المسك الأذفر في توجيه ما انفرد به الإمام أبو جعفر (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على مولانا رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه سُليسلة قصدي بها النفاذ إلى سر ما انفرد به الإمام الأكبر أبو جعفر يزيد بن القعقاع (130ه) -رضي الله عنه- في قراءته، وبيان وجه ذلك وتعليله من لغة العرب وكلام العلماء.
* قوله تعالى (أَلَٓمِّٓ)، قرأ أبو جعفر ها هنا وما كان مثله من الحروف المقطعة بالسكت على كل حرف من هذه الحروف هكذا: أَلِفْ، ثم يسكت، لاَمْ، ثم يسكت، مِيمْ، ثم يسكت، ويلزم من سكته هذا إظهار المدغم منها والمخفي، وقطعَ همزة الوصل بعدها.
وعلته في هذا السكت أنه أراد تبيين أن الحروف كلها ليست للمعاني كالأدوات للأسماء والأفعال، بل هي مفصولة، وإن اتصلت رسما وليست بمؤتلفة ، وفي كل واحد منها سر من أسرار الله تعالى الذي استأثر الله تعالى بعلمه ، وأوردت مفردة من غير عامل ولا عطف ، فسكنت كأسماء الأعداد إذا وردت من غير عامل ولا عطف ، فنقول : وَاحِدْ، اِثْنَيْنْ، ثَلَاثهْ، أَرْبَعَهْ . . . هكذا(1).
إجماع النحويين منعقد على أن هذه الحروف مبنية على الوقف لا تعرب، بمعنى أنك تقدر أن تسكت على كل حرف منها، والدليل على أنك تقدر السكت عليها جمعُك بين ساكنين في قولك: (لام) وفي قولك: (ميم). والدّليل على أن حروف الهجاء مبنيّة على السكت كما بني العدد على السكت: أنك تقول فيها بالوقف مع الجمع بين ساكنين، كما تقول إذا عددت واحدْ، اثنانْ، ثلاثهْ، أربعهْ، ولولا أنك تقدر السكت لقلت: (ثلاثةٌ) بالتاء كما تقول: ثلاثاً يا هذا، فتصير الهاء تاء مع التنوين واتصال الكلام، وحقها من الإعراب أن تكون سواكن الأواخر(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر النشر: 1/329.
(2) ينظر الكتاب: 3/266.