المخطوط في المغرب كحامل للعقيدة والثقافة والتاريخ
تهدده الحشرات وسماسرة التهريب وقلة أطر الصيانة والدعم المالي للباحثين والمحققين فيه
كشفت ندوة حول موضوع "المخطوطات بالمغرب، رهانات المحافظة والنشر"، التي نظمها المكتبة الوطنية للمملكة المغربية يوم الأربعاء 12 نونبر 2008 بالرباط، عن حقائق مخيفة بشأن سرقة وتهريب المخطوط المغربي إلى الخارج.
وقال إدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية، في إحدى تدخلاته أمام المشاركين في الندوة، إن هناك سوقا سوداء للتراث المغربي يشتغل فيها سماسرة مغاربة، من بينهم مثقفون، يشترون المخطوطات النادرة من مواطنين ضعفاء ويعيدون بيعها لبعض التجار من دول عربية بأثمان باهظة.
وتحدث متدخلون آخرون، خلال الورشات التي نظمتها الندوة، عن حالات تهجير للمخطوطات إلى الخارج ضبطت في بعض مطارات أو موانئ المملكة، من بينها مخطوطات عبرية صبرت في علب غذائية مجهزة للتصدير، أو أخرى كانت موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقال بعضهم إن عملية التهريب هذه نشطت منذ بداية الاستقلال، حيث تم إفراغ مقابر يهودية في المغرب من مخطوطات نادرة.
وطالبت الندوة، التي شارك فيها باحثون وأساتذة جامعيون وممثلون عن بعض المكتبات المغربية والعربية، بإعداد مشروع قانون عاجل يحمي ذاكرة الأمة من السلب ويحمي تراثها من الابتزاز، علما بأن هناك قانونا حاليا يعمل به على مستوى الموانئ والمطارات، إلا أنه لا يفعل بالشكل المطلوب، حيث يصادر في بعض الحالات الوثائق المهربة ولا يجرم أفعال مرتكبيها.
ولم يكن التهريب وحده الذي يهدد مخطوطات المغرب، وإنما الأرضة والباكتيريا والحشرات هي بدورها ـ إلى جانب المهربين من البشر ـ ستأتي على ما تبقى من الذاكرة المغربية، وستأكل مخزونها التراثي، إن لم توضع "خطة شمولية يشترك فيها جميع المعنيين من أجل للمصالحة مع المخطوط والحفاظ عليه واستقرائه للاستفادة منه في حياتنا المعاصرة". ولأن المشكل الذي يواجه المخطوط ـ كما قال مدير المكتبة الوطنية ـ ليس مشكلا ماديا تقنيا، فإن الإكراه الحقيقي الذي يتهدد الوثيقة النادرة هو قلة الموارد البشرية المدربة والمؤهلة لصيانتها، وبالتالي صيانة ذاكرة شعب بأكمله من الضياع.
وإن حصل أن أعيدت الحياة إلى هذه المخطوطات وتم تحصينها من سرقات البشر وأكل الحشرات، فإن الباحثين الذين انتدبوا أنفسهم حراسا لذاكرة الأمة خلال هذا الملتقى، طرحوا قضية أخرى لا تقل أهمية عما سبق ذكره، وهي مسألة استقراء هذا التراث وفك شفرات مخطوطاته باعتباره حاملا للثقافة والتاريخ والعقيدة.
وفي السياق ذاته، قالت نجاة المريني، أستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ورئيسة وحدة تحقيق المخطوط العربي، إن هناك طريقتين للتعامل مع المخطوط التراثي هما أولا تصحيحه وإعادة نشره، وثانيا تحقيقه وضبطه، داعية إلى خوض معركة سمتها "معركة تحقيق المخطوط"، وتجاوز الإكراهات المادية والظروف القاسية التي يشتغل فيها الباحثون والمحققون المغاربة.
ونوهت الباحثة المغربية بجيل من رواد تحقيق المخطوطات في المغرب، أفنوا حياتهم في البحث عنها وتحقيقها ونشرها وتعميم فائدتها، منهم محمد الفاسي، وعبد الله كنون، الذي اعتبرته شيخ المحققين في المغرب، وعبد الوهاب بنمصور، وعبد الهادي التازي، ومحمد حجي ومحمد بنشريفة.
وأوصى المشاركون في الندوة بتشجيع مالكي المخطوطات بالمغرب بتسليمها إلى الدولة وتعويضهم ماديا عنها، وتخصيص جوائز هامة لمن يقدمها إلى الملك العام، وضرورة إحداث قانون يحمي التراث المخطوطاتي، ويقضي بتأميم كل خزانة تركها عالم أو مفكر عوض تركها لورثة لا يعرفون قيمتها أو يتاجرون فيها، بالإضافة إلى إرسال بعثات إلى الخارج لاسترجاع تراث الأمة الموجود في رفوف مكتبات العالم.
يشار إلى أن الندوة التي نظمتها المكتبة الوطنية حول موضوع "المخطوطات بالمغرب، رهانات المحافظة والنشر" عرضت فيها تجارب عديدة لمكتبات في المغرب وخارجه في صيانة المخطوطات وفهرستها، كانت أهمها تجربة مؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء، والتي تحدث فيها الأستاذ محمد القادري عن قضية فهرسة المخطوطات على الحواسيب والإشكالات التي تعترضها، وتجربة مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، وتجربة الخزانة الحسنية بالرباط.