.

 الهوامش


[1]. René CLAISSE-DAUCHY. 1996. Médecine traditionnelle au Maghreb. Rituels d’envoûtement et de guérison au Maroc. L’Harmattan. Paris- Montréal.

[2]. René CLAISSE-DAUCHY. 1996. Médecine traditionnelle au Maghreb. Rituels d’envoûtement et de guérison au Maroc. L’Harmattan. Paris- Montréal.

[3] . هذا ما توصلت إليه من خلال الدراسة الإثنوغرافية.

[4]. René CLAISSE-DAUCHY. Op.cit.

[5]. Cabo Gonzalez Ana Maria, Lanly Claude. Ibn al-Baytār et ses apports à la botanique et à la pharmacologie dans le Kitāb alĞāmï. In: Médiévales, N°33, 1997. p. 23-39.

[6]. ابن البيطار، أبو عبد الله بن أحمد المالقي الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، دار المتنبي للطباعة والنشر والتوزيع، أربعة أجزاء، 2001.

[7]. R. Claisse-dauchy. Op.cit.

[8]. عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، تحقيق وتقديم وتعليق: عبد السلام الشدادي، خزانة ابن خلدون، الدار البيضاء: بيت الفنون والعلوم والآداب، ط1، 2005، ص493.

[9]. البادسي، المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، ص124.

[10]. العمري، مسالك الأبصار، ص127.

[11]. ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف، ص353.

[12]. مناقب أبي العباس، مجهول، ورقة 100.

[13]. ابن قنفذ، أنس الفقير وعز الحقير، اعتنى بنشره وتصحيحه محمد الفاسي وادولف فور، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، سنة، مطبعة أكدال الرباط، 1965، ص88.

[14]. المصدر نفسه، ص106.

[15]. الجيلالي عبد السلام الغرابلي، رسالة في ذكر من أسس مدينة فاس، مخطوط رقم 9732 ح، نقلا عن المحمودي،  دار الكتب المصرية، ص12.

[16]. كتاب الاستبصار، مؤلف مجهول، ص187.

[17]. الصدر نفسه، ص212.

[18]. أحمد التادلي الصومعي، كتاب المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى، تحقيق: علي الجاوي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية/أكادير، سلسلة الأطروحات والرسائل رقم 6، الرباط: مطبعة المعارف الجديدة، 1996، ص312.

[19]. في البحر المحيط، (3/191-192).

[20]. عبد الرحمن ابن خلدون،  م، س.

[21]. أحمد الطاهري، الطب والفلاحة في الأندلس بين الحكمة والتجريب، الرباط: مطبعة النجاح الجديدة، 1997، ص41-42.

[22]. المرجع نفسه، ص43-44.

[23]. عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، ص412.

[24]. ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف، م، س، ص269.

[25]. عبد الرحمن البشير، اليهود في المغرب العربي (22-462ﻫ/642-1070م)، مصر: دار تارنيت للطباعة، 2001، ص98.

[26]. ابن الحاج العبدري المالكي الفاسي، المدخل، القاهرة: مكتبة دار التراث، ج 4، ص140.

[27]. الأغذية، ص17.

[28]. المصدر نفسه، ص54.

[29]. الاستبصار، ص187

[30]. أدب الحسبة، ص45.

[31]. المدخل، ج4، ص143.

[32]. أحمد المحمودي، عامة المغرب الأقصى في العصر الموحدي، جامة المولى إسماعيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية/مكناس، 2001، ص106.

[33]. ابن الزيات، التشوف، ص123؛ إبراهيم القادري بوتشيش الجاليات المسيحية بالمغرب الإسلامي خلال عصر الموحدين، بيروت: دار الطليعة، 1994، ص102.

[34]. عبد العزيز بنعبد الله، تعليم الطب بالمغرب والعالم الإسلامي، مجلة أكاديمية المملكة المغربية، ع15، دجنبر 1988، ص25.

[35]. L. Leclerc , l’histoire de la médecine arabe  وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط 1980، وانظر: م، س، ص31.

[36]. طبقات الأطباء “2” 77.

[37]. المصدر المذكور “2” 81.

[38]. محمد المنوني، العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، ط2، الرباط، (1397ﻫ/1977م).

[39]. جمال الدين أبي الحسن علي بن القفطي، أخبار العلماء بأخبار الحكماء، مطبعة السعادة، ط1، 1326ﻫ، “3”، ص160.

[40].الضبي في البغية 1464، والتكملة 2782.

[41]. أحمد المقري، نفح الطيب “2”، ص44 و138.

[42]. ابن الأبار القضاعي البلنسي، التكملة لكتاب الصلة، المحقق: عبد السلام الهراس، لبنان: دار الفكر للطباعة، 1995، 2079، ابن بشكوال، بن عبد الملك، الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، عني بنشره وصححه وراجع أصله: السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: مكتبة الخانجي، ط2، 1955، ص410.

[43]. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء “2” 66؛  التكملة 1717.

[44]. دائرة المعارف الإسلامية مج “1” ع “3”.

[45]. ابن أبي زرع: روض القرطاس 131 و137 طبقات ط “2” 76.

[46]. ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء “2” 79.

[47]. المصدر نفسه، 80.

[48]. المصدر نفسه، 74.

[49]. المصدر نفسه، 78.

[50]. المصدر نفسه، 70.

[51]. محمد المنوني، العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، م، س.

[52]. القرطاس، 138.

[53]. المعجب، 190-191.

[54]. روض القرطاس، ص171-172.

[55]. العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، م، س.

[56]. جمال بامي، دراسة في كتابي عمدة الطبيب لأبي الخير الإشبيلي وحديقة الأزهار للوزير الغساني، هاديات من التراث لتطوير علم النبات الطبي بالمغرب، الرابطة المحمدية للعلماء، الرباط: دار أبي رقراق، 2012.

[57] . محمد العربي الخطابي، مقدمة “عمدة الطبيب في معرفة النبات”، منشورات أكاديمية المملكة المغربية، 1990،  ص17.

[58]. Jamal Bellakhdar, La pharmacopée  marocaine  traditionnelle. IBIS PRESS. France.  1997.

[59]. Jamal Bellakhdar. Op.cit.

[60]. محمد العربي الخطابي، مقدمة تحقيق كتاب “عمدة الطبيب في معرفة النبات” 1990. الرباط-المغرب، ص29.

[61]. الأشبيلي، أبو الخير، عمدة الطبيب في معرفة النبات، ترجمة، تحقيق: محمد العربي الخطابي، دار الغرب الإسلامي، 1995، ص260.

[62]. Jamal Bellakhdar, Op. cit.

[63]. أحمد المحمودي، عامة المغرب الأقصى في العصر الموحدي، جامة المولى إسماعيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية/مكناس، 2001، ص105-106.

[64]. ابن الزيات، التشوف، ص144.العباس بن إبراهيم السملالي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، الرباط: المطبعة الملكية، ط2، 1993.ج10، ص211.

[65]. ابن قنفذ، أنس الفقير وعز الحقير، م، س، ص29.

[66]. محمد بن على الدكالي، الإتحاف الوجيز، سلا: الخزانة العلمية الصبيحية،1986، ص91.

[67]. محمد الشراط بن عيشون، الروض العطر الأنفاس بأخبار الصالحين من أهل فاس، دراسة وتحقيق: زهراء النظام، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية/الرباط، سلسلة: رسائل وأطروحات رقم 35، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط1، 1997، ص302؛ ابن الزيات، التشوف، م، س، ص217.

[68]. ابن عيشون، الروض، م، س، ص302.

[69]. ابن الزيات، التشوف، م، س، ص83-84.

[70]. الونشريسي، المعيار ج1، ص330.

[71]. ابن عذاري، البيان المعرب، قسم الموحدين، ص 149.

[72]. ابن عيشون، الروض، م، س، ص304.

[73]. المرجع نفسه، ص294.

[74]. ابن الزيات، التشوف، م، س، ص269.

[75]. المرجع نفسه، ص269.

[76]. كتاب في الفلاحة.

[77]. ابن حجر، بذل، ص170.

[78]. الونشريسي، المعيار، م، س، ج 11، ص 182.

[79]. ابن هيدور، الأمراض الوبائية، ورقة 2.

[80]. ابن أبي زرع، الأنيس، ص285؛ ومجهول الذخيرة، م، س، ص3.

[81]. المقري، أزهار، تحقيق سعيد أعراب، محمد بن تاويت، المحمدية: مطبعة فضالة، 1978، ج4، ص15.

[82]. عبد الصمد العشاب، مساهمة علماء المغرب في ميدان الطب والتطبيب، مجلة التاريخ المغربي، ع 15.

[83]. عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، م، س.

[84]. المرجع نفسه.

[85]. المرجع نفسه.

[86]. ابن الوزان، للحسن (ليون الأفريقي)، كتاب وصف افريقيا، الشهير بـ، ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1972، 1-98.

[87]. الأستاذ عبد الله كَنون، ترجمة الغول الفشتالي، جريدة الميثاق، العددان: 227 و228.

[88]. كنون، عبد الله، النبوغ المغربي في الأدب العربي، لبنان، ط2، 1962، ص 252.

[89]. بنعبد الله عبد العزيز، الطب والأطباء بالمغرب، الرباط: المطبعة الاقتصادية، 1958، ص62.

[90]. جمال بامي، دراسة في كتابي “عمدة الطبيب” لأبي الخير الإشبيلي، و”حديقة الأزهار” للوزير الغساني، هاديات من التراث لتطوير علم النبات الطبي بالمغرب، 2012.

[91]. الملاحظ أن أبا القاسم الغساني اعتمد كثيراً على معرفته المباشرة بالأعشاب التي وقف عليها بنفسه بالمغرب. وأما أعشاب البلاد البعيدة أو التي تعذر عليه الوقوف عليها، فهو ينقل عن مصادر سابقة. ونبه المحقق الأستاذ الخطابي على أن أهمها كتاب “عمدة الطبيب في معرفة النبات” لأبي الخير الأشبيلي (ق. 6 ﻫ/12م). هذا الكتاب نشر أيضاً بعناية الباحث نفسه، وصدر عن أكاديمية المملكة المغربية في مجلدين، 1990.

[92]. الغساني، الوزير، حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار، تحقيق محمد العربي الخطابي، 1989، ص324.

[93]. محمد العربي الخطابي، مقدمة تحقيق كتاب “حديقة الأزهار” ص: ي-ك.

[94]. أحيل هنا على مقال عبد الأحد الرايس، الفوائد التاريخية لتصنيف النباتات بفاس من خلال كتاب “حديقة الأزهار” لأبي القاسم الغساني (ق 10 ﻫ/16 م) مجلة التاريخ العربي ع18، رييع 2001.

[95]. Jamal Bellakhdar, Op.Cit.

[96] .Renaud H.P.G. Op.Cit.

[97]. ابن عيشون، الشراط، ص304.

[98]. راجع في الموضوع: الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، دراسة ونصوص وتراجم، تأليف وتحقيق محمد العربي الخطابي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1988 ( جزءان).

[99]. الطب والأطباء بالمغرب… م، س، ص58-82-84.

[100]. عبد الوهاب بنمنصور، أعلام المغرب، ج 6، ص123.

[101]. عبد الله كنون، النبوغ المغربي، ص300.

[102]. عبد الله كَنون، جريدة الميثاق، عدد 229-230.

[103]. محمد العربي الخطابي، فهارس الخزانة الملكية، ص99.

[104]. المرجع نفسه.

[105]. نقلا عن الطب والأطباء، م، س، ص91.

[106]. المرجع نفسه، ص204.

[107]. أنظر ترجمته في الأعلام للزركلي ج4، ص69، وفي النبوغ المغربي لعبد الله كنون، ج1، ص310، وفي السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية لابن المؤقت ص46.

[108]. المرجع نفسه، ص86.

[109]. محمد البكراوي، الطبيب عبد السلام محمد الحسني العلمي الفاسي، دفاتر تاريخية، العدد 1، خريف 2010. جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. كلية الآداب ظهر المهراز.

Science

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق