مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

المدارس الكلامية في الغرب الإسلامي ضمن المرحلة السنوسية

   لقد أدى انشغال الناس بعقائد السنوسي، وشغف المفكرين بها إلى ظهور بعض المدارس  المتميزة في مناطق المغرب العربي، اختلفت بعض تأويلاتها لبعض نصوص  عقائد السنوسي، وكذلك اختياراتها في  تغطية ما سكتت عنه هذه العقائد، ونظرا لأن معلوماتنا حول هذه المدارس لم تختمر بعد، فإننا سنكتفي بالتلميح إليها دون الدخول في التفاصيل، فما زالت المعلومات عنها جد ضعيفة، لا ترقى إلى درجة تمكننا من استجلاء موقفها، وتبيان اختيارها ونوعيتها فالإشارات التي وقفنا عليها تلمح ولا تصرح، وتشير دون أن تقف.
    صحيح أن هذه المدارس كلها ظلت وفية وفاء تاما لروح الفكر السنوسي، وتحركت جميعها داخل مناخه، منشدة إليه إنشادا كبيرا، إلا أن الاختلافات بينها جاءت من بعض الجزئيات وبعض اختلافات الفهم لبعض نصوص السنوسي، نجد الإشارة إليها في بعض الشروح والحواشي، ومن أهم هذه المدارس نذكر:
1-مدرسة مشايخ الراشدية: وهي مدرسة ظهرت في جنوب الجزائر، بالصحراء كانت تضم علماء مبرزين في علم الكلام الأشعري، ومتخصصين في  مؤلفات السنوسي العقدية، ذلك أنهم كرسوا معظم مجهوداتهم الفكرية  لفهم وتعليم مؤلفات الشيخ ، فعقدوا مجالس للمدارسة والمناقشة كان موضوعها في الغالب تفاصيل بعض جزئيات ما لم يفصل السنوسي القول فيه.
ونجد الإشارات إلى هذه المدرسة، ولبعض ما ذهبت إليه  من فهم أفكار السنوسي في بعض الشروح والحواشي على عقائد السنوسي، في هذه المرحلة،. على أنها إشارات  تحدد اسم مشائخ  الراشدية على العموم، دون أن  تذكر لنا الأسماء، على اعتبار أنها تمثل رأيا واحدا وتوجها موحدا (1).
ومن أشهر أعلام هذه المدرسة  عبد القادر بن أحمد خدة، ومحمد بن أبي السادات  الراشدي وغيرهما.
2– مدرسة شمال المغرب: وهي مدرسة مغربية نشطت في نفس الفترة تقريبا التي نشطت فيها مدرسة مشايخ الراشدية، وقد اشتهرت بتطوير فكر السنوسي  عبر مجموعة من الشروح والحواشي، بالإضافة إلى طرقها نقاشات  كلامية عكست تطورا مهما  في ميدان علم الكلام والتي كانت في غالبيتها تنتهي بتكريس فكرة أو رأي السنوسي. وقد تميزت هذه المدرسة  باختياراتها المميزة وذات الطابع الخاص، ونذكر في هذا السياق  ما تميزت به هذه المدرسة في مناقشاتها حول كلمة الشهادة ومعناها، وحول رؤية الله للمعدوم، وحول إيمان المقلد، وحول مقولة الغزالي “ليس في الإمكان أبدع مما كان”،  وحول قوله: “الله ليس داخل العالم ولا خارجه”.
ومن أهم من مثل هذه المدرسة  نذكر : عبد الله الهبطي، والحسن الزياني، وأحمد المنجور، وعبد الواحد بن عاشر.
3– مدرسة جنوب المغرب: وهي مدرسة مغربية كذلك كان مقرها مراكش وسوس والصحراء، وقد كانت بينها وبين مدرسة الشمال جسور، بحيث كان علماؤها في الغالب بلجأون إلى فاس، وإلى أماكن أخرى في الشمال قصد التعلم والاحتكاك بعلماء الوقت. وقد ظهر في هذه المدرسة مجموعة من العلماء اهتموا بالتراث العقدي  عموما، وبتراث السنوسي خصوصا وببعض  مسائله الفرعية.
ونذكر من أهم من اشتهر في هذه المدرسة أبا عثمان سعيد بن المنعم الحاجي، وعيسى السكتاني وغيرهما.
      وخلاصة القول فإن هذه المظاهر السابقة ما هي إلا وجوه تعكس مدى الهيمنة والتأثير الذي مارسه الفكر السنوسي على مسار تطور الفكر الأشعري في الغرب الإسلامي، وكل هذا يدعونا إلى القول من جديد بأن الفكر العقدي لهذه المرحلة التي نؤرخ لها ظل سجين الرؤية السنوسية ورهين التوجه السنوسي، فجاءت مجموع العطاءات الفكرية  لهذه المرحلة  محكومة بهذه الرؤية، ومنسجمة مع هذا التوجه. وحتى النقاشات الكلامية التي عرفتها المرحلة جاءت وفية للمناخ العقدي السنوسي، فكانت تصدر عن آراء السنوسي لتعود في النهاية إلى تزكيتها أو ترديدها بصيغة أخرى، وكانت تستمد براهينها وأدلتها من أقوال الشيخ السنوسي نفسه.
      ونذكر نقاشات عقدية مشهورة احتدمت بين سدنة علماء الكلام بالغرب الإسلامي سواء في تونس أو في الجزائر أو في المغرب، ومن بينها النقاش الذي دار حول تعلق الصفات ورؤية المعدوم، وكذلك النقاش حول قولة الإمام الغزالي “ليس في الإمكان أبدع مما كان” بالإضافة إلى النقاش حول “إن الله ليس داخل العالم ولا خارجه” ونقاش حول لا إله إلا الله.

 

 

الهوامش:

 

1- القادري: نشر المثاني. تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق. مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر 1977.ج 1 . ص 221.
2- انظر عيسى السكتاني: حاشية على شرح صغرى السنوسي ( خ ) والحسن الدرعي . شرح الصغرى ( مخ ) محمد احنانا . ص 2.

 

المصدر: تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي: 

ذ/ يوسف احنانة. ص: 210-212. 

مطبعة البديني الرباط.

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق