المدرسة الطبية في المغرب : مقاربة تاريخية ما بين الأصالة والبعد الهوياتي والتحديث

الدكتور محمد براص
أستاذ التاريخ وعضو لجنة التراث
بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان - فاس
يطرح الحديث عن مدرسة طبية في المغرب اليوم العديد من التساؤلات على مستوى الخصوصية والمجال والهوية والثقافة والمسار العلمي والاجتهاد الفكري في مجال الطب والصيدلة وطب الأسنان وغيرها من صنوف التطبيب. إلا أن هذا بعد يحيل بالضرورة على أهمية التأصيل التاريخي لهذا للموضوع، أي الحديث عن مدرسة طبية مغربية في ظل معرفة علمية وتاريخة خاصة، كما أن الموضوع يطرح إشكالا آخر، يتحدد في مدى حضور فعل الطبيب وتقاسمه لمشترك خدمة الأنسان بالمفهوم الكوني، وبالتالي تجاوزه لمجال الحدود الجغرافية إلى مجال أوسع ضمن ما يعرف بخدمة الإنسانية جمعاء. فإلى أي حد يمكن الحديث عن الخصوصية في ظل هذه المفاهيم النبيلة لمهنة الطب وعلاج الإنسان؟
المحور الأول: مقومات مدرسة طبية ضمن البعد التاريخي
يطرح الحديث عن مدرسة طبية في المغرب وفق المقاربة التاريخية العديد من الإشكالات المعرفية، من البسيط منها إلى الأكثر تعقيدا، بحيث تنطلق أولى العناصر الفاعلة في بناء الموضوع، على وضع تحديد منسجم للمفاهيم المرتبطة بمجال المعرفة العلمية بشكل عام والمعرفة الطبية بشكل خاص.
فالأمر لا يرتبط فقط بتلك المؤسسة التي يُنشئها المجتمع لتربية وتعليم الصغار لتمكينهم من مختلف فصول المعارف الإنسانية، بل هو أعمق من ذلك، حيث يتأسس الموضوع على مفهوم ملازم لمفهوم المدارس الفكرية التي تتبلور عبرها معارف عميقة وغميسة من حيث الإدراك والتقدم في الخلاصات والنتائج الفكرية في الحقل المعني بالتوصيف الفكري للمدرسة.
هذا المعنى يحيل على عدد من التساؤلات، أبرزها مسألة الحديث عن مدرسة طبية مغربية في بعدها التاريخي، أو بتعبير أدق الحديث عن إمكانية التأريخ لمسار مدرسة طبية مميزة عن غيرها من حيث المناهج والأفكار والتمثلات الواقعية لفعل التطبيب والعلاج.
فعناصر المدرسة ضمن حقل من الحقول المعرفية تنبني بالأساس على الجمع ما بين المنهح والتناهج القائم بدوره على حصيلة التجارب العلمية والفكرية المنتجة للمعرفة المنتظمة وفق أقنية نظرية محددة ومضبوطة، قد تتطور في الزمان والمكان، لكنها تبنى وفق معايير فكرية تصنفها ضمن طابع خاص يميزها عن نظيرتها في الحقل المعرفي ذاته.
كما يخضع التطور المعرفي والخلاصات والنتائج المترتبة على اجتهادات أصاحبها من المختصين قي المجال الفكري المؤسس لطبيعة المدرسة إلى تلاقح حضاري ومد وجزر مع بقية المدارس التي تنتمي إلى الحقل المعرفي ذاته.
فقد يتم الحديث عن مدرسة فلسفية، أو مدرسة في الرياضيات ومدرسة في علم الاجتماع، كما يمكن الحديث عن مدرسة طبية ملازمة لمسارات في العلاجات والتطبيب والتداوي وصناعة العقاقير العلاجية. كما يمكن أن تحدد معالم المدرسة انطلاقا من طرق التفكير في الحقل المعرفي وسبل تطبيق النتائج المحصل عليها على أرض الواقع.
- فهل يسعفنا البحث التاريخي في وضع معالم تأريخية لمدرسة طبية مغربية في بعديها الهوياتي والمجالي الجغرافي في آن واحد؟
- وهل من الممكن أن نعزل المضمون الفكري وتطوره في سياق البعد المغربي عن بقية التكور في المجال الفكري الطبي على مدى التطور المعرفي الحاصل في العلوم الطبية بشكل عام؟
تحيل تلك التساؤلات على النقاش حول النقطة الثانية من الموضوع والمتعلقة ب: المدرسة الطبية المغربية وإشكالية الهوية في ظل التراث الطبي الأندلسي.
المحور الثاني: المدرسة الطبية المغربية وإشكالية الهوية في ظل التراث الطبي الأندلسي
يصعب في الواقع الحديث عن مدرسة طبية مغربية بمعزل عن إشكالية التراث الطبي الأندلسي ومفهوم الهوية المغربية في آن واحد، خاصة في سياق الرصد التاريخي لمجال تطور الطب بالأندلس في صلته بمنظومة ما يعرف بالغرب الإسلامي. ومن ثم، يُصبح التساؤل عن مفهوم هوية الطبيب الأندلسي ووعيه لذاته، وانتمائه لمجاله الجغرافي محددا لمدى اندماجه في مسار بنية فكرية لحقل التطبيب والعلاج الذي يشترك فيه مع الطبيب المحتضن ضمن مجال المغرب الأقصى. فهل يمكن اعتباره الطبيب الأندلسي طبيبا منتميا لفضاء الغرب الإسلامي، أم منحصرا ضمن فضاء الأندلس المحتضن بدوره ضمن عمليات المد والجزر السياسي، التي طالت المجال الجغرافي منذ دخول الإسلام إلى سقوط غرناطة؟ أي منذ دخول القائد المغربي الأمازيغي طارق بن زياد في العام 92ه الموافق ل 711م( القرن الثامن) إلى سنة 1492م، وتوقيع اتفاقية بين الملك أبو عبد الله محمد الثاني عشر، آخر ملوك المسلمين في الأندلس، وملك القشتاليين، والتي باع بموجبها الأول كل أملاكه في الأندلس للثاني، ثم غادرها لينتهي بذلك الحكم الإسلامي الذي دام نحو 8 قرون في الأندلس.
تعد الإجابة على هذه التساؤلات معط أساسيا لفهم، بناء على البعد الأنثروبولوجي لمعنى الهوية، أي أن يكون المرء مشابها لذاته، وكذلك أن يكون مختلفا، وفق دراسة جان ماري بينوا (Jean Marie Benoist)، أي ينبغي أن تتأرجح دارسة الهوية بين قطبي التفرد المنفصل والوحدة العالمية. فعندما يتم الحديث عن الهوية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، يشار إلى هوية اجتماعية وليس إلى أعماق عقل شخص، أي النظر إلى العلاقات الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي[1].
من هذه الزاوية، ووفق البعد التاريخي للمرحلة المرتبطة بالنشأة ضمن ما يمكن التعبير عن بالمدرسة الطبية المغربية الأندلسية، يصبح الحديث عن مدرسة طبية بهذا الوصف قائما ومجازا بناء على المفهوم الثقافي المحدد لطبيعة الطبيب وانتمائه الاجتماعي والمجالي ضمن فضاء الغرب الإسلامي، مع طابع الخصوصية التي قد تميز الانتماء من حيث العطاء الفكري في حقل التطبيب والصيدلة، وما يواكبهما من العلوم الطبية بشكل عام. مع الوعي بحدود الزمن التاريخي على مستوى المجال، وتطور البناءات السياسية المرافقة له على مدى مفهوم الزمن التاريخي الطويل بلغة بروديل.
فمعطيات ما يمكن التعبير عنه تجاوزا بالعصر الإسلامي الوسيط ضمن فضاء الغرب الإسلامي تختلف من حيث مضمونها ضمن العصر الحديث، أي مع بزوغ مفهوم الدولة الوطنية ومفهوم الحدود، وخروج الحكم الإسلامي من الأندلس. هذا الوعي الزمني والأنثروبولوجي يساعد في فهم تطور مجال المدرسة الطبية المغربية الأندلسية ضمن سياقات الزمن التاريخي السياسي والاقتصادي والاجتماعي في آن واحد. وإن كان البعض يتحدث عما يمكن وصفه بالمدرسة الأندلسية في علم الطب والصيدلية، فمن المتفق عليه أن ما يعبر عنه تجاوزا بالمدرسة الأندلسية، قد تميز على المستوى المعرفي في مجال الطب والصيدلة بتوسعهم في مجال البحث في الأدوية، ولا سيما النباتية منها، ووصف حالات المرض بالمجال الجغرافي المعني. كما هو الحال لما جاء به الزهراوي، ووصفه محمد العربي الخطابي في دراسته. مع عنايتهم بالوقاية وحفظ الصحة، وتأليفهم في الوباء، وعنايتهم بشكل خاص بعلم الجراحة. فضلا عن اهتمامهم بشكل وأسلوب التأليف ووضوحه. إلا أن هذه التوصيفات، التي وضعها محمد العربي الخطابي، في تحديده لمعالم ما عبر عنه بالمدرسة الطبية الأندلسية، غير ثابتة، على اعتبار أن تلك الخصائص، كانت أيضا من مميزات التأليف الطبي المحتضن في بقية الإطار الجغرافي، لكل من الغرب والشرق الإسلامي معا.
يحيل هذا البعد على وجوب طرح تساؤلات مهنية من لدن المختصين اليوم بصناعة الطب، وفق المقاربات الفكرية المحددة لعناصر تكوين "مدرسة في الطب". وبالتالي التساؤل حول المعايير التي تدفع إلى الحديث عن المعطيات المنهجية والمعرفية المؤسسة لفعل الخصوصية في المجال، وداخل مختلف أصناف الطب والصيدلة ذاتها. مع الآخذ بعين الاعتبار لمفهوم الهوية الذي سبق تحديد عناصره.
فالمدرسة الطبية المغربية الأندلسية هي مدرسة حركية في الزمان والمجال في آن واحد، فهي ممتدة عبر فضاء الغرب الإسلامي والأندلس خلال العصر الوسيط، ومنكمشة على مجالها خلال الفترات اللاحقة.
دليل ذلك، مجسد تاريخيا من خلال مسارات الإنتاج الطبي للأندلسيين بشكل عام، نحو أمكان رحلاتهم، سواء بالشرق الإسلامي، أو ببلاد المغرب الأقصى، فضلا عن منظومة ثقافتهم. حيث كانت إنتاجاتهم الطبية تظهر في تلك البقاع. وكذا انتقال المعارف الطبية الأندلسية إلى بقية المعمور ببلدان العالم الإسلامي، خاصة وأن عددا لا يستهان به من الأطباء الأندلسيين، قد رحلوا لطلب المزيد من المعرفة والتعلم بتلك الأصقاع، كما هو حال:
- كتاب أبي بكر محمد بن زكريا الرازي( 320ه/932م)، الذي وصل إلى الأندلس في وقت مبكر، واعتمده أبي القاسم الزهراوي في كتاب التصريف.
- كما اعتمد عبد الرحمان بن إسحاق بن الهيثم الأندلسي، على كتاب الاعتماد في الأدوية المفردة لابن الجزار، وزاد في تصحيحه.
وقد وضع العربي الخطابي تفصيلا في الأمر، بأسماء مختلف الأطباء الأندلسيين، وتنقلاتهم عبر العالم الإسلامي. وهو ما فيد بشكل جلي في انتقال المعرفة الفكرية الطبية إلى المغرب الأقصى ضمن بنية تشاركية مؤسسة لمدرسة تفاعلية ما بين مختلف الأطراف بغض النظر عن الانتماء الجغرافي الذي يضعف أمام وجود قوة الانتماء الثقافي[2].
ومن الأطباء الأندلسيين الذي حطو الرحال وعاشوا بالمغرب الأقصى:
- أبو إسحاق إبراهيم، الذي استوطن بجاية، ثم انتقل إلى مراكش، حيث ولي أمانة البيمارسات بها في دولة أبي يعقوب المستنصر (611-621ه/1214-1224م).
- والطبيب محمد بن محمد الجذامي(650ه/1252م)، وهو من أهل قرطبة[3]، استوطن سبتة، وأقام بإشبيلية قبل سقوطها على يد النصارى.
- والطبيب محمد بن إبراهيم الأنصاري، الشهير بابن السراج. وقد غادر غرناطة مكرها، ليستقر بفاس، ثم عاد إلى مسقط رأسه.
- والطبيب محمد بن قاسم القرشي المالقي(257ه/1356م)، الذي قطن غرناطة، ثم انتقل إلى فاس، حيث تولى إدارة المستشفى بها.
وبالمقابل، فقد انتقل أطباء من المغرب الأقصى، للاستقرار والعيش بالمجال الجغرافي الاجتماعي والثقافي الأندلسي، من قبيل:
- الطبيب أحمد بن علي الملياني(715ه/1315م)، وهو من أهل مراكش، وكان يشغل منصبا ساميا في الدولة المرينية بفاس، ثم انتقل إلى تلمسان، وبعدها إلى غرناطة، وبها توفي[4].
واقع الحال، أن استحضار هذه النماذج الحصرية، من حركية الأطباء من وإلى الأندلس، ليس الغرض منه، إعطاء جرد تفصيلي لحركية التنقل والهجرات، لأن ذلك يتطلب بحثا واسع الأطراف، خاصة على مستوى ما اشتهر به مؤلفو كتب الأعلام والتراجم، مع الاستعانة بكتب تأريخية مكملة إضافية منهجيا، من قبيل كتب النوازل والفقه، وغيرها من أدوات المؤرخ الدقيقة.
بل التأكيد على أن استقراء تجليات حركة الهجرات والرحلات العلمية، ومعطياتها، يحيل على أن مجال انتقال المعرفة الطبية إلى المغرب الأقصى، كان مؤشرا على التلاقح الفكري الأندلسي المغربي في مجال بنية إنتاجية لحقل التطبيب والطبابة المؤسس لتوافق مدرسة طبية مغربية أندلسية، مع ما يميز كل جانب عن الآخر ضمن الحقل ذاته، وهو التمييز المهني الذي يقتضي من الأطباء والمختصين في المجال العمل على تحديده إجرائيا من خلال والوصفات العلاجية ومدى تطورها ضمن مرحلة التكامل المعرفي في الشأن الطبي. بل التساؤل عن مدى وجود مكونات علمية مؤسسة لمدرسة على مستوى الإنتاج الطبي ما بين جميع الأطراف الأندلسية المغربية في آن واحد. والحديث عن آفاق مدرسة طبية مغربية تجمع ما بين التراث الطبي وموجبات الحداثة.
المحور الثالث: آفاق مدرسة طبية مغربية ما بين الإرث التراثي وموجبات الحداثة
بالعودة إلى مضمون التراث الطبي الأندلسي المغربي يكتشف الباحث أن هذا التراث يضم زخما معرفيا مشكلا لما يمكن نعته بالمدرسة الطبية، ليس من قبيل انزواء أطباء الغرب الإسلامي على حصيلة معرفية مغلقة في مجال الطب، بل هي منظومة متكاملة في المعرفة الطبية بشكل عام، تستقي مجال خلاصاتها من تجارب الأمم السابقة في صناعة الطب، وتعمل على تطوير تلك التجارب وفق اجتهادات مسترسلة في المجال. ويكفي الإشارة هنا إلى ذلك الزخم المعرفي من التراث الطبي الذي تحتضنه مختلف الخزانات والمكتبات المغربية وغيرها، بكل أنواعه وصفاته وأدواره.
وفي هذا السياق، احتفظ المغاربة على سبيل المثال:
- بتأليف ابن البيطار، المعنون ب: مفردات ابن البيطار، وهو مختصر لكتاب جامع الأدوية والأغذية تحت رقم 743.
- فضلا عن تصنيف بن بصال، المعنون بكتاب الفلاحة، تحت رقم 6519،
- ومؤلفات عديدة لابن مروان عبد الملك بن زهر المتوفى 557ه/1162م، ومنها كتاب الأغذية، في مجموع تحت رقم 1598، ونسخة في مجموع 2430/ نسخة في مجموع 12250ز، وكتاب الاقتصاد في صلاح الأنفس والأجساد، ، مجموع 1538، وكتاب التيسير في المداواة والتدبير في مجموع تحت رقم 1538، وكتاب تفضيل العسل على السكر، في مجموع 1538،
- زد على ذلك كتب أبي العلاء ابن زهر الإيادي، ومنها مجربات، وهي رسالة في وصف أدوية مجربة تحت رقم 1538، ومخطوط كتب نجح النجح، في تبيين أعضاء البدن، تحت رقم 1538،
- ومخطوط التبيين في قطع الشك باليقين في الانتصار لجالينوس عن الشكوك عليه المنسوبة إلى أبي بكر بن زكرياء الرازي، وجامع أسرار الطب، في مجموع تحت رقم 1538، و كتاب الخواص تحت رقم 1538.
- لقد اعتنى المغاربة، إلى جانب المخطوطات الطبية المذكورة، بكتاب أبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي، المعنون بالتصريف لمن عجز عن التأليف، المتوفى في العام 404ه/1013م.
- وكتاب أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن علي بن عبد الله اللخمي الشقوري، ولد في عام 727ه/1326م، المعنون بتحفة المتسول وراحة المتأمل،
- والمؤلف الشهير لابن البيطار أبي محمد عبد الله بن أحمد المالقي العشاب المتوفى عام 646ه/1248م، الجامع لقوى الأدوية والأغدية ،
- ومؤلف حنين بن إسحق المتوفى في العام 260ه/873م في مجموع 893،
- وكتاب علي بن إبراهيم الأندلسي، وهو عبارة عن أرجوزة في خصائص الفواكه الصيفية، يذكر فيها خصائص المشمش والتين والتفاح وحب الملوك والكثري والعنب والرمان وغيرها من الفواكه الصيفية
إن وجود مؤلفات في الطب الأندلسي، لكتب أنتج مضمونها العلمي بالمجال الجغرافي بالأندلس، ونسخت بالمغرب، أو اعتمدت على نسخ تم استقدامها من أمصار أخرى. حيث يعد أسلوب الاستنساخ أسلوبا معتمدا من لدن العلماء في صون المخطوط، ونشره وتوسيع معارفه بالغرب والشرق الإسلامي معا. وهي دليل علة المنظومة المشتركة لبناء المدرسة الطبية المغربية الأندلسية.
- احتفظ المغاربة بنسخة كتاب التصريف لمن عحز عن التأليف للزهراوي المتوفى كما هو معلوم بقرطبة في العام 635ه/1427م ،
- وكتاب ابن زهر، جامع أسرار الطب، 532د،
- فضلا عن كتاب الشيخ الرئيس الطبيب أبي عبد الله محمد الشقوري، مقالة في الطب أو مجريات الشقوري،
- وكتاب الوصول لحفظ الصحة في الفصول للسان الدين بن الخطيب، (713-776ه/1313-1374م)
إن استقراء هذه المؤلفات، ومضان علومها الطبية، يحيل إلى طابع التكامل المعرفي في شؤون التطبيب والعلاج والتأسيس لمدرسة طبية مغربية أندلسية، ما بين المعرفة الطبية الأندلسية المنشأ، وما بين المعرفة الطبية التي ألفت خارج المجال الجغرافي الأندلسي بالمغرب الأقصى. غير أن ذلك يقتضي من جانب آخر، العمل على ضبط تلك المعرفة الطبية في سياق بناء مدرسة حداثية، تواكب السياقات المعرفية الطبية الحديثة، المنسجمة مع طبيعة تطور علوم التطبيب والصيدلة، مع تحديد مدى الفواصل المهنية الدقيقة التي قد تميزها ضمن مفهوم الاختلاف، أو التعارض، ما بين ما تم إنتاجه من معرفة طبية بالأندلس جغرافيا، وفي فترات وحقب تاريخية متباينة على المستوى الأندلسي، وما بين ما تم تحقيقه على مستوى بقية المجال السياسي لمكونات ما يعرف بالغرب الإسلامي، مقارنة بمجال الشرق الإسلامي. بل استحضار البعد الأندلسي في سياق تطور المعرفة الطبية، على مستوى البلدان المسيحية وبقية البلدان الأسيوية أيضا، التي قلما بتم الاهتمام بالمخطوط الطبي الذي تحتضنه مكتباتها المهمة. وبالتالي الـتأسيس لبناء مدرسة طبية مغربية تنهل من التراث الطبي القديم وتبلور منظومة خاصة لمفاهيم التطبيب المهني
وبناء عليه، يكون فعل التطبيب والـتأليف فيما هو بالأندلس والمغرب الأقصى، في حاجة إلى مزيد من التدقيق والبحث العلمي في مضان النصوص، وخلاصاتها العلمية، مع تطبيق مبدأ المنهج المقارن، واعتماد آليات المعرفة الطبية التي تتجاوز فعل المؤرخ، في ضبط النصوص على المستوى التأريخي ومقارنة النسخ، إلى العمل على البحث فيما يعبر عنه بالخلاصات العلمية والتجريبية، التي تحقق مبدأ التميز والاختلاف داخل مدرسة طبية خاصة.
[1] توماس هايلاند إريكسون، الإثنية والقومية وجهات نظر أنثروبولوجية، نقله إلى العربية متيم الضايع، دار الفرقند، الإمارات العربية المتحدة، 2023، ص. 128.
[2] - الخطابي، الطب والأطباء، ج. 1، ص. ص. 16-18.
[3] -Brigitte Foulon, Emmanuelle Tixier Du Mesnil, Al-Andalus Anthologie, GF Flammarion, Paris, p. 64.
[4] - الخطابي، الطب والأطباء، ج. 1، ص. ص. 32 – 33.